المراسل الخارجي لـ «الديلي تلغراف»: لا شيء يهزم القصة الجيدة

ديمن ماكلروي يكتب قصته ويطورها على موقع الصحيفة الإلكتروني .. ثم يصوغ خبر الإذاعة

ديمن ماكلروي (الثاني على اليسار) في قارب مع جنود بريطانيين في شط العرب، خلال إحدى مهماته الصحافية بالعراق («الشرق الأوسط»)
TT

جاء ديمن ماكلروي، مراسل الشؤون الخارجية لصحيفة «ذا دايلي تلغراف» البريطانية، لإجراء مقابلته مع «الشرق الأوسط»، بعد لقاء مع مسؤول بريطاني في مقر الحكومة البريطانية للحديث عن التطورات في باكستان، وقبل ساعات من توجهه إلى مطار هيثرو ليذهب إلى جنوب أفريقيا للتغطية.

هذه هي حياة مراسل الشؤون الخارجية، والحديث مع ماكلروي يشبه نمط حياته المليء بالأسفار، حيث يتنقل من مدينة إلى أخرى ملاحقا المواضيع، وسرعان ما يتحول انتباهه من تحليل حدث سياسي يهز قارة، إلى قصة شخص التقاه في شارع إحدى العواصم التي يتردد عليها ضمن عمله.

فبعد تغطية الصين من بكين والتنقل في مدنها لصالح «ذا دايلي تلغراف»، كان ماكلوري مقيما في إسطنبول حيث غطى أحداثا تركية، ومنها انتقل إلى العراق خلال حرب 2003. وزار ماكلروي أكثر من 40 بلدا بتكليفات صحافية من صحيفته، من تغطيات المؤتمرات الدولية إلى التسلل إلى زيمبابوي.

ويصف رحلات العمل بالقول إن «رحلات العمل الصحافية ليست ترفيها، فهي متعِبة، وتتطلب الكثير من الجهد في وقت مختصر، لكنها ميزة لمعرفة قصص العالم».

وعند سؤال ماكلروي الذي أخذه عمله من بلد إلى آخر عن القصة التي كان لها الوقع الأكبر عليه، قال من دون تردد إنها «تغطية أحداث مومباي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، علما بأن ماكلروي كان من أوائل الصحافيين الأجانب الذين توجهوا إلى الهند بعد اقتحام مسلحين لفندق وسط مومباي وسط هجوم على 10 مواقع، منها محطة قطار رئيسية.

ولفت ماكلروي إلى أن أحداث مومباي، على الرغم من مأساتها، تحلت بأبرز صفات المهمة الشيقة للصحافي، حيث يقول: «كان حدثا دراميا كبيرا، استمر فترة أطول من المتوقع، وله عوامل عدة متعلقة بالسياسة الدولية، وتأثيرات على نطاق إقليمي، لكن في الوقت نفسه كانت في تلك الأحداث عوامل إنسانية وقصص فردية تشد الصحافي والقارئ على حد سواء». مضيفا أن الموقع الجغرافي للحدث كان ذا أهمية أيضا، حيث إن فندق تاج محال يقع وسط المدينة، وكان بإمكان الصحافيين التقرب من موقع الحدث. ويقول ماكلوري: «كنا قريبين من الأحداث، فعلى بعد 100 متر فقط كان المسلحون يقاتلون ضد نخبة من رجال الأمن في الهند، ولم يكن أحد يتوقع أن يحارب الإرهابيون بالطريقة التي حاربوا فيها، وبذلك المستوى، أو حتى حصلوا على تلك الدرجة من التدريب».

ويضيف مراسل الشؤون الخارجية عن عناصر التشويق في تلك الأحداث أن «المسؤولين الهنود كانوا يتحدثون عما يدور، وكان بإمكان الصحافي الحصول على المعلومات، وذلك ما جعل أحداث مومباي كاملة بكل عناصر التشويق الصحافية، حيث الاهتمام الدولي، وتوافر المعلومات المسربة، والبعد الإنساني الذي ربط القراء بالقصة».

وقرار تغطية حدث مثل مومباي وإرسال مراسل من لندن لدعم التغطية، بالإضافة إلى مراسل موجود أصلا في الهند، ليس قرارا اعتباطيا، فمسألة التوقيت تعني أنه يجب أن يكون فوريا، حيث يشرح ماكلروي طريقة التوصل إلى قرار التوجه إلى الهند، فعلى الرغم من أنه عند وقوع الهجوم كان من الممكن أن ينتهي خلال ساعات، فإن «الهند نفسها قصة كبيرة بسبب نموها الاقتصادي ونفوذها، وهذا الحدث كان دراميا، وعندما سمعنا بالخبر ظهرا كان من الواضح أن المسلحين خرجوا فجأة من وسط المجتمع، فحتى إن انتهى الهجوم نفسه خلال ساعات فنتائجه كانت ستستمر لفترة طويلة». مضيفا: «على صعيد شخصي، كنت قد ذهبت إلى مومباي سابقا، وبقيت في الفندق نفسه فكان للخبر وقع علي».

وخلال ساعة من بدء الهجوم أخذ ماكلروي يفكر في السفر بينما يحرر المواد التي يبعثها مراسل «تلغراف من مومباي». وقال: «في اللحظات الأولى لم نعرف مدى الهجوم، وعند تصاعد أعداد الضحايا والهجمات بدأت تتبلور الصورة». ويشرح ذلك بالقول: «بعد ساعة من توافد الأخبار عن الحدث توجهت إلى مديري وقلت له علي أن أذهب إلى الهند الآن، ووافق بناء على تقييمي، لكن كان نهار العمل قد اقترب حينها من الانتهاء، مما عقّد الاستعداد للسفر وصعّب الأمور اللوجستية». وذهب ماكلروي إلى المفوضية الهندية العليا في لندن للحصول على تأشيرة بعد إغلاق المفوضية أبوابها، لكنه أصر على الحصول على التأشيرة، وروى ضاحكا كيف أصر على الحارس الليلي أن يسمح له بالدخول وأن يحصل على موافقة المفوض السامي الهندي للمجيء إلى المفوضية ومنحه التأشيرة. يقول ماكلروي: «أدخلني الحارس واتصل بالملحق الإعلامي والقنصل، وبعد ذلك أخذ المفوض السامي قرارا بإعطائي التأشيرة لأنه كان من المستحيل أن يحصل على رد من وزارة الخارجية الهندية للسماح بدخول الصحافيين».

بحلول فجر اليوم التالي كان ماكلروي على طائرة إلى مومباي ليجد معه عددا من الصحافيين البريطانيين الذين اتخذوا القرار نفسه. ولفت إلى أن «الصحافيين الجديين في العمل يرون فرصة للسفر وتغطية حدث معين في وقت معين ويعملون من أجلها»، إلا أنه يشير إلى أن هناك «تنظيما داخل الصحيفة يحدد اختيار الصحافيين للسفر في المهمات الخارجية»، حيث يشير ماكلروي إلى أن صحيفته تقوم بإرسال الصحافيين للمهمات الخارجية وفق معرفتهم بالمناطق المراد تغطيتها، أو من خلال معرفة الصحافي بمصادر تخدم قصته في البلد المراد إعداد قصص منها.

وعندما يتحدث مراسل الشؤون الخارجية ماكلروي عن تجربته في مومباي فإنه يتحدث بحماس كبير، إلا أنه عند سؤاله عن الحدث الذي كان يتمنى لو لم يغطِّه، فيقول ماكلروي بعد صمت ملحوظ: «هذا سؤال صعب الإجابة عليه».

إلا أنه يقول بصوت خافت: «أقرب شيء لذلك قد يكون تغطية التسونامي» الذي ضرب آسيا نهاية عام 2004، حيث يقول: «كان من الصعب جدا تغطية التسونامي، كنت في موقع يحيطني فيه الأموات من كل مكان، والمباني مهدمة. كان شعور بالدمار الكامل، حيث ترى المأساة في كل مكان». مضيفا أنه «بين فترة وأخرى يصعب حتى وصف موقف بهذا الأسى نظرا لهول شدته، كإنسان تجد أحداثا تؤثر فيك بشدة، وتحس بأن ما تفعله لا يغير كثيرا في واقع الأحداث».

وتواجه الصحافيين الذين يكتبون في الشؤون السياسية مشكلات مختلفة، من الأمور اللوجستية إلى محاولة السيطرة على المشاعر الخاصة، كما تواجههم بين الحين والآخر مشكلات سياسية، خصوصا إذا كتبوا عن دول لا تؤمن بالحرية الصحافية.

وبالنسبة للصحافي البريطاني ماكلوري فهو ممنوع اليوم من دخول كوريا الشمالية، المعروفة بانعزالها الدولي ورفضها للصحافة الحرة. ويقول ماكلوري: «على حد علمي، ما زلت ممنوعا من الذهاب إلى كوريا الشمالية».

موضحا: «لقد ذهبت إلى هناك عام 2002، وكتبت عن المراقبين الأجانب في كوريا الشمالية بعد مغادرتي لها، وبعد يومين أصدر قرار بإدانتي في البلاد، وقال لي القائم بالأعمال البريطاني هناك إنني ممنوع من دخول البلاد».

لكن ذلك لم يشغل الصحافي البريطاني، حيث يقول مبتسما: «ضميري مرتاح، فقد أعطيت صورة صائبة للوضع هناك، وإذا اختار نظام معين أن يهاجمني فهذا لا يقلل من مصداقية عملي». مضيفا: «لقد طُردت مرة من بلد في الشرق الأوسط أيضا وغادرت البلاد حينها، ولكن عدت إليها مرات عدة منذ ذلك الوقت». إلا أنه امتنع عن الحديث عن تفاصيل تلك التجربة، حيث يقول: «أعلم أن قراءكم من كافة دول المنطقة».

وقد غطى ماكلروي حروبا عدة، منها حرب العراق عام 2003، والحرب بين جورجيا وروسيا الصيف الماضي، وعلى الرغم من الإثارة التي يقرأ عنها القارئ، قال ماكلروي إن «الكثير من الوقت في تغطية تلك الحروب مضجر، فعلى سبيل المثال في العراق قبل سنتين وفي أوج العنف كان هناك مسؤول عن الأمن يحدد أين يمكن لك أن تذهب وكيف يمكن أن تتحرك، وهذا أمر محير ومضجر، حيث لا يسمح لك بالتواصل مع القصة مباشرة».

إلا أنه يقول إنه و«منذ تحسن الوضع الأمني في العراق، أستطيع السير في الشوارع والتواصل مع الناس ومعرفة كيف يعيشون، وهذا أمر مستحيل في حال كنت مع العسكريين أو بإمرة مسؤول أمني، لكن أحيانا يكون ذلك خارجا عن يدك».

وعن العمل وسط الحرب يقول ماكلروي: «عليك أن تتخذ قرارات صغيرة ولكن مهمة حول أمنك الشخصي، ولكن هذا جزء من العمل الذي تتعلمه مع الوقت».

ومثل غيره من المراسلين في الصحافة المكتوبة، فقد شهد ماكلروي خلال سنوات عمله تغييرا كبيرا في نهج عمله بسبب تقدم التكنولوجيا، حيث يقول إن «وتيرة العمل تغيرت حقا، ووسيلة إعلامنا جددت نفسها لتنتقل إلى خدمة أخبار مستمرة، فعندما يذهب القارئ إلى موقعنا الإلكتروني سيرى أحدث الأخبار، بدلا من الأخبار التي نشرت ذلك الصباح». مضيفا: «عندما أكون مسافرا في مهمة أطور قصتي، التي أكون قد أرسلتها الليلة الماضية، عندما أستيقظ، ثم أجري مقابلة صوتية لموقعنا الإلكتروني ثم أطور القصة على الموقع الإلكتروني كلما تطورت القصة».

ويبرر ذلك بالقول إنه يريد أن «يختار القارئ موقع (ذا دايلي تلغراف) بدلا من مواقع أخرى تنافسنا، لأن القارئ اليوم يريد الأخبار وبسرعة». إلا أن الخبر الصحافي المكتوب والمنشور في النسخة الورقية للصحيفة يبقى العامل الأساسي في عمل ماكلوري وغيره من مراسلي الصحافة المكتوبة، حيث يقول ماكلوري إنه «لا شيء يهزم القصة الفردية الجيدة، كما أنه لا شيء أفضل من الانفراد بقصة لم يحصل عليها غيرك». وللحصول على الانفراد الصحافي والقصة الجيدة يقول الصحافي البريطاني إن ذلك يعتمد على «المصادر الخاصة بالصحافي، وكذلك النظرة الصائبة للصحافي في معرفة المصدر الذي بحوزته قصة يستطيع إطلاعك عليها، وليست متوفرة لغيرك من الصحافيين».

ويقدم ماكلوري نصيحة قيمة للصحافيين من أجل الحصول على قصص صحافية جيدة، حيث يقول: «كثيرا ما تجد أناسا في أوضاع صعبة، وبحاجة إلى من يستمع إلى قصصهم، والميزة هنا هي أنك تظهر للناس اهتمامك بهم كصحافي، ومن خلالهم تجد القصص الجيدة».

ويروي ماكلوري قصة صادفته هو نفسه، حيث يقول إنه في أثناء زيارته إلى المجر قبل أسابيع لتغطية الأزمة الاقتصادية، رأى رجلا يجلس على رصيف أحد الشوارع في العاصمة، وكان قد فقد شقته بسبب عدم مقدرته على الوفاء بسداد أقساطها نظرا لفقدانه وظيفته. يقول ماكلوري: «كان رجلا ناضجا يبكي لأسباب خارجة عن سيطرته، حيث إنه رجل كان يحاول فعل الأمر الذي يقوم به الإنسان الطبيعي، حيث حصل على وظيفة، وأراد أن يربي أولاده في منزل خاص، لكنه فقد كل شيء بسبب أزمة كبيرة».

ويقول مراسل الشؤون الخارجية إنه ومن خلال قصة هذا الرجل وغيره يمكن التعرف على حجم معاناة الناس جراء الأزمة الاقتصادية، «لا يمكن معرفة حقيقة مثل هذه الأزمة دون النظر إلى قصص المعاناة الفردية».