إسبانيا.. دولة تتنفس كرة

80% من الأخبار الرياضية متعلقة بكرة القدم.. و3000 عضو في رابطة صحافيي الرياضة

جنون إسباني بمتابعة الأحداث الرياضية وبخاصة مباريات كرة القدم (رويترز)
TT

كانت أولى المجلات الرياضية الإسبانية في التاريخ هي مجلة «لا كولوما»، وكانت هذه المجلة تغطي مسابقات الحمام، وهي عادة قديمة وصلت إلى إسبانيا عبر العرب، وما زالت متواجدة حتى الآن في بعض الأماكن المتفرقة في البلاد.

ولكن بعد ذلك بخمسمائة عام، طار الحمام وأصبحت كرة القدم هي الرياضة الأكثر أهمية بالنسبة لوسائل الإعلام، وفي الحوارات العادية، كما أنها متداخلة في نسيج حياة الإسبان. وفي الإجازات الأسبوعية، يمكن أن تبث القنوات العامة والخاصة نحو 14 مباراة كرة قدم، ثلاث أو أربع فقط منها يتم بثها مجانا. بالإضافة إلى أن القنوات الإسبانية تتصارع كل ثلاثاء أو أربعاء بعد الآخر على الاستحواذ على أكبر قطاع من الجمهور في مشاهدات المنافسات الأوروبية.

إلا أن الناس يريدون المزيد، فهم يريدون التحليلات، والتفاصيل، واللقاءات، والملاحظات، وصور المباراة التي شاهدوها في اليوم السابق. وكل يوم يقرأ نحو 2749000 إسباني الصحيفة الأكثر مبيعا في البلاد والتي يطلق عليها «ماركا» وهي المكان الوحيد الذي يغطي الأخبار الرياضية، 70 في المائة من الأخبار تتعلق بكرة القدم، و30 في المائة تتعلق بالرياضة.

وتتصدر «ماركا» السوق الأكثر أهمية في مجال الاتصالات الإعلامية في إسبانيا، تليها ثلاث صحف رياضية أخرى، والتي تضيف نحو 2.3 مليون قارئ يوميا. وإذا كان القارئ مهتما برياضة محددة، فإنه توجد الآن مجلات كرة السلة، ركوب الدرجات، والدوريات المتخصصة في التنس، وما إلى ذلك. وهذا بالنسبة للصحافة المطبوعة فقط. وللبرامج الرياضية في كل محطة إذاعية جمهور أكبر من الأنواع الأخرى من المواد الإعلامية، كما أن صحافيي تلك البرامج الرياضية من أكثر الناس الذين يحصلون على أجور مرتفعة في البلاد. وفي يومي السبت والأحد، يتم بث المباريات على الهواء مباشرة التي تبدأ في 16:00 وتنتهي في 23:00 من دون فواصل، وتبث تلك القنوات سبع ساعات أخرى من البرامج التي تتحدث حول كرة القدم.

هل ذلك كثير؟ ففي كل صحيفة قومية صفحات مخصصة للرياضة تصبح هي الصفحات الرئيسية خلال الإجازات الأسبوعية وخلال الأحداث الخاصة.

ومرة أخرى، فإن المعلومات التي تتعلق بكرة القدم تحتل 80 في المائة من تلك الصفحات إلا إذا فاز المنتخب في أحد بطولات كرة السلة، أو كرة اليد أو التنس أو ما شابه أو خلال الألعاب الأوليمبية.

وبشكل أساسي، تتصدر نوادي ريال مدريد وبرشلونة تلك الأخبار، فتوقيع أحد العقود الجديدة مع اللاعبين يصبح مثارا لآلاف من الكلمات في الصحف والقنوات. والأخبار الموجودة على المواقع التي تتعلق بهذين الفريقين هي في الكثير من الأحيان تكون صادمة أكثر من الأخبار السياسية أو خبر وفاة مايكل جاكسون.

ولطالما كانت الرياضة مسألة ضرورية لوسائل الإعلام الإسبانية، إلا أن مظهر الرياضيين الناجحين مثل رافييل نادال في «التنس» أو فرناندو ألونسو في «فورمولا 1» قد عززت أهمية هذه الأخبار في وسائل الإعلام. حتى أن الأخبار المتعلقة بفرناندو ألونسو تعد من أكثر التغييرات التي حدثت في مجال صحافة الرياضة أهمية خلال العشر سنوات الأخيرة.

ويقر فرناندو بيتا محرر الموقع الإسباني elmundo.es لـ«الشرق الأوسط» بأن كل خبر يحتوي عنوانه على اسم فرناندو ألونسو هو عنصر نجاح محقق في هذا الموقع، مضيفا: «لا تهتم فالأخبار فقط حول ألونسو».

ويفسر ذلك صحافي رياضي إسباني بقوله: «يجب على الصحف أن تتقبل شيئا كان يبدو غريبا بالنسبة لها حتى ظهر ألونسو؛ فجمهور «فورمولا 1» تزايد والناس تسأل عن المعلومات حول تلك الرياضة». ففجأة وصلت «فورمولا 1» للصفحات الأولى من الصحف واحتلت 30 في المائة من الصفحات الرياضية مع كل جائزة تحصل عليها.

ويضيف: «يجب على وسائل الإعلام أن تعين صحافيين متخصصين في تلك الرياضة أو أن تدرب واحدا للكتابة في تلك الأخبار. فالجمهور والإعلانات قد تزايدوا بشدة».

وبالطريقة نفسها، فإن نجاح منتخب كرة القدم في بطولة دولية، أدى إلى رفع مبيعات الصحيفة خلال الصيف الماضي وجذب جمهور تاريخي على شاشات التلفزيون، حتى أن بعض الصحف القومية كانت قد خصصت نحو 32 صفحة لذلك النصر. وكانت ضربة الجزاء الأخيرة ضد إيطاليا والتي جعلت الفريق الإسباني يصل إلى تصفيات ما قبل النهائي من أكثر الدقائق التي حققت نسب مشاهدة في تاريخ التلفزيون الإسباني.

وفي تلك اللحظة، كان نحو 15922000 مشاهد في يوم 22 يونيو (حزيران) 2008 في الساعة 23:20 يشاهدون مباراة كرة القدم. وحقق النهائي نسبة مشاهدة وصلت إلى 14482000 مشاهد ولكن الرقم الأكثر إثارة للدهشة هو أن أربعة من كل خمسة أشخاص من الذين يشاهدون التلفزيون في ذلك الوقت كانوا يشاهدون مباراة كرة القدم. وعلى الأرجح كان الشخص الخامس أصم أو أعمى أو أجنبيا.

وكل أربع سنوات تصبح الألعاب الأوليمبية هي الحدث الأكثر أهمية خلال ذلك الوقت، حيث تغطي القنوات العامة نحو 15 ساعة من البث الحي يوميا وترسل الصحف والإذاعات المراسلين المتخصصين لتغطية المنافسات. وتخصص الصحف والمجلات صفحات محددة لذلك الحدث وعادة ما يكون النصر أو الإخفاق الذي مني به لاعب إسباني هو الموضوع الرئيسي لصور الصفحة الأولى كما أنه يتصدر الأخبار.

وحتى في ذلك الوقت، تستمر صفحات الرياضة في تغطية الأخبار التي تتعلق بتوقيع عقد مع أحد اللاعبين أو فسخ أحد العقود الموجودة بالفعل. ولكي تفهم ذلك الجنون الجماعي، يجب أن تلاحظ أنه بالرغم من أزمة الائتمان فإن صحيفة «ماركا» الرياضية، ازداد عدد قرائها بمعدل 6 في المائة عن العام الماضي. بينما منيت باقي الصحف الإسبانية والصحف الأجنبية بخسائر على مستوى المبيعات وعدد القراء.

وطبعا يقوم بنشر ذلك النوع من الأخبار صحافيون، وبالتالي فإن المعلومات الرياضية هي مجال للعمل الناجح كذلك.

ولدى رابطة صحافيي الرياضة الإسبان أكثر من ثلاثة آلاف عضو في البلد ولكن عدد الصحافيين الذين يعملون في صفحات الرياضة في وسائل الإعلام الإسبانية أكبر من ذلك بكثير.

فهناك صحافيون رياضيون في كل استاد خلال كل إجازة أسبوعية لتغطية كل المباريات سواء في دوري الدرجة الأولى أو الثانية بخلاف الذين يغطون الرياضات الأخرى مثل كرة السلة، والتنس، والسباحة، والجمباز.

ويقول المتحدث الرسمي باسم تلك الرابطة إن نحو 8 آلاف يعملون في قطاعات الرياضة في وسائل الإعلام المختلفة في تلك اللحظة. وبعض هؤلاء الصحافيين له أهمية أكبر من الصحافيين السياسيين أو الاقتصاديين ولديهم معجبون ولديهم نقاد مثل أي نجم. وهؤلاء الصحافيون يخلقون رأيا ويقدمون معلومات ويبثون الحماس في بلد تكون فيه كرة القدم سببا من أسباب الطلاق.. «لماذا، لماذا تريد أن تتركني من أجل مباراة كرة قدم كل يوم أحد؟». تتغنى بذلك امرأة إلى زوجها في أغنية إعلانية لإحدى القنوات الخاصة التي تبث مباريات كرة القدم.

* صحافية من «الموندو» الإسبانية متعاونة مع «الشرق الأوسط»