الإعلام الإسرائيلي ورحلة تيه وراء النجومية!

الخطر يواجه القناة العاشرة المستقلة.. والحكومة تستغل الوضع لتوجيه رسالة تهديد لجمهور الصحافيين المحققين

عرب من سكان إسرائيل يتظاهرون أمام مبنى قناة 10 الإسرائيلية في تل أبيب ضد بث برنامج يسيء إلى مريم العذراء والنبي عيسى (أ.ف.ب)
TT

«لم أفهم. هذه قصة أخرى من قصص الحياة في إسرائيل التي لا يمكن فهمها».. هكذا علقت الصحافية الإيطالية، وهي تشاهد مجموعة من نجوم التلفزيون في إسرائيل يشاركون في مظاهرة أمام وزارة المالية في القدس. كان سؤالها الأول: «لماذا يتظاهر نجوم التلفزيون؟ هل يوجد في إسرائيل قمع لحرية التعبير؟». أحد هؤلاء النجوم تولى مهمة الشرح والتفسير، ولكنها لم تفهم. والحقيقة أن قسما كبيرا من الجمهور الإسرائيلي لا يفهم هذه المعركة، التي يخوضها العاملون في القناة العاشرة، وهي قناة تلفزيونية تجارية مستقلة في إسرائيل. ولذلك لا نجدهم يتعاطفون مع من يحبون من هؤلاء النجوم. والخطر بات حقيقيا على هذه القناة أن تغلق في وقت قريب.

والقضية أن هذه القناة تعاني من ديون بما يعادل 26 مليون دولار. قسم منها ديون لصالح شركات الإنتاج السينمائي. وقسم منها لصالح وزارة المالية. وقسم آخر لشركات الإنتاج التلفزيونية المختلفة. أصحاب القناة يحاولون الضغط على وزارة المالية حتى تشطب ديونها، مفسرين ذلك بأن الأزمة المالية العالمية تركت أثرها على إسرائيل وتسببت في انخفاض نسبة الإعلانات التجارية إلى النصف. ولكن الوزارة ترفض ذلك، وتقول إن السبب الحقيقي للأزمة هو الأجور المرتفعة لنجوم برامج هذه القناة، التي تتراوح بين 20 و40 ألف دولار في الشهر الواحد. وإنها مستعدة فقط لجدولة الديون، بشرط أن يتم تخفيض الأجور العالية لنجوم هذه القناة.

وتعرض الحكومة الإسرائيلية حلا آخر، هو أن تقدم وزارة المالية ضمانة لنحو 12 في المائة من الدين، بشرط أن يدفع أصحاب القناة ديونهم فورا إلى الحكومة. ولم يتوصل الطرفان إلى تسوية بعد، لذلك يتظاهر العاملون في القناة أمام مكتب رئيس الحكومة تارة وأمام مقر وزارة المالية تارة أخرى.

ولكن الحقيقة هي أن هذه المعركة، تخفي معركة أخرى تدور في إسرائيل حول مكانة الصحافة وتأثيرها. فهذا هو الموضوع الأساسي. ومن خلاله يظهر صراع ليس جديدا بين السلطة والإعلام، إنما الجديد فيه هو تحرك السلطة ورفعها سوطا فوق رؤوس الصحافيين والصحافة. فهي تريد أن تهز الرسن لأصحاب هذه المهنة، بعد أن بدا أنهم «يتطاولون» عليها ويشكلون سلطة رابعة فعلا، تسقط رئيس حكومة وتضع رئيس دولة في قفص الاتهام وترسل وزراء إلى السجون.

* وسائل الإعلام في إسرائيل

* المعروف أن إسرائيل، وعلى الرغم من مضيّ 61 عاما على قيامها، لم تضع حتى الآن قانونا للصحافة. والقانون الوحيد الموجود هو الأنظمة التي خلفها الانتداب البريطاني لها، التي كانت سارية في جميع المستعمرات البريطانية في بداية القرن العشرين. وقد جرت عدة محاولات من الحكومة لتشريع الموضوع الإعلامي بقانون خاص، ولكن الصحافيين ونقاباتهم تمنع ذلك، وتقول إن الصحافة الحرة لا تحتاج إلى قوانين. وبموجب هذه الأنظمة، لا تصدر صحيفة من دون تصريح خاص من وزير الداخلية. وهي تعطي الحق لكل مواطن أن يصدر صحيفة، شرط أن يكون لديه رئيس تحرير يحمل شهادة الثانوية. وهناك شروط للرقابة العسكرية أضافها الجيش الإسرائيلي على أنظمته وتتعلق بأمن الدولة وأسرار الهجرة اليهودية وأسرار المياه. فكل واحد من هذه المواضيع يخضع للرقابة. لكن هذه الأنظمة تثير السخرية في إسرائيل ولم يعد أحد يلتزم بها، خاصة في الصحافة العبرية.

وبحسب هذه الأنظمة تم إغلاق بعض الصحف العربية التي أصدرتها قوى وطنية، لبعض الوقت أو للأبد، مثل صحيفة «الاتحاد»، التي تصدر منذ عام 1944 وأصبحت يومية منذ عام 1983، وقد تم إغلاقها عدة مرات بسبب مواد نشرتها اعتبرتها الحكومة «تحريضا على خرق الهدوء والنظام»، أو صحيفة «الأرض»، التي منع صدورها عام 1958 لأنها تعبر عن وجهة نظر «حركة الأرض»، وهي حركة قومية فلسطينية داخل إسرائيل تقرر حظر نشاطها وتم اعتقال مؤسسيها، وصحيفتي «الراية» و«الجماهير»، اللتين أغلقتا بأمر طوارئ، وغيرها. وهناك قانون ينظم عمل الإذاعات والقنوات التلفزيونية، تم سنه خصيصا سنة 1964 وتعديله سنة 1994، وهو ما يزال يحدد عدد القنوات التلفزيونية ومضمون إنتاجها. فيتيح ظهور ثلاث قنوات تلفزيونية إخبارية قطرية ونحو 20 قناة أخرى تجارية. لكن، ومنذ ظهور عالم الإنترنيت، لم تعد هناك قيمة للأنظمة وقيودها، حيث إنه يحق لكل من يريد أن يخرج بصحيفة إلكترونية من دون اعتراض من أحد. وهناك مئات المواقع الإخبارية الإسرائيلية على الإنترنيت، أبرزها «واللا» ويعمل بالتعاون مع صحيفة «هآرتس»، و«نعنع» الذي يصدر عن القناة العاشرة للتلفزيون، و«واي. نت» التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت» و«ان، آر. جي» التابع لصحيفة «معريب». وأما الصحف، فيفوق عددها المائة والخمسين. وهي موزعة في ما بين تجارية وحزبية:

الحزبية: هي تلك المعبرة عن مواقف بعض الأحزاب الصغيرة، حيث إن الأحزاب الكبرى في إسرائيل اضطرت إلى إغلاق صحفها (الليكود وحزب العمل بشكل خاص)، لأن الجمهور الإسرائيلي لم يعد يطيق الصحافة ذات الاتجاه الواحد. ولم تعد الأحزاب الكبيرة تحتاج إلى صحف خاصة بها، وهي تعتمد بالأساس على وسائل الإعلام التجارية وعلى نفوذها في السلطة. وبدلا من إصدار صحف، تدفع هذه الأحزاب الأموال إلى شركات تسويق إعلانية تهتم برئيس الحزب وقادته وتعمل على إدخال تصريحاتهم وأخبار نشاطاتهم في الصحافة الإلكترونية والمكتوبة.

أما الأحزاب التي تصدر صحفا حتى الآن في إسرائيل فهي الأحزاب الدينية اليهودية والأحزاب العربية والحزب الشيوعي. فلكل حزب منها توجد صحيفة، وهناك محطات إذاعة تعمل في خدمة بعض الأحزاب الدينية في إسرائيل، جمهورها هو جمهور الحزب.

التجارية: غالبية الصحف في إسرائيل تجارية، ومستقلة، تعمل في إطار حيز واسع من الحرية والأمان، باستثناء أيام المعارك العسكرية والحروب وباستثناء القضايا العربية. وهي تسعى للعمل الصحافي المهني الذي يستند إلى التحقيق الجريء. ويبرز بين هذه الصحف فرعان مميزان هما: الصحافة العربية والصحافة الروسية. فهنالك 45 صحيفة تصدر في إسرائيل باللغة الروسية، وذلك منذ بداية هجرة اليهود بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. كلها تجارية. بينها ثلاث صحف يومية وقناة تلفزيون. وهذه الوسائل الإعلامية الأربع تقع تحت تأثير اقتصادي للعائلات اليهودية المذكورة أعلاه، كون كل منها تمتلك أسهما كبيرة فيها.

وأما الصحافة العربية في إسرائيل فهي على الغالب تجارية. وفيها بعض الصحف الحزبية مثل «الاتحاد» صحيفة الحزب الشيوعي، وصحيفة «صوت الحق والحرية» التابعة للحركة الإسلامية الشمالية بقيادة الشيخ رائد صلاح، وصحيفة «الميثاق» الناطقة بلسان الحركة الإسلامية الجنوبية بقيادة الشيخ إبراهيم العبد الله، وصحيفة «فصل المقال» التي يصدرها حزب التجمع بقيادة عزمي بشارة. والصحافة التجارية العربية هي أيضا ملك عائلات، على طريقة الصحف العبرية. فصحيفة «الصنارة» تابعة لعائلة لطفي مشعور، وصحيفة «كل العرب» تابعة لعائلة حصادية، وصحيفة «بانوراما»، التي تمتلك موقعا كبيرا على الإنترنت، تابعة لعائلة بسام جابر. وإضافة إليها توجد نحو أربعين صحيفة تجارية صغيرة ومتوسطة. والصحف التجارية العربية في إسرائيل لا ترقى إلى المستوى المهني للصحف اليهودية، أولا لواقع كونها أفقر من الناحية الاقتصادية، وثانيا بسبب اختيارها العمل التقليدي البعيد عن التحقيق الصحافي والمهنية.

* قصة القناة العاشرة

* القناة العاشرة في إسرائيل، هي واحدة من ثلاث قنوات تلفزيونية مركزية: القناة الأولى، وهي التي تأسست سنة 1968 كتلفزيون رسمي. وهي مملوكة للشعب وممولة منه، بواسطة ضريبة الإذاعة والتلفزيون التي يدفعها كل مواطن يملك جهاز تلفاز. ومع أنها رسمية، فإن حيز الحرية فيها واسع جدا، باستثناء القسم العربي، الذي يعاني من رقابة مشددة وتوجيهات عليا. وهناك قناتان مركزيتان مستقلتان تعملان حديثا نسبيا. القناة الثانية، التي أقيمت سنة 1986 وبقيت تعمل لفترة تجريبية حتى سنة 1993 والقناة العاشرة سنة 2002، وكلاهما تجاريتان مستقلتان. وحتى البرامج العربية فيهما حرة ومستقلة. إضافة إلى هذه القنوات هناك قناة التلفزيون التعليمي، التي تعتبر أول قناة تلفزيونية في إسرائيل وقد بقيت تعمل وحدها سنتين (1966 ـ 1968)، حتى أقيمت القناة الأولى. وتوجد عشر قنوات أخرى، واحدة بالروسية وأخرى متخصصة في الشؤون المحلية، وخمس قنوات للرياضة وقناتان للموسيقى.

بيد أن أبرز القنوات، هي الثلاث الكبرى (الأولى والثانية والعاشرة). والمعركة مع القناة العاشرة تدلل على الاتجاه العام للمعركة بين الحكومة والصحافة. فمن جهتها، تحاول الحكومة من خلال هذه الأزمة أن «تربي» عالم الصحافة في إسرائيل. فوسائل الإعلام الإسرائيلية، بما فيها المكتوبة والمسموعة وصحافة الإنترنت، تقوم بدور خطير في السياسة الداخلية. ومع أنها جميعا تعتبر «صحافة وطنية»، بالمفهوم العام، وتتجند خلال الحروب لخدمة السياسة الإسرائيلية الرسمية بشكل أو بآخر، إلا أن السلطة المركزية غير راضية عن دورها وتعتبرها في كثير من الأحيان معادية لأشخاصها ولسياستها. ويتجلى عداء السلطة للصحافة بشكل خاص إبان حكم اليمين، الذي يتهمها بالانحياز لليسار، مع أن الصحافة أدت دورا كبيرا في تحطيم اليسار الإسرائيلي وإسقاطه عن الحكم وتقزيم دوره.

* صحافة مقاتلة

* رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو، مثلا الذي فاز بالحكم بفضل قيام الصحافة بالمساهمة الحاسمة في إسقاط حكومة إيهود أولمرت، يعتبر نفسه مكروها في وسائل الإعلام. يقول صراحة: «إنهم ببساطة لا يحبونني. لم يعطوني فرصة أن أثبت نفسي في الحكم. ومع أن التقاليد تقول أن يعطى رئيس الحكومة 100 يوم للتجربة، ومن المفترض أنهم لا يوجهون انتقادات لاذعة خلال هذه الفترة، وجدتهم يحاربونني منذ اليوم الأول. ويمسون ليس بي وحسب، بل أيضا بزوجتي وعائلتي».

ولعل موقف وزير المالية، يوفال شتاينتس، المقرب من نتنياهو، ضد القناة العاشرة هو محاولة استعراض عضلات أمام الصحافة عموما في إسرائيل. وبغض النظر عن كيفية انتهاء المعركة مع هذه القناة، فإن إغلاق هذه القناة أو استمرارها، لا يغير من الحقيقة بأن الحكومة حاولت البطش بها. وليس على الخلفية المالية، بل على خلفية أوسع، تتعلق بالدور القتالي للصحافة في محاربة الفساد وفي فضح الأكاذيب في السياسة الرسمية، حتى في القضايا السياسية وفي الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. فالصحافة الإسرائيلية هي التي كشفت قضايا الفساد ضد عشرات الوزراء وأعضاء الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، وهي التي كشفت القضايا التي يحاكم عليها أولمرت، رئيس الوزراء السابق، وهي التي كشفت قضايا الفساد ضد عائلة رئيس الحكومة الأسبق، أرييل شارون، وهي التي كشفت فضيحة الرشوى ضد رئيس الدولة الأسبق عيزرا فايتسمان، وهي التي دلقت الزيت على موقد فضيحة الاعتداءات الجنسية لرئيس الدولة السابق، موشيه قصاب. وكانت في سنوات سابقة أكثر قد قادت المعركة ضد حكومة غولدا مائير بسبب إخفاقاتها في حرب أكتوبر 1973، وعلى الرغم من أن لجنة التحقيق الرسمية برأت غولدا من تهمة الإهمال في هذه الحرب ومنحها الجمهور الإسرائيلي ثقته في الانتخابات التالية سنة 1974، فإن الصحافة قد قادت معركة شعبية أدت إلى استقالتها من الحكم بعد أشهر من الانتخابات. والصحافة هي التي كشفت وجود حساب بنكي سري لزوجة رئيس الحكومة، إسحق رابين في دورته الأولى (1974 ـ 1977)، ودفعته إلى الاستقالة ومن ثم خسارة الحكم وفوز اليمين بالحكم وذلك لأول مرة في التاريخ الإسرائيلي. ثم قادت المعركة ضد حكومة بيغن ـ شارون بسبب مجازر صبرا وشاتيلا. وقد أصبحت الصحافة بسبب ذلك قوة كبيرة يحسب لها الحساب في أروقة الحكم الإسرائيلية. كل حكومة تحاول أن تحد من نفوذها وتأثيرها. ولكنها تفشل في ذلك فشلا ذريعا. وقوة الصحافة وتأثيرها يزداد باستمرار.

* أربع عائلات

* لكن قوة الصحافة وتأثيرها الكبير، لا يعني أنها منزهة. فهي تعاني من تناقضات جمة. وبقدر ما يمتدح دورها القتالي، تتسم هذه الصحافة بكثير من الأمراض، من أهمها:

أولا: هناك عدد هائل من الصحف ووسائل الإعلام الأخرى في إسرائيل، ولكن غالبيتها تخضع لنفوذ أربع عائلات. أقوى العائلات هي عائلة موزيس التي تصدر صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أكبر صحيفة يومية، وتصدر مجلة أسبوعية للمرأة «لئشا» ومجموعة صحف محلية في المحافظات وتسيطر على القناة الثانية للتلفزيون التجاري وتصدر صحيفة اقتصادية «كلكليت» وتصدر صحيفة أسبوعية للشباب وتصدر مجموعة من الصحف الروسية (هناك 45 دورية تصدر في إسرائيل باللغة الروسية، بينها ثلاث صحف يومية)، ولديها دار نشر ضخمة وتسيطر على قسط كبير من إعلانات الشوارع. وعائلة «نمرودي»، وتصدر صحيفة «معريب» ومجلة نسائية شهرية ومجلة للشباب وهي شريكة في إحدى الشركات التي تدير قنوات تلفزيون محلية، فضلا عن شركة أسطوانات ضخمة ولديها هي أيضا دار نشر للكتب وتسيطر على جزء آخر من إعلانات الشوارع. وعائلة شوكن، وهي التي تصدر صحيفة «هآرتس» وملحقها الاقتصادي، «ديماركر»، الذي يعتبر أهم صحيفة اقتصادية يومية في إسرائيل، ولديها شبكة صحف محلية في المحافظات ولديها دار نشر للكتب. والرابعة هي عائلة فيشمان، التي تعتبر أهم شريك في المجموعة التي تدير صحيفة «غلوبس» الاقتصادية ولها حصة كبيرة (30 في المائة) في أسهم صحيفة «يديعوت أحرونوت». هذه العائلات الأربع تسيطر عمليا على 85 في المائة من الصحافة التجارية في إسرائيل، من دون حساب الصحافة الرسمية للدولة (القناة الأولى في التلفزيون وإذاعة الجيش الإسرائيلي والإذاعة الرسمية). ثانيا: هذه الصحافة تفقد نزاهتها في كثير من الأحيان، عندما يتعلق الأمر بالمواطنين العرب في إسرائيل (فلسطينيي 48)، أو بالفلسطينيين بشكل عام أو بالعالم العربي. وإلى جانب دورها في كشف كثير من معاناة الفلسطينيين ومن جرائم الاحتلال، تتخذ مواقف مسبقة من كل ما هو عربي ومن كل ما هو إسلامي. وتوجد تعبيرات تطلقها جهات ظلامية في إسرائيل يتبناها الصحافيون بلا تردد. فالفصائل الفلسطينية كلها تسمى منظمات إرهاب، والمعايير التي تحكم بها الدول والشعوب العربية هي معايير التعامل مع إسرائيل. فمن يرفض التعامل مع إسرائيل بسبب سياستها، يسمى «معاديا للسامية». ومن ينتقد السياسة الإسرائيلية يصبح معاديا لليهود. ثالثا: خلال كل الحروب، وقفت الصحافة مع الحكومة والجيش. وساهمت في التعبئة العامة من دون إرشادات للسلطة. وكثيرا ما وجدناها تنقلب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بعد أيام من الحرب، كما حصل في الانتفاضة الأولى وفي حرب لبنان الأخيرة أو في حرب لبنان الأولى، حيث إنها اكتشفت متأخرة أن الحرب لم تكن ضرورية. وعندما صحت إلى نفسها، وأدركت أن الحرب غير ضرورية أو أنها تدار بشكل غير مهني، لم تتردد في مهاجمتها وتوجيه انتقادات لاذعة للقيادة السياسية بشكل خاص، وبشكل محدود أكثر كانت تنتقد أيضا الجيش.

رابعا: الصحافة الإسرائيلية، مثلها مثل الغالبية الساحقة من الصحافة في عصرنا، تميل أكثر وأكثر إلى الإثارة والعناوين الصارخة، على حساب المضمون. وتعتمد في التلفزيون أكثر فأكثر على البرامج النجومية للتسلية على حساب المضمون الغني بالمعلومات والبرامج والأفلام الراقية. وقد بات سيف الإغلاق والإفلاس مصلتا على رأس التلفزيون الرسمي، بدعوى أن برامجه تتراجع أمام تنامي قوة الإعلام التجاري، الذي يعتمد على «الريتينغ» (نظام المشاهدة) ومتطلبات وإملاءات أصحاب شركات الإعلان التجاري. وفي كل سنة نسمع من جديد عن مخطط حكومي لإغلاقه.