التغطية الصحافية في أفغانستان بين تهديد طالبان وعرقلة البنتاغون

بعد إصابة مراسلة تلفزيون «سي بي إس» الأميركية أثناء عملها

شرطي أفغاني يرفع سلاحه بوجه مصورين لمنعهما من الاقتراب من موقع بنك اقتحمه 3 مسلحين في العاصمة كابل (أ.ف.ب)
TT

في الأسبوع الماضي أعلنت شبكة تلفزيون «سي بي إس» أن كامي ماكورميك، مراسلتها في أفغانستان، جُرحت بعد انفجار استهدف فرقة عسكرية أميركية، وأنها نُقلت إلى مستشفى عسكري أميركي في لانستول بألمانيا، وأنها في البداية عولجت بمستشفى ميداني في مقاطعة لوغار الأفغانية، حيث وقع الحادث. لكن، رفضت شبكة «سي بي إس» أن تكشف تفاصيل الحادث أو تفاصيل الجروح التي أصابت المراسلة. وخلال نفس الانفجار الذي أحدثته قنبلة وُضعت على الطريق لفرقة عسكرية أميركية، قُتل جندي أميركي وجُرح آخرون.

وظلت كامي ماكورميك (47 سنة) تعمل مع «سي بي إس» منذ سنة 1998، ونالت جوائز كثيرة لتغطية هجوم 11 سبتمبر (أيلول)، والإعصار كاترينا وغزو العراق. وقبل «سي بي إس» عملت لسنوات مع تلفزيون «سي إن إن».

يصور حادث كامي ماكورميك أن الصحافيين والصحافيات الذين يغطون حرب أفغانستان لأجهزة الإعلام الأميركية يواجهون خطرا واضحا على حياتهم بسبب القنابل والمتفجرات التي يضعها مقاتلو طالبان. وفي نفس الوقت يشتكون من جهتين: المسؤولين الأفغان الذين يحظرون حريتهم ويعاملونهم كأنهم صحافيون أفغان. والعسكريين الأميركيين الذين يضعون عراقيل أمامهم وهم يريدون تقديم تغطية كاملة ومحايدة للحرب.

بالنسبة إلى الجانب الأمني، قال مراقبون وصحافيون في واشنطن إن زيادة القوات الأميركية في أفغانستان كان من أسباب زيادة إرسال الصحافيين والصحافيات لتغطية الحرب. وبالتالي تعرض كثير منهم للخطر، بالإضافة إلى زيادة نسبة القتلى وسط الجنود الأميركيين.

للقوات الغربية في أفغانستان 100 ألف جندي تقريبا، منهم أكثر من 60 ألف جندي أميركي، وأكثر من 35 ألفا من دول حلف الناتو الأخرى. وكان الرئيس باراك أوباما أعلن عن إرسال 20 ألف جندي أميركي إلى أفغانستان، وصل بعضهم، فيما لم يصل الباقون.

وبمقتل الجندي الأميركي في الحادث الذي أصيبت فيه كامي ماكورميك، ارتفع عدد القتلى العسكريين الأميركيين في أفغانستان خلال شهر أغسطس (آب) إلى 46 قتيلا، آخرهم كان في شهر يوليو (تموز) الماضي.

ولم يتعرض عدد كبير من الصحافيين الأميركيين المرافقين لهذه القوات إلى خطر مماثل. لكن زاد الخطر خلال الأشهر القليلة الماضية، مع زيادة عدد القوات.

وقبل أسبوعين وفي نفس منطقة جنوب أفغانستان، جُرح صحافيان تابعان لوكالة «أسوشييتد برس» عندما انفجرت قنبلة على طريق القوات الأميركية التي كانا يصحبانها. وجُرح في الحادث جنديان أميركيان.

غير أن تلفزيون «سي بي إس» يبدو أقل حظا في هذا الموضوع، حيث جُرحت كمبرلي دوزر، الصحافية التابعة له قبل ثلاث سنوات في العراق، في حادث انفجار سيارة قتل صحافيين وضابطا أميركيا.

ولا يتهم صحافيون عسكريون بعدم الحرص على سلامتهم وهم يغطون حرب أفغانستان ومن قبلها حرب العراق. ولكن، تتمثل شكوى عدد كبير منهم من جهتين قالوا إنهما تعرقلان جهودهم لقديم تغطية كاملة ونزيه للحرب:

أولا: المسؤولون الأفغان (وقبلهم العراقيون).

ثانيا: العسكريون الأميركيون في أفغانستان (وقبلهم في العراق).

بالنسبة إلى المسؤولين الأفغان، حدث آخر مثال يؤيد هذه الشكوى قبل أسبوعين، مع اقتراب يوم التصويت في الحملة الانتخابية الرئاسية هناك، حيث أصدرت وزارة الخارجية الأفغانية أمرا لكل الصحافيين بعدم نشر أي أخبار اشتباكات أو انفجارات وقتلى متوقعة. ورغم أن البيان باللغة الإنجليزية الذي أرسلته إلى مكاتب الصحافيين الأجانب أشار إلى «رجاء»، بالمقارنة مع البيان باللغة الدارية، الذي أرسلته إلى الصحف الأفغانية، والذي أشار إلى «أمر»، تذمر الصحافيون الأجانب، وبخاصة الأميركيون، من ذلك.

وظهر هذا التذمر في تقارير صحافية وتلفزيونية أميركية من أفغانستان. أوردت صحيفة «واشنطن بوست» الخبر مع تصريح من راكيل رايد، في مكتب «هيومان رايتس ووتش» (مراقبة حقوق الإنسان) في أفغانستان. وقالت في شبه حياد متعمد: «ينص الدستور الأفغاني على حرية التعبير». وأيضا تصريح رحيم الله سبندر رئيس اتحاد الصحافيين الأفغان، الذي قال فيه محتجا: «يوضح هذا ضعف الحكومة، ونحن ندين أي تحرك لمنع الناس من متابعة الأخبار».

لكن، كان واضحا من خبر «واشنطن بوست» أن قراءها يجب أن لا يتوقعوا شيئين: أولا توفر حرية كافية ـ أو حتى معقولة ـ في أفغانستان. وثانيا توقع تغطية صحافية نزيهة (ربما شيء قريب من تغطية الحملة الانتخابية في أميركا).

وبالإضافة إلى نقد الحرية الصحافية الأفغانية، انتقد صحافيون أميركيون الحرية التي توفرها القوات الأميركية للصحافيين الأميركيين. يؤيد ذلك ما حدث السنة الماضية عندما قصفت طائرات أميركية قرية عزيزباد، بالقرب من حيرات في غرب أفغانستان.

في البداية، قال بيان عسكري: «فقط قُتل خمسة مدنيين، وخمسة وثلاثون مسلحا في عملية ناجحة ضد طالبان». وعندما سافر صحافيون إلى القرية، وقالوا إن عدد المدنيين يبدو أكثر من ذلك، أصدر البنتاغون بيانا اتهم فيه الصحافيين وأهل القرية بالمبالغة. وقال: «تعمد قرويون نشر دعايات طالبان.. رغم قولهم إنهم ضد طالبان».

ثم حصلت كاروليتا غيل، مراسلة صحيفة «نيويورك تايمز» التي سافرت إلى قرية عزيزباد على فيديو للحادث، أوضح فيه أن عدد القتلى المدنيين أكثر بكثير مما قال البنتاغون. ثم حسم الموضوع تقرير للأمم المتحدة قال إن خمسة وتسعين مدنيا قُتلوا. ونوه التقرير إلى أنه لا يوجد ما يؤكد أن أي واحد منهم كان مقاتلا مع طالبان. ثم تراجع البنتاغون مرة أخرى، وقال إنه سيُجرِي تحقيقا في الموضوع.

وفي هذا قال غلين غرينوود من صحيفة «صالون»: «يصور حادث عزيزباد أن البنتاغون لم يحاول فقط خداع الصحافيين والشعب الأميركي، ولكنه أيضا يملك خطة جاهزة لمواجهة أي خبر سلبي ليواصل خداعه».

منذ بداية ما أسماه الرئيس السابق جورج بوش «الحرب ضد الإرهاب»، كتب غرينوود ثلاثة كتب، لا تنتقد البنتاغون فقط، ولكن أيضا بوش: «ماذا يفعل الوطني؟» (إشارة إلى الحملة الإعلامية العملاقة التي اتهمت كل من عارض غزو العراق بالخيانة). و«تراث كارثة» (عن سنوات بوش). و«أعظم منافقين أميركيين» (عن السياسيين الأميركيين، وخصوصا الجمهوريين والمحافظين). في الأسبوع الماضي، توترت العلاقة بين البنتاغون والصحافيين الأميركيين مرة أخرى، حيث بدا التوتر هذه المرة «صحافيون عسكريون» يعملون في صحيفة «ستارز آند ستربز» (نجوم وأشرطة، في إشارة إلى العلم الأميركي)، وهي صحيفة أخبار البنتاغون، رغم أن البنتاغون لا يشرف عليها.

نشرت الصحيفة أن القوات الأميركية في أفغانستان وضعت قائمة لتقييم الصحافيين «حسب عطف تقاريرهم على البنتاغون». وأن شركة «رندوم» وقّعت على عقد مع البنتاغون «لتفعل ذلك بالنيابة عن العسكريين».

في البداية، نفى البنتاغون الخبر. وعندما نشرته صحف أخرى رئيسية، مثل «واشنطن بوست»، أعلن البنتاغون أنه سيحقق في الموضوع.

ويوم الاثنين الماضي، أعلن البنتاغون إلغاء العقد مع شركة «رندوم». وقال الأدميرال غريغوري سميث مدير الاتصالات العسكرية في أفغانستان: «وجدنا أن الضجة حول هذا الموضوع تعرقل جهودنا العسكرية هنا».

وفي نفس اليوم أصدرت الشركة بيانا قالت فيه: «كان جزء صغير من العقد يشمل معلومات قليلة عن الصحافيين الذين يغطون الحرب، في أي وقت، ولم يحدث أن مُنع صحافي من تغطية الحرب بسبب ما كتب».

وأضاف البيان: «حسب العقد، كنا نقدم معلومات عن ما نشر الصحافيون، لا عن الصحافيين أنفسهم. كنا نجمع اتجاهات وزوايا التقارير في ما يخص الاستقرار والانتصار، وهما هدف عسكري مشروع». وحمّلت الشركة البنتاغون مسؤولية «تلبية طلبات الصحافيين، والموافقة عليها أو رفضها».