ولع روبرت مردوخ بالصحف يثقل على كاهل شركته

إمبراطور الإعلام العالمي يواجه حقائق مالية قد تترتب عليها قرارات قاسية

TT

حرص روبرت مردوخ على بناء مكتب له داخل مقر صحيفة «وول ستريت جورنال» في غضون أيام قلائل من شرائه لها منذ ما يقرب من 14 شهرا مضت. وقد استغل المكتب في الكثير من المهام بالفعل، حيث أصدر تعليماته لإقرار موجة من التغييرات في محتوى وثقافة الصحيفة التي اتسمت في ما مضى بالرصانة، وتنوعت بين إضافة صفحة تعنى بالأخبار الرياضية تصدر أسبوعيا وإحلال الأنباء العامة محل الأخرى المالية في الصفحة الأولى والتقليل من سُمك صفحات الجريدة.

إلا أن مردوخ، أحد بارونات الصحافة التقليدية وقطب عالم الوسائط المتعددة (ملتيميديا) في القرن الواحد والعشرين، يواجه حقيقة مثيرة للشعور بالإحباط، وهي أن ولعه بالصحف بات يشكل عبئا ثقيلا على كاهل الجانب المالي لشركته «نيوز كوربوريشن».

في وقت قريب، تكبدت الشركة 8,4 مليار دولار جراء انخفاض القيمة المحاسبية للأصول، بينها 3 مليارات دولار تتعلق بالوحدة الخاصة بالصحف، والتي تتضمن الشركة الناشرة لـ«وول ستريت جورنال»، «داو جونز آند كمباني». في تلك الأثناء تراجعت أسعار أسهم «نيوز كوربوريشن» بمقدار الثلثين خلال العام الماضي، في انخفاض أكثر حدة عن المؤسسات الإعلامية الكبرى المناظرة، مثل «تايم وارنر» و«فياكوم».

في ظل فترات اقتصادية أكثر نشاطا، كان المستثمرون والمحللون في «وول ستريت» يبدون استعداد أكبر للتغاضي عن ولع مردوخ بالصحف. جدير بالذكر أن قطاع الصحف يعتبر حاليا أكبر مصادر الدخل بالنسبة إلى الشركة، حيث قدم نحو 19% من العائدات خلال آخر ربع سنوي. لكنهم يجدون التكيف مع هذا الولع أمرا أكثر صعوبة هذه الأيام في ضوء المشكلات التي تجابهها المؤسسات الإعلامية الأخرى ومعاناة الصحف من أكبر تردٍّ في أوضاعها المالية منذ الكساد الكبير.

في هذا الصدد، أشار دايفيد سي جويس المحلل المعني بشؤون الإعلام لدى شركة «ميلر تاباك آند كمباني»، إلى أن «الرأي الذي أسمعه من المستثمرين هذه الأيام أنهم يتمنون لو أن (نيوز كوربوريشن) عُنيت بكل شيء فيما عدا الصحف».

وأضاف: «يبدي المستثمرون استعدادا أكبر للتساهل عندما يكونون في حالة مزاجية أفضل. ويبدو أن الأمل في تحول الأوضاع التجارية للصحف إلى الاتجاه المعاكس غير قائم».

وكان من شأن تردي الأوضاع الاقتصادية وتراجع عائدات المنشورات المطبوعة، تسليط الضوء بصورة مكثفة على عشق مردوخ للصحف، والصفقة التي أبرمها لشراء شركة داو جونز قبيل تعرض الاقتصاد لحالة الركود الحالية. وقد دفع مردوخ رئيس «نيوز كوربوريشن» والرئيس التنفيذي لها، ما يزيد على 5 مليارات دولار من أجل الحصول على أصل حقق نحو 100 مليون دولار كإيرادات تشغيل العام الماضي، وهو سعر يبدو حاليا كقيمة مبالغة بصورة مفرطة. من ناحيته، رفض مردوخ تقديم تعليق من أجل هذا المقال.

من الناحية الظاهرية، بدا أن تقرير العائدات الصادر عن «نيوز كوربوريشن» في 5 فبراير (شباط) والمتعلق بالربع المنتهي في 31 ديسمبر (كانون الأول)، يكشف عن زيادة قدرها 90 مليون دولار في عائدات قسم الصحف عن عام سابق. لكن هذا الأمر لا يعدو كونه وهما نتج عن إضافة «داو جونز»، التي حصلت «نيوز كوربوريشن» على ملكيتها لمدة 18 يوما فقط من فترة العام التي يغطيها التقرير.

وفي تقرير لاحق قدمته إلى لجنة الأوراق المالية والبورصة، كشفت الشركة أن «داو جونز» حققت عائدات قيمتها 535 مليون دولار خلال الربع الأخير من العام، ما يتجاوز ثلث إجمالي عائدات قطاع الصحف التابع للشركة. ومع طرح العائدات المتعلقة بـ«داو جونز»، تتراجع عائدات هذا القطاع بنسبة 25% تقريبا - الأمر الذي يرجع بصورة جزئية إلى وجود عملات أضعف في بريطانيا وأستراليا، حيث تملك «نيوز كوربوريشن» الكثير من الصحف - مقارنة بانخفاض قدره 11% بالنسبة إلى باقي قطاعات الشركة.

ورغم أن الشركة لا تكشف النقاب عن تفاصيل حول مستوى أداء «وول ستريت جورنال»، فإن المسؤولين التنفيذيين في الصحيفة يقولون إنه مثلما الحال في باقي أنحاء الصناعة، شهدت صحيفتهم تراجعا كبيرا في عائدات الإعلانات.

إلا أنه بمجال آخر، فاقت الصحيفة في أدائها منافسيها كافة تقريبا من خلال حفاظها على معدل توزيعها مدفوع الأجر الذي يتجاوز مليونين، في الصورتين المطبوعة والإلكترونية على شبكة الإنترنت، خلال الفترات الأخيرة، في الوقت الذي شهدت فيه كل الصحف الكبرى الأخرى تقريبا تراجعا على هذا الصعيد. يذكر أن بعض هؤلاء المشتركين يتلقون فقط نسخا إلكترونية، ما يجعل «وول ستريت جورنال» واحدة من الصحف القلائل التي نجحت في دفع قراء نسختها الإلكترونية إلى دفع أموال مقابل ذلك.

بيد أن بعض هذا النجاح قد يشكل نتاجا لإجراءات خفض مكثفة، والتي ازدادت منذ سيطرة «نيوز كوربوريشن» على الصحيفة. طبقا لأحدث الأرقام الصادرة الواردة بالتقرير المقدم إلى مكتب تدقيق معدلات التوزيع عن الشهور الستة المنتهية في 30 سبتمبر (أيلول)، باعت «وول ستريت جورنال» في المتوسط 501,000 نسخة يوميا بأقل من نصف السعر الأساسي، بارتفاع عن 420,000 نسخة عن الفترة ذاتها خلال عام 2007، و214,000 في عام 2006. من جهته، يشتهر مردوخ بعقد صفقات تجارية تروق له بصورة شخصية، مثل شراء «وول ستريت جورنال»، بغض النظر عن اتفاق الخبراء الماليين معه في الرأي. ورغم أن مسألة اعتماد مردوخ على شعوره الغريزي في عقد الصفقات سبق وأن حظي بالإشادة - عندما سارع إلى شراء «ماي سبيس» (My Space) عام 2005 مقابل 580 مليون دولار، متغلبا على العرض الذي قدمته فياكوم - فإن هذا الأمر يبدو نقطة سلبية الآن ضده في أعين مسؤولي «وول ستريت».

على سبيل المثال، قال سيدني فنكلستين البروفسور في «تك سكول أوف بيزنس» في دارتماوث، إن «التحيز والتعلق العاطفي يلعب دورا في القرارات الاستراتيجية التي نتخذها على نحو بالغ الأهمية. وفي ما يخص روبرت مردوخ، هناك ولع عام بالصحف، لأن هذا هو المجال الذي بدأ نشاطه منه، وهو يشعر بميل حقيقي تجاهه، كما أن لديه انجذابا إلى فكرة امتلاك (وول ستريت جورنال)».

داخل «وول ستريت جورنال»، تبدو بصمة مردوخ وروبرت تومسون رئيس التحرير الإداري الذي استعان به، واضحة في الصفحة الأولى، حيث ظهرت عناوين بحجم أكبر، وقدر أكبر من التغطية السياسية، وعدد أقل من القصص الطويلة الغريبة التي كانت واحدة من العلامات المميزة للصحيفة. علاوة على ذلك، قلص مردوخ وتومسون من طول المقالات وزادا من عمق تغطية شؤون النشاطات التجارية.

وفي الوقت الذي تركز فيه اهتمام مردوخ الشخصي مؤخرا على «وول ستريت جورنال»، اجتذب مستوى الأداء المالي للصحف الأخرى المملوكة لـ«نيوز كوربوريشن» تفحصا أكثر صرامة في الوقت الحاضر.

على مدار سنوات، تحمل مردوخ خسائر سنوية بلغت عشرات الملايين من الدولارات داخل «نيويورك بوست»، مقابل النفوذ الذي منحته إياه الصحيفة. لكن يبدو أن أمل مردوخ الأكبر في ما يتصل بالصحف التي يملكها يتمثل في الانتظار حتى تمر الظروف الاقتصادية السلبية الراهنة، بحيث يأتي مستقبل تتضاءل فيه أعداد الصحف المنافسة بدرجة بالغة.

* خدمة «نيويورك تايمز»