الصحافيون في صربيا بين مطرقة الأزمة الاقتصادية وسندان الاعتداءات الموجهة

15 ألف شخص يعملون في 400 موقع إلكتروني و17 صحيفة وعشرات المحطات .. يواجهون تهديد البطالة

نتاشا فوشكوفيتش
TT

تعيش وسائل الإعلام الصربية، وبالأخص الصحف منها، أسوأ أيامها، ليس بسبب التضييق الذي تتعرض له من قبل الحكومة والمعارضة ورموز الجريمة المنظمة والقوميين المتشددين كمنظمة «التشتنيك» فحسب، بل بفعل الأزمة الاقتصادية التي تنتشر كالسرطان في مفاصل المؤسسات الإعلامية المختلفة، وسط سعي الدولة إلى التخفف من أثقالها، بخصخصة قطاع الإعلام وبيعه للقطاع الخاص، والذي يعاني بدوره من انخفاض المبيعات وتدهور وضعه المالي، الأمر الذي جعل الكثير من الصحافيين، كغيرهم من أصحاب المهن والوظائف في القطاعات الأخرى دون عمل. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل وصل إلى حد إغلاق مؤسسات إعلامية عريقة نهائيا، مثل تلفزيون «بور» والمجلة الأسبوعية «ايبارسكا» وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية، كما أعلنت تلك الجهات. ويعمل في قطاع الإعلام في صربيا 15 ألف شخص، بينهم نحو 8 آلاف صحافي ومصور يعملون في 400 موقع إعلامي على الإنترنت، و17 صحيفة يومية، وعشرات المحطات التلفزيونية. وهناك من لم يتلق راتبه منذ بضعة أشهر، أو يعمل بطريقة غير نظامية. وقالت الصحافية، سلافيتسا توميتش، التي كانت تعمل في تلفزيون «بور» لـ«الشرق الأوسط»: «عملت لمدة 5 سنوات في تلفزيون «بور»، وقد فقدت عملي وأنا حامل في الشهر الثالث، وبعد تسريحي من العمل لم أعد صحافية متخصصة وسأكون أما في المستقبل.

وتابعت «لست آسفة على أنني حامل، ولكن آسفة على السنوات التي قضيتها في الجامعة، ولأني كنت أرغب في العمل، وإذا لم أعمل الآن وعمري 32 سنة فمتى سأعمل».

ولا يتعرض الصحافيون لخطر البطالة فحسب بل لأخطار الاعتداءات الموجهة، ففي هذا العام سجلت صحيفة »بوليتيكا» 35 اعتداءا على صحافيين، ووصفت عام 2009 بأنه عام أسود للصحافيين، بسبب الأزمة الاقتصادية، والاعتداءات التي يتعرض لها الصحافيون الذين يكشفون عن الفساد، أو يقومون بتحقيقات تتمحور حول جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة، وأماكن اختباء الجنرال الفار من محكمة لاهاي راتكو ملاديتش وما شابه. ووفقا للمنظمات الدولية المعنية بحرية الصحافة، فقد تم تسجيل 23 حالة اعتداء وخرق لحرية الصحافة في صربيا في مايو (أيار) من العام الماضي، وحسب صحيفة «داناس» تعرض الصحافيون للاعتداء 16 مرة عام 2008 منها اعتداءان بالعنف، و5 اعتداءات على الممتلكات، و9 تهديدات لفظية.

وفي السنوات الماضية تعرض عدد من الصحافيين للقتل، مثل سلافكو تشوريفيا، وميلان بانتيتش، ودغورو سلافيو، ورانكو بيرنيتش، والصحافية دادي فوياسينوفيتش، الذين قتلوا على ما يبدو لأسباب سياسية، ولم يتم الكشف حتى الآن عن الجناة، الذين يعتقد أن لهم صلة بالرئيس الصربي الراحل سلوبودان ميلوشيفيتش. وزارة الثقافة الصربية التي وعدت بمساعدة وسائل الإعلام، وبالأخص الصحف اليومية، لم تحل بعد مشاكل العديد من تلك الوسائل التي أغلقت أبوابها، وتنتظر صدور قانون جديد بهذا الخصوص يصادق عليه البرلمان، ولا يبدو أن ذلك سيتحقق في الأمد القريب جدا، أي قبل نهاية العام الحالي. وقالت نتاشا فوشكوفيتش، مساعدة وزير الثقافة الصربي: «قطاع الصحافة في صربيا يتبع وزارة الثقافة، ولا توجد وزارة إعلام كبقية الدول الأوروبية. نحن نعمل على مساعدة دور الإعلام للمحافظة على أماكن عمل الصحافيين، ولكن هناك إجراءات بيروقراطية غير ضرورية تم اتخاذها في السابق، ومنها إغلاق حسابات المؤسسات المفلسة لمدة 90 يوما حتى يبت فيها».

وتابعت: «للأسف لم تتخذ حتى الآن أي إجراءات لحماية حقوق الصحافيين بدفع رواتب 3 سنوات لكل صحافي يتم الاستغناء عنه حتى يدبر أموره، ولكننا نأمل أن يتضمن القانون الجديد نصا على هذه الحقوق». أما المسؤولة في نقابة الصحافة الصربية يالكا يوفانوفيتش، فقد أكدت لـ«الشرق الأوسط» «أن الصحافيين المسرحين الجيدين يمكنهم العثور على أماكن عمل في مؤسسات أخرى، لأن المتخصصين مطلوبون باستمرار، لكن العدد كبير».

وتابعت «نحن نسعى للوصول إلى اتفاق مع المؤسسات الإعلامية، وكذلك مع الحكومة، لضمان حياة كريمة للعاملين في قطاع الإعلام، في حال تم الاستغناء عنهم أو عن بعضهم، وهو راتب ثلاث سنوات، تتكفل الحكومة بضمانه، على أن تساعد المؤسسات لاستئناف عملها إلى حين الخروج من الأزمة». وترى جمعية الصحافيين في صربيا أن «وسائل الإعلام تتوقع استمرار الأزمة، ولاسيما الصحف التي تصدر في بعض المدن، والخاصة ببعض الأقاليم، ولا توزع في أماكن أخرى». ويعد الصحافيون العاملون في وسائل الإعلام الإقليمية «من أكثر المتضررين من الأزمة الاقتصادية، وكذلك الصحافيين الذين يعملون دون عقود عمل، أو عقود مملاة من قبل المؤسسات». ومنذ بداية عام 2009 انخفض عدد العاملين في قطاع الإعلام بصربيا بنسبة 30 في المائة. ويتوقع أن تستمر عملية تسريح الصحافيين ليصل عددهم إلى الآلاف بنهاية السنة. وسط انخفاض في عدد مبيعات الصحف، ففي أغسطس (آب) من العام الماضي كانت مبيعات الصحف تصل إلى 900 ألف نسخة يوميا، أما في أغسطس (آب) 2009، فقد انخفضت إلى 600 ألف نسخة فقط. وقد ساهم إغلاق حسابات عدد من وسائل الإعلام في تفاقم الأزمة المالية لديها، وبالتالي ارتفاع عدد المسرحين، حيث تم إغلاق تلك الحسابات بسبب شكاوى مؤسسات التوزيع. وتطالب بعض الأوساط الصحافية، بإلزام المؤسسات التعليمية، والجيش والشرطة، وغيرها بشراء الصحف لكون المعلومة مهمة لكل فرد في المجتمع، وذلك حتى يتم إنقاذ الإعلام والأجيال الجديدة التي تدرس هذه المواد الحيوية والمهمة في نهضة الشعوب. كما تطالب هذه الأوساط باستراتيجية مؤسساتية ليستمر الإعلام في أداء دوره، كوسيلة للتثقيف، وليس للترفيه وحسب.

ويخشى البعض من اللجوء للدولة لتمويل الصحف والحفاظ على مواطن عمل الصحافيين، لأن ذلك سيؤثر على استقلالية وسائل الإعلام، ويجعلها رهينة في يد الدولة. وبالتالي تفقد استقلاليتها وحريتها في النقد. وكانت وكالة «بيتا» للأنباء ومؤسسة فونت، قد احتجتا في وقت سابق على تمويل الدولة لوكالة «تاينوغ» من الميزانية العامة، واعتبرت ذلك «خرقا لاستقلالية الإعلام، كما هو استقلال القضاء، من شأنه أن يحدث تأثيرا على حرية المعلومة، وشفافية النقل الإعلامي». واستشهدتا بالقانون الأوروبي المتعلق بالإعلام، وهو القرار رقم 1397 (البند 20) الذي يدعو صربيا إلى عدم استخدام أموال الدولة للتأثير على الإعلام بما في ذلك وسائل الإعلام الصربية المحلية في كوسوفو «لأن ذلك يحد من استقلاليته».