كيف تناولت الصحافة الأميركية قصة الغارة على السودان؟

صحيفة «بولتيكا»: لو كان رامسفيلد في البنتاغون لكان الوضع مختلفا

جانب من التغطية الأميركية للقصة
TT

دفنت معظم الصحف الأميركية الرئيسية تقاريرها حول الغارة ضد السودان في صفحاتها الداخلية. شبكات التلفزيون الرئيسية لم تتطرق إلى الحادث، على الرغم من أن بعض مواقعها على شبكة الإنترنت، وبعضها اكتفى بنشر خبر في شريط الأخبار في أسفل الشاشة. وكان واضحا أن الإعلام الأميركي لم تساوره الشكوك حول «النفي» الأميركي. صحيفة «بولتيكا» قالت، في لهجة لا تخلو من سخرية في التقرير الذي نشرته حول الحادث»: «إذا كان دونالد رامسفيلد هو الذي يدير الأمور في فرجينيا، لبقي الاحتمال وارداً ، لكن بما أن رامسفيلد لم يعد هناك، لم يتشكك أحد في نفي التقارير التي أفادت بأن طائرات أميركية قصفت شاحنات وقوارب كانت محملة بأسلحة إيرانية في طريقها إلى حماس في غزة». وقالت «بولتيكا» أيضا «وحتى يقلل البنتاغون من الأمر، نأى بنفسه عن الخوض في الموضوع، وترك الأمر إلى القيادة الأفريقية (أفريكوم)».

تلميحات الصحيفة الأميركية المقصود بها دونالد رامسفيلد وزير الدفاع السابق في عهد إدارة الرئيس جورج بوش الذي كان يبادر إلى توجيه الجيش الأميركي بتنفيذ عمليات خارجية تظل في كثير من الأحيان طي الكتمان، ثم يزعم بعد ذلك أنه لا علاقة له بالأمر، ومن ذلك فضيحة سجن «أبو غريب»، حيث أُجبر سجناء عراقيون على اتخاذ أوضاع مهينة؛ وتعرضوا لإساءات جنسية روعت العالم. وإشارة الصحيفة إلى أنه «لو كان يدير الأمور في فرجينيا»، يقصد منها لو أنه كان يمارس مهامه في مقر البنتاغون في الولاية المجاورة للعاصمة الأميركية، لربما كان سيقف خلف قرار الغارة.

ما كتبته «بولتيكا» يظهر أن الإعلام الأميركي كان واثقاً من أن الطائرات الأميركية لم تشارك في الغارة ضد السودان، لكن وردت تلميحات وإشارات إلى أن أميركا ربما قدمت معلومات لوجيستيكية، سهلت على إسرائيل استهداف الشاحنات والقوارب التي حملت بالأسلحة.

واللافت للانتباه أن مراسلي وسائل الإعلام الأميركية لم يستفسروا خلال أي لقاء من اللقاءات الصحفية اليومية التي تنظم في واشنطن حول الموضوع، ولم يطرح أي مراسل سؤالاً بشأن الغارة. يشار إلى أن هناك ثلاثة لقاءات صحافية في العاصمة الأميركية تحرص الصحف والإذاعات وشبكات التلفزيون أن يحضرها مراسلوها، وهو اللقاء اليومي في البيت الأبيض مع المتحدث الصحافي، ثم اللقاء اليومي في وزارة الخارجية، واللقاء اليومي مع المتحدث الصحافي باسم وزارة الدفاع (البنتاغون). ولم يطرح أي مراسل في هذه اللقاءات الصحافية سؤالاً للحصول على توضيحات رسمية حول الغارة، على الرغم من أن المراسلين ظلوا يسألون عن موضوع المحكمة الجنائية الدولية وقرارها بإصدار أمر قبض على الرئيس السوداني عمر البشير، الذي طرح مراراً . صحيفة «واشنطن بوست» كانت الأكثر حذراً في تناول الموضوع، ومعظم التقارير التي نشرتها كانت نقلاً عن وكالات الأنباء، سواء على موقع الصحيفة على الإنترنت أو في الصحيفة الورقية، باستثناء تقرير واحد، قالت فيه إنه بمجرد الإعلان عن الغارة الجوية؛ حامت الشكوك حول إسرائيل والولايات المتحدة. ونسب ذلك التقرير إلى وزير الطرق البرية السوداني مبارك مبروك سليم قوله إن الولايات المتحدة وراء الغارة الجوية، لكن«واشنطن بوست» نقلت النفي الأميركي بصيغة يُفهم منها أن تصريحات الوزير السوداني، والتصريحات التي تلته من مسؤولين سودانيين كانت مجرد تخمينات وافتراضات. وقالت «واشنطن بوست» إن الجيش الأميركي نفي أن يكون قد قام بأية ضربة جوية داخل السودان أو في مناطق مجاورة له، ونقلت عن فينس كرولي المتحدث باسم «أفريكوم»، وهي القيادة الأميركية للقارة الأفريقية، ومقرها المؤقت في برلين في ألمانيا قوله «الجيش الأميركي لم يقم بأي ضربة جوية ولم يطلق أي صواريخ أو قام بعمليات هجومية داخل السودان أو حوله منذ أن بدأت القيادة الأفريقية عملياتها في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي».

وأولت صحيفة «نيويورك تايمز» الموضوع اهتماماً أكبر، ونشرت حوله عدة تقارير، كان من بينها تقرير كتبه مراسلها روبرت ماكي بعنوان «لغز غارة السودان الجوية»، وقالت الصحيفة بطريقة جازمة إن «طائرات إسرائيلية قصفت قافلة من الشاحنات في يناير (كانون الثاني) الماضي يعتقد أنها كانت تحمل أسلحة مهربة إلى غزة، طبقاً لما قاله رسميون أميركيون».وقالت «نيويورك تايمز»: «إن تصريحات الوزير السوداني مبارك مبروك سليم لا يعتد بها، لأنه ليس من المسؤولين الذين لهم علاقة بالأخبار السياسية في السودان». وقالت «نيويورك تايمز» أيضا «إن أول تقرير عن الغارة نشر في صحيفة «الشروق» المصرية (نشرت صورة للصفحة الأولى من «الشروق» على موقعها)، كما نقلت عن مراسلة الصحيفة في القاهرة منى النجار قولها إن «الشروق» تعد نسبياً صحيفة جديدة، حيث صدرت قبل شهرين، وهي صحيفة «مستقلة»، عكس ما هو عليه الحال بالنسبة لصحيفة مثل «الأهرام» التي تخضع لهيمنة الدولة»، على حد قول «نيويورك تايمز».

واللافت للانتباه أن معظم الصحف الأميركية لم تنشر تقريراً من إسرائيل حول الغارة ، باستثناء صحيفة «يو إس توداي»، التي نشرت ما يشير إلى أن إسرائيل كانت وراء الغارة، وأن أميركا أقحمت في الأمر، بيد أن الصحيفة لم تستبعد أن تكون واشنطن قدمت دعماً لوجيستيكياً واستخبارياً، وجميع التلميحات أشارت إلى احتمال أن تكون الولايات المتحدة قد رصدت الشاحنات والقوارب المحملة بالسلاح، ورصدت مواقعها، وربما زودت إسرائيل بالمعلومات.

والملاحظ أن وسائل الإعلام الأميركية لم تتوقف عند ما قاله السودانيون من أن الغارة أصابت كذلك شاحنات كانت تحمل مهاجرين أفارقة غير شرعيين، كانوا في طريقهم إلى عبور الحدود المصرية. وعندما سألت الصحافي باتريك غافين المهتم بالشؤون الأفريقية في «ناشونال ببليك راديو» حول تفسيره للحيز المتواضع الذي حظيت به الغارة على السودان في الإعلام الأميركي، قال «ربما ستنشر الصحف تقارير أخرى حول الموضوع، بعد أن تتوفر لها معلومات، ومن المحتمل أن يكون تعذر انتقال مراسلين إلى السودان هو الذي قلص حجم الاهتمام، كما أن من المحتمل أيضا أن عدم تورط الجيش الأميركي في العملية سيجعل الأشياء تقف عند هذا الحد».