الصحف الكبرى تتعلم فوائد الرياضة

توسيع التغطية الرياضية في الوول ستريت جورنال يسلط الضوء على مجال مهم للمنافسة

عدد وول ستريت جورنال ويظهر اعلاه اعلان عن القسم الرياضي أمس («الشرق الأوسط»)
TT

«إنه حقا مؤشر على تغير حال قطاع الصحف».. ذلك على الأرجح هو الشعور الذي انتاب المراقبين لشؤون الإعلام خلال الأيام الماضية حين أعلنت جريدة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن زيادة تغطيتها الرياضية على المستويين الورقي والإلكتروني. فقد باشرت الصحيفة منذ يوم الثلاثاء بنشر تغطية يومية للرياضة وأخبارها، بعد أن كانت تكتفي بفعل ذلك مرة واحدة في الأسبوع.. كل يوم جمعة. والجدير بالذكر هنا أنّ هذا ليس التغيير الأول الذي تشهده صحيفة «شارع المال» النيويوركية العريقة، والتي باتت تتبدل بشكل سريع ولافت منذ أن اشتراها قطب الإعلام العالمي، روبرت مردوخ، ضمن صفقة الاستحواذ على الشركة المالكة لها «داو جونز اند كو» قبل عامين. وكان مردوخ أعلن أنه يريد أن يجعل من الجورنال صحيفة متعددة الاهتمامات، بحيث تنافس الجريدة النيويوركية البارزة «ذا نيويورك تايمز» – وكانت النتيجة تركيزا أكبر على السياسة وحتى أخبار المشاهير.. لكن من دون الانتقاص من وزن التغطية الاقتصادية والأخبار المالية، التي دعمها مردوخ بتأسيس قناة «فوكس» الاقتصادية بموازاة صفقة الاستحواذ، والتي تتعاون بشكل مباشر مع «وول ستريت جورنال». إلا أن للرياضة مكانة أخرى، فكما يعلم خبراء الإعلام فإن مجموعة «نيوز كورب» التي يملكها مردوخ تتمتع بقوة خارقة في مجال التغطية الرياضية، ويبدو ذلك جليا من خلال تغطية مطبوعاتها المختلفة، مثل صحيفتي «ذا صن» و«ذا تايمز» في بريطانيا، للرياضة.. وقنواتها الرياضية المتخصصة مثل «سكاي سبورتس» و«فوكس سبورتس». ومع كل تلك الخبرة في هذا المجال تحديدا، قد تكون الرياضة هي الورقة الرابحة التي يريد مردوخ لعبها في ظل أزمة اقتصادية عالمية ووقت تتهاوى فيه مبيعات الصحف الورقية ومعدلات القراءة في الغرب، لكنه يدخل في منافسة مع كبريات الصحف، مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز، التي باتت أيضا تنافس في مجال الرياضة... ورقيا والكترونيا. تقول كاثرين ماثيس، مديرة شؤون التواصل المؤسساتي في مجموعة «نيويورك تايمز»، لـ«الشرق الأوسط» بأن المجموعة فخورة بتغطيتها للرياضة وأن أخبار الرياضة تظهر بشكل اعتيادي على الصفحة الأولى من الجريدة، مضيفة «خلال الصيف الماضي، استطاعت تغطيتنا للاولمبياد جذب عدد زوار إلى موقع نيويورك تايمز أكثر من أي موقع إخباري آخر.. فيما فاز قسمنا الرياضي بعدد كبير من الجوائز هذه السنة».

ويستطيع المراقب للصحف اليومية البريطانية ملاحظة ان كثيرا منها يقدم ملاحق بحجم تابلويد عن الرياضة، فيما لا تقل صفحات النيويورك تايمز والواشنطن بوست المخصصة للرياضة عن 7 صفحات، ناهيك عن أن الصور الرياضية تمثل أحيانا، وخصوصا يوم الأحد في أميركا تجد طريقها كصور رئيسية على الصفحات الأولى. من جهته يقول روبرت كريستي، نائب الرئيس في شركة «داو جونز» (المالكة للوول ستريت جورنال والتي اشتراها مردوخ قبل عامين) لشؤون الاتصالات المؤسساتية، لـ«الشرق الأوسط»، بأن الخطوة تأتي في إطار توسيع الاهتمامات التي تغطيها «وول ستريت جورنال»، بحيث تصبح الجريدة «محطة واحدة لكل حاجات قرائها».

ويضيف كريستي: تغطيتنا لن تكون تغطية نتائج وحسب، بل سنعطي الصورة الأكبر ونقدم التحليل والمادة الذكية التي يتوقعها منا قراء الوول ستريت جورنال. وردا على سؤال حول مدى شعبية الأخبار الرياضية بين قراء الجورنال، يجيب كريستي: «بالنظر إلى ديموغرافيات قرائنا، وهم في الغالب من الذكور الأكبر سنا فهي ذات شعبية كبيرة للغاية».

لكن الجورنال تدرك بلا شك أهمية القراء الشباب كذلك، لذلك فإن التحولات ستشمل موقعها الالكتروني كذلك، حيث يفترض أن يصبح قسم الرياضة على الموقع أكثر تفاعلية، حيث سيمكن للمراسلين والقراء (المشتركين في الموقع) التخاطب مباشرة وبشكل حي. إضافة إلى ذلك، فستكون هناك تغطية مباشرة للمباريات والأحداث الرياضية الكبرى عبر المدونات الحية (بلوغز). وهنا يبرز ما كانت ذكرته وكالة «رويترز» بأن عددا من صانعي السيارات والأدوية والمشروبات أبدوا اهتمامهم في الإعلان بالقسم الرياضي الجديد في الوول ستريت جورنال، على الرغم من أن أيا منهم لم يلتزم بعد بشراء مساحات إعلانية، حسب ما نقلت «رويترز» عن المسؤولين في «وول ستريت جورنال».

من جهة ثانية، يبدو لافتا للغاية أنه في حين أعلنت «وول ستريت جورنال» زيادة جرعة الرياضة، فإن جريدة «فاينانشال تايمز» البريطانية أعلنت أخيرا أنها ستوقف تغطيتها الرياضية كليا. وأوضح متحدث باسم الصحيفة البريطانية الاقتصادية العريقة لـ«الشرق الأوسط» أن «صفحة الرياضة الأسبوعية توقفت منذ 14 فبراير (شباط) الماضي كجزء من إستراتيجيتنا التي تقتضي التركيز على مكامن القوة لدينا». وبموجب التغيرات، فستتوقف أخبار الرياضة كليا، فيما يبقى هناك مقال رياضي للكاتب سيمون كوبر، وستبقى المطبوعة تغطي اقتصاديات الرياضة وأخبارها من وجهة نظر تجارية. وفي حين لم يكن لدى «فاينانشال تايمز» صحافيون رياضيون متفرغون، حسب ما ذكر اتحاد صحافيي الرياضة في بريطانيا، فإن الصحافيين المتعاونين بالقطعة مثل هيو ريتشاردز وغراهام اوتواي وبات بوتشر سيتأثرون بالقرار.

وكانت «فاينانشال تايمز» قد أجرت أول تعديل على تغطيتها الرياضية حين أعادت تصميم الصحيفة في إبريل (نيسان) 2007، وأوقفت الجريدة في ذلك الوقت تغطيتها الرياضية اليومية لصالح تغطية في العدد الأسبوعي (يوم السبت) ويوم الاثنين، ومن بعد ذلك أصبحت الرياضة حكرا على عدد يوم السبت فقط. وليست هذه التحولات الوحيدة التي حصلت في «فاينانشال تايمز»، فقد قلصت الصحيفة الاقتصادية عددها اليومي بصفحتين في طبعتها البريطانية، فيما رفعت سعرها من 1.50 جنيه استرليني إلى 1.80 جنيه ونقلت تقارير أنها تسعى لتسريح 80 موظفا، بينهم 20 صحافيا في مساع للحد من الإنفاق.

ولعل اللافت هنا هو مقارنة التوجه الذي اتخذته الصحيفتان الاقتصاديتان العملاقتان والمتنافستان دوما (الجورنال والفاينانشال تايمز) في ملعب الرياضة، ويبقى السؤال هو أي منهما سيسجل هدفا في مرمى الآخر؟... الجورنال التي تلعب بخطة هجومية، أم التايمز ذات الاستراتيجية الدفاعية.. الوقت وحده سيحكم.

* الجورنال.. المتحول

* تغيرات لافتة ظهرت على صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية منذ استحواذ مجموعة «نيوز كورب» عليها، وذلك حين استكملت المجموعة الإعلامية التي يقف على رأسها روبرت مردوخ شراء «داو جونز» (المالكة للجورنال) في ديسمبر (كانون الأول) 2007 مقابل ما يزيد على 5 مليارات دولار. وكان قطب الإعلام العالمي روبرت مردوخ أوضح لدى إتمام الصفقة أن جريدته الجديدة ستصبح أكثر شمولية، وستهتم أكثر بالسياسة وأخبار الحكومة ومجال الترفيه. وتعتبر إضافة التغطية الرياضية جزءا من هذه الاستراتيجية.

وفي 2008 قامت الجريدة بجعل النسخة الأمـــيركية من الصحيفـــة متوفرة في لندن جنبـــا إلى جنب مع النسخة الأوروبية، ما يعني إتاحتها للقراء في أوروبا قبل نحو 5 ساعات من صدورها في نيويورك.

ومع كل هذه التحولات لم ينس مردوخ أن الوول ستريت جورنال هي أساسا جريدة اقتصادية، فلم يحد من قدراتها في هـــذا المجال، بل وجه بحدوث تعاون بينها وبين قناة فوكس الاقتصادية التي تأسست حديثا، سيما أن تحالف «رويترز- طومسون» الذي أعلن عنه في وقت مواز يشكل تهديدا كبيرا في مجال الأخبار الاقتصادية لمجموعة «نيوز كورب». يذكر في هذا السياق، أن التحولات التي أجراها مردوخ في الجورنال لم تعجب الكثير من صحافييها، الذي استقال عدد منهم وانتقلوا ليلمعوا في صحف أخرى، ولعل أبرز الأمثلة هو اختيار «واشنطن بوست» لماركوس دبليو. بروكلي، مدير تحرير «ذي وول ستريت جورنال» سابقاً، كرئيس تحرير لها.

وتعتبر الجورنال إحدى أشهر الصحف في العالم، وقد أسسها تشارلز داو وإدوارد جونز وتشارلز بيرغستريسر وأصدرت عددها الأول في 8 يوليو (تموز) 1889.