إعلام «القاعدة» من حرب الفاكس إلى الفيس بوك وتويتر

بعد إغلاق السلطات الأميركية معظم المواقع والمنتديات الأصولية التابعة له في الذكرى الثامنة لأحداث سبتمبر 2001

TT

في الذكرى الثامنة لأحدث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، خطت الإدارة الأميركية هذا العام خطوة تجاه تنظيم القاعدة بإغلاق معظم المواقع والمنتديات الأصولية التابعة له، عدا موقعي «أنصار المجاهدين» و«أنا مسلم»، خشيت ورود أي تسجيلات تحريضية صوتية كانت أم مرئية لزعماء التنظيم، كما جرت العادة في هذا التوقيت من كل عام.

وساهمت هذه الخطوة وفق مراقبين تحدثت معهم «الشرق الأوسط» في تأخير بث التسجيل الصوتي لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن إلى الرابع عشر من الشهر ذاته، وهو الذي كان متوقعا ظهوره في الحادي عشر من هذا الشهر.

واكتفت المواقع الأصولية في الذكرى الثامنة لأحداث سبتمبر الشهيرة بنشر صورتي خالد شيخ محمد، المتهم الرئيسي بأنه العقل المدبر لعمليات الحادي عشر، وابن شقيقته عمار البلوشي، أحد المتهمين الخمسة الكبار من كبار قيادات «القاعدة» في المعسكر السري السابع بسجون غوانتانامو.

وتشير التوقعات في هذا الصدد إلى أن الأيام القليلة القادمة ستشهد نشر الكثير من صور قادة تنظيم «القاعدة»، كون عدسة الصليب الأحمر الدولي التقطت في يوليو (تموز) الماضي نحو 107 صور لهم، تمهيدا لإرسالها لأقاربهم وذويهم للاطمئنان عليهم، وبالتالي ستجد طريقها إلى تلك المواقع، وهو ما يثبت قدرة إعلام «القاعدة» في الوصول إلى جماعته المستهدفين بشتى الطرق. المتابع للتطور الإعلامي للجماعات «الجهادية» يلاحظ أنه مر بعدد من المراحل وفق الظروف والمعطيات المتاحة، ففي ثمانينات القرن الماضي انتشرت النشرات الدعوية الحاثة للجهاد، التي كانت ترسل عبر الفاكس لعموم الشباب في العالم الإسلامي، تلتها مرحلة إصدار وتوزيع المواد السمعية والأفلام المرئية، التي تحكي قصصا جهادية وبطولية للمقاتلين العرب في أفغانستان إبان الغزو السوفياتي، وأخرى عن حروبهم في الشيشان والبوسنة والهرسك، وتطور الأمر بعد ذلك بدخول التقنيات الحديثة المختلفة، بالتزامن مع انحراف بعض الأعمال الجهادية إلى إرهابية مع ظهور «القاعدة» ومحاولة استثمارها لمصلحتها بعد أحداث سبتمبر الشهيرة.

بدأ تنظيم القاعدة ببث أشرطته التحريضية أو الأخرى التي يعلن فيها تبنيه لأعمال إرهابية، في بادئ الأمر عبر القنوات الفضائية، فبثت له قناة «الجزيرة» الفضائية أول تسجيل مرئي في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2001، بالتزامن مع بداية الغزو الأميركي لأفغانستان.

وعرفت «القاعدة» جيدا مدى تأثير هذه التسجيلات في العالم أجمع، بعد أن بثت وسائل الإعلام المختلفة تلك التسجيلات أو مقاطع منها عبر نشراتها الإخبارية، والتي أظهرت فيها زعماء التنظيم وهم يوجهون رسائلهم التحريضية إلى عموم المتلقين، ما أجبر معظم الحكومات العالمية على اتخاذ إجراءات بالضغط على القنوات الفضائية لإيقاف بث تلك التسجيلات، وبعد أن نجحت جزئيا في ذلك، وبالتالي فقد إعلام «القاعدة» أحد المنابر المهمة له، اتجه إلى الشبكة العنكبوتية «الإنترنت» للوصول إلى جمهور جديد غير مستهدف عبر الإعلام المرئي، وفيها وجد أرضا خصبة للتفاعل معه، كون الإنترنت يتيح له التواصل ومعرفة ردود الفعل معه، وتجاوزت بعد ذلك بوصولها إلى المواقع الاجتماعية والتفاعلية مثل «الفيس بوك» و«تويتر»، واستطاعت أن تبث إنتاجاتها السمعية والمرئية عليها وغيرها من المنتديات ومواقع التحميل والبث. وأصبح من غير المستغرب أن يطل على المشتركين في هذه المواقع، مذيع بلحية ولباس إسلامي قديم، ليعلن عن نشرات أخبار «القاعدة» من تلفزيونه الخاص، الذي يبث من مكان ما في كهوف تورا بورا.

ويقول عبد العزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث: «بدأت المجموعات الإرهابية مسيرتها في توظيف تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات من استخدام آلة الفاكس في بث ونشر بيانات التنظيم وتصريحات قياداته، حتى ظهر مصطلح (حرب الفاكس) كإشارة إلى الاستخدام الواسع للتنظيمات المتطرفة لآلة الفاكس وعدم قدرة الأجهزة الرسمية في السيطرة على هذه الوسيلة المستحدثة في الاتصالات».

وقد قام تنظيم القاعدة بتوظيف وسيلة الاتصال بالفاكس لنشر بيانات التنظيم في مراحل تكوينه الأولى، وحال ظهور هواتف الاتصال بالأقمار الصناعية قام باستثمار مبالغ كبيرة لتزويد قياداته في جميع إرجاء العالم بهذا النوع من الهواتف، من أجل تسهيل عملية الاتصال وضمان السرعة والهروب من الرقابة الأمنية، التي كانت تفرض على الاتصالات الأرضية التقليدية.

ومن المعروف أن قيادة التنظيم العليا كانت، وربما لا تزال، تدير المعركة دوليا من معاقلها المعزولة في جبال أفغانستان عبر استخدام تكنولوجيا الاتصال عبر الأقمار الصناعية.

وأضاف بن صقر: «عندما أضاف العلم أفكارا ومعدات جديدة لقائمة مخترعات تكنولوجيا الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، كان التنظيم من المبادرين الأوائل لاستكشاف المنافع الكامنة في أي اختراع تكنولوجي حديث، ومحاولة توظيفه واستخدامه في حدوده القصوى لخدمة نشاطاته التنظيمية».

وتابع: «استخدام شبكة الإنترنت أمسى عاملا أساسيا في نقل أفكار وأخبار التنظيم بالكلمة المكتوبة والصوت المسموع والصورة المرئية. وجاء البريد الإلكتروني (الإيميل) لتسهيل وتأمين عملية الاتصالات الشخصية المباشرة وبلغات مشفرة بين قيادة وأعضاء التنظيم. ثم ظهر الاستخدام المكثف لشبكة الاتصال بالجوال، ليس للغرض الذي طورت من أجله وهو خدمة المجتمع، بل تم توظيفها كوسيلة أساسية لتسهيل الاتصال بين عناصر التنظيم، ووسيلة اتصال بالعامة عبر زخم من الرسائل النصية أو إرسال الصورة وأفلام الفيديو لدعم سياسة التنظيم، وأمست أجهزة الجوال تستخدم كقنابل ذاتية، أو كوسيلة للسيطرة على التفجيرات عن بُعد».

وبين بن صقر أنه من الممكن القول إن التوظيف الكامل للتكنولوجيا المستحدثة قد أحدث ثورة جذرية في قدرات التنظيم الفكرية والعملياتية، فتوظيف تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات قد ساعد التنظيم للتحول إلى ظاهرة عالمية، من تنظيم محلي محدود الانتشار فكريا وجغرافيا وعملياتيا، إلى تنظيم يتصف بالعولمة بكل معاني وخفايا هذا المصطلح.

وأفاد رئيس مركز الخليج قائلا: «من خلال هذا التوظيف تمكن التنظيم من البقاء والحضور المستمر إعلاميا وفكريا وعملياتيا رغم الضغوط الأمنية الهائلة والمنسقة على المستويات الدولية، مضيفا أن استخدام التكنولوجيا وسع من قاعدة التنظيم بشكل لا يمكن السيطرة علية بسهولة، فقد تم استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كوسيلة لحشد الدعم والتأييد والانتشار الفكري، وكوسيلة لضمان الدعم المادي دوليا، والأهم من كل هذا كوسيلة لكسب وتجنيد عناصر جديدة للتنظيم تشمل جميع أجزاء الكرة الأرضية وتأسيس تنظيمات فرعية في مناطق جديدة، وتنظيم الهجمات الإرهابية على امتداد المعمورة وفي جميع قارات الكرة الأرضية». وقال: «قيادة التنظيم قامت بإعطاء استراتيجية تبني الثورة التكنولوجية وتوظيف التكنولوجيا المستحدثة في مجالي تسهيل الاتصالات ونشر المعلومات أولوية قصوى ضمن استراتيجيات التنظيم الأخرى. ونتج عن هذه السياسية ما نلاحظه اليوم من حالة الارتباط الوثيق بين الإرهاب من جهة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من الجهة الثانية. ويمكن أن نحدد معالم ومقومات قيام التنظيم بتخصيص الأموال اللازمة من أجل الحصول على معدات التكنولوجيا الحديثة حال توفرها، وبغض النظر عن كلفتها المادية المرتفعة وقيام التنظيم بحملة واسعة لإغراء وتجنيد جيل جديد من الشباب الذي يمتلك القدرات التكنولوجية الفطرية أو الأكاديمية في مجالي تكنولوجيا الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، حيث أمست هذه الفئة من المجندين وقدراتها الفنية تعد المفتاح الأساسي لبقاء التنظيم وانتشار أفكاره وتوسيع قاعدة عضويته، وتحسين قدراته على جمع الأموال أو تنظيم العمليات الإرهابية، إضافة إلى مواكبة الاختراعات الحديثة بشكل واسع ومحاولة امتلاك المعدات وتطبيق الأفكار الحديثة حتى قبل انتشارها التجاري الواسع».

وبرزت أدلة على قيام التنظيمات الإرهابية بمراقبة مواقع الإنترنت الأكاديمية والتجارية بحثا عن الأفكار والاستخدامات الجديدة، والتي ما زالت في مراحل التطوير، من أجل إمكانية توظيفها لدعم نشاطات التنظيم، وتطوير القدرة على إدخال التعديلات والتغيرات المعقدة على الأجهزة الإلكترونية أو على برامج تشغيلها من أجل استخدامها في خدمة أهداف التنظيم.

وكانت التعديلات التي أدخلت على أجهزة الهاتف الجوال مثالا على هذه القدرات التقنية والفنية العالية وتطوير استراتيجية تكنولوجية مضادة للحد من تأثيرات هجمات الأجهزة الأمنية في جميع أنحاء العالم على قدرات التنظيم في استخدام هذه التكنولوجيا. وإيجاد الوسائل التقنية المضادة التي تساعد على الحد من الخسائر وعلى القدرة لاستعادة النشاطات بسرعة وبكفاءة عالية.

وأبان بن صقر أن تطوير مؤسسة إعلامية متخصصة (مؤسسة السحاب) ذات قدرات تقنية عالية تشرف وبشكل مركزي على الإنتاجات الدعائية والإعلامية لتنظيم القاعدة، ومن خلال رصد جودة إنتاج شرائط الفيديو التي تقدمها المؤسسة اليوم، يمكن إدراك مدى الاستثمار المادي والتقني الذي خصص لدعم هذه المؤسسة.

ولم يتوقف التنظيم على توظيف وسائل الاتصالات بالفاكس والشبكة العنكبوتية والبريد الإلكتروني وهواتف الأقمار الصناعية وهواتف الجوال، بل تعداها لاستخدام خرائط الأقمار الصناعية المجسمة (جي بي إس) في تحديد مواقع العمليات الإرهابية، واستخدام أجهزة تحديد المواقع المرتبطة بالأقمار الصناعية من أجل تسهيل عمليات الانتقال.

ويؤكد رئيس مركز الخليج للدراسات العلاقة بين تنظيم القاعدة ووسائله في توظيف التكنولوجيا لأهداف شريرة، وهو أمر مقلق ويدعو إلى مزيد من الجهود المضادة التي لا يمكن أن تكون مثمرة أو مؤثرة من دون وجود حالة من التعاون الدولي للتعامل مع هذا الخطر.

ويعلق على ذلك الدكتور سعود كاتب أستاذ التكنولوجيا والإعلام بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، قائلا إن القاعدة أصبحت تقوم بدور إعلامي أكبر من دورها العسكري، خصوصا مع التقنيات المتوفرة في شبكة الإنترنت، التي تتيح لها إنشاء قنوات فضائية وموجات إذاعية يمكن أن تبث من أي مكان في العالم وإلى أي مكان بواسطة بعض التقنيات على شبكة الإنترنت مع تغير الموقع في كل وقت، كما أتاحت لها تقنيات الجيل الثالث من الاتصالات وسيلة تواصل مباشرة وإمكانية إرسال المواد السمعية والبصرية عبر خدمات الجيل الثالث، مستخدمة في ذلك مجموعة من المحترفين، وهو ما ظهر جليا من خلال الأشرطة التي تنتجها مؤسسة السحاب.

وأشار كاتب إلى أن الخطر الأكبر يكمن في إمكانية هذه التقنيات في إتاحة الفرصة للتواصل المباشر والتفاعل مع مقدميها، وهو ما يشكل وسيلة إقناع، ما دعا الحكومات إلى التركيز على جانب التوعية ووضع استراتيجية لتطوير إمكانات الجهات المختصة في كيفية التعامل مع وسائل الاتصال.

وحول قيام أجهزة المخابرات الأميركية بإغلاق معظم المواقع والمنتديات الأصولية التابعة لتنظيم القاعدة، وتأخر بث تسجيل زعيم التنظيم، يقول الدكتور ضياء رشوان نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: «أعتقد أن خطاب بن لادن الذي بث في الرابع عشر من سبتمبر الحالي وأنتجته مؤسسة سحاب كان معدا للبث في الحادي عشر من سبتمبر، الذكرى الثامنة للأحداث، ولكن تدخل جهات أميركية وتحكمها في محتوى المواقع أجل ذلك»، ولم يستبعد رشوان أن تكون العملية تجارية من قبل بعض الشركات الأميركية.

وعن وجود المواقع وعدم حجبها نهائيا يقول مدير مركز الأهرام: «إن وجودها جزء من فلسفة المخابرات الأميركية لمعرفة ما يدور بفكر التنظيم».

وأشار رشوان إلى أن الزخم الكبير للمواقع «الجهادية» على الإنترنت يعود إلى كونها وسيلة إعلامية حديثة وطريقة سهلة لقياس التأثير، بعد الضغط الكبير الذي وجدته القنوات الفضائية، التي كانت «القاعدة» تبث من خلالها موادها الإعلامية، وحققت من خلالها تلك القنوات مكاسب عالية.

وأبان رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن الجماعات الإسلامية المصرية من خلال موقع جماعة «الجهاد» المصرية كانت أول من استخدم الإنترنت، وذلك في عام 1996، رغبة منها في الحضور، على الرغم من عدم الاستفادة منها كثيرا في ذلك الوقت بسبب قلة المستخدمين لشبكة الإنترنت، ولكنها كانت وسيلة للتواصل، فيما بدأ الخطاب الإعلامي للقاعدة بعد أحدث الحادي عشر من سبتمبر 2001، إذ إنه وقبل ذلك التاريخ لم يتحدث زعيم التنظيم أسامة بن لادن إلا لوسيلة إعلام عربية واحدة، ولكن بعد الحادي عشر من سبتمبر، الذي أثبت نفسه كحدث إعلامي مهم، تكرر ظهوره الإعلامي وبمختلف الأشكال.

ويضيف رشوان: «بدأت (القاعدة) تطوير خطابها الإعلامي المرئي والصوتي وظهر أول شريط لـ(القاعدة) في السابع من أكتوبر 2001، وبدأت تتوالى الأشرطة بعد ذلك، وحققت من خلالها (القاعدة) رسالتها، ولكن وبسبب الضغط من الجانب الآخر توقفت تلك الطريقة ولم تجد (القاعدة) أمامها خيارا سوى الشبكة العنكبوتية، وجندت لإعلامها مجموعة من الخبراء والتقنيين وقدمت مضمونا إعلاميا ذا جودة عالية».

وبحسب تقارير يعد أسامة بن لادن أول من اهتم بالإعلام الموجه إلى العدو، حيث اتجه بن لادن بشكل واضح منذ نهاية الثمانينات وحتى دخول الألفية الثالثة إلى الحرص على مخاطبة الإعلام الغربي أكثر من حرصه على التوجه إلى الإعلام العربي. وقد أجرى بن لادن في تلك الفترة نحو عشرة لقاءات تلفزيونية وصحافية مع الإعلام الغربي، الأميركي منه والبريطاني بشكل خاص. وكانت لقاءاته مع الإعلام العربي أقل من ذلك. لقد أدرك بن لادن مبكرا أهمية مخاطبة جمهور الخصم إعلاميا ومدى تأثير هذا الأمر في حربه العالمية ضد الغرب.

والفضل يعود إلى بن لادن في تأسيس الاستراتيجية الإعلامية الجديدة لـ«القاعدة»، لكن كان لا بد في فترة لاحقة من الاعتماد على جهد داخلي لإيصال صوت «القاعدة». بدأت هذه المرحلة الثانية والأهم في عمر الإعلام القاعدي مع ظهور أول شريط لمؤسسة «السحاب للإنتاج الإعلامي» والتي احتكرت كل تسجيلات «القاعدة» فيما بعد، والولادة الأولى لتلك المؤسسة كانت بإنتاج شريط عن تفجير المدمرة الأميركية (يو إس إس كول) في 30 أكتوبر 2000 في مياه اليمن، والتي عدها المراقبون مؤشرا على بناء مؤسسة إعلامية مستقلة لـ«القاعدة». فقد بدأت تلك المؤسسة بإنتاج أشرطة عن تدريبات «القاعدة» في معسكراتها في أفغانستان، ربما لاستشعار قادة «القاعدة» أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر ستجعل من التواصل مع الإعلام الغربي أمرا في غاية الصعوبة.

وبعد الاحتلال الأميركي للعراق بدأ عصر جديد لإعلام «القاعدة»، وهو أخطر المراحل في تاريخ هذا الإعلام، حيث اعتمدت «القاعدة» حينها على إيصال رسائلها الإعلامية، وتركت تأثيرا رهيبا على المتلقي في كل مكان، عبر عرض مشاهد ذبح الرهائن بطريقة مخيفة على الشبكة العنكبوتية، لينشغل بها العالم وتصبح حديث الناس.

وبدأت تظهر أشكال جديدة لإعلام «القاعدة» في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث بدأ الدكتور أيمن الظواهري نائب زعيم التنظيم بالظهور الإعلامي المتكرر وبهيئة جديدة، تشبه إلى حد بعيد هيئة المفكر والمنظر. فهو لم يعد يظهر والسلاح على يمينه كما كان في السابق، بل يجلس أمام مجموعة من الكتب ويتكلم بهدوء وبثقة ويوجه رسائله إلى الشعب الأميركي تحديدا والغربي بشكل عام.. كأنه في مناظرة انتخابية.

هذا الخطاب الجديد أسس له بن لادن في ظهوره الشهير في أكتوبر 2004 قبل أن يترك الفضاء تدريجيا للرجل الثاني الظواهري، ليصبح ظهور بن لادن قليلا جدا. وقد نجحت مؤسسة السحاب في إظهار هذا الشكل الأكاديمي للصورة بشكل جديد ومحترف.

لقد اعتمدت «القاعدة» إعلاميا على رصد التوقيتات المهمة للظهور، فهي في حرب عسكرية وإعلامية مع أميركا والغرب، وتحاول التركيز على أفضل الأوقات لتوجيه رسائلها وكسب التأثير أكثر.. كما حصل مع ظهور بن لادن عشية الانتخابات الأميركية مباشرة في 2004، حيث هاجم جورج بوش بضراوة في محاولة للتأثير على الناخب الأميركي.

ويشير الخبراء هنا أن هذا الظهور جاء بأثر عكسي لصالح جورج بوش وقتها، ولأن هناك اعتبارات أمنية للظهور الإعلامي لابن لادن فإنه لم يظهر منذ ذلك الحين سوى ثلاث مرات. لكن المتابع يدرك أن بن لادن قد يظهر عند أي حدث مهم يستدعي ذلك، وإلا فإن الظواهري هو نجم «القاعدة» الإعلامي الآن.

لقد حاولت «القاعدة» دائما أن تخوض هذه الحرب الإعلامية بأفضل طريقة ممكنة، وقد نجحت إلى حد كبير في بعض الفترات وفشلت في فترات أخرى، لكنها لم تستسلم أبدا وحرصت على تطوير أدواتها على الدوام. وحين كان يشعر القائمون على هذا الإعلام بضعف التأثير كانوا يلجأون إلى أرشيفهم الذي لم يظهر من قبل، ويقومون لأول مرة ببث صور قديمة في أوقات معينة كذكرى أحداث سبتمبر والهجوم على أفغانستان أو العراق، أو عند القبض على ناشط منهم، كما حدث حين بثت أشرطة رمزي بن الشيبة بعد القبض عليه أو المواد التي تظهر وصايا منفذي أحداث سبتمبر.

هذه الأشرطة بثت لأول مرة بعد سنوات على الحدث، في محاولة لإعادة البريق إعلاميا لهذا التنظيم أو استخدامها كمواد دعائية وإعلانية لتنشيط ذاكرة الأنصار والتأثير السلبي على الخصم قدر الإمكان.

لا شك أن هناك حربا إعلامية ضروسا إلى جانب الحرب العسكرية تعتمدها «القاعدة» ضد أعدائها وتدرك جيدا أهميتها. لقد دخلت هذه الجماعات حرب الفضاء بعد أن كانت هي نفسها تحرم مجرد أخذ صورة شخصية للمسلم.

ويظهر للمتابع أن مؤسسة سحاب للإنتاج الإعلامي، وهي الجناح الإعلامي لـ«القاعدة»، يوازي في أهميته في نظر هؤلاء الجناح العسكري الذي ينتشر حيث انتشر هذا الفكر، ويوازيه في غموضه أيضا. فهذه المؤسسة لا تملك استوديوهات معروفة أو مؤسسة تعمل في الضوء، بل إنها كطائر الليل الذي يظهر فجأة من اللامكان ويختفي بنفس السرعة المفاجئة بعد أن يثبت وجوده.

وحتى ما قبل سنتين، كانت مؤسسة السحاب تعتمد على إرسال إصداراتها إلى القنوات الفضائية مثل «الجزيرة»، مع قيامها في بعض الأحيان بإرسال بعض تسجيلاتها على الإنترنت لفترات قصيرة، لكن حدث تقدم نقني كبير واستغلته هذه المؤسسة وبدأت توسع تطاق الإرسال، حيث بدأت في إرسال تسجيلات الفيديو مباشرة على الإنترنت، وتستعين بشبكة عالمية مجهولة من مسؤولي المواقع الإلكترونية لتأمين عمليات إرسال هذه المواد.

وفي عام 2005 أصدرت مؤسسة السحاب 16 تسجيل فيديو، وتحسنت نوعية المواد التي تصدرها بدرجة كبيرة، وبدأت تضع الكثير من اللغات في إصدارتها مع استغلالها لتقنية «ثري دي».

وفي إطار ما يعرف بـ«الجهاد الإعلامي» يستخدم تنظيم القاعدة والمنظمات المرتبطة به أو المشابهة له التقنيات الأشد تطورا في الحرب الإعلامية، وذلك بالتوازي مع الحرب الميدانية الدامية بين المتشددين الأصوليين والقوات الأميركية في العراق.

وتقول المجموعة إنها نجحت في مهاجمة 1600 منتدى ومجموعة بريدية، ولقد وصلت رسائلها إلى أكثر من 60 ألف شخص من العسكريين وذويهم، وكذلك من الشخصيات العامة، ونشرت في العامين الأخيرين 350 وثيقة بينها أفلام عن هجمات في العراق والسعودية وأفغانستان، وحيثما سجلت عمليات للمجموعات المتطرفة.

يذكر أن عدد المواقع الأصولية زاد من نحو 12 موقعا عام 1998 إلى نحو 4800 موقع اليوم، وذلك حسبما أورد (غابريل ويمان) الباحث بمعهد السلام الأميركي (USIP)، وأستاذ الاتصالات بجامعة حيفا بإسرائيل، في كتابة المعنون بـ«الإرهاب على الإنترنت: ساحة جيدة، تحدٍّ جديد»، الصادر عن معهد السلام الأميركي (USIP) بحسب تقرير واشنطن.

وتستخدم المنظمات والجماعات الإرهابية شبكة الإنترنت كأداة للتدريب العسكري لعناصرها، من خلال نشر كتيبات عن الأسلحة، تكتيكات القتال، صنع المتفجرات، تقديم دورات في صنع المتفجرات، وإرشادات حول كيفية صناعتها محليا وفي المنازل، وموضوعات أخرى ذات صلة على غرار مجلة «معسكر البتار» التابعة لتنظيم القاعدة ذات الطبيعة العسكرية، والمنشورة على الإنترنت، والتي تنشرها «جماعة المجاهدين في الجزيرة العربية».

ولا تقتصر المجلة على تقديم المعلومات والاتصال بأعضاء التنظيم، ولكن أخذ هذا النشاط منحى أكثر تهديدا تمثل فيما أصبح يعرف بـ«الجهاد الإلكتروني»، والذي أضحى جزءا أصيلا من أهداف وتكتيكات المنظمات الإرهابية الإسلامية، والتي أصبحت تهاجم المنظمات والجماعات الأخرى المعارضة لها فكريا وعقائديا؛ بغية إضعاف روحها المعنوية.