مراسل «نيويورك تايمز» في الأمم المتحدة: ملاحقة الأخبار السيئة طريقة مميزة لكسب العيش

ماك فاركوهار لـ «الشرق الأوسط» : أنا ابن المنطقة العربية.. وأعرفها منذ الثالثة في عمري

ماك فاركوهار خلال تغطيته الانتخابات البلدية في السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

بدأت معرفة نيل ماك فاركوهار بمنطقة الشرق الوسط منذ نعومة أظافره وهو في الثالثة من العمر، ذلك عندما انتقلت أسرته للعيش في ليبيا، حيث عمل والده لعقد من الزمن في قطاع الصناعة النفطية الوليد. واستهل نيل تعليمه بمدرسة إسو الابتدائية. وبصورة مجملة، أمضى أكثر من 25 عاما في المنطقة، منها 5 أعوام قضاها في القاهرة كمدير لمكتب «نيويورك تايمز» هناك، سبقتها 7 أعوام قضاها مراسلا لوكالة «أسوشييتد بريس». وخلال هذه الفترة أقام في إسرائيل، والكويت، والسعودية، وقبرص. عاش نيل في القاهرة في الفترة ما بين يناير (كانون الثاني) 2001 وحتى يناير (كانون الثاني) 2006. كان دائم الترحال من المغرب إلى إيران، بيد أنه قضى غالبية وقته في السعودية وسورية وإيران، مع بعض التقارير التي قدمها أيضا من العراق حتى نهاية عام 2003. وخلال الأوقات التي كانت تشهد خفوت أعمال العنف، ركز في مقالاته على صور الحياة اليومية مثل (الفتاوى المعادية للكلاب في إيران) كما أبرز سيرة طباخ لبناني عرف على الفضائيات، وكذلك ركز في كتاباته على المسلسل السعودي الكوميدي الشهير «طاش ما طاش». وقد استغل عمله الأخير كمراسل في الشرق الأوسط في كتابة عدد من المقالات عن شخصيات عربية عملت على إجراء تغيير سياسي واجتماعي. وقد كانت حياته وعمله في تلك الفترة مصدر الإلهام لكتاب له صدر له مؤخرا عن «المنطقة العربية بعيون صحافي أميركي». وبعد أن غادر القاهرة كتب عن المسلمين في أميركا الشمالية لمدة عامين، ثم تولى بعد ذلك منصبه الحالي كمدير لمكتب «التايمز» في الأمم المتحدة في يونيو (حزيران) 2008. ويعيش نيل في نيويورك ويتحدث العربية والفرنسية بطلاقة، كما أنه يحمل درجة الليسانس في الاقتصاد السياسي الدولي من جامعة ستانفورد.

ونيل هو مؤلف كتابين، أحدثهما: «قسم العلاقات الإعلامية بحزب الله يتمنى لك عيد ميلاد سعيدا: المواجهات غير المتوقعة في الشرق الأوسط المتغير» 2009، وهو عبارة عن محاولات لكشف الجانب الخفي من الشرق الأوسط. وكذلك «مقهى الرمال» 2006، وهو نظرة ساخرة على مجموعة من المراسلين الأجانب الجامحين القابعين بفندق سعودي في انتظار حرب الخليج كان لا يبدو أنها ستقع على الإطلاق، وهي من نوع الأدب قصصي. وعندما سئل عن رأيه في عمل المراسل الأجنبي، كتب نيل: «إنها وظيفة مرحة. مرحة بما تحمله الكلمة من معنى. فالترحال من دولة إلى دولة لملاحقة الأخبار السيئة طريقة مميزة لكسب العيش وتقترب من العبث».

وقال نيل ماك فاركوهار لـ«الشرق الأوسط» من المؤكد أن الكثير مما أكتب عنه يعبر عن واقعي ويتناول أشياء تبعث الحزن. لكن الطريقة التي تتبناها المؤسسات الصحافية حيال تلك المآسي، والتفاصيل التي لا يراها غالبية الأفراد، تجعل منها أمرا كوميديا على نحو مألوف، خاصة في العالم العربي. «لقد نجحت في ضم ذلك إلى كتابيّ. بيد أن الجزء الأفضل هو أن كتابة التقارير الصحافية صيغة من التعليم المتواصل وفرصة للمواجهة مع العالم دون أي عوائق». فإلى نص الحوار الذي أجراه عبر البريد الإلكتروني..

* كنت رئيس مكتب «نيويورك تايمز» في القاهرة. ماذا كانت أفضل القصص التي نشرتها من هناك وما هو انطباعك عن المصريين؟

ـ أفضل ما في مصر هو أهلها، وأفضل ذكرياتي عن ذلك البلد والتي أحملها معي على الدوام هي الصداقات التي كونتها هناك، خاصة مع الصحافيين المصريين الأذكياء والنشطين الذين عملوا معي. وكانت أفضل القصص التي كتبت عنها تلك المتعلقة بالرجال والنساء الذين يناضلون لجعل مصر أكثر حرية وانفتاحا وتسامحا وأكثر تطورا، وقد حاولت إلقاء الضوء على تلك الشخصيات في كتابي أيضا.

* ما هي أفضل القصص الإخبارية التي كتبت عنها حتى الآن؟ وما هي أفضل قصة إخبارية كتبت عنها حتى الآن من السعودية أو مصر؟

ـ كانت أفضل القصص الإخبارية التي نشرتها تلك التي تشكل لب كتابي: «قسم العلاقات الإعلامية بحزب الله يتمنى لك عيد ميلاد سعيدا: المواجهات غير المتوقعة في الشرق الأوسط المتغير». وقد قضيت نحو شهر في كل من المغرب ومصر والأردن والبحرين والسعودية حاولت التركيز فيها على شخصية أو شخصيتين سواء من الرجال أو النساء من الذين يحاولون إحداث تغيير اجتماعي أو سياسي. وقد جعلتني مقابلتهم متفائلا بشأن مستقبل الشرق الأوسط بدرجة لم أكن أشعر بها عند الكتابة عن أعمال العنف. بالطبع كان هناك عدد من القصص الإخبارية التي كانت مضحكة مثل قصة النحلة التي سقطت في صلصة الشيف رمزي عندما كان يطهو في أحد الأيام (سيكون عليك أن تقرأ الكتاب).

* قمت بتغطية حرب الخليج. فما الذي تتذكره من تلك الحرب؟

ـ تغطية الحرب ذاتها تجربة محبطة لأن ممثلي الهيئات الصحافية قضوا الكثير من الوقت في فندق الظهران في انتظار أن تبدأ الحرب فعلا. وقد كتبت رواية عن ذلك فعلا أسميتها «مقهى الرمال» ونشرتها منذ ثلاث سنوات. وكان أفضل شيء في الحرب هو أنني أقمت في السعودية لمدة 9 أشهر، وكان علي أن أعرف البلاد وأهلها أكثر مما أقوم به خلال الزيارات الصحافية السريعة التي يقوم بها الصحافيون عادة.

* ما هو انطباعك بشأن السياسات العربية مقارنة بالسياسات في الغرب؟

ـ هناك طوائف شتى من الأفراد في العالم العربي الذين يشعرون بأن منطقتهم متخلفة عن باقي دول العالم على مستوى الحقوق السياسية والإنسانية والمدنية الأساسية. وعندما ينظرون إلى تاريخ المنطقة، بتاريخها الثري من الإنجازات العلمية والفنية يتساءلون عن السبب. أين هي مايكروسوفت العربية؟ وأين هي حاسبات أبل العربية؟ أعتقد أن الشباب يدركون أنهم بحاجة إلى بعض الحريات الأساسية والفرص للتقدم.

* في رأيك ما هو إرث جورج بوش فيما يخص الشرق الأوسط؟ وما رأيك كيف سيتعامل أوباما مع تلك القضية؟

ـ أعتقد أن الرئيس بوش قدم عددا كبيرا من الوعود بشأن المساعدة في تغيير الشرق الأوسط لكنه لم يف بها، وقد كان الدفع بالديمقراطية أقرب إلى «نحن نحب الديمقراطية عندما يفوز أصدقاؤنا»، وأعتقد أنه كان من الأفضل الدفع باتجاه الحقوق الأساسية في المجتمع المدني مثل حرية الصحافة، وحرية التجمعات، وحرية التعبير. وكان عليه أن يحاول أن يعرف القيم العامة والخطاب العام مثل الحاجة إلى العدالة التي أكد عليها القرآن الكريم. ولا شك في أن العرب بحاجة إلى تنمية سياسية أكبر، لكنهم بحاجة إلى إيجاد مسارهم الخاص في القيام بذلك. وآمل أن يقوم الرئيس أوباما بتشجيعهم للسير على الدرب لا أن يقول لهم كيف المسير؟.

* ما هي آمالك بالنسبة لحل المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية؟

ـ تجنبت الكتابة بصورة كبيرة عن النزاع أيضا في كتابي، لأنني أعتقد أن هناك ما هو أكبر من تلك المشكلة في الشرق الأوسط على الرغم من أهميتها الواضحة. ولقد عملت كمراسل مقيم في القدس لمدة عامين بداية من عام 1993 عندما تم تفعيل اتفاقية سلام أوسلو الأولى. وكان هناك تفاؤل كبير بين الفلسطينيين بأنهم سيخرجون الجيش الإسرائيلي من حياتهم، ومن بين الإسرائيليين بأنه يمكنهم الاختلاط بصورة قليلة مع جيرانهم. وبعبارة أخرى فإن الأفراد من الجانبين رغبوا في شيء راسخ وملموس من تلك العملية لكن اختطفها المتطرفون. ولم يكن السياسيون أفضل حالا. لكني آمل أن يكون ذلك الشعور لا يزال موجودا على كلا الجانبين وأن يتوافق القادة السياسيون الذين يستطيعون صياغتها والوصول بالشعوب إلى ما ترغبه بحق ـ العيش بكرامة مع أمل أفضل لأبنائهم.

* تسببت خلية حزب الله التي اعتقلت في مصر مؤخرا في كثير من الجدل بين الشعب المصري. فما هي وجهة نظرك حيال ذلك بالنظر إلى معرفتك الوثيقة بكل من مصر وحزب الله؟

ـ لم أزر المنطقة مؤخرا ولم أتابع تفاصيل ذلك النزاع، لكن أملي الرئيسي هو أن يفوز الأفراد الذين يؤمنون بالحرية والعدالة والتسامح النضال من أجل المستقبل في الشرق الأوسط.

* أنت تتحدث العربية بطلاقة، وقضيت ما يقرب من 25 عاما من عمرك في الشرق الأوسط، هل تشعر بالقرب من العرب؟

ـ الشيء الوحيد الذي أفتقده من العيش في هذه المنطقة هو كرم الضيافة الذي لقيته في كل دولة أقمت بها. في بعض الأحيان يكون من المتوحش أن تعمل صحافيا تتنقل بين فندق وآخر وكان أصدقائي من العرب على استعداد دائما لدعوتي على العشاء أو الخروج في مغامرة، وكانت تلك هي الطريقة التي شاهدت بها الكثير في الشرق الأوسط، كصحراء مصر البيضاء ووادي رم في الأردن وبالميرا في سورية وساحل البحر الأحمر حول جدة. وقد كان بإمكاني الذهاب مرات عديدة إلى هناك. وحقيقة الأمر أن أحد الأسباب التي دفعتني لكتابة الكتاب هي التأكيد على أن الشرق الأوسط الذي عشت فيه كان مختلفا كثيرا عن صورة العنف التي تشاع عنه في الخارج.

* توماس فريدمان كاتب شهير عن العالم العربي. فما رأيك في عمله؟

ـ لست في مكانة تسمح لي أن أعلق على عمل كاتب يعمل في ذات الصحيفة.

* يوجد على موقعك الشخصي على الإنترنت معرض لصور لك في عدد من الدول العربية والأفريقية، ما هي أقربها إلى قلبك؟ ولماذا؟

ـ أنا أحمل حبا كبيرا للدول العربية وهو ما أعتقد أنه بدا واضحا في كتابي، وسيكون من الصعب جدا اختيار واحدة لأن جميعها تحمل المميزات التي تجعلها متفردة.

* عملت كصحافي وروائي «مقهى الرمال» فأيهما تفضل؟ ولماذا؟

ـ أحب كتابة الأدب القصصي لأنني لا أضطر للتأكد من الحقائق، ولقد اعتقدت أنها ربما تكون أداة لي لتعليم الناس بشأن المنطقة لأبين لهم التنوع الكبير في الحياة داخل السعودية، على سبيل المثال، بدلا من الصورة النمطية للرجال وهم على ظهور الجمال والنساء اللائي يرتدين العباءات. لكنني اكتشفت أنه في حالة عدم كتابة القصص يأخذ القراء الأمور بجدية أكبر.

* هل يمكنك أن تخبر القراء العرب القليل عن أحدث كتبك، وكم تطلب منك الوقت لإخراجه؟

ـ كنت أقضي أجازة من عملي في القاهرة في كاليفورنيا سألني أحد المدعوين على العشاء «هل هناك أشخاص طبيعيون في الشرق الأوسط مثلي ومثلك أو على الأقل أفراد يمكننا التواصل معهم؟»، وكانت ردة فعلي الأولى هو أن هناك كل الأنواع، وتبادر إلى ذهني تلك الشخصيات العربية المبهجة التي قضيت وقتي بينهم والذين يتسمون بالذكاء والتحضر، وهم ومثقفون ومتطورون ومرحون وكرماء. لكني كنت متحيرا إلى حد ما حول ما قضيت وقتي في الكتابة عنه والذي ثبت أنه تكرار بصورة تبعث على الملل. حرب الخليج الأولى. الانتفاضات الفلسطينية المختلفة ضد الاحتلال الإسرائيلي، هجمات 11/9 وغزو العراق ونتائجه. وأدركت أن العنف أصبح عائقا يمنعني من متابعة هدفي الأصلي والذي تمثل في استخدام مكانتي لمحاولة إضافة المزيد من الصدق إلى ما صار نظرة أحادية قاتمة للمنطقة منذ ثورة عام 1979 في إيران.

والمعيار بأن صورة العالم العربي منطقة متخلفة تعج بالمتعصبين المقنعين والنساء المنقبات اللائي يصرخن «أنقذوني»، إن كن قادرات على الكلام مع جمل في خلفية الصورة. أنا أعلم ذلك لأنني شخصيا كانت لدي تلك الصورة عندما كنت طفلا أعيش في ليبيا حيث نشأت في مجمع سكني نفطي يدعى مرسا بريغا والمحاط بسور عالٍ. وقد تبدو تلك الصورة جنونية الآن، لكن الليبيين لم يكن مسموحا لهم بالعيش هناك في البداية. لذا كانت النقطة التي أردت أن أوضحها في كتابي، هي أنه عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط يتبادر سؤال كامل عن الصورة الخارجية مقابل الحقيقة الداخلية. والحقيقة الداخلية أكثر تشويقا من الصورة. ولقد حاولت، بالطبع، تصوير ذلك كمراسل لكن ذلك كان من القوة بحيث تطلب ضمه في صفحات الكتاب أكثر منه في بضع قصص صحافية في جريدة واحدة هنا وهناك. وقد تضمن جميع مناحي الحياة، ولم يقتصر فقط على التساؤلات الكبيرة بشأن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وإنما تناول قضايا الحياة اليومية مثل التلفزيونات والطعام والفتاوى. وقد ألهمني ذلك للحديث عن بعض الشخصيات المفضلة بالنسبة لي مثل الشيف رمزي والمطربة اللبنانية الكبيرة فيروز التي تتحدث عن قوة الحنين للأغاني القديمة لحياة القرية في الشرق الأوسط لدرجة أن الماضي القريب أصبح نوعا من الخرافة، وكل أولئك الرجال والنساء الذين يعملون من أجل التغيير السياسي والاجتماعي. وأعتقد أن بإمكاني إصلاح التأكيد اللانهائي على نزيف الدماء من خلال التركيز على الأشخاص الملهمين لإصلاح التوازن. وقد كانت ردة الفعل حتى الآن إيجابية. فالمقالات النقدية والأشخاص الذين سمعت آراءهم يقولون إنه جانب من الشرق الأوسط لم يشهدوه من قبل.