جدل بريطاني حول مصادر المعلومات الصحافية غير القانونية

بعد اختراق صحيفة «الغارديان» رسائل هاتفية لآلاف الأشخاص

صحيفة التابلويد «نيوز أوف ذا وورلد» التي كشفت تورط صحيفة «الغارديان» في التجسس على مكالمات الآلاف من المشاهير (إ.ب.أ)
TT

تكمن الخدعة في نشر المواد التي تم الحصول عليها بطريقة غير قانونية في التالي: اعرف أقل قدر من المعلومات عن مصدرها، ولا تكن مطلقا الشخص الذي قام بالحصول عليها بطريقة سيئة.

امتلأت بريطانيا ضجيجا في الأسبوع الماضي بسبب تقارير إخبارية نشرتها صحيفة «الغارديان» بأن صحيفة التابلويد «نيوز أوف ذا وورلد» قد اخترقت رسائل هاتفية لآلاف الأشخاص، كثير منهم من المشاهير، وقامت بتسجيلها، وأن شركة «نيوز كوربوريشن» المالكة لها قد دفعت 1.6 مليون دولار لتسوية لأمر مع عدد من الأشخاص الذين تجسست عليهم.

ويعد النطاق الواسع للفضيحة جديدا، ولكن لا تعد التفاصيل كذلك. فبعض المناطق في الصحافة لديها تاريخ طويل، خاصة في بريطانيا، من استخدام معلومات ربما تم الحصول عليها بطريقة غير قانونية، وغالبا ما تكون عن طريق محققين خاصين، ومن أمثلتها التنصت على المكالمات الهاتفية والسجلات المالية الشخصية، بل والملفات الطبية. وفي إحدى القضايا الشهيرة، نشرت صحف بريطانية نصا مكتوبا لمحادثات الأمير تشارلز الحميمة مع كاميلا باركر ـ باولز (التي أصبحت زوجته حاليا)، بينما كان لا يزال متزوجا من الأميرة ديانا، من خلال اتصال هاتفي تم التنصت عليه.

ولكن يسمح القانون عامة، على جانبي المحيط الأطلسي، للمؤسسات الإخبارية باستخدام المعلومات المقدمة إليها عن طريق شخص ما قد يكون حصل عليها بصورة غير قانونية.

وفي عام 1999، تنصت زوجان من فلوريدا على اتصال بين أعضاء في الكونغرس وأعطوا تسجيلا له لعضو مجلس النواب الديمقراطي عن ولاية واشنطن جيم ماكديرموت، الذي أعطاه بعد ذلك للصحف، ومنها «نيويورك تايمز»، وتمت إدانة الزوجين باتهامات جنائية، ولكنهما لم يقضيا فترة عقوبتهما في السجن. ولكن كان موقف ماكديرموت القانوني أسوأ، حيث دفع تعويضات في قضية رفعت ضده بسبب تسريبه للتسجيل. ولم تتم معاقبة الصحف.

ولكن ما يجعل قضية «نيوز أوف ذا وورلد»، التي يتورط فيها كليف غودمان محرر الشؤون الملكية في الصحيفة وشريكه غلين مولكير المحقق الخاص، مختلفة، هو أن غودمان مشترك بصورة مباشرة في عملية التنصت غير القانوني. وقد ظهرت القضية للمرة الأولى عام 2006، عندما تم تحديد هوية عدد من الضحايا، ودخل الرجلان السجن.

يقول روبرت دوغلاس، مستشار الأمن المعلوماتي في كولورادو، الذي أدلى بشهادته أمام الكونغرس في قضايا انتهاك خصوصية مشابهة: «دائما ما توجد فواصل بين المستخدم النهائي للمعلومات والأشخاص الذين حصلوا عليها، حتى يتمكن المشترون من القول إنهم ليسوا متورطين في الحصول عليها وإنهم لا يعرفون كيف تم الحصول عليها».

ولكن وفقا لمستشارين أمنيين، بالمقارنة مع بريطانيا، حيث تعد الصحف المروجة للفضائح والمتنافسة بشراسة أساسا ثقافيا، تقل مثل تلك الأخبار في الولايات المتحدة، وغالبا ما تنشرها صحف الـ«تابلويد» الموجودة في السوبر ماركت وعدد من البرامج التلفزيونية والمواقع الإلكترونية، وليست الصحف السائدة.

في عام 1999، وجهت اتهامات لمحقق خاص وزوجته في دنفر بالحصول على معلومات بصورة غير قانونية عن مجموعة كبيرة من الأشخاص، من بينهم عائلة جونبينيت رامزي، من أجل بيعها لصحف الـ«تابلويد». وقد أدينا باتهامات جنائية. (وقد تم حبس ابن شقيق المحقق بعد ذلك بتهمة الحصول بطريقة غير قانونية على تسجيلات هاتفية لمسؤولين في هوليت ـ باكارد وصحافيين، بالتظاهر بأنه منهم، وهو أقرب نموذج أميركي لما فعله مولكير وغودمان).

ويقول كين شاندلر، البريطاني الذي يعمل في «نيوز كوربوريشن» منذ عقود، ومن بين المهام التي تولاها كبير محرري «ذا نيويورك بوست» و«بوسطن هيرالد»، إن صحف الـ«تابلويد» البريطانية «تنمو على الفضائح، وليس غريبا عليها أن تدفع مقابل الحصول على الموضوعات، وهو ما لا تفعله الصحف الأميركية، وغالبا ما يؤدي ذلك إلى موضوعات تراها هذه البلاد انتهاكات غير مقبولة للخصوصية».

وربما تقترب الـ«بوست»، وهي صحيفة «تابلويد» كثيرا ما تكون صادمة، من نموذج الـ«تابلويد» البريطاني أكثر من أية صحيفة أميركية يومية كبرى، ولكن يقول شاندلر وزانا أنتونيس التي كانت تعمل محررة أخرى سابقة في الـ«بوست» وهي حاليا رئيسة تحرير «كراينز نيويورك بيزنيس»، إنهما لم يسمعا من قبل أن الصحيفة تدفع مقابل الحصول على معلومات أو تستعين بمحققين.

ويقول دوغلاس وشاندلر إن الأشخاص الذين يجمعون المعلومات الخاصة يكونون أكثر استعدادا لتجاوز الخطوط الأخلاقية في مقابل المال.

ولكن يختلف معهما مايكل أنطونيلو، المستشار العام لشركة «أميركان ميديا» التي تنشر «ذا ناشيونال إنكويرر» ومجلة «ستار». ويقول: «نحن ندفع مقابل المعلومات، ولم نحفز أحدا، على قدر علمي، على انتهاك القانون».

وعندما سئل عما إذا كانت شركته قد دفعت من قبل مقابل التنصت على مكالمات هاتفية، أو رسائل صوتية أو تسجيلات هاتفية، قال: «لا أعرف بالفعل إذا كنت أود التعليق على ذلك».

وأكد على أنه لا يوجد فارق أخلاقي أو عملي بين تلك الأموال ودفع بعض برامج التلفزيون في مقابل ما يطلقون عليه أتعاب ترخيص الصور والفيديو. وقال إن الشخص الذي لديه غرض خاص، ويسرب معلومات إلى صحيفة ولا يحصل على مقابل مباشر، يحصل على مقابل بطريقة أخرى. وأضاف أن «الجميع يدفعون، ونحن ندفع نقدا».

* خدمة «نيويورك تايمز»