سباق محموم بين وسائل الإعلام المرئية والإلكترونية على بث الخبر

توقيت بث خبر وفاة مايكل جاكسون وندا سلطان نموذجا

المواقع الالكترونية أول من بثت خبر مقتل ندا سلطان في المظاهرات الإيرانية ووفاة مايكل جاكسون قبل الإعلام التقليدي (إ.ب.أ)
TT

كعالم أتيحت له فرصة العمل في مختبر كيمياء، عاد سريناث سرينافاسان، أستاذ الإعلام الجديدة في كلية كولومبيا للصحافة، إلى حيث مجال عمله الذي اختاره الشهر الماضي مستقلا قطار الأنفاق.

تلقى سرينافاسان في الساعة 5:54 كما كبيرا من الرسائل من أشخاص يتابعهم على «تويتر» تشير إلى أن مايكل جاكسون مات. شهق لدى قراءته الخبر ونقله لمتابعيه الذين تحسروا هم أيضا. كان سرينافاسان يبث الأخبار بصورة مباشرة من أسفل شوارع منهاتن المزدحمة. لذا ما مدى جودة مصادره؟

وقال سرينافاسان في مقابلة أجريت معه: «كنت أعلم أنه في المستشفى، في ذلك الوقت، وكان هناك العديد من الأشخاص ممن أثق بهم ينقلون لي الأنباء الخاصة به، لكنهم كانوا بالطبع يستقون الأنباء من مصدر واحد»، ذلك المصدر هو «تي إم زد»، موقع النميمة الخاصة بالمشاهير، الذي يملكه تيم وارنر الذي تتسم أخباره بالدقة. ففي الساعة 5:20 مساء أعلن الموقع أن مايكل جاكسون مات. أدرك سرينافاسان حينما غادر محطة مترو الأنفاق وهرع يتابع الأخبار على ثلاث قنوات تلفزيونية أن لديه حرية أوسع في النشر من العديد من المؤسسات الإعلامية في البلاد. فقد كانت المحطات التلفزيونية لا تزال تعلن أن جاكسون في غيبوبة من دون أن تأتي على ذكر بعض مواقع الإنترنت التي تغص بالأخبار عن وفاة ملك البوب. وقال: «إذا كنت مخطئا، فلن أكون جيدا».

نشر سرينافاسان فيما بعد على موقع فيس بوك صورة لتوقيتات للأخبار التي وصلته تلك الليلة أظهرت أن خبر الوفاة أعلن في الساعة 6:23 مساء عندما أوردت صحيفة لوس أنجليس تايمز نبأ وفاة مايكل جاكسون، ثم تبعها بعد ذلك بدقيقتين سياتل تايمز التي نشرت على موقعها أن «صحيفة لوس أنجليس تايمز أوردت نبأ وفاة مايكل جاكسون». وبحلول الساعة 6:34 نقلت شبكة إن بي سي وصحيفة وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز النبأ على التوالي. ربما يكون من قبيل الدهشة عدم كون سرينافاسان زائرا دائما لموقع تي إم زد على الرغم من اعتباره إياه المصدر الأكثر ثقة بأخبار المشاهير. وقال: «يتصور البعض أن موقع «تي إم زد» لا يكترث بمصداقية الخبر، ولكنهم إذا ما نقلوا خبرا بصورة خاطئة لكان الأمر سيئا بالنسبة لهم. فالمواقع مثل تي إم زد تبني أو تحطم مستقبلها بناء على تلك النوعية من الأخبار».

وأشار إلى أنه عندما تابع أخبار وفاة مايكل جاكسون لم يكن يقيم تي إم زد، لكنه كان يقيم الأشخاص الذين يرددون الخبر على تويتر. فقد كانوا يعولون على مصداقيتهم (وبالتالي بمصداقية تي إم زد).

وذلك درس يحرص سرينافاسان على نقله لتلاميذه فيقول: «أقول لهم إن الوقت الذي يقرر فيه الواحد منكم نقل خبر ما فإنه بذلك يتخذ قرارا مهما، ويضع مصداقيته في الحياة وعلى الإنترنت على المحك».

وكما تابعنا كانت هناك وفاة أخرى شهيرة الشهر الماضي ألا وهي حادثة مصرع ندا أغا سلطان الشابة الإيرانية التي لقيت مصرعها أثناء مظاهرات طهران احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية هناك. جاء مصرع ندا، الذي بثته القنوات التلفزيونية والمدونات والمواقع الإلكترونية مثل يوتيوب، كدليل على الممارسات التعسفية التي مورست بحق المعارضة الإيرانية لكن الأيام الأولى للخبر سادها ارتباك واضح حول هوية ندا. حتى أن المؤسسات الإعلامية مثل وكالة أسوشييتد برس وسي إن إن تحدثت عن الفيديو في بداية الأمر، مشيرة إلى أنها غير متيقنة من فحوى الشريط. فقد أشارت وكالة أسوشييتد برس في تغطيتها الخاصة فيما بعد «إلى وجود شريط فيديو لكنها لم تتمكن من التأكد من محتوى الشريط أو موقعه أو تاريخ التقاطه»، وقد حاولت المؤسسات الإعلامية التقليدية التحقق مما ينشر على الإنترنت سواء فيما يتعلق بفيديو مصرع ندا أو إعادة عرض ما نقل من طهران على المدونات أو موقع تويتر حتى تتجنب ردود الفعل التي يمكن أن تحدث في إيران أو العالم الخارجي. لكن مطالب التحقق من صحة الأخبار، خاصة الأخبار العاجلة في المدونات كانت سهلة التغلب عليها انطلاقا من أهمية نشر الخبر بدلا من انتظار الرواية الرسمية بوفاة ندا. وقد لعبت عدائية الحكومة تجاه الصحافيين دورا في تسهيل اتخاذ ذلك القرار، خاصة أن عدد المراسلين الأجانب على الأرض كان قليلا. ولو أن ذلك الحكم كان قد طبق في الإعلان عن وفاة مايكل جاكسون لكان لزاما على تلك المؤسسات الإعلامية التصرف بصورة مختلفة. فبدلا من الامتناع عن الإعلان عن نبأ وفاة جاكسون، كان عليها أن تعلم قراءها بورود تقارير تشير إلى أن مايكل جاكسون توفي وأن مراسلي تلك المؤسسات يحاولون التيقن من الخبر.

هل من الممكن أن تكون معايير نشر أنباء المشاهير أكثر حزما عنها في الأزمات الدولية؟ حسنا، قد يكون الأمر أن يبدو الأمر كذلك، لكن الأفضل دراسة ما يمليه هذا الاختلاف حول عرض الأخبار في عصر الإنترنت. ربما تكون صحافة المشاهير المنطقة الوحيدة التي تسمح للمؤسسات الإخبارية التقليدية بالبقاء فوق النقد. وأيضا هل يستحق نشر أخبار غير صحيحة عن المشاهير المجازفة؟ هناك الكثير من المؤسسات الإعلامية الأخرى التي نشرت آخر التقارير عبر استخدام المراسلين تويتر للاتصال بموقع تي إم زد الإخباري الذي يتشكك فيه رؤساؤهم.

على الرغم من الاهتمام العالمي الذي لقيته الاحتجاجات الإيرانية إلا أنها افتقدت المراسلين الأجانب، ومن ثم إذا ما كانت ضرورة للتحايل على معايير التيقن من صحة المعلومات فمن الأفضل أن تطبق هناك، فهناك حاجة للأخبار أي أخبار. ونظرا للضرورة الملحة باتت مواقع مثل تويتر ويوتيوب أدوات لتغطية الاحتجاجات الإيرانية سواء أكانت على مدونة ليدي التابعة لصحيفة نيويورك تايمز أو موقع آي ريبورت التابع لقناة سي إن إن. ربما تكون المظاهرات الإيرانية بوابة الأزمة التي أدخلت المؤسسات الإعلامية التقليدية إلى سلسلة من مضايقات الإنترنت لدى نشر الأنباء العاجلة. كما كانت أزمة الرهائن الأميركيين في إيران منذ 30 عاما مدخلا لأزمة قادت إلى تغطية إعلامية مستمرة للخبر بداية من برنامج نايت لاين على قناة إيه بي سي الإخبارية ثم قناة سي إن إن وباقي القنوات. وقال سرينافاسان عن تغطية المظاهرات الإيرانية: «الكثير من المؤسسات الإخبارية التي لم تفكر مطلقا في عرض أشرطة فيديو على يوتيوب لم يكن أمامها خيار، وسيكون من المدهش بالنسبة لوسائل الإعلام أن تقرر كيفية التعامل مع الأمر.

* خدمة «نيويورك تايمز»