حين يكتب الرؤساء

كبريات الصحف العالمية تتسابق على نشر مقالات الرأي الخاصة بباراك أوباما وقادة العالم

الرئيس باراك أوباما كتب مقالات عدة خلال الحملة الانتخابية وبعد توليه الرئاسة (أ.ف.ب)
TT

أخيرا، نشر الرئيس باراك أوباما رأيا في أكثر من ثلاثين صحيفة في مختلف دول العالم بعنوان: «وقت تحرك عالمي». من بين الصحف التي نشرت الرأي: «الشرق الأوسط»، «شيكاغو تربيون» الأميركية، «كلارين» الأرجنتينية، «كوريرا ديلا سيرا» الإيطالية، «دي فيلت» الألمانية، «البايس» الإسبانية، «الميركيوري» التشيلية، إلخ...

كتب في الفقرة الأولى: «نعيش في وقت تحد اقتصادي عالمي لا نقدر على مواجهته بجهود فردية، أو أنصاف حلول، من جانب أي دولة. الآن، يواجه قادة الدول العشرون الذين سيجتمعون في لندن، مسئولية اتخاذ خطوات شجاعة، وشاملة، ومنسقة. يجب على هذه الخطوات ألا تعيد النشاط الاقتصادي فقط، ولكن، أيضا، تبدأ مرحلة تنسيق وترتيب بين دول العالم لتحاشي تكرار مثل هذه الكارثة...» كانت هذه أول مرة يكتب فيها رئيس أميركي رأيا في صحف عالمية يختارها مسبقا. لكنها لم تكن أول مرة كتب فيها رئيس أميركي في صحيفة أميركية. ولم تكن أول مرة كتب فيها الرئيس أوباما رأيا في صحف أميركية. قبل شهرين، بعد ثلاثة أسابيع من دخوله البيت الأبيض، كتب في جريدة «واشنطن بوست» رأيا عنوانه: «التحرك الذي يحتاج له الأميركيون». وهو، أيضا، عن الكارثة الاقتصادية.

لم تكن هذه أول مرة كتب فيها أوباما رأيا في صحف أميركية. كتب مرات كثيرة خلال الحملة الانتخابية، وقبل ذلك عندما كان عضوا في الكونغرس، وقبل ذلك عندما كان عضوا في كونغرس ولاية إلينوي عن جزء من مدينة شيكاغو. في ذلك الوقت، كتب أغلبية آرائه في جريدة «شيكاغو تربيون». وفي السنة الماضية، عندما ترشح لرئاسة الجمهورية، لم تخيب «شيكاغو تربيون» ظنه. وفضلته على منافسه الجمهوري السناتور ماكين، على الرغم من أنها ظلت جريدة طول حياتها، وأبدا لم تفضل مرشحا ديمقراطيا على جمهوريا. إلا أن أوباما لم يكن أول رئيس يكتب رأيه في صحيفة أميركية. قبله، فعل الرئيس بوش الابن الشيء نفسه أكثر من مرة. في سنة 2007، كتب في جريدة «وول ستريت جورنال» تحت عنوان: «ماذا يجب أن يفعل الكونغرس لأميركا؟» كتبت الفقرة الأولى: «غدا، سيبدأ كونغرس جديد (تحت سيطرة الحزب الديمقراطي). وسيكون لي شرف التعاون معه لإدارة شؤون البلاد، حتى تنتهي فترة رئاستي بعد سنتين. معا، سنقدر على خدمة الشعب الأميركي، وعلى حل مشكلاته المعقدة. لكن، جو واشنطن السياسي مكفهر، وتحركه ميول حزبية متطرفة. لهذا، يجب ألا نواصل لعب اللعبة السياسية هذه. سنتقاسم مع الحزب الديمقراطي إدارة شؤون البلاد. وأنا اجتمعت مع بعض قادته بعد الانتخابات، وأنا متفائل بأننا سنقدر على حل كثير من مشكلات البلاد إذا تعاونا معا...» قبل بوش الأب، لم يكتب الرئيس كلينتون آراء كثيرة في صحيفة أميركية عندما كان في البيت الأبيض. وأكثرهم شهرة الرأي الذي كتبه يوم قرر ضرب يوغسلافيا، مع حلف الناتو، لوقف مذابح الصرب للمسلمين في البوسنة وكوسوفو. كان عنوان الرأي في صحيفة «نيويورك تايمز» هو: «حرب عادلة وضرورية.» وكتب في الفقرة الأولى: «نحن نتدخل لأننا حريصون على إنقاذ أرواح الأبرياء، وعلى مساعدة اللاجئين، وعلى نشر العدل والسلام والحرية». لكن كتب كلينتون بعد البيت الأبيض. أكثر من مرة كتب، بالمشاركة مع الرئيس السابق بوش الأب، عن دعم المساعدات الإنسانية لضحايا الفيضانات والكوارث الطبيعية في آسيا وأفريقيا. وكتبا عن مساعدة ضحايا إعصار «كاترينا» الذي دمر نيو أورلينز (في ولاية لويزيانا).

لم يكتب الرئيس كارتر رأيا في صحف عندما كان في البيت الأبيض. لكنه كتب، ولا يزال يكتب، خلال الثلاثين سنة الماضية. ربما هو أكثر رئيس سابق كتب في صحف أميركية. (وأيضا أكثر رئيس سابق كتب كتبا: أكثر من عشرة). كتب أراء في صحف يدعو لانتخابات حرة في الضفة الغربية وغزة. وكتب، بعد الخلافات بين منظمتي «حماس» و «فتح» الفلسطينيتين يدعو إلى عدم إهمال «حماس» التي فازت في الانتخابات. وكتب ضد الضرب الإسرائيلي للبنان. ومؤخرا، كتب ضد الضرب الإسرائيلي لغزة. وغير موضوعات الشرق الأوسط، كتب معارضا التحالف النووي بين الولايات المتحدة والهند. وكتب معارضا رفض الرئيس السابق بوش التقيد باتفاقية «كيوتو» لنظافة البيئة.

لم يكتب الرئيس ريغان في صحف عندما كان رئيسا. لكنه كتب أكثر من مرة في جريدتين في ولاية كاليفورنيا، «ساكرمنتو بي» و «لوس أنجليس تايمز»، عندما كان حاكما للولاية ( 1970 ـ 1978). في وقت لاحق انتقده معارضوه، وقالوا إنه لم يكتب ذلك بنفسه، ولكن كتب له مساعدوه. لكن، أغلبية الرؤساء والسناتورات والحكام لا يكتبون ما ينشرون أو يلقون، بل يعتمدون على مساعدين يفعلون ذلك. وينطبق هذا على ما كتب الرئيس أوباما مؤخرا في صحف أميركية وعالمية. مثل خطاباته الرسمية، يحدد هو أهم النقاط، ويتولى مساعدوه جمع المعلومات وجمع التعابير ثم يعرضونها عليه قبل وضعها في صورتها النهائية.

تعتبر صحيفة «واشنطن بوست» أكثر الصحف التي يكتب فيها الرؤساء (وأيضا أعضاء الكونغرس). ثم «نيويورك تايمز»، ثم «وول ستريت جورنال» التي فضلها الرئيس السابق بوش الابن.

أكثر من غيرها، تنشر «واشنطن بوست» أراء رؤساء أجانب. يوم الأربعاء، قبيل مؤتمر لندن للدول العشرين الغنية لمواجهة الكارثة الاقتصادية، نشرت رأيا كتبه الرئيس الفرنسي ساركوزي. عنوان الرأي: «الأفضلية الأولي: تنمية العالم». وحدد فيه أربعة أهداف: أولا: مراقبة المغامرات المصرفية والاستثمارية. ثانيا: مراقبة المؤسسات التي تراقب ذلك. ثالثا: مداهمة المتهربين من الضرائب (بوضعها في دول أو شبه دول تتعهد بعدم الكشف عنها). وقبل الرئيس الفرنسي بيوم، نشرت «واشنطن بوست» رأيا للرئيس الروسي مدفيديف، عنوانه: «بناء علاقة قوية روسية أميركية». وكتب في الفقرة الأولى: «ليس سهلا إنكار أن العلاقات الروسية الأميركية وصلت مرحلة تشاؤمية في نهاية السنة الماضية (مع نهاية إدارة الرئيس السابق). لسوء الحظ، حدث ذلك لأن الإدارة السابقة وضعت خططا عدائية، منها: وضع صواريخ في دول في شرق أوروبا، وتوسع حلف الناتو نحو حدود روسيا، ورفض الموافقة على معاهدة القوات التقليدية في أوروبا...».

ولا بد هنا من ذكر مقال الملك عبد الله بن عبد العزيز المعنون بـ «التفاؤل والعزم» الذي نشرته «الشرق الأوسط» في الأسبوع الماضي نقلا عن مجلة «فيرست». ومؤخرا، كتب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في موقع «هافنغتون بوست» عن إسرائيل، قال فيه: «إذا لم ننجح في الوصول إلى حل، وننجح سريعا، سيصير النقاش متطرفا. وأنا لا أتحدث عن أي عنف أو ميول عنف، لكني أتحدث عن الخوف من التطرف في النقاش. أقول هذا لأن إسرائيل تستمر في بناء مستوطنات تبعد، كل يوم، احتمالات قيام دولة فلسطينية فعالة إلى جوارها...» وفي مثل هذه الأيام من السنة الماضية، كتب الرئيس الكوبي السابق كاسترو رأيا يؤيد السناتور أوباما ضد السناتور ماكين في انتخابات رئاسة الجمهورية. وقبيل استقالته بأسابيع، كتب الرئيس الباكستاني السابق مشرف رأيا في جريدة «واشنطن بوست» دافع فيه عن حكمه. وفي الصحيفة نفسها، كتب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، والرئيس العراقي طالباني، والرئيس التركي أردوغان.

لكن هناك سؤالا يطرح نفسه هنا، هو لماذا «واشنطن بوست» في أغلبية الحالات؟ تواضعا، قلل اليكس ريمنغتون، في قسم صفحة الرأي في الجريدة، لـ«الشرق الأوسط»، من الفخر بجريدته، وقال: «نحن نتسلم آراء من كثير من الناس، رؤساء دول وغير رؤساء دول». لكن، طبعا، هذه ربما أهم جريدة في الولايات المتحدة، وربما في كل العالم، لأنها تصدر في عاصمة الولايات المتحدة، ويقرأها كل صباح رئيس الجمهورية وكبار المسؤولين وأعضاء الكونغرس وسفراء الدول الأجنبية، وهؤلاء، في كثير من الأحوال، أهم دبلوماسيين لهذه الدول.

قال ريمنغتون إن رأي الرئيس أوباما قبل الأخير أرسل من البيت الأبيض، حسب إشعار سابق. ولم يتردد أحد في قسم صفحة الرأي في نشره، طبعا. هل هذه مجاملة لرئيس الجمهورية؟ أجاب: «لا. إنه أرسل لنا مرة واحدة فقط منذ أن صار رئيسا». لماذا تكتبون في بساطة: «كاتب هذا الرأي هو رئيس الولايات المتحدة (أو فرنسا أو روسيا)»؟ أجاب: «إذا بدأنا في نشر الألقاب ربما لن نجد مساحة كافية». خلال يومين متتالين نشرتم رأيي رئيس فرنسا ورئيس روسيا؟ أجاب: «مجرد صدفة». من أين تأتيكم آراء هؤلاء؟ أجاب: «من سفارات، من شركات علاقات عامة، من وسطاء».

كرر رمنغتنون أكثر من مرة جملة واحدة: «نحن لا نجامل أحدا في نشر أو عدم نشر رأيه، مهما كان منصبه، ومهما كانت طريقة إرسال الرأي لنا». وقال روي كلارك، نائب رئيس معهد «بوينتر» للصحافة في سانت بيترسبيرغ (ولاية فلوريدا) لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن جزءا من التغيير الذي جاء به الرئيس أوباما هو أنه ربما سيغير طريقة تعامل البيت الأبيض مع الإعلام. خلال أكثر من شهرين نشر رأيين في صحف أميركية وغير أميركية. كم رأيا سينشر هذا الرجل خلال أربع سنوات؟» وأضاف كلارك: «السؤال هو: لماذا لم يفكر رؤساء سابقون في الإكثار من كتابة آرائهم في الصحف؟ بصرف النظر عن الجانب السياسي، أعتقد، من وجهة نظر إعلامية، يستفيد الإعلام من نشر أراء رجل ينتقده الإعلام صباحا ومساء، أو يشيد به من وقت لآخر».

لكن، أضاف كلارك: «طبعا، إذا أكثر أوباما من إرسال آرائه، فلن تكون شيئا غير عادي. لكنه إذا تصرف تصرفا معقولا، فإنه يقدر على إثراء التغطية الإعلامية بما يكتب، وبما يرد عليه به القراء».