ماذا يجري في أروقة «واشنطن بوست»؟

الآداء الضعيف للصحيفة في جوائز «بوليتزر» يسلط الضوء على تخبطاتها وسط الأزمة المالية.. وتقلبات إدارتها الجديدة

شعار جوائز البوليتزر.. وفي الإطار الكاتب جيم هوغلاند
TT

«النتيجة: 5 ـ 1»... تلك عبارة رددها كثير من الصحافيين خلال الأسبوع الماضي، لكن الحديث لم يكن عن مباراة في كرة القدم أو رياضة أخرى، وإنما عن نتائج جوائز الـ«بوليتزر»، أهم المسابقات الصحافية السنوية في الولايات المتحدة الأميركية. أما طرفا هذه النتيجة، فكانا صحيفتَي «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست»، وهذه السنة فازت الأولى بخمس جوائز والثانية بواحدة. وكما هو الحال في المباريات الرياضية، فإن هذه النتيجة ستبقى لوقت طويل محور أحاديث واستفزازات متبادلة بين صحافيي هذين العملاقيين الإعلاميين. إلا أن جوائز «بوليتزر» هذه المرة حظيت بأهمية بالغة في ظل التوقيت الذي أقيمت فيه، فهي أتت في وسط أزمة اقتصادية وطنية ودولية، تسببت تداعياتها في إغلاق مؤسسات أميركية إعلامية عدة وصحف فاق عمرها في بعض الأحيان القرن من الزمان، في حين اضطرت مؤسسات أخرى مثل «كريستيان ساينس مونيتور» لوقف طبعاتها الورقية والتحول إلى النشر الإلكتروني خفضا للتكاليف وفي محاولة للاستمرار.

لكن في حين توقع كثيرون أن تتسبب هذه الأزمة في خفض جودة القصص التي تنتجها الصحافة، فإن استعراض الفائزين في «بوليتزر» يظهر أن الأمر ليس كذلك، حتى الآن على الأقل. فمثلا فازت «نيويورك تايمز» بسبب سبقها الصحافي لكونها أول من أشار إلى أن إليوت سبيتزر، الذي كان يتولى منصب حاكم نيويورك، يغدق آلاف الدولارات على فتيات دعارة مرتفعات التكلفة. وأدّت التغطية التي أوردتها الصحيفة إلى تقدمه باستقالته وسط مشاعر صدمة بالغة، وقد حدث كل ذلك فيما كانت هذه المؤسسة الإعلامية تتخبط ماليا. يُذكر في هذا السياق، أنه بإضافة الجوائز الخمس التي حظيت بها «نيويورك تايمز» هذه السنة، يكون إجمالي الـ«بوليتزر» التي فازت بها بلغ 101، أي أكثر مما حققته أي صحيفة أميركية أخرى. من جهته، كان الرئيس التنفيذي لشركة «نيويورك تايمز» آرثر سالزبيرغر قال في خطاب أمام مجلس الإدارة إن «الصحافة العالية الجودة» هي أحد أهم ممتلكات الشركة، موضحا أنه يختلف مع من يقول إن الجوائز في عالم الصحافة لا قيمة لها لأنه لا يمكن ترجمتها إلى معنى مادي. وأوضح سالزبيرغر قائلا: «هذه الجوائز تعكس تمسك الشركة بالامتياز الصحافي، وهي ما يشير إليه دائما زملاؤنا ويقدره قراؤنا، الأمر الذي يجعلهم أكثر ولاء لنا، مما يثير بدوره اهتمام المعلنين لدينا». من جهتها تقول كاثرين ماثيس (متحدثة باسم «نيويورك تايمز»)، لـ«الشرق الأوسط» إن كلام سالزبيرغر يثبت «مقدار تمسك شركتنا بالصحافة العالية الجودة». لكن ما الذي يجري في «واشنطن بوست»، خصوصا وأن هناك فئة ترى أن «نيويورك تايمز» باتت صحيفة «أفضل» من «واشنطن بوست» بجميع الأحوال؟

يعترض كاتب العمود في «واشنطن بوست»، جيم هوغلاند، الحائز بدوره على جائزتَي «بولتيزر» خلال مسيرته المهنية، على هذه الفكرة، ويقول إن البوست مستمرة في تقديم الأعمال المميزة. ويذكّر هوغلاند «الشرق الأوسط» بأن صحيفته فازت بـ6 جوائز «بوليتزر» في 2008 (مقابل 2 لـ«نيويورك تايمز»، أو بمعنى آخر فإن النتيجة كانت 6- 2 لصالح البوست في العام الماضي)، ويضيف: «تلك كانت السنة الأخيرة من رئاسة ليونارد داوني، وقد تم أخيرا إعادة ترتيب للوظائف نتج عنها تولي محررَين جديدين، أتيا من خارج الصحيفة، مناصب قيادية».

ويضيف هوغلاند: «إن الأمر يستغرق بعض الوقت قبل أن يتمكن فريق إداري جديد من أن يسيّر الأمور بسلاسة ويفوز بجوائز متعددة». وفي ما يخص «نيويورك تايمز» قال هوغلاند إنه لا يقلل من جودة كثير من الأمور التي تقوم بها التايمز، مثل استخدام الصور بشكل ابتكاري على الإنترنت وورقيا. ويوضح الكاتب المخضرم: «لم تترك (نيويورك تايمز) المجال لمشكلاتها المالية، التي تفوق بشكل كبير مشكلات (واشنطن بوست)، تلهيهم عن إنتاج صحافة عالية الجودة بشكل يومي، وهو ما نحاول جميعا فعله». ويشير هوغلاند إلى أمر آخر هو الأهمية التي نالتها القصص المحلية في جوائز «بوليتزر» هذه السنة، حيث يقول: «هذا طبيعي في ظل تركيز الصحف على قرائها المحليين وفي ظل كون الصحافة الدولية والاستقصائية مكلفة».

يُذكر أن «واشنطن بوست» شهدت تغيرات عدة خلال الأشهر القليلة الماضية، لعل أبرزها تولى ماركوس دبليو. بروكلي، مدير تحرير «ذي وول ستريت جورنال» سابقا، مهام رئيس التحرير التنفيذي بـالصحيفة، خلفا لليونارد داوني في الثامن من سبتمبر (أيلول) الماضي. سبق ذلك ببضعة أشهر تعيين كاثرين ويماوث في منصب ناشرة جديدة للجريدة، وهي مَن اختار بروكلي لخلافة داوني، وتسبب ذلك في ضجة داخلية في الصحيفة حسب ما نقلت تقارير إعلامية، ذلك لأن التغيرات الإدارة جاءت في وسط الحملة الانتخابية الرئاسية العام الماضي واستنفار الصحف كافة لتغطيتها.

* موقع «بوليتيفاكت».. الفائز الآتي من رحم الصحيفة

* تميزت جوائز «بوليتزر» هذه السنة بكونها المرة الأولى التي يُسمح فيها للناشرين على الإنترنت (المؤسسات الصحافية التي لا تملك سوى نسخ إلكترونية) بالمشاركة في المنافسة، رغم أن أيا من الـ65 مؤسسة الإلكترونية لم يفز بأي من الجوائز.

لكن ما كان لافتا، حسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية، هو أن الموقع الإلكتروني الوحيد الذي حصل على إشادة كان موقع «بوليتيفاكت دوت كوم».

والموقع يعد أحد أقسام صحيفة «سان بطرسبرغ تايمز»، وقد نالت الصحيفة بفضل هذا الموقع جائزة بسبب مشروعه الخاص بالتحقق من تأكيدات المرشحين في حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية.

وكانت الصحيفة أسست هذا الموقع خلال فترة الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة الأميركية في مسعى للتحقق من مدى صدقهم والتزامهم بتعهداتهم وتصريحاتهم العلنية. ومنذ فوز المرشح الديمقراطي باراك أوباما بالانتخابات الأخيرة وتوليه سدة الرئاسة، اهتم موقع «بوليتيفاكت» بتصريحات وتعهدات الرئيس أوباما. ولمناسبة الأيام المائة الأولى للرئيس الأميركي في البيت الأبيض، أطلق الموقع منتجا جديدا أسماه «أوباما ميتر» (ميزان أوباما)، وهو خاص بمراقبة مدى التزام الرئيس الأميركي بوعوده، وحتى ساعة إعداد هذا التقرير كان المؤشر الذي يحصي 500 من تعهدات أوباما، يشير إلى أنه التزم بـ27 منها، وأخل بـ6 منها، وقدم تنازلات بشأن 7 أخرى، في حين تخضع 63 للعمل حاليا، و3 مجمدة و408 لم يتم التحرك بشأنها بعد.