ماذا يعني أن تكون «مستشارا إعلاميا»؟

يستوي فيها الصدق والكذب ويزاحم بريقها الإنترنت

تتضمن الممارسات الاحترافية للمستشارين الاعلاميين القدرة على وضع خطط تسويقية لعملائهم («الشرق الأوسط»)
TT

من السهل أن تجد على بطاقات التعريف لكثير من البشر مثل هذه الأوصاف التي تختلط في فحواها صناعة الأخبار باختلاق المواقف والقصص والحكايات التي تشغل الرأي العام.. إنه «المستشار الإعلامي بوزارة كذا»..أو«المستشار الإعلامي لشركة كيت»، أو «المستشار الإعلامي للفنان أو الفنانة أو النجم الرياضي أو حتى الراقصة الفلانية». هذه الأوصاف التي لعبت، وما زالت تلعب، دورا، من خلف ستار، في الساحة الإعلامية، ظهر لها منافس قوي يتعامل مع وسائل الاتصال الحديثة، مستفيدا كذلك بخبرات أوروبية وأميركية، ألا وهو الإنترنت، والشركات التي بدأت بالفعل تعمل كـ«مستشار إعلامي» ضخم ومتخصص وعابر للحدود، وتقدم خدمات لنشر أخبار وفعاليات لجهات اقتصادية وسياسية وفنية ورياضية، ويتم التعاقد معها لهذا الغرض، بل إن بعضها أصبح يعمل، ومنذ الآن، على المستوى الإقليمي. ومع ذلك، ما زال الشكل التقليدي لـ«المستشار الإعلامي» مستمرا في عمله.. شاب صغير يدعى «سعيد»، خريج كلية الزراعة عام 2002 يقدم لك بطاقة التعريف الخاصة به وعليها بالخط المذهب وظيفته «مستشار إعلامي» بالوزارة الفلانية. بينما هو مجرد موظف صغير في إدارة الإعلام التابعة للوزارة نفسها، وكل وظيفته هي مطالعة الصحف وأرشفة كل ما كتب عن الوزارة والسيد الوزير. لكن لقب «مستشار إعلامي» له سحره الخاص الذي يضفي على صاحبه مهابة حتى لو كانت بعيدة عن الواقع، لدرجة أن البعض يستغل هذا اللقب في تحقيق مكاسب خاصة به، من خلال تكوين علاقات مع إعلاميين ومسؤولين، وعرفت المحاكم المصرية أشهر قضية لمن كان يطلق على نفسه «المستشار الصحافي» لإحدى الوزارات، وتمت إدانته بتهمة التربح من موقعه في الحصول على أموال من رجال أعمال. وبطبيعة الحال، منذ بدأ برنامج الخصخصة الفنية والاقتصادية والرياضية في كثير من الدول، بدأ لقب «المستشار الإعلامي» يطل على استحياء، لكن بريقه بدأ في اللمعان والانتشار مع بيع شركات القطاع العام للقطاع الخاص، وانتشار المشروعات الاستثمارية الكبرى التابعة لرجال الأعمال، وازدياد تأثير الصحافة، حيث ظهرت الحاجة لشخص يتابع ما تنشره الصحف اليومية والأسبوعية والقنوات الفضائية ومواقع الإنترنت، لكي يجعل الوزارة أو الشركة الخاصة، أو النجم الفني أو الرياضي على اطلاع بكل ما ينشر عنه، والرد بالتكذيب أو التوضيح أو الصمت على ما قد ينشر في حق الوزارة أو الشركة أو النجم العلاني أو النجمة الفلانية.. ولا مانع أن يقوم المستشار الإعلامي، كما يفعل البعض، باختراع بعض القصص واختلاق بعض الإشاعات عن الشخصية التي يتولى العمل لديها، من أجل مزيد من الانتشار الإعلامي. يقول «سعيد» إن هناك بالفعل من يستغل موقعه أو وظيفته، لكن هذا الأمر أصبح نادرا في الوزارات الحكومية بعد ضبط عدة وقائع وإحالة مرتكبيها للمحاكمة الجنائية. وبعد لحظة صمت، أردف «سعيد» موضحا: «في الحقيقة لا يوجد في الوزارة التي أعمل بها مستشار إعلامي. توجد إدارة إعلام، أو كما نسميها «إدارة صحافة»، ويعمل بها 12 من خريجي كليات ذات اختصاصات مختلفة.. زراعة وقانون وإعلام وسياحة.. تصلنا جميع الصحف الصادرة في مصر، وجانب كبير من الصحف العربية. ويبدأ كل منا في البحث في مجموعة من الصحف عن أي خبر يمس الوزارة التي نعمل بها من قريب أو من بعيد، وإحالة تقرير بهذا لرئيسنا في مكتب إدارة الصحافة، وهو بدرجة مستشار للوزير (ضمن عدة مستشارين آخرين)، وينتقي رئيسنا في المكتب عناوين معينة ويعيد اختصار التقرير قبل عرضه على السيد الوزير.. أحيانا يتم تكليف أحدنا بمتابعة موضوع معين لفت انتباه السيد الوزير، وأحيانا أخرى، وبالتعاون مع الإدارة القانونية بالوزارة، يتم تكليف أحدنا بتدبيج رد على خبر غير صحيح نشرته صحيفة من الصحف، وأحيانا لا يحدث شيء». ولا يرى سعيد، الذي يتقاضى راتبا شهريا يصل إجماليه إلى 1200 جنيه (نحو 200 دولار) ويعتبر نفسه مستشارا من المستشارين الإعلاميين بالوزارة، أي خطر يهدد وظيفته بسبب ظهور الشركات التي تعمل كـ«مستشار إعلامي متطور، وعصري»، قائلا: «إن الوزارات الحكومية لا يمكن أن تعتمد على مثل هذه الشركات لأنها أولا مكلفة، وثانيا أنها لا تصلح لتتحدث باسم أي من وزارات الحكومة أو وزرائها لأنهم في نهاية الأمر يمثلون الدولة.. هذا يمكن أن يصلح للقطاع الخاص والمشاهير من النجوم، لا غير». لكن «سعيد» يتخوف من شيء آخر يمكن أن يفقده هو وزملاء آخرين بالمكتب وظائفهم، وهو الإنترنت، لأنه..«منذ دخول الكومبيوتر مكتب الصحافة بالوزارة ووصله بالإنترنت أصبح شخص واحد منا يمكنه أن يعرف كل ما نشر عن الوزارة ليس في الصحف فقط، بل في كل مواقع الإنترنت.. نحن ما زلنا نعمل هنا لأن صحفا مصرية كثيرة ليس لها مواقع على الإنترنت، كما إن صحفا أخرى لا تنشر كل ما تطبعه في طبعتها الورقية على الإنترنت».

ولا يخفي «سعيد» أن بعضا من زملائه الأعلى منه مرتبة وقربا من باب الوزير، ربما كانت لهم علاقات ما في الخفاء، لأن بعضهم يسدد أقساط شقته وأثاث بيته وسيارته شهريا بما يزيد على 2500 جنيه. وأضاف: «لا أعرف على وجه التحديد كيف يحدث ذلك، لكن بعض الناس يتوهمون أن المستشار الإعلامي أو المستشار الصحافي قريب من الوزير، ويبدؤون في طلب الوساطة للحصول على موافقة من الوزارة على مشروع ما، وهذا قد تحدث الموافقة عليه من دون وساطة، لكن يتصادف أن هذه الموافقة تأتي بعد وعد المستشار الإعلامي لصاحب شركة ما بأنه قادر على تذليل العقبات، بمقابل مادي.. هذا يجرمه القانون بطبيعة الحال، لكن البعض يخاطر ويفعله». وبسبب تزايد عدد الصحف المصرية وكذلك القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت المتخصصة، وجد بعض المستشارين الإعلاميين لشركات خاصة وشخصيات فنية ورياضية، ممن ظهروا على الساحة الإعلامية المصرية في السنوات الأخيرة، أن تكالب وسائل الإعلام على الأخبار يغري بطلب مقابل مال منها.. وذلك ثمن إتاحة الخبر لوسيلة إعلامية دون أخرى.. والمشكلة أن أخبارا تحصل عليها وسيلة إعلامية كسبق صحافي لا تزيد عن كونها أخبارا مفبركة حصل المستشار الإعلامي على ثمن فبركتها من صاحبها، قبل أن يحصل على الثمن من وسيلة الإعلام.. «هذا العمل اللاأخلاقي لا يقوم به المستشارون الإعلاميون المحترفون.. هذا عمل هواة». قالت «منى عبد المجيد»، من شركة خدمات إعلامية خاصة مقرها القاهرة ولها فرع في مدينة دبي بالخليج، وسبق لها العمل في شركة إعلامية مصرية خاصة. تتقاضى «منى» من الشركة التي تعمل بها منذ عامين 9 آلاف جنيه في الشهر، بعد أن استقالت من عملها كصحافية في صحيفة مصرية خاصة، وأضافت: «في شركات الخدمات الإعلامية، مثل شركتنا، لا نسمح لموظف واحد باحتكار الاتصال مع المصادر.. أولا، نحن نتعاقد مع شركات خاصة ليست لها خبرة في التعامل مع الإعلام، سواء في مصر أو دبي، مثل المصارف الأجنبية التي تفتتح فروعا في مصر والخليج وإندونيسيا وماليزيا والهند، أو شركات الاتصالات والاستثمار العقاري والسياحي المعروفة، وغيرها من الشركات الدولية.. نحن نتولى تدبيج أخبار الشركات وإرسال هذه الأخبار لجميع وسائل الإعلام، وكذلك ترتيب مؤتمرات صحافية أو مقابلات حوارية.. لا يحتكر هذه العملية شخص واحد، بل أشخاص.. يعني من الممكن أن يتصل بك اليوم شخص يقول لك إن اسمه جمال من شركتنا، وفي اليوم التالي تتصل بك موظفة تقول لك إن اسمها نجوان من شركتنا أيضا.. لا يوجد لدينا شخص اسمه المستشار الإعلامي، بل الشركة كلها هي من يحمل هذا الاسم». عدد من المستشارين الإعلاميين، وهم «نوع خصوصي» أصبحوا كالوسيط الدائم بين الصحافي والنجم الرياضي أو الفني، ويتفننون في الحيلولة دون الاتصال المباشر بينهما. بل في كثير من الأحيان يطلقون تصريحات ويطلبون من الصحافي نسبتها إلى النجم بأنه قال كذا وكذا.. وأحيانا يدبجون حوارا وهميا على لسان النجم، ويرسلونه للصحافي، ولا يتورع بعض هؤلاء عن طلب مقابل مادي من الصحيفة كشرط لنشر الحوار. ومن السهل أن يقوم هذا المستشار بتكذيب الصحيفة ورفع دعوى قضائية ضدها، إذا نشرت ما أرسله لها من أخبار أو حوار ولم تسدد له مقابل خدماته لها. «من قبل كانت الإذاعة الحكومية هي التي تقوم بتلميع المطرب.. هي التي تتبناه وتذيع أغانيه في حفلات تقيمها لهذا الغرض، وبالتالي لم يكن المطرب الجديد في حاجة لمستشار إعلامي، أما الآن، حيث المنافسة شديدة وصعبة بين المطربين الشبان، فلا غنى عن المستشار الإعلامي».. يقول محمد، وهو مستشار إعلامي لمطربة مصرية شابة معروفة بصوتها الضعيف واختيارها لكلمات أغان ركيكة. وأضاف: «أنا، في الحقيقة، أحب الاستماع لأغاني أم كلثوم وفايزة أحمد، لكن وظيفتي هي أن أرد على هاتف المطربة التي أعمل لديها، وأن أخلص في عملي، وأن أجيب عن أسئلة الصحافيين، وأن أكذب الأخبار غير الحقيقية». ومع ذلك رفض محمد الإفصاح عن الأجر الذي يتلقاه من المطربة، مشيرا على أنه خريج كلية الإعلام سنة 1998، وفشل في الانتظام بالعمل في عدة صحف مصرية وعربية قبل أن يلحق بوظيفته الجديدة، مستشار إعلامي، فهي مجرد «مهنة..» على حد قوله.

وعن الحيلة التي يلجأ إليها بعض مستشاري الشخصيات المهمة، وبعض الوزارات والشركات، من اختلاق لأخبار أو فبركة قضايا وتوزيعها على وسائل الإعلام لاستثارة انتباه الرأي العام، قال محمد: «البعض يقوم بذلك بالفعل. لكن المطربة التي أعمل لديها ترفض فبركة الأخبار.. لكن هذا لا يمنع أنه في بعض الأوقات أشعر فيها بالركود، أتشاور معها.. أقصد في بعض الأوقات لا تكون المطربة مسجلة للغناء ضمن أي حفلات، لا داخل مصر ولا في أي من الدول العربية، ماذا نفعل.. أتشاور معها، لأن هذا يخصني أنا أيضا، فعدم وجود عمل يعني أن الأجر يمكن أن يتراجع.. أقنعها، وأجري اتصالات هنا وهناك، وأحصل على وعود بأنها ستشارك في حفلة مارينا في الصيف، أو في أوبريت احتفالات أكتوبر، وبالتالي حين أخبر الصحف ومواقع الإنترنت الفنية، أن المطربة تدرس عروضا للاشتراك في حفلة معينة، فإننا لا نكذب..».

وعما إذا كان طلب من صحيفة ما مدها بأخبار أو حوارات مع «النجمة» التي يعمل لديها، بمقابل مادي، قال: «هذا لم يحدث معي، لكنه يحدث عادة، خاصة إذا كان النجم من المشاهير الكبار، أو كانت الشركة التي يعمل لديها المستشار الإعلامي تتعامل مع نجوم كبار في الغناء والتمثيل، وتحب الصحف والفضائيات تتبع أخبارهم وأخبار أعمالهم الجديدة».

ويؤكد محمد أن مهنة «مستشار إعلامي» فضفاضة، ويبتسم وهو ينهي حديثه معي قائلا: « كل شيء يحتمل الصدق والكذب.. هذه حقيقة يجب أن نتقبلها بهدوء وواقعية جدا».