جهاز الملقن الإلكتروني.. رفيق القادة والمشاهير

التيليبرومتر ينقل احد خطب اوباما (أ.ف.ب)
TT

يطلق على جهاز إلـteleprompter أسماء عديدة أشهرها: «الملقن أو Prompter»، «مفكرة الخطب الإلكترونية أو Electronic Speech Notes»، و«لوحة الأغبياء أو Idiot Board» في اللغة العامية. وهو جهاز عرض مكون من شاشة كبيرة مثبتة بجانب عدسة الكاميرا التي ينظر إليها المذيع ومرتبطة بجهاز كمبيوتر يستخدم برامج معينة لهذه العملية، ومرآة ذات مواصفات خاصة فهي «عاكسة من جهة وشفافة من الجهة الأخرى» تركب أمام عدسة الكاميرا بزاوية مقدارها 45° ليظهر عليها النص ولا تحجب في الوقت نفسه صورة المتحدث أو المذيع عن العدسة، ويقوم فني في بعض الأحيان بتحريك هذا النص متزامنا مع سرعة قراءة المذيع إلا أنه في أحيان أخرى يصر كثير من قارئي نشرة الأخبار على التحكم في تحريك النص بأنفسهم. ويستخدم هذا الجهاز لقراءة النصوص الإلكترونية المرئية، وهو أقرب ما يكون لما يعرف باسم الـcue cards التي يستخدمها الممثلون ومقدمي تلفزيون الواقع والـ»سيت كوم» لتذكر نقاط الحوار الأساسية في تقديم برامجهم. تختلف أجهزة الملقن الإلكتروني اليوم بشكل جذري عما كانت عليه منذ أكثر من نصف قرن من الزمن، فقديما كان هذا الجهاز مستقل بذاته ويوضع بجانب الكاميرا ويعمل يدويا، وقبل ذلك أيضا كانت تكتب الكلمات لبعض المذيعين على ألواح كبيرة من الورق المقوى ليقف أحد المساعدين خلف الكاميرا في زاوية معينة ويقوم برفع هذه الألواح الواحدة تلو الأخرى حتى يتمكن المذيع من مشاهدتها وقراءتها.

تأسست أول شركة لصناعة أجهزة الـ teleprompter في خمسينات القرن الماضي على يد فريد بارتون وهوبرت شلافلي واريفن برلين خان، وكان الممثل بارتون هو أول من اقترح إطلاق مفهوم teleprompter على تلك الأجهزة انطلاقا من كونها وسيلة مساعدة لمقدمي البرامج التلفزيونية مما يوجب عليهم تذكر نصوص طويلة نسبيا خلال وقت قصير. وفي عام 1982 طرحت شركة «CompuPrompt» في هوليوود بولاية كاليفورنيا أول جهاز ملقن إليكتروني يستخدم تقنية الحاسب الشخصي «Atari 800 Personal Computer»، وتعد الآن شركة «CompuPrompt» التي غير اسمها إلىProPrompt, Inc. من أعرق الشركات المنتجة لأجهزة شاشات القراءة منذ 25 عاما. وفي أواخر التسعينات طرح عدد من الشركات الأميركية والبريطانية نوعا جديدا من أجهزة الملقن الإلكتروني تعتمد على شاشات TFT-LCD بدلا من شاشات CRTs التقليدية ثقيلة الوزن وصعبة الحركة. وفي أوائل الألفية الثالثة ظهرت موديلات جديدة من أجهزة الـteleprompter بشاشات إضاءة عالية لا تتأثر بأشعة الشمس المباشرة. ويعد عام 2005 هو عام الذروة في تطور أجهزة الملقن الإلكتروني، حيث قدمت شركة «Sysmedia» ولأول مرة خاصية « Voice Activated Prompting» التي تعتمد على سرعة قراءة المذيع أو ملقي الخطاب للانتقال من نص لآخر بدلا من استخدام جهاز تحكم فرعي كما في أجهزة الـ teleprompter الأخرى التقليدية، كما تنافس أيضا العديد من الشركات في طرح أجهزة ملقن شخصية أو Personal Teleprompters تعمل على أجهزة الكومبيوتر المحمول وتتميز بأسعارها المنخفضة نسبيا بالمقارنة بنظيرتها الكبيرة التي تستخدم في استوديوهات التلفزيون والمؤتمرات، وعادة ما تجد أجهزة الملقن الشخصي سوقا رائجا في المدارس والمنظمات والشركات المختلفة.

نجح جهاز الملقن الإلكتروني في اجتذاب أنظار العديد من السياسيين والرؤساء، مما دفعهم لاستخدام هذه التقنية السهلة والعملية في خطبهم في العديد من المؤتمرات السياسية، حيث يركب الجهاز على حامل، بعكس الأجهزة التقليدية التي تثبت على الكاميرات ولا يرى الحضور إلا لوحة زجاجية شفافة أمام الرئيس. ولكن هذا الجهاز، الذي دفع العديد من الصحف الأميركية وأشهرها جريدة «نيويورك تايمز» لإطلاق اسم «Teleprompter President» على باراك أوباما لإدمانه على استخدام جهاز الملقن الإلكتروني، فأينما ذهب فهو حريص على اصطحابه معه، تسبب في إحراج رئيس الوزراء الأيرلندي براين كوين في 17 مارس (آذار) الماضي خلال حفل عشاء أقيم بالبيت الأبيض للاحتفال بيوم عيد القديس باتريك، فعندما استهل كوين إلقاء كلمته مستعينا بجهاز الملقن الإلكتروني «بالترحيب بنفسه كصديق عزيز على الولايات المتحدة» سرعان ما اكتشف أن ما ألقاه كان الكلمة المعدة للرئيس الأميركي أوباما، مما دفع جميع الحضور إلى الضحك وإحراج كوين.

ومن المواقف الأخرى التي تسبب فيها جهاز الملقن الإلكتروني بالإحراج لمستخدمه، ما تعرضت له سارة بالين نائب مرشح الرئاسة الأميركية جون ماكين خلال حملة الانتخابات الأميركية 2008، فعلى الرغم من توقف جهاز الملقن الإلكتروني الخاص بها عن العمل أثناء إلقاء كلمتها في أحد معاقل الحزب الجمهوري، فإنها أثبتت تمتعها بذاكرة جيدة وقدرة عالية على الارتجال في حدود موضوع النقاش، وهو ما دفع كثيرين لعقد المقارنات بينها وبين الرئيس أوباما وانتقاد أوباما بضعف القدرة على الارتجال في حالة توقف جهاز الملقن الإلكتروني الخاص به. وما تعرض له الرئيس الأميركي السابق جورج بوش عام 2006 عندما فوجئ مشاهدو محطة «سي إن إن» الإخبارية الأميركية بالرئيس جورج بوش يطل عليهم من الشاشة، جالسا في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض يتدرب على إلقاء خطابه المنتظر حول موضوع الهجرة مستعينا بجهاز الملقن الإلكتروني، وإذا به يتوقف بعد أول جملة ويتلفت يمينا ويسارا، ثم إلى أعلى، وكأنه محتار ماذا يقول. وتسبب توقفه والتفاتاته تلك في زرع الحيرة لدى ملايين المشاهدين الذين تساءلوا بلا شك: ماذا يفعل الرئيس؟. وبعد مضي أقل من ربع دقيقة على الصور المحرجة للرئيس، انتقلت الكاميرا إلى المذيع وولف بليتزر الذي أنقذ المشاهدين من حيرتهم وقال: «إن الرئيس كان يتدرب على إلقاء الخطاب وسيبدأ في إلقائه رسميا بعد لحظات».

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»