مصر: فضائية «الأهرام» بين سندان المنافسة الشرسة ومطرقة الملكية الحكومية

خبراء الإعلام اختلفوا حولها

أحد المقاهي الشعبية في القاهرة المزودة بجهاز تلفزيون («الشرق الأوسط»)
TT

مع انتشار موجة إطلاق قنوات فضائية جديدة، أعلنت مؤسسة الأهرام الصحافية المصرية أنها بصدد إطلاق قناة فضائية لتكون منبرا مرئيا تعبّر به عن رسالتها الإعلامية، في سابقة تعد هي الأولى من نوعها في مصر.

ورغم أن القناة لم تبدأ إرسالها بعد، فإنها أثارت جدلا بين خبراء الإعلام المصريين الذين رأى بعضهم أن نجاح الأهرام صحافيا وحده لا يكفي، فيما اعتبر البعض الآخر أن القناة المزمع إطلاقها لن تكون سوى قناة حكومية جديدة باعتبار أن مؤسسة الأهرام مملوكة للدولة في مصر، بينما دافع آخرون عن هذا التوجه مؤكدين أن الأهرام، بما لها من إمكانيات بشرية ومادية وصحافية، تستطيع إنجاح هذه القناة.

مرسي عطا الله رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام برر اتجاه مؤسسته لإطلاق قناة فضائية جديدة قائلا: «الأهرام مؤسسة صحافية عريقة، ولها إصداراتها المتعددة التي تقدم من خلالها رسالتها الإعلامية، والقناة الفضائية الجديدة ستكون استكمالا لهذه الرسالة»، متوقعا أن تسهم هذه القناة في إيجاد تأثير للأهرام خارج الحدود، رغم وجود طبعات عربية ودولية لها.

وأوضح عطا الله أن الأهرام انتهت من إعداد الميزانية ودراسة الجدوى الخاصة بالقناة الجديدة، كما حجزت ترددا للبث على القمر الصناعي المصري «نايل سات»، وأضاف: «لدينا استديوهات خاصة بنا سنستخدمها في البث، كما قمنا بالتعاقد على تأجير استديوهات في مدينة الإنتاج الإعلامي لنبث منها برامجنا».

وأوضح عطا الله أن «القناة الجديدة ستكون إخبارية اجتماعية، وستكون الأولوية للعمل بها لأبناء الأهرام مع الاستعانة ببعض الخبرات من خارجها»، مشيرا إلى أن عددا من صحافيي الأهرام يعملون في إعداد البرامج التلفزيونية وتقديمها، مؤكدا أن هؤلاء سيكونون نواة القناة، لافتا إلى أن الاعتماد في المادة الإخبارية سيكون لكوادر الأهرام ومراسليها المنتشرين في دول كثيرة. ورفض عطا الله الإفصاح عن قيمة ميزانية القناة، إلا أنه توقع أن يكون العائد من ورائها يحقق ربحا للصحيفة العريقة، التي صدر أول أعدادها في الخامس من أغسطس (آب) 1876، والتي تعتبر الصحيفة الأولى في مصر.

وقال عطا الله: «لا نريد أن نتعجل في إطلاق القناة، ولكننا سنعمل على أن يتم ذلك في أسرع وقت»، مشيرا إلى أن أنه سيسبق مرحلة إطلاق القناة مرحلة بث تجريبي.

من جانبه، أيد محمد أبو الحديد رئيس مجلس إدارة مؤسسة «دار التحرير» التي تصدر صحيفة الجمهورية، توجُّه المؤسسات الصحافية لإطلاق قنوات فضائية، معتبرا أنه لا يوجد تعارض بين تقديم الرسالة الإعلامية صحافيا أو تلفزيونيا.

وقال أبو الحديد: «من حق المؤسسات الصحافية أن تطلق وسائل جديدة لزيادة مواردها والتعبير عن رسالتها، بدلا من الاعتماد على الصحافة المطبوعة وحدها». في المقابل، رفض الدكتور فاروق أبو زيد أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة فكرة إصدار مؤسسة الأهرام لقناة فضائية، وقال: «الأهرام مؤسسة صحافية مملوكة للدولة ممثلة في مجلس الشورى، أي أن القناة التي ستطلقها ستكون حكومية بشكل أو بآخر، ونحن لسنا بحاجة إلى مزيد من القنوات الحكومية».

وأضاف أبو زيد أن «الدولة تتجه الآن لخصخصة القنوات التلفزيونية الحكومية، لذلك من غير المنطقي أن تصدر الأهرام قناة جديدة تقدم محتوى مشابها لقنوات حكومية أخرى»، مشيرا إلى أن مؤسسة الأهرام قالت إن قناتها الوليدة ستكون إخبارية اجتماعية، وقال: «هناك قناة حكومية متخصصة في الأخبار هي النيل للأخبار، وهناك عدة قنوات اجتماعية، مثل النيل لايف والنيل للأسرة والطفل».

وقال أبو زيد: «الدولة ليس دورها أن تقدم إعلاما ترفيهيا أو اجتماعيا، الدولة دورها أن تقدم إعلاما خدميا»، مشيرا إلى أنه في الدولة المتقدمة يكون هناك ثلاث قنوات فقط مملوكة للدولة، اثنتان منها عامتان، والثالثة محلية، مضيفا: «ولكن في مصر الدولة تملك نحو 30 قناة ما بين عامة ومحلية ومتخصصة، وهذه القنوات تمثل عبئا على ميزانية الإعلام في مصر».

واعتبر أبو زيد أن نمط ملكية الصحف القومية في مصر، ومنها الأهرام، يعاني من مشكلة، وقال: «إنه نمط غير قابل للاستمرار، وسيتغير آجلا أو عاجلا»، مضيفا أنه عندما يتم خصخصة الأهرام يمكن في ذلك الوقت أن تصدر قناة فضائية خاصة بها.

وقال: «كل القنوات الفضائية الخاصة تخسر وبشدة، إلا تلك التي تتلقى دعما من الدولة أو من بعض رجال الأعمال، وبما أن مؤسسة الأهرام مملوكة للدولة، فلا يجوز المغامرة بأموال الشعب في مجال مرشح للخسارة وبشدة».

لكن الدكتورة ماجي الحلواني العميدة السابقة لكلية الإعلام بجامعة القاهرة وأستاذة الإذاعة والتلفزيون تعتقد أن نجاح الأهرام صحافيا سيكون من العوامل التي ستساعد في نجاح القناة الجديدة.

وقالت د.الحلواني: «الأهرام واحدة من أعرق الصحف المصرية، بل والعربية، وبها أسماء لامعة من الكتاب والصحافيين، ولا شك أن الاعتماد عليهم في هذه القناة سيكون عاملا في نجاحها».

وأوضحت أن من العوامل الأخرى المساعدة، إلى جانب العنصر البشري، في نجاح تلك القناة، العوامل المادية والتقنية، معتبرة أن «الإعلام الآن أصبح صناعة تقوم على توافر مقومات كثيرة تحتاج إلى توافر رأس المال».

ورفضت د. الحلواني فكرة أن تكون تلك القناة إضافة جديدة إلى القنوات الحكومية، قائلة: «صحيح أن أساس تلك القناة حكومي على اعتبار أن مؤسسة الأهرام مملوكة للدولة، لكن الفكر الخاص فتح مجالات عديدة للمنافسة».

وأضافت د.الحلواني: «أعتقد أن قناة الأهرام ستقدم رؤية وفكرا جديدا يعبر عن روح المنافسة التي بثتها القنوات الفضائية، خصوصا في مصر، التي زاد عددها مؤخرا».

الأهرام > أسسها الأخوان سليم وبشارة تقلا في مدينة الإسكندرية (220 كيلومترا شمال غرب القاهرة) بعد أن منحتهما حكومة الخديوي إسماعيل ترخيصا لإصدار الصحيفة التي صدر أول أعدادها في 5 أغسطس (آب) 1876، لتكون بذلك أقدم صحيفة عربية مستمرة في الصدور حتى الآن.

بدأت الأهرام كصحيفة أسبوعية، وبعد مرور أقل من 5 سنوات وفى 3 يناير (كانون الثاني) 1881 تحولت إلى صحيفة يومية، وهو ما استمر عليه الحال حتى الآن.

وخلال تاريخها الطويل اتخذت الجريدة من ميدان القناصل أمام بنك الرهونات، بمدينة الإسكندرية مقرا لها، قبل أن تنتقل إلى شارع مظلوم بالعاصمة المصرية القاهرة في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 1900، ثم إلى مقرها الحالي بشارع الجلاء اعتبارا من أول نوفمبر (تشرين الثاني) 1968.

كان سليم تقلا هو أول رئيس لتحرير الأهرام (1876 – 1892 )، وتلاه شقيقه الأصغر بشارة، وتعاقب على رئاسة الأهرام على مدار 130 عاما عدد كبير من أعلام الصحافة والأدب منهم خليل مطران، ومحمد حسنين هيكل، وفكري أباظة، وإحسان عبد القدوس، وعلي حمدي الجمال، وإبراهيم نافع، وغيرهم. ويتولى الآن رئاسة مجلس إدارة الأهرام الصحافي مرسي عطا الله، بينما يتولى رئاسة تحريرها الصحافي أسامة سرايا.

وحرصت الأهرام منذ نشأتها على استكتاب النخبة من الأدباء والمفكرين، منهم أحمد لطفي السيد، ومحمود سامي البارودي، وأحمد شوقي، ومصطفى لطفي المنفلوطي، وطه حسين، وعباس العقاد، ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وزكي نجيب محمود، وبنت الشاطئ، ويوسف إدريس، وثروت أباظة، ولويس عوض، وعبد الرحمن الشرقاوي، وإحسان عبد القدوس، وغيرهم.

تُصدِر جريرة الأهرام حاليا ثلاث طبعات يومية محليا، إلى جانب طبعة دولية تُطبع يوميا بعد أن تنقل صفحاتها بواسطة الأقمار الصناعية، في لندن ونيويورك وفرانكفورت، وطبعة عربية تطبع في دبي والكويت، وطبعة إليكترونية تتيح لقرائها متابعتها من أي مكان.

واشتهرت المدرسة الصحافية للأهرام طوال تاريخها بالرصانة، وتعتبر هي الصحيفة الأعرق في مصر، حتى إن البعض يردد: «من لم يُنشر نعيه في الأهرام لم يمت».