عاصفة «لوحات إعلانية» تجتاح لبنان وتخالف القوانين

فوضى عارمة لا توفر مساحة خالية دون ان تستغلها

TT

تجتاح مناطق لبنان وشوارعه منذ سنوات «عاصفة إعلانية» تخالف كل القوانين التي تنظم هذا القطاع. هذه الفوضى العارمة يتناوب على إدارتها كل من: البلديات المعنية، التي تسد نقص مواردها من الرسوم عبر «غض النظر» عما يدور من مخالفات وتوزيع عشوائي للوحات، وبين شركات الإعلانات التي تستغل هذه الثغرة لصالح إعلاناتها، وتعمد إلى استباحة المساحات العامة والخاصة للوصول إلى هدفها المنشود، لتحصد أرباحا طائلة مقابل رسوم منخفضة. القانون الذي ينظم إعلانات الطرق والترخيص لها، الذي صدر في عام 1996، يسمح بوضع اللوحات الإعلانية شرط أن لا يؤثر حجمها ومكانها في المناظر الطبيعية أو في سلامة السير. ويمنع وضعها على الجسور وفوقها، وفي وسط الطرقات وعلى مداخل الأنفاق وخارجها، إضافة إلى ضرورة أن تفصل بين اللوحة والأخرى مسافة 100 متر، وأن تكون بعيدة عن الرصيف ثلاثة أمتار وستين سنتيمترا. إلا أن الواقع مغاير تماما لما ينص عليه هذا القانون. فاللوحات تلتصق بعضها بعضا، وتقفل الإعلانات الجسور على المشاة، فاصلة بينهم وبين العالم الخارجي.

هذا في النص. ماذا عن التطبيق؟ رئيس مجلس إدارة شركات Promo Media و Fines و Media Mart عماد جمعة، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «يفترض أن يؤمن قطاع الإعلان للدولة اللبنانية أرباحا تقارب 40 مليون دولار في السنة، بينما تبلغ أرباحها اليوم كحد أقصى أربعة ملايين دولار. ولا تستفيد بيروت بأكثر من نصف مليون دولار، فيما يفترض أن تحصل على 20 مليون دولار». ويرى أن «ازدياد عدد اللوحات الإعلانية بشكل غير قانوني وعشوائي، أدى إلى انخفاض إيجار اللوحة في الشهر الواحد إلى 100 دولار كمعدل عام، في حين أنه يفترض أن يكون بين 2000 و3000 دولار». ويضيف: «تحتكر السوق الإعلاني ثلاث شركات هي «Pikasso» و«Groupplus» و«Privelege»، وهي تحصد 90 في المائة من اللوحات المرخصة في الأملاك العامة. مع العلم أن هناك 40 ألف لوحة إعلانية موزعة في لبنان، منها 10 في المائة فقط مرخصة، ويوجد منها في بيروت بين 250 و300 لوحة. كما أن تكلفة إيجار اللوحات الإعلانية في الأملاك العامة لا تزيد عن حوالي 650 دولارا في السنة، فيما تتراوح تكلفة اللوحات في الأملاك الخاصة سنويا بين 8000 و12000 دولار، تدفع إلى صاحب الأرض من دون احتساب تكلفة رخصة البلدية».

ويشير إلى أن «بيروت لا تزال أفضل المناطق اللبنانية فيما يتعلق بتوزيع اللوحات الإعلانية، مقارنة بالمناطق الأخرى. المسؤولة عن قسم المبيعات في شركة «Pikasso» رلى ضاهر، تقول: «نتواصل مع البلديات وأصحاب الأراضي الخاصة للحصول على الرخص. لكن المشكلة تكمن في الفوضى بعيدا عن تطبيق القانون، إذ تعتمد كل بلدية قانونا خاصا بها». نائب رئيس بلدية المريجة في الضاحية الجنوبية لبيروت محمد نبوه، يعتبر أن عدم التقيد بالقانون قد يعود إلى حاجة البلديات إلى مداخيل إضافية، في غياب قدرتها على تحصيل الرسوم من المواطنين، الأمر الذي يجعلها لا تتقيد بتنفيذ القانون، فتغض النظر عن بعض المخالفات. ويعكس جان خوري، صاحب شركة «Transmedia»، علاقة القانون باللوحات الإعلانية في لبنان، فيقول: «من يملك غطاء سياسيا يوظفه للحصول على رخص اللوحات الإعلانية. يقول لنا المسؤولون في البلديات إنهم لا يستطيعون منحنا رخصا إضافية بحجة عدم وجود مساحات، إلا أننا نفاجأ يوما بعد يوم بازدياد عدد اللوحات، التي تغزو الطرق اللبنانية. قبل ثلاث سنوات كان عدد اللوحات الإعلانية حوالي عشرة آلاف، أما اليوم فوصلت إلى 20 ألفا. وتتولى شركة «Theagraph» مهمة الوساطة بين شركات الإعلانات والبلديات، ويقول صاحبها طوني قرداحي، إن «بعض البلديات تطبق القانون في الحصول على الرخص، والبعض الآخر لا تطبقه». ويضيف: «على الرغم من أن القانون ينص على ضرورة أن تكون المسافة بين لوحة وأخرى لا تقل عن 100 متر، فإنها لا تتعدى في أحيان كثيرة 25 مترا. وهذا نتيجة تلاعب المعلنين بالقانون، ينفذون ما يتناسب مع مصالحهم، ويبعدون ما لا يناسبهم، من دون أن ننسى الفائدة المادية التي تجنيها البلدية من اللوحات الإعلانية. هناك أكثر من 9000 لوحة إعلانية موزعة في كل المناطق اللبنانية». في مقابل كل هذه الفوضى، استطاع كل من رئيس بلديتي جبيل وزوق مكايل، أن يسيرا عكس التيار، وعمدا إلى السيطرة على الواقع الإعلاني في المناطق الخاضعة لصلاحياتهما، وذلك عبر إتباع خطة شاملة أسفرت عن «قوننة» اللوحات الإعلانية. يقول رئيس بلدية جبيل الدكتور جوزيف شاهين: «أزلنا حوالي 100 لوحة إعلانية غير مرخص لها، وأبقينا فقط 12 لوحة مرخصة». وأضاف أنه أصدر بيانا بلغ فيه من ينوي الترشح للانتخابات النيابية بضرورة التقيد بالقانون تحت طائلة نزع اللوحات والإعلانات. فيما فرض رئيس بلدية زوق مكايل نهاد نوفل، شروطا فيما يتعلق بالإعلانات، بعد إزالة أكثر من نصفها، وأهمها منع وضع اللوحات في المناطق الخضراء، وأعلن بعض المناطق مثل منطقة الكسليك «جزرا خضراء»، لا يسمح فيها بأكثر من لوحة إعلانية واحدة في مسافة 150 مترا.