الإعلام الشعبي يفرض نفسه كأحد روافد الإعلام الخليجي الحديث

مجلات وصفحات متخصصة وقنوات فضائية

TT

فرض الشعر الشعبي في الخليج نفسه كرافد واقعي على أجهزة الإعلام الخليجية، بعد أن باتت تلقى رواجا من شريحة كبيرة من سكان دول المنطقة بشكل عام. منذ ثلاثة عقود، كانت البداية، عبر الصفحات الشعبية، التي تطورت لتصبح مجلات متخصصة، ثم انطلقت إلي الفضاء عبر القنوات الشعبية المتخصصة التي تتجاوز الخمس عشرة قناة متخصصة تقارع أعتى الفضائيات وتحقق نسب مشاهدة عاليه جدا، وفقا لخبراء في الإعلام. الملفت أيضا، حرص القائمين على تلك الصفحات على إسناد إدارة تلك الصفحات والقنوات إلي شعراء شعبيين من المشاهير، يعملون على تحليل وإدارة الجلسات الشعرية وتقديم الآراء المختلفة حول الشعر والشعراء.

وعلى الرغم من المعارضة التي يجدها الإعلام الشعبي، كون البعض يدعو إلى النعرات القبلية ـ بحسب تأكيدات واتفاق الجميع، ومنهم قائمون على الصفحات الشعبية نفسها، فإن البعض يرى أن للأمر وجها آخر لم يتم الكشف عنه، محملين الأمر في ذلك للقائمين على تلك المؤسسات الإعلامية، التي على الرغم من ذلك، فإنها تجد القبول والمتابعة حتى تغلغلت المصطلحات الشعبية في داخل المواد الصحافية الأخرى في المجالات السياسية والاقتصادية.

ويؤكد الدكتور أيمن حبيب، أستاذ الإعلام بجامعة الملك عبد العزيز، أن الانتشار الكبير للإعلام الشعبي من خلال المطبوعات والقنوات المتخصصة، التي تمثل استثمارا للإمكانات، وتعكس الرغبة الحقيقية في التفاعل الثقافي. وأشار قائلا «وهي تعكس هوية المجتمعات، وكوننا مجتمعا تغلب عليه البداوة، تجد هذه القنوات الشعبية القبول من الكثير، كونه لونا يخاطب الثقافة واللهجة العامية الدارجة». وانتقد الدكتور حبيب القائمين على القنوات والصفحات الشعبية، كونهم اهتموا فقط بإعلاء قيمة النعرات والمشاحنات، على حساب الآفاق الفكرية المتطورة وهموم وقضايا المجتمع التي يذخر بها هذا النوع من ضروب الأدب الذي يمتاز بخاصية سهولة الوصول إلى المتلقي.

القائمون على الصفحات الشعبية كانت لهم آراؤهم التي اتفقت مع طرح الدكتور حبيب، الخاصة بالكم الكبير من الجمهور، الذي استطاعت تلك الوسائل اجتذابه، بسبب اختيارها للهجات العامية الممزوجة بالصور والمشاهد الحية من الطبيعة الصحراوية التي تزخر بها المنطقة.

عبد الله العبيان، المشرف على الصفحة الشعبية بصحيفة «عكاظ» السعودية، اعتبر الشعر الشعبي يمثل أصواتا وتجارب وثقافة منبعها ثقافة المجتمع الخليجي المؤثرة على المجتمع. وشدد العبيان على ضرورة إسناد الصفحات الشعبية لمتخصصين في الشعر الشعبي، واصفا مفرداتها بالخطرة والمؤثرة على متلقيها بالإيجاب والسلب أكثر من أي فن أدبي آخر، وضرب مثلا على ذلك بالإقبال الكبير على مسابقات وبرامج الشعر في القنوات الفضائية وما واجهته من لغط كبير حول بعض القصائد التي أذيعت فيها. وقال العبيان منتقدا «إن المجتمعات تتعامل مع الشعر الشعبي كنوع من التطرف العلمي، وعدم النظر إلي المفردات الجميلة، فيرى بعض الأكاديميين فيه وكأنه شعر محرم وهادم للغة العربية».

كما شدد على دور المختص في انتقاء المواد الشعرية البعيدة عن الإسفاف والدعوة إلى العصبية القبلية التي تقود إلي تفكيك المجتمع والتنابز بالألقاب، وتمجيد شخصيات المعارك، وأكد أن «جمهور الشعر الشعبي يفوق جميع أنماط الأدب الأخرى من حيث القراءة والمتابعة». من جانبه، أكد هليل المزيني، القائم على الصفحة الشعبية في صحفية «البلاد» أن اللهجة الدارجة هي السبب الرئيسي في انتشار الصفحات وذيوع أنماط مثل «العرضة» و«المحاورة» و«الرد» التي تستوجب وجود متخصصين يقيّمون تلك الأنماط الشعبية حسب الوزن والقافية، والبعد عن النعرات وإثارة الفتن، وهو الأهم ـ على حد قوله ـ محملا بعض القائمين على القنوات سبب إثارة وعرض تلك الأنماط بنعراتها لكسب ردود وجماهير أكبر لمتابعة للصفحات. من جانبه رأى عبد الله الفارسي، مسؤول الصفحات الشعبية في صحيفة «المدينة» أن هذه الصفحات ليست وليدة الصدفة، بل كانت موجودة منذ ثلاثة عقود، وواكبت ظهور الصحافة السعودية، وكان للقبلية والعامية الدارجة الفضل الأكبر في انتشار الشعر الشعبي، مطالبا في الوقت ذاته المؤسسات الإعلامية بعدم فصل الشعر عن الأدب والثقافة، كونه موروثا وجزءا منها. وبالعودة لخبراء الإعلام، يرى الدكتور انمار المطاوع، أستاذ الإعلام بجامعة الملك عبد العزيز، أن الظهور الإعلامي الكبير هو السبب الرئيسي في انتشار قنوات ومجلات الشعر الشعبي، كما أن الطلب الكبير والأرباح الطائلة التي تجنيها المؤسسات الإعلامية بسبب الإقبال الكبير تعد سببا آخر. وكان بعض الناشطين السعوديين قد حذروا خلال الفترة القليلة الماضية من الأثر السلبي الكبير لما تروجه تلك القنوات الشعبية من نعرات قبلية يرون أنها قد تسهم في التأثير غير الايجابي على المجتمع. وكان هذا ما تناولته الصحافة المحلية في السعودية خلال اليومين الماضين على لسان عضو سابق في مجلس الشورى بقوله «إن خطر القنوات الدينية المتشددة وقنوات الشعر فاق خطورة القنوات الإباحية من خلال اختراقها لوحدة الصف وتشتيت الوحدة الوطنية». الدكتور أيمن حبيب عاد بالقول «من قال إن في أميركا وأوروبا لا توجد صفحات شعبية فهو غير دقيق، حيث إن دراسات أثبتت وجود هذه الصفحات التي تتحدث عن التاريخ والأدب الأميركي والأوروبي وبعض المآثر، وفق المعايير الخاصة بتلك الشعوب».