صدام إعلامي بين مردوخ وبرلسكوني

خلاف يتسم بالجدية.. ويزداد حدة بمرور الوقت

روبرت مردوخ
TT

عندما يدخل روبرت مردوخ وسيلفيو برلسكوني في صدام، من غير المثير للدهشة أن يخلف النزاع أصداء على كثير من الأصعدة. في إيطاليا، استغل برلسكوني، رئيس الوزراء، أحد اللقاءات التي أجريت معه من جانب واحدة من القنوات التلفزيونية التي يملكها لاتهام مردوخ بشن هجوم شخصي ضده عبر صحيفة مملوكة لشركة «نيوز كوربوريشن»، التي تمثل إمبراطوريته الإعلامية العالمية. وقد تفحصت مجموعة من المقالات والمقالات الافتتاحية الصادرة في «تايمز أوف لندن» العلاقة القائمة بين برلسكوني، 72 عاما، وعارضة أزياء تبلغ من العمر 18 عاما تدعى ناعومي ليتيزيا. في المقابل، رفض مردوخ، خلال ظهور له بإحدى القنوات التلفزيونية في نيويورك المملوكة لـ«نيوز كوربوريشن»، ادعاءات برلسكوني حول تعرضه لهجوم شخصي، واصفا إياها بالهراء، ومؤكدا أن صحفا أخرى، لا تملكها شركته، وجهت انتقادات أكبر لبرلسكوني. على هذا الصعيد، ربما يبدو النزاع بين الرجلين هزليا أشبه بعروض المهرجين في المهرجانات الإيطالية. إلا أنه على صعيد آخر، يتسم الخلاف بين مردوخ وبرلسكوني بالجدية، بل ويزداد حدة بمرور الوقت. من جانبه، قال فابريتسيو بيريتي، البروفسور بجامعة بوكوني في ميلانو والمتخصص في صناعة الإعلام الإيطالي، إن برلسكوني: «يخشى ما يمكن لمردوخ فعله في إيطاليا. ولذلك، وجه اتهامات لمردوخ، على الرغم من أنه ليس من يتحمل اللوم في واقع الأمر». جدير بالذكر أن «نيوز كوربوريشن» تمتلك «سكاي إيطاليا»، وهي محطة فضائية هيمنت على مجال القنوات التلفزيونية مدفوعة الأجر داخل إيطاليا منذ إطلاقها عام 2003. وتحاول الشركة المملوكة لأسرة برلسكوني، «فينينفست»، تحدي سيطرة «سكاي إيطاليا» على القنوات التلفزيونية مدفوعة الأجر. وعلى الرغم من الوضع الجيد لـ«سكاي إيطاليا» ـ حيث يزيد عدد المشتركين بها على 4.7 مليون شخص، ما يعني أنها تصل إلى نحو ربع الأسر الإيطالية ـ فإن المحللين الإعلاميين يقولون إن التغييرات في السوق الوطنية ربما توفر انفراجة بالنسبة لـ«ميدياست»، وهي شركة مملوكة لـ«فينينفست». وقال تيم ويسكوت، المحلل في «سكرين دايجست» في لندن: «المنافسة في طريقها للوصول إلى مستوى جديد من الحدة خلال النصف الثاني من هذا العام». ويعتبر المجال التلفزيوني الإيطالي فريدا من نوعه، نظرا لعدم وجود خدمة كابل في البلاد، في الوقت الذي حققت جهات الخدمات الإخبارية التي ترسل برامجها عبر وصلات مرتبطة بشبكة الإنترنت ـ وهي تقنية تشهد تناميا سريعا بالأجزاء الأخرى من أوروبا ـ انتشارا بطيئا. وبعد إنشاء «سكاي إيطاليا» بفترة قصيرة، أطلقت «ميدياست» خدمة تلفزيونية مدفوعة الأجر باستخدام إشارات مشفرة يتم بثها في صورة رقمية على الأمواج العادية. واعتمادا على جهاز خاص وبطاقات مدفوعة الأجر مسبقا، مثل تلك التي يستخدمها كثير من الإيطاليين من أجل خدمات الهاتف الجوال، يتمكن المشاهدون من فك شفرات الإشارات، التي تتضمن إذاعة مباريات كرة القدم البارزة. بصورة عامة، يتكبد هؤلاء المشتركون مصاريف أقل بكثير عن نظرائهم في «سكاي إيطاليا»، ولا تزال «ميدياست» تجني معظم عائداتها من مجال التلفزيون من الإعلانات على قنواتها المجانية. إلا أنه مع انحسار عائدات الإعلانات، تحولت أعينها باتجاه التدفق الثابت للدخل من المشتركين بالقنوات التلفزيونية مدفوعة الأجر، وبذلت جهودا لتحويل حاملي بطاقاتها التلفزيونية البالغ عددهم 2.9 مليون فرد إلى مشتركين لأمد طويل، وكذلك اجتذاب عملاء آخرين. من ناحية أخرى، يعتقد المحللون أنه مع تحول التلفزيون الإيطالي إلى الإشارات الرقمية، سيصبح من الأيسر بالنسبة لـ«ميدياست» تحويل مشاهديها إلى عملاء يدفعون أجرا مقابل الخدمات التي يتلقونها، نظرا لأنه سيصبح بحوزتهم بالفعل التقنيات اللازمة كافة، بينما تستلزم «سكاي إيطاليا» تركيب طبق للقمر الصناعي. في المقابل، لا تقف «سكاي إيطاليا» ساكنة، فمثلما الحال داخل الأسواق الأخرى، مثل بريطانيا، حيث تدير الشركة نشاطا تجاريا ناجحا في مجال القنوات التلفزيونية مدفوعة الأجر، تضع الشركة رهانا كبيرا على المحتوى في محاولة للحفاظ على مكانتها المهيمنة. من ناحيته، يرجع برلسكوني تفاقم الخلاف مع مردوخ إلى قرار اتخذته الحكومة في ديسمبر (كانون الأول) بمضاعفة ضريبة القيمة المضافة على «سكاي إيطاليا» إلى 20 في المائة. وقال برلسكوني في إطار لقاء أجرته معه القناة الخامسة التابعة لـ«ميدياست»: «لا أبغي الإساءة، لكن للأسف شهدت مسألة ضريبة القيمة المضافة انهيارا في العلاقات مع مجموعة سكاي ومجموعة مردوخ، التي نشرت سلسلة من المقالات شديدة النقد تهاجمني خلالها». وعلى ما يبدو، كان يشير إلى عدد من المقالات والمقالات الافتتاحية التي ظهرت في «تايمز أوف لندن»، حمل أحدها عنوان: «وسقط قناع المهرج». وجاء هجوم مردوخ المضاد الأسبوع الماضي خلال لقاء أجرته معه «فوكس بيزنس نتورك»، حيث قال: «لا أسيطر على ما يكتبه رئيس تحرير (ذي تايمز أوف لندن) أو الخبراء الاقتصاديون الذين يهاجمونه، الذين أكدوا أنه من العار أن يتولى رئاسة الوزراء على مدار السنوات الخمس الماضية». وربما يكون أكثر ما يثير الدهشة في هذا الأمر مرور مثل هذا الوقت الطويل قبل اندلاع هذا الصراع، بالنظر إلى حجم تداخل المصالح والنفوذ البالغ الذي يتمتع به الرجلان. في التسعينات، بين فترتي تولي برلسكوني رئاسة الوزراء الأولى والثانية ـ وهو يقضي حاليا فترته الثالثة في المنصب ـ انتشرت تقارير على نطاق واسع حول دخوله في مناقشات مع مردوخ حول بيع «ميدياست»، لكنهما عجزا عن التوصل إلى اتفاق بشأن السعر. وتم إنشاء «سكاي إيطاليا»، الذي جرى عبر اندماج شركتين معنيتين بالقنوات الفضائية، خلال الفترة الثانية لبرلسكوني في منصب رئيس الوزراء. يذكر أن دول أوروبية أخرى وجدت من العسير التعامل مع أكثر من جهة تلفزيونية كبرى مدفوعة الأجر، ما أثمر موجة من الاندماجات. ومع احتدام المنافسة داخل إيطاليا، يعتقد المحللون أنه من غير المحتمل أن تكون التوترات القائمة حاليا بين برلسكوني ومردوخ الأخيرة من نوعها. في هذا الصدد، أعرب أوغستو بريتا، المدير العام لـ«آي تي ميديا كنسلتنغ» في روما، عن اعتقاده بأن: «إيطاليا ستتحول على مدار السنوات القليلة القادمة إلى سوق تلفزيونية مثيرة للغاية، من المنظورين الاقتصادي والسياسي».