يوجين روبنسون.. توقع فوز أوباما ولم يصدق حدوثه

كاتب الرأي الذي فاز بالـ «بوليتزر» الوحيد لـ «واشنطن بوست»

روبنسون
TT

فاز بجائزة «بولتزر» للصحافة، في قسم أحسن رأي، يوجين روبنسون، صحافي أسود يكتب في جريدة «واشنطن بوست»، وعمره 54 سنة. واشتهر بكتابة آراء ليبرالية. وجاءت الجائزة تقديرا لكتابات روبنسون خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وخلال السنوات الأخيرة اشتهر هذا الكاتب في مجالين: الأول: انتقاد سياسة الرئيس السابق بوش الخارجية (خاصة غزو العراق). الثاني: تأييد فوز أوباما كأول رئيس أميركي أسود، والتأمل في ذلك.

رأى في انتصار أوباما انتصارا للسود، وخاصة له، لأنه ولد في ريف ولاية ساوث كارولينا، وتعرض لتفرقة عنصرية كانت واضحة جدا هناك خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي.

ولد وتربي في مدينة «اورينجبيرغ». وعندما كان صغيرا، وقعت هناك ما عرفت بـ«مذبحة اورينجبيرغ». تظاهر سود أمام نادي «بولينغ» للبيض فقط. وقتلت الشرطة البيضاء ثلاثة وجرحت ثلاثين.

بعد ثلاثين سنة، يبدو أن البيض أرادوا التكفير عن ما حدث، وأسسوا، مع سود، ما يمكن أن يسمى «التجمع الأخلاقي». ثم، بعد عشر سنوات أخرى، خلال الحملة الانتخابية في السنة الماضية، دارت الدائرة دورة كاملة. وتبنت المدينة مناظرة بين مرشحي الحزب الديمقراطي (كان أوباما واحدا منهم). وعلى خشبة «مسرح مارتن لوثر كينغ» (القس الأسود، زعيم حركة الحقوق المدنية).

وكتب روبنسون عن كل هذه الأشياء: عن تفرقة البيض، وعن محاولاتهم التكفير، وعن الماضي والحاضر والمستقبل. وصار واضحا أن كتاباته تأثرت بما عانى في مدينة «اورينجبيرغ»، ثم في جامعة ميشيغان، حيث كان يكتب في جريدة «ميشيغان ديلى»، جريدة الطلاب. وإذا كانت تفرقة المدينة واضحة وفيها قتلى وجرحى، كانت تفرقة الجامعة ضمنية وخفية. ويبدو أن روبنسون، الذي يعترف بأن التفرقة الرسمية انتهت، يظل يعاني أو يعتقد أنه يعاني من تفرقة خفية.

لهذا، حتى عندما تحدث عن عمله في جريدة «واشنطن بوست» (منذ سنة 1980)، لم يقل إنه واجه تفرقة واضحة، لكنه قال ما معناه انه واجه تفرقة خفية.

قبل أربع سنوات، حولت «واشنطن بوست» روبنسون من مخبر إلى كاتب رأي. وقبل ذلك، كان عمل مخبرا ومراسلا في القسم المحلي، وفي لندن، وفي أميركا الجنوبية. وقبل أن تحوله الجريدة من مراسل إلى كاتب رأي، سمحت له بالتفرغ لكتابة كتاب «الرقصة الأخيرة في هافانا: آخر أيام فيدل كاسترو، وبداية ثورة ثانية في كوبا».

قبل هذا الكتاب، كان كتب كتاب «من فحم إلى كريمة: رحلة رجل أسود: من اللون إلى العرق».

في هذا الكتاب الأخير، ملامح شخصيته وخفاياها، التي انعكست على كتاباته. وهي، كما في العنوان، أحاسيس صحافي أسود في مجتمع تسيطر عليه ثقافة بيضاء، وهو لا يكاد يحدد هويته، وهل هي تعتمد على «لون» أو على «عرق».

كتب في مقدمة الكتاب: «عندما وصلت إلى ريو دي جانيرو، مراسلا لجريدة «واشنطن بوست». وعصر يوم ذهبت إلى بلاج «ابانيما»، واعتقدت أن الناس ينقسمون إلى بيض أو سود. لكني وجدتهم خليطا، من بياض وسواد وسمرة. ووجدت أنني اقدر على أن أكون اسود إذا أردت. لكني، أيضا، أقدر على ألا أكون أي لون».

قال انه لاحظ أن البرازيليين يركزون على اللون (كوصف خارجي)، وليس على العرق (كهوية). وان سبب ذلك هو الخلطة التاريخية بين البيض والسود والحمر، حتى لم يعد هناك «عرق أسود» مثلما هو حال روبنسون.

لكن، رغم تجربة البرازيل ورغم الكتاب، ظل روبنسون لا يريد أن يتخلي عن عرقه. وهو مثل أميركيين سود كثيرين، يخلط بين عرقه ولونه.

ثم ظهر باراك أوباما، والده أسود من كينيا، ووالدته بيضاء من ريف الغرب الأميركي. وفي الآراء التي كتبها خلال السنة الماضية (والتي فاز بسببها بجائزة «بولتزر» للسنة الماضية) تأرجح روبنسون نحو أوباما كما ظل يتأرجح بين اللون والعرق.

في البداية، لم يتحمس لأوباما، وكان من الذين قالوا إن أوباما «لا يمثل سود أميركا»: أولا: لان والده جاء من كينيا، ولم يعان التفرقة العنصرية عبر أجيال الأميركيين السود. ثانيا: لأن والدته بيضاء، ورباه جده وجدته الأبيضان.

في هذا، كان روبنسون مثل القس جيسي جاكسون. لكن، لسوء حظ جاكسون، كشفه مايكروفون خلال مؤتمر صحافي. كان يعتقد أن المايكروفون مغلق، وقال لزميل أسود يجلس إلى جواره: «أوباما يحتقر السود. ويتعالي عليهم. أود أن أسحق...» (استعمل كلمة بذيئة).

لكن، عندما صار ترشيح الحزب الديمقراطي مقتصرا على أوباما أو هيلاري كلينتون، لم يقف الصحافي روبنسون إلى جانب أوباما فقط، بل، أيضا، عاد إلى «الغضب الأسود» القديم. وانتقد هيلاري كلينتون نقدا عنيفا، وربما جارحا. وأشار إلى لونها الأبيض كجزء من حملتها ضد أوباما الأسود.

بل ونشر آراء قراء بيض دافعوا عن هيلاري وقالوا إن روبنسون «لا هم له غير النظر إلى ألوان الناس». ورد روبنسون انه ليس كذلك. لكنه انتقد هيلاري، وطلب منها أن تنسحب من الحملة الانتخابية لصالح أوباما لأنها لم تحصل على أصوات ولايات كثيرة.

على أي حال، أيد أوباما، وظل يؤيده، ومثل كل سود أميركا تقريبا، رحب بفوزه.

لكن، يبدو أن عقد النقص عنده لا تزال باقية. كتب أكثر من مرة انه «لا يصدق أبدا» أن أسود صار رئيس أميركا. وعندما زار أوباما وزوجته ميشيل بريطانيا، وقابلا ملكة بريطانيا، كتب: «لا أصدق أن ملكة بريطانيا قابلت أسود وسوداء».

السؤال هو: هل فاز روبنسون بالجائزة لأنه، حقيقة، كتب آراء صحافية ممتازة، أو لأنها آراء صحافي اسود مشهور، في عهد جديد صار فيه اسود رئيسا لأميركا؟

الإجابة ربما في جانبي السؤال، وهو، نعم، كتب خلال السنة الماضية عن أوباما وكأنه لا يصدق ما يشاهد. ربما اعتبرت لجنة «بوليتزر» أن هذا، في حد ذاته، شيء مميز في ظروف تاريخية مميزة. وربما تذكرت ما كتب في كتابه عن البرازيل، حيث اعترف بأنه لم يصدق ما كان يشاهد. وربما قالت إن تأرجحات روبنسون هي، أيضا، تأرجحات سود أميركا، بل وتأرجحات كل أميركا.

أما ما كان تعليق يوجين عن فوزه بالجائزة؟

قال: «منذ البداية، كنت أقول إنني أكتب عن ضمير الذين لا يقدرون على أن يكتبوا مثلي».