أزمة «غارديان ميديا غروب» الاقتصادية تطيح بأقدم الصحف البريطانية

«الأوبزرفر» أمام خيارات الصدور كل خميس أو أيام الآحاد مع تقليص صفحاتها أو بيعها

خيارات عدة أمام مجلس إدارة «غارديان ميديا قروب» بخصوص صحيفة «الأوبزرفر» (إ. ب. أ)
TT

تلوح في الأفق إمكانية أن تختفي أقدم صحيفة تصدر أيام الآحاد على مستوى العالم، «الأوبزرفر»، بصورتها التقليدية بحلول الخريف القادم، بعد 218 عاما على صدورها. والواضح أن الأزمة المالية الراهنة لا تبدي توقيرا لأي عمر أو ماض عريق للصحيفة، حيث تدرس «غارديان ميديا غروب» إقرار تحول في هذا الإصدار. وقد اقترح واحد على الأقل من أعضاء «سكوت ترست»، المؤسسة المالكة لـ«غارديان ميديا غروب»، هذه الإمكانية خلال اجتماع مجلس الإدارة في 6 يوليو (تموز) الماضي، وذلك كإجراء لادخار الموارد المالية، وفي إطار خطة ترمي لتقليص التكاليف داخل الشركة. يذكر أن المجموعة شرعت في العمل على تجنب المشكلات الاقتصادية التي منيت بها «الغارديان»، الصحيفة اليومية الصادرة عن المجموعة. مؤخرا، أعلنت «غارديان ميديا غروب» أن المجموعة عانت من خسائر قبل استقطاع الضرائب بلغت 89.8 مليون جنيه إسترليني. في هذا الإطار، يدرس مجلس إدارة المجموعة «التضحية» بـ«الأوبزرفر»، ومن خلال ذلك، إنقاذ أهم إصدارات المجموعة «الغارديان». طبقا للمعلومات المنشورة الأسبوع الماضي في «صنداي تايمز»، اقترح العضو الذي طرح هذه الخطة خلال اجتماع مجلس إدارة المجموعة إحداث تحول في «الأوبزرفر» بحيث تتحول إلى مجلة أسبوعية، بل وعرض على باقي الأعضاء نسخا تجريبية من هذا المنتج الافتراضي الجديد.

وحسب الاقتراح، ستطرح هذه المجلة في الأسواق كل خميس، مع تميزها بمضمون جديد وتركيزها على الأنباء التجارية، طبقا لتصريح أصدره أحد المصادر المقربة من إدارة «الأوبزرفر» أوردته «فايننشيال تايمز». وطبقا للخبر الوارد في «الفايننشيال تايمز» أبدى بعض أعضاء مجلس إدارة «سكوت ترست»، بمن في ذلك ممثل الصحافيين بالمجلس، معارضتهم للخطة المقترحة، وحثوا القيادة على إيجاد حل آخر بعيدا عن وضع نهاية لهذا الإصدار العريق. واتخذ مجلس إدارة «غارديان ميديا غروب» قرارا بإرجاء الخطة في الوقت الحالي ودراسة بدائل أخرى. ومن بين المقترحات التي يدرسها الأعضاء الإبقاء على «الأوبزرفر» كصحيفة تصدر أيام الآحاد، مع تقليص عدد صفحاتها. بيد أن هذه الصورة المنكمشة للصحيفة ربما تشكل بداية نهاية بطيئة لهذا الإصدار العريق، نظرا لإمكانية فقدان الصحيفة مضمونها وخلق شعور لدى القراء بأنهم دفعوا الثمن ذاته مقابل معلومات أقل. وتتمثل احتمالية أخرى في بيع الصحيفة التي استحوذت عليها «غارديان ميديا غروب» منذ عام 1993. على أية حال، يبقى القرار النهائي بشأن مستقبل «الأوبزرفر» رهن ما سيتمخض عنه الاجتماع القادم لمجلس إدارة «سكوت ترست» الشهر المقبل. أما قراء «الأوبزرفر»، فما زال الأمل يراودهم في تحسن الأوضاع. جدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تجابه خلالها الصحيفة مشكلات مالية، كما أنها ليست المرة الأولى التي تفكر فيها «غارديان ميديا غروب» في إحداث تحول في طبيعة الإصدار أو بيعه، ففي حديث له مع «فايننشيال تايمز»، أشار أحد كبار الصحافيين في «الأوبزرفر» إلى أن «غارديان ميديا غروب» طرحت «خطة مشابهة لإغلاق صحيفتنا منذ خمسة أعوام ماضية، لكن تم التصدي لها. هذه المرة، يبدو أن الخطة ترمي إلى إنقاذ «الغارديان»، لذا علينا التفكير في الأمر بجدية أكبر». وشدد الصحافي على أن فريق العمل بالصحيفة ينظر إلى الأمر باعتباره جد خطير، نظرا لأن الخطة المطروحة تسعى بدأب لتقليص الخسائر التي منيت بها المجموعة في السنوات الأخيرة. من ناحيتها، ترمي المجموعة من وراء هذه الخطة إلى وقف نزف أعداد القراء وعائدات الإعلانات، التي بدأت في التحول بصورة متزايدة عن الصحف المطبوعة باتجاه شبكة الإنترنت. تشير أحدث الإحصاءات الصادرة عن «إيه بي سي» في هذا الصدد إلى أن توزيع «الأوبزرفر» ارتفع بنسبة 1.1 في المائة إلى 409970 على المستوى الشهري، لكنه تراجع 6.36 في المائة على المستوى السنوي. من جهتها، حاولت «الشرق الأوسط» التعرف من خلال مسؤولي «غارديان ميديا غروب» على الخطوات القادمة التي تنوي الشركة اتخاذها، إلا أنهم امتنعوا عن إصدار أي تعليقات حيال الأمر. ورفضت «غارديان ميديا غروب» تأكيد أو نفي خطط إغلاق الصحيفة. من المثير أن أقدم الصحف الصادرة أيام الآحاد تعاني مشكلات اقتصادية منذ مولدها. إلا أنها تمكنت من البقاء على الرغم من كل المصاعب. يذكر أن «الأوبزرفر» تأسست عام 1791 على يد دبليو إس بورن، بهدف «إصدار صحيفة ليوم الأحد تعود عليه سريعا بالثروة». ومع ذلك، في غضون ثلاث سنوات فحسب، تراكمت الديون على عاتق بورن حتى بلغت 1600 جنيه إسترليني. وحاول مالك «الأوبزرفر» التغلب على الديون ببيع الصحيفة، «التي لا تتحيز، انطلاقا من مشاعر تحامل، ولا تبدي ميلا لحزب بعينه.. ويتمثل مبدأها في الاستقلالية»، إلى الحكومة، لكن الأخيرة رفضت. خلال السنوات الأولى من عمرها، كانت الصحيفة أشبه بإصدار يعنى بالأقاويل والقيل والقال والدعايات الحكومية، حتى تبدلت «الأوبزرفر» متحولة إلى إصدار جاد، ومنبر لحماية الأخلاق وحرية الصحافة في عصرنا الحالي. ونجحت «الأوبزرفر» في نشر أحد أهم أخبار السبق الصحافي في تاريخها عندما كانت سيدة تعمل رئيسا للتحرير بها، رايتشيل بير، حيث نجحت الصحيفة في استخلاص اعتراف من الكونت إيسترهازي بأنه اضطر إلى تزييف خطابات أدانت كابتن دريفوس البريء، في إطار قضية شهيرة وقعت بفرنسا. أثناء فترة ما بعد الحرب، تقريبا عام 1948، أصبحت الصحيفة إصدارا سياسيا حرا. وخلال تلك الفترة، نالت «الأوبزرفر» شهرتها كصحيفة غير حزبية. في تلك السنوات، تمكن قراؤها من التمتع بقراءة مقالات العديد من مشاهير الكتاب، ومنهم جورج أورويل وكونور كروز أوبريان. بدءا من عام 1977، تعاقب على الصحيفة ملاك كثيرون، وشهدت «الأوبزرفر» أكثر الفترات إثارة للجدل في تاريخها. استمر هذا الحال حتى عام 1993، عندما اشترتها «غارديان ميديا غروب». وعلى الرغم من اشتراك «الأوبزرفر» مع «غارديان» في شبكة المراسلين الأجانب ذاتها، فإنهما منفصلتان تماما من حيث جانب التحرير. في الواقع، استمرت «الأوبزرفر» في نهجها الذي اشتهرت به القائم على طرح أخبار السبق الصحافي، بدلا من اتباع أجندة محددة للأنباء مثلما الحال مع غالبية الصحف اليومية. من جهته، كتب رئيس تحرير «الأوبزرفر» السابق، روجر ألتون، عن الإصدار العريق قائلا: «تعتبر «الأوبزرفر» أقدم صحف الآحاد في بريطانيا، وعمدت إلى إثارة المشكلات وإقحام أنفها فيما لا يخصها وتقديم التغطية الأفضل بمجالات الفنون والثقافة والسياسة والرياضة والأعمال التجارية على مدار أكثر من مائتي عام». جدير بالذكر أنه عام 2007، تم اختيار «الأوبزرفر» أفضل صحيفة وطنية في العام خلال احتفال «بريتيش برس أووردز» (جوائز الصحافة البريطانية). وبعد عامين فحسب، لم تعد الصحيفة قادرة على الجزم بما إذا كانت ستستمر خلال هذا الشتاء أم لا.

*صحافية من «الموندو» الإسبانية. متعاونة مع «الشرق الأوسط»