التسلح بين الفصائل الفلسطينية ينتقل من الأرض إلى الفضاء

مع انطلاق فضائية تتبع «فتح» لتتصدى لـ«الأقصى»

قناة الأقصى التابعة لحركة حماس كانت أحد أهم الأسباب التي دعت حركة فتح إلى انشاء فضائية تتحدث باسمها
TT

قررت حركة فتح إطلاق فضائية تابعة لها، في أسرع وقت ممكن، وأقر المجلس الثوري للحركة ذلك أول من أمس، وكلف سفير فلسطين في القاهرة نبيل عمرو، الذي تولى سابقا حقيبة الإعلام في الحكومة الفلسطينية تشكيل لجنة لمباشرة العمل على إطلاق هذه الفضائية خلال شهر واحد فقط.

ومنذ شهور تناقش حركة فتح هذه الفكرة، وقال أمين مقبول عضو المجلس الثوري لفتح لـ«الشرق الأوسط»، «إن هناك حملة إعلامية شرسة توجه ضد فتح، وتقود بعض الفضائيات حرب تشهيرية ضد الحركة، فقلنا: إلى متى سنبقى ساكتين؟».

وكانت محاولات سابقة لإطلاق أكثر من فضائية تتبع للحركة أو بعض قادتها مثل نبيل عمرو، قد فشلت، إلا أنه تقرر هذه المرة تجميع كل الإمكانيات المتوفرة والجهود السابقة، وتوحيدها في فضائية «فتح» التي على الأرجح ستسمى «فلسطيننا»، وهو اسم أول مجلة أصدرتها «فتح» عام 1958.

وبحسب مقبول، فإن مهمة هذه الفضائية توضيح وجهة نظر «فتح» في كل الأحداث على الساحة الفلسطينية والعربية، والدفاع عن الحركة. وأضاف: «فتح تم تشويهها، إنهم يشوهون تاريخ 40 عاما من النضال، وبصراحة مش لاقين حد معانا».

وستخضع الفضائية الجديدة لإشراف مكتب التعبئة والتنظيم في «فتح» الذي يقوده مفوض التعبئة أحمد قريع، وقيل إنه صاحب هذه الفكرة. وقالت مصادر في «فتح» إن الحركة تعرضت لضغوط كبيرة وشعرت بالعجز في مواجهة ماكينة إعلام «حماس»، خصوصا بعد انطلاق فضائية «الأقصى» التابعة للحركة، وتنظر «فتح» إلى فضائيات كبيرة في العالم العربي على أنها صوت «حماس» كذلك.

وتدرس «فتح» إمكانية أن تكون هذه الفضائية «مساهمة»، وقال مقبول: «يمكن أن تكون «مساهمة»، وأضاف: «رأس المال من (فتح) أو صديق لـ(فتح)». وعلى الرغم من أن تلفزيون فلسطين الرسمي، «العدو» لفضائية «الأقصى» التابعة لحماس، يخضع مباشرة لمكتب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهو مسؤول حركة «فتح»، فإن قيادة «فتح» تعتبر تلفزيون فلسطين لا يمثل وجهة نظر الحركة. وقال مقبول: «تلفزيون فلسطين ليس لنا، هذا للسلطة، وهناك تداول للسلطة، ولا تريد (فتح) أن تضع جهدها في فضائية غير مملوكة للحركة».

وتعتبر هذه صحوة متأخرة حسب ما يقول عناصر فتح، إذ «ذابت» الحركة في السلطة، ثم اكتشفت «فتح»، أن «حماس» سيطرت على هذه السلطة في غزة، وحكومة أخرى من المستقلين، سيطرت عليها في الضفة.

وتهتم الفصائل الفلسطينية على الرغم من شح الإمكانيات أحيانا، بإيجاد وسائل إعلام لتكون «أبواقا» لها، ومنذ بدايات الثورة الفلسطينية في حقبة الستينات، أطلقت حركة «فتح»، إذاعة «صوت الثورة»، وكانت مهمتها تعبئة الجماهير في مواجهة «العدو» الإسرائيلي.

ومع تزايد فصائل العمل الوطني اهتم كل فصيل بإيجاد وسيلة إعلام تدافع عن مصالحه، وتنقل وجهة نظره، فأطلقت الجبهة الشعبية مثلا في عام 1967 مجلة الهدف التي رأس تحريرها آنذاك الأديب غسان كنفاني الذي اغتالته إسرائيل لاحقا عام 1972.

وأصدرت «فتح» والجبهة وفصائل أخرى، أكثر من مجلة ودورية أسبوعية أو شهرية، ناطقة باسمها، ومع بداية الانتفاضة الأولى عام 1987، واصل صوت الثورة لفلسطينية نشاطه، ودعمت منظمة التحرير صحفا تصدر في القدس، ومن بينها صحيفة الشعب ومجلات أخرى، وكانت تدفع رواتب موظفيها، وأطلق منشقون عن حركة «فتح» كذلك، «صوت القدس» من سورية، وظل الإعلام الحزبي منصبا على التعبئة والمقاومة.

ومع تأسيس السلطة الفلسطينية في عام 1994 أطلقت السلطة، التلفزيون الأول للفلسطينيين وسُمي «تلفزيون فلسطين»، وأطلقت إذاعة فلسطين كذلك، وظلت هاتان ناطقتان باسم السلطة الفلسطينية.

ولاحقا أخذت فصائل إسلامية مثل «حماس» و«الجهاد»، تطلقان مواقع إلكترونية، تتبنى خط الحركة وتدافع عنها، ولم تخلُ تلك المواقع، كما هو الحال في تلفزيون فلسطين وإذاعتها، من مناكفات حزبية، لكنها ظلت محدودة.

وأخذت هذه المناكفات شكلا حادا للغاية، مع بداية الاقتتال الفلسطيني في عام 2006، عقب فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وكانت الحركة في نفس العام أطلقت فضائية «الأقصى» الناطقة باسمها.

انتبهت «حماس» لدور الإعلام أفضل مما انتبهت له فصائل أخرى، ومن بينها «فتح»، وربما كان امتلاك «حماس» للمال أكثر من غيرها، ساعدها كثيرا على إطلاق عدة وسائل إعلام، ومن بينها مواقع إلكترونية، مثل المركز الفلسطيني للإعلام، و«فلسطين الآن»، وفضائية «الأقصى» وتلفزيون تابع لها وإذاعة كذلك تحمل نفس الاسم.

وكانت «الأقصى» الأكثر إثارة للجدل، وهاجمت خصومها من حركة «فتح» بشدة، وشبهتهم بالفئران ووصفتهم بالعملاء والمتورطين والفاسدين، ودعت الأطفال إلى المقاومة.

وتعرّف «الأقصى» نفسها على أنها «صوت المقاومة»، وكان محمد ثريا، نائب مدير القناة، أوضح لـ«الشرق الأوسط» في تصريحات سابقة، أن القناة تتبع «حماس» تماما، وقال: «نحن جزء من فروعها، ولدينا منابع تمويل كثيرة، حماس تمدنا بالإمدادات وهناك متبرعون من الدول العربية والإسلامية، وحتى البعض من الخليج اتصلوا بنا وقالوا لنا: كل أموالنا تحت أياديكم».

وتخطط «الأقصى» الآن لبناء مقر جديد غير الذي قصفه الإسرائيليون في أثناء الحرب على غزة، ومن بين الخطط «كيف يتم بناء شيء أمني» يساعد على التقليل من الخسائر المادية والبشرية في المرة القادمة (إذا ما قُصف)؟

وتنتشر في الضفة الغربية عشرات المحطات المحلية التلفزيونية والإذاعية التي يتبع معظمها حركة فتح، وكانت السلطة حريصة منذ البداية على عدم منح حماس تراخيص لإقامة وسائل إعلام مرئية أو مسموعة أو مقروءة.

كما سمحت السلطة بتأسيس صحيفتين يوميتين، هما «الحياة الجديدة» (وتدفع السلطة رواتب موظفيها)، و«الأيام» (المقربة من السلطة)، أما حماس فأسست في غزة صحيفة «فلسطين اليوم» وهي صحيفة يومية، بعدما كانت تطبع صحيفة «الرسالة» وتوزعها على شكل بيانات.

وتملك فصائل أخرى مثل «الجهاد الإسلامي» إذاعة في غزة، هي إذاعة «القدس»، ولها مستمعوها، حتى في الضفة الغربية، ومواقع إلكترونية مثل «فلسطين اليوم»، و«نداء القدس». كما تملك «الجبهة الشعبية»، ولجان المقاومة الشعبية إذاعات كذلك في القطاع.

ويقول أكاديميون وصحافيون إن الإعلام الحزبي يبقى ضعيفا مهما امتلك من وسائل، وأفاد مقبول: «هذا صحيح، لكن أين هو الإعلام الحيادي؟». وتشكو فتح من أن حماس نجحت في إطلاق فضائيات أخرى غير «الأقصى»، وعلى الأقل أصبحت هذه الفضائيات محسوبة على حماس، ومن بينها «القدس» و«الحوار».

وتتهم «فتح» فضائيات أخرى، بأنها تدين بالولاء لحركة «حماس»، وأصبحت ناطقة باسمها. ويقول الفتحاويون إن هناك قنوات دينية أيضا تدعم «حماس». ويرددون «بدنا 20 فضائية عشان نقدر نرد».