«واشنطن البوست» تراجع حفلات العشاء لتجنب انتهاك أخلاقيات المهنة

بعد غضب الصحيفة والعاملين فيها.. الناشرة تضطر إلى إلغاء الحفل وتعتذر

ناشرة «واشنطن بوست» تهنئ الكاتب بالصحيفة ايغن روبسون بعد فوزه بجائزة بوليتزر لعام 2008 على عاموده الذي ركز على انتخاب أول رئيس أميركي أسود («واشنطن بوست»)
TT

بدأت «واشنطن بوست» يوم الاثنين الماضي، مراجعات داخلية لضمان أن ممارساتها العملية لا تساوم على أخلاقياتها الصحافية عندما تنظم الصحيفة مؤتمرات أو حفلات خاصة يمولها رعاة. وتأتي المراجعات بعد أن تم الكشف الأسبوع الماضي عن أن «البوست» كانت تخطط لإقامة حفلات عشاء خاصة ليست للنشر في منزل الناشرة كاثرين ويماوث وكان هناك سعي إلى رعاة يدفعون 25 ألف دولار لحضور كل حفل والمشاركة في مناقشات تشبه جلسات الصالون مع سياسيين وصحافيين. وقد ألغت ويماوث حفلات العشاء فجأة بعد أن روجت نشرة إعلانية تسويقية للحفل الأول على أنه فرصة «لا تتضمن مواجهات» من أجل السيطرة على صناع السياسات. وصرحت الناشرة ومحررو غرفة الأخبار بأنهم لم يروا النشرة الإعلانية قبل خروجها وأنها شوهت الغرض من الحفلات. وكلفت ويماوث المستشار العام للصحيفة إيريك ليبرمان يوم الاثنين بمراجعة المناقشات التي أدت إلى تلك الحالة من الجدال. وتهدف المراجعة بالإضافة إلى تحقيق مواز يجريه رئيس التحرير التنفيذي ماركوس براوشلي وكبير المحررين ملتون كولمان إلى تجنب حدوث واقعة أخرى يمكنها أن تضر بسمعة الصحيفة.

وقالت ويماوث في مقابلة معها: «نعتقد أننا نعرف ماذا حدث، ولكننا نريد أن نعرف إن كانت هناك تفاصيل أخرى لا نعرفها أو إذا كان هناك شيء غفلنا عنه. وإذا كانت أي من ممارساتنا غير واضحة، فسوف نصلحها».

وفي اجتماعات مع صحافيي «البوست» يوم الاثنين، اعترف براوشلي بأن حفلات العشاء في حد ذاتها، وليس فقط النشرات التي تروج لها، مثيرة للمشاكل وكان يجب رفضها أثناء فترة التخطيط. وقال إنه لا يجب على الصحيفة التي تفخر بأنها تغطي التداخل بين السلطة والمال أن تقيم مكانا لمثل تلك الأنشطة.

وأضاف براوشلي: «يجب أن يكون عملنا هو تسليط الأضواء على الأركان المظلمة وليس إيجاد الأركان المظلمة».

وقد دخلت العديد من المؤسسات الصحافية في مجال تنظيم الحفلات والمؤتمرات المربح في الأعوام الأخيرة في محاولة للعثور على مصادر أرباح جديدة من أجل عملياتها المطبوعة والإلكترونية التي تشهد انخفاضا. وأقامت «وول ستريت جورنال» و«نيويورك تايمز» و«إيكونومست» و«نيويوركر» و«نيوزويك» (التي تمتلكها شركة واشنطن بوست) وعشرات من المجلات فاعليات شارك فيها الصحافيون العاملون فيها في جلسات نقاشية ومقابلات مع صناع الأخبار.

وعلى النقيض من حفلات «البوست» الملغاة، فإن تلك الفاعليات متاحة أمام العامة ويسجلها الصحافيون، مما يعني أن لديهم حرية نشر أية تصريحات تقال.

ولكن أقامت مجلة «أتلانتك» ما يزيد على 100 حفل على مدار الأعوام الستة الماضية تشبه ما تخيلته «البوست». وتدعو المجلة بانتظام مجموعة من 20 إلى 40 من المشاركين المؤثرين إلى مناقشات مغلقة وينفق عليها رعاة وهي غير خاضعة للنشر.

وترعى كل حفل من حفلات «أتلانتك» مؤسسة أو شركة واحدة لها مصلحة في المناقشات وفي التأثير على المشاركين فيها. وبذلك، ربما ترعى شركة طاقة نقاشا حول سياسة الطاقة، أو ربما يرعى اتحاد عمال نقاشا حول إصلاح المعاشات.

وتقول كيلي ماكبرايد، رئيسة قسم أخلاقيات المهنة في معهد بوينتر، وهي مؤسسة تدريب صحافي، إن تلك الترتيبات تثير القضايا الأخلاقية ذاتها مثل حفلات عشاء «البوست» المثيرة للجدل: هل تستخدم المؤسسة الصحافية اسمها الصحافي الجيد لتوصيل صانعي السياسات إلى الرعاة الذين يريدون السيطرة عليهم، مع الحد من المشاركة الشعبية؟

ورفض زكاري هوبر المتحدث باسم «أتلانتك» تعريف المشاركين أو الرعاة في حفلات عشاء المجلة. وقال إن هناك قواعد أساسية، «فمنذ البداية، قلنا إننا لا نضمن اتصال أي شخص أو نضمن التأثير على أي قرار. وكانت المناقشات تحت سيطرة تحريرية كاملة من العاملين في المجلة».

وفي الأسبوع الماضي، أعلنت «البوست» أن مدير التسويق المعين حديثا تشارلز بيلتون هو المسؤول عن النشرة الإعلانية التي أساءت عرض حفل العشاء الأول. ولم يصدر بيلتون، الذي ما زال معينا مديرا عاما لشؤون المؤتمرات والحفلات في الصحيفة، تعليقات علنية منذ يوم الخميس.

ولكن في الوقت الذي تنكر فيه مديرو «البوست» على الفور مما عبرت عنه النشرة الإعلانية، كان مديرون رفيعو المستوى قد أقروا بالفعل التفاصيل الأساسية في الحفل الأول. وقد وافقوا، على سبيل المثال، على أن يتضمن الحفل مشاركة براوشلي وصحافي واحد على الأقل من «البوست»، لأن أحداث الحفل لن تكون خاضعة للنشر، وأنها ستضم مجموعة كبيرة من الضيوف المشاركين في عملية إصلاح الرعاية الصحية وأنه سيكون هناك رعاة.

وقد اعترض بعض أعضاء غرفة الأخبار على حضور حفل في منزل ويماوث. ولم تحدث تغييرات في الخطة. ولكن ظل السؤال الوحيد من دون إجابة هو ما إذا كان الحفل الأول سيحظى بعدة رعاة أو براع واحد. وقد ذكر كل من براوشلي وويماوث أنهما يفضلان تعدد الرعاة، لتخفيف تأثير وجود راع خاص. ولكن عندما أرسل مكتب ويماوث دعوات عبر البريد الإلكتروني لحضور الحفل في بداية الأسبوع الماضي، لم يندرج في القائمة سوى كايزر برمانينت. (وقد صرح مسؤولو كايزر أنهم لم يكونوا قد قرروا ما إذا كانوا سيشاركون).

وذكرت ويماوث أنها كانت في إجازة في الأسبوع الماضي، ولم تر الدعوة التي أرسلت باسمها. وتقول إنها لو رأتها، لكانت قد طرحت المزيد من الأسئلة حول تخطيط الحفل.

واجتمع براوشلي وويماوث والرئيس التنفيذي لشركة «البوست» دونالد غراهام وحدهم أو في مجموعات صغيرة مع صحافيي «البوست» يوم الاثنين، سعيا لطمأنتهم والإجابة على أسئلتهم حول الجدل المثار.

ويقول المحرر السياسي القديم دان بالز: «أعتقد أن ذلك كان مفيدا. وأعتقد أنهم كانوا صرحاء في محاولتهم توضيح كيف حدث ذلك. وأعتقد أنه ما زالت هناك أسئلة لدى الجميع حول كيفية حدوث ذلك الانهيار الجماعي. فلم يكن الأمر يتعلق بشخصين في غرفة واحدة. بل كان هناك العديد من المناقشات حول الأمر. وهذا ما يقلقني. والجميع يعرف أن حفلات العشاء فكرة سيئة. وإذا لم يكن أحد يعرف ذلك من قبل، فقد عرفوه الآن».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»