مدن خالية من صحفها المحلية.. قريبا

تزايد عدد الصحف والمطبوعات التي تغلق أو تتحول إلكترونية في الولايات المتحدة

آلات بيع الصحف قد لا تدوم طويلا في الولايات المتحدة (نيويورك تايمز)
TT

يعود تاريخ صحيفة «سياتل بوست إنتليجنسر» إلى ما يزيد على عقدين قبل أن تصبح واشنطن ولاية، ولكن بعد 146 عاما من النشر، من المتوقع أن تصدر الصحيفة آخر عدد لها في الأسبوع المقبل، ربما لتظهر فقط في النسخة الإليكترونية الأصغر حجما بكثير.

وليس هذا فقط، فقد أغلقت صحيفة «روكي ماونتان نيوز» منذ أسبوعين، ومن المتوقع أن تغلق صحيفة «ذا توكسون سيتيزن» في الأسبوع المقبل.

ولكن ستظل مدن دينفر وسياتل وتوكسون، على الأقل، لديها صحف يومية. ولكن في الوقت الحالي، يقول بعض الاقتصاديين والمديرين التنفيذيين في الصحف إنها ستكون مسألة وقت، وربما لن تمر فترة كبيرة حتى تصبح بعض المدن الأميركية الكبرى من دون صحيفة محلية بارزة على الإطلاق.

يقول مايك سيمونتون، أحد كبار المديرين في «فيتش راتينغز» التي تدرس أحوال الصناعة: «في عامي 2009 و2010، ستصبح جميع الأسواق التي تنشر بها صحيفتين ذات صحيفة واحدة، وسترى أسواق كانت بها صحيفة واحدة من دون صحف على الإطلاق».

ويقول كثيرون من النقاد ومنافسي الصحف، ومن بينهم مواقع الإنترنت المبتدئة التي يطلق عليها مستقبل الصحافة، إنه يجب ألا يرحب أحد بتوقف إصدار تلك الصحف. لا يعرف أحد ما أول مدينة كبرى ستصبح من دون صحيفة كبيرة، ولكن توجد مدن مرشحة لذلك في جميع أنحاء البلاد. وقد قامت شركة «هيرست»، التي تمتلك «ذا بوست إنتليجنسر»، أيضا بغلق «ذا سان فرانسيسكو كرونيكل»، التي خسرت ما يزيد على مليون دولار في الأسبوع خلال العام الماضي.

وتنتمي كبرى الصحف في الكثير من الأسواق، مثل «ذا فيلادلفيا إنكويرر» و«ذا نيو هافن ريجستر»، لشركات أشهرت إفلاسها في الأشهر الثلاثة الأخيرة.

ويصر المالكون على أنهم لا يعتزمون غلق الإصدارات، ولكن ربما لا تكون الإدارة التي تصدر هذه التأكيدات متولية المسؤولية عندما تخرج الشركات من عملية إعادة التنظيم. وقد عرض العديد من الصحف، من «ذا ميامي هيرالد» إلى «شيكاغو صن تايمز»، للبيع، ولكن لم يظهر مشترون في الأفق.

وقد انخفضت الأرباح الناتجة عن الإعلانات، وهي شريان حياة الصناعة، بنسبة 25 في المائة تقريبا في العامين الماضيين. (وبالمقارنة، انخفضت أرباح شركات السيارات الثلاث الكبرى في ديترويت بنسبة 15 في المائة أثناء الفترة ذاتها، على الرغم من أن الانخفاض تسارع في الفترة الأخيرة). ولا يعطي هذا الانخفاض، الذي زادت من سرعته حالة الركود، أية إشارة على الاستقرار في عام 2009. لقد هبطت أسهم معظم ناشري الصحف بنسبة تزيد على 90 في المائة بعد أن كانت قد وصلت إلى ذروتها.

ومما يفاقم حدة المشكلة في العديد من المؤسسات، ثقل عبء الديون التي تتحملها غالبا بسبب انهماكها في شراء صحف أخرى فيما بين عامي 2005 و2007، قبل أن يبدأ نشاطها في الهبوط.

وعلى سبيل المثال، لجأت شركة «تريبيون»، مالكة صحيفة «شيكاغو تريبيون» و«لوس أنجليس تايمز» وصحف أخرى، إلى إشهار إفلاسها في شهر ديسمبر (كانون الأول)، ويرجع السبب، إلى حد كبير، إلى عبء الديون. والحقيقة هي أنه على الرغم من قسوة المناخ الاقتصادي على الصحف، فإنه تظل الشركات المشهرة إفلاسها من دون تسديد ديونها تحقق أرباحا، كما تفعل معظم الصحف الأخرى في جميع أنحاء البلاد.

ولكن تنكمش الأرباح سريعا؛ حيث وصل هامش أرباح التشغيل في مؤسسات النشر الكبرى إلى 10 في المائة عام 2008، بعد أن كان يزيد على 20 في المائة في عام 2004، وفقا لما ورد في بحث أجراه المحلل المستقل جون مورتون.

ويقول المحللون إن العديد من الصحف الكبرى الأخرى أيضا تكبدت خسائر مالية في الفترة الأخيرة، ومن بينها «واشنطن بوست» و«بوستون غلوب» (التي تملكها شركة «نيويورك تايمز»).

لقد أصبح تضاؤل حجم الصحف الأميركية المستمر بمعدل بسيط طوال عقد تقريبا وكأنه طوفان في الأعوام القليلة الماضية. وما زالت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» تستعين بواحد من أكبر الفرق الإخبارية في البلاد، حيث يبلغ عدده حوالي 600 شخص، ولكن كان حجم الفريق في أواخر التسعينات يبلغ الضعف. وكانت في صحيفة «واشنطن بوست» غرفة أخبار بها ما يزيد على 900 فرد منذ ستة أعوام، وحاليا يعمل بها ما يقل عن 700. وقد تخلصت شركة «غانيت»، أكبر مؤسسة لنشر الصحف في البلاد، مما يزيد على 8.300 وظيفة في عامي 2007 و2008، أو 22 في المائة من إجمالي الوظائف. وتطبع كل صحيفة كبرى في البلاد تقريبا عددا أقل من الصفحات والمقالات، وكثير منها ألغى أقساما كاملة. وقد أغلقت مكاتب في عواصم أجنبية، بل وفي واشنطن، وتوقفت صحف عن نشر مقالات نقد الأفلام وعرض الكتب وتغطية الأخبار المحلية خارج أسواقها الأصلية.

ويتشارك العديد من الصحف في التغطية مع منافسيهم السابقين في محاولة لتوفير الأموال. (وتعاني «نيويورك تايمز» أيضا من انخفاض في الأرباح، ولكنها كانت قادرة على تجنب إجراء تخفيضات كبيرة في غرفة الأخبار حتى الآن). وطوال ما يزيد على قرنين، كانت الصحف تمثل مصدرا لا يمكن الاستغناء عنه للحصول على معلومات عامة، وكانت تحقق في أخطاء الحكومة ومصالح أخرى مهمة. ولكنها ما زالت تصل إلى أعداد كبيرة ومتزايد من الجماهير. وقد انخفضت نسبة المبيعات اليومية من النسخ المطبوعة من الصحف، بعد أن وصلت ذروتها إلى 62 مليون نسخة منذ عقدين، لتصل إلى 49 مليون نسخة. وارتفع عدد القراء للنسخة الرقمية بسرعة أكبر، ليقترب من 75 مليون أميركي، ووصل عدد زيارة الصفحات الإليكترونية في يناير (كانون الثاني) إلى 3.7 مليار زائر، وفقا لـ«نيلسن أون لاين».

ولكن لم يحل أحد حتى الآن لغز دعم غرفة الأخبار الكبيرة عن طريق الأرباح الرقمية المجردة، وهي الحقيقة التي تنذر بعصر مؤسسات إخبارية أصغر حجما وأضعف قدرة على القيام بوظيفتها التقليدية بكونها حارسة الأمة.

يقول جيف جارفيس، مدير قسم الصحافة التفاعلية في كلية الدراسات العليا في الصحافة في جامعة مدينة نيويورك، إنه يجب أن ينتج عن توقف أية صحيفة انفجارا لمصادر إخبارية أصغر بكثير على الإنترنت، لتنتج تغطية تكون على الأقل في الحجم ذاته الذي كانت تقدمه الصحيفة. وأضاف، أنه ربما تكون هذه المصادر أقل تهذيبا، ولكنا ستكون قادرة على المنافسة، لينتهي الاحتكار الذي كانت تتمتع به العديد من الصحف لفترة طويلة.

ويقول إن عددا من الصحف التي تخسر أموالها يجب أن «يتجرأ ويتوقف عن إصدار النسخة المطبوعة ويلجأ إلى النسخة الرقمية. سيكون المنتج أصغر بكثير، ولكن هذا هو المكان الذي نتجه إليه على أية حال».

* خدمة «نيويورك تايمز»