التعليم العالي يستنسخ تجربة الصحف الأميركية.. في الاستفادة من الإنترنت لتبادل المعرفة

الجامعات الأهلية ورجال الأعمال يبحثون خيارات لا حاجة فيها إلى مبان لإيواء الطلبة ولا إلى مواصلات

TT

ربما يكون الطلبة الذين يبدأون الدراسة العام الحالي ضمن آخر جيل تعني عبارة «الذهاب إلى الجامعة» بالنسبة لهم، جمع الحاجيات والحصول على غرفة داخل مسكن جامعي والاستماع إلى أساتذة معينين داخل الجامعة، فالتعليم الجامعي على وشك أن يشهد عملية إعادة هيكلة جذرية. ومثل ما حدث مع الصحف، تؤدي الوسائل الجديدة إلى تبادل المعرفة التي ساعد على ظهورها الإنترنت إلى تغيير في طبيعة الجامعات. ولا يمكن أن يبقى القالب التجاري الذي ساعد على بقاء الجامعات الأميركية الخاصة. وتعد القوة الحقيقية التي تقف وراء هذا التغيير هي السوق، فالدورات الدراسية على الشبكة الإلكترونية ذات تكلفة بسيطة جدا، وتقوم الجامعات الأهلية، ومعها رجال الأعمال الذين لديهم استثمارات في التعليم بهدف جني أرباح، بتجربة خيارات لا تحتاج فيها إلى مبان لإيواء الطلبة ولا إلى موصلات. وستبقى تقنية التعليم عن بعد في تطور، ولم يختبر المبتكرون قدرة ذلك على تغيير الطريقة التي يحصل بها الطلاب على الدرجات التعليمية وجعل النشاط التعليمي يبدو مثل التجارة الإخبارية عام 1999 تقريبا.

وفي الوقت الذي تقدم فيه جامعات كبرى بعض الدورات الدراسية الأساسية على شبكة الإنترنت، سوف نرى تحولا ثقافيا نحو قبول ما لا يزال في بعض الدوائر لدى «جامعة فينكس»، ولا يعني ذلك طريقة مختلفة للتعلم، فثمة تهديد لتمويل البحث الأكاديمي وثقافة الأكاديمية.

وتعتمد الصحف والجامعات بصورة تقليدية على بيع المعلومات التي يصعب الحصول عليها، وتخصص الصحف مساحات للإعلانات إلى جوار الأخبار الهامة، ولكن في الوقت الحالي يتوصل أصحاب الإعلانات إلى عملائهم عن طريق «كرايغزليست» و«Cars.com»، وبذلك يتلاشى المصدر الرئيسي لرواتب الصحافيين.

وتبيع الجامعات المعلومات، ولكن مع عرض مختلف نسبيا، وهو الحصول على درجة ووظيفة أفضل، وفرصة للتواصل مع العقول الكبرى. وكما هو الحال مع الصحف، فإن بعضا من هذه السمات متاح في أماكن أخرى، ويمكن للطالب الوصول إلى محاضرات مصورة فيديو ودورات دراسية بالكامل ومناهج متاحة على الشبكة الإلكترونية.

وخلال خمس أو عشر سنوات، سيكون الشخص الذي يبلغ 18 عاما أو 54 عاما قادرا على العثور على العشرات من الدورات الدراسية على الشبكة الإلكترونية، واستكمال اختبارات شخصية، وهناك ساحة إخبارية يستخدمها «طلبة» آخرون وروابط تساعد على الوصول إلى أدبيات أكاديمية مجانا.

ولكن، لا يرتبط الطلب على الجامعة بالرغبة في التعلم وحدها، ولكنه مرتبط بالحصول على درجة علمية. وتكلف الدرجات على الشبكة الإلكترونية الجامعات تكلفة بسيطة، فلا تحتاج المدارس إلى تأجير مساحة، ويعني توافد الطلاب أنهم يمكنهم أن يدفعوا إلى المعلمين نسبة بسيطة من المرتب الذي يحصل عليه أستاذ معين، ويحتمل أن يكون هناك اعتماد على مناهج مشتركة، ويترجم ذلك إلى رسوم أقل، وقد كانت هناك إشارات على وجود رغبة واضحة في الحصول على درجات علمية بتكلفة أرخص، وتعد الدرجات العملية على الإنترنت غير مرتفعة التكلفة بصورة نسبية، وسوف تراجع التكلفة خلال العقود المقبلة مع ازدياد المنافسة من جانب المزيد من الجامعات.

ويمكن أن ترى ابتكارا كبيرا داخل بعض الجامعات الأهلية والمؤسسات التي تهدف إلى تحقيق الربح وتعمل الجامعات الأهلية بموارد محدودة من أجل زيادة ما تعرض عبر الإنترنت. وتبدو المؤسسات التي تسعى لتحقيق أرباح تعتمد على الطلب الكبير على الدرجات العلمية ذات التكلفة المنخفضة وفكرة أن عددا قليلا من المدارس العامة يقوم بالكثير من التسويق التقليدي.

ويشبه المستثمرون ـ إلى حد ما ـ المشاركين الأُول الأخبار على شبكة الإنترنت، المدونين والمساهمين في قوائم البريد وساحات النشرات الإخبارية، ومن يرغبون في تحقيق أرباح. وكما قام النمط الجديد من الأخبار بفصل «المقال» عن «الصحيفة»، فإن النمط الجديد من الجامعات سوف يفصل «الدورات الدراسية» عن «الجامعة».

وبالطبع، سيكون مطلوبا أن يكون هناك تحول ثقافي حتى يقابل أصحاب العمل الدرجات العلمية عن طريق شبكة الإنترنت من دون شكوك. ولكن، توجد جميع العناصر التي تساعد على هذا التحول. وتقوم الجامعات بتدريس عدد قليل من المواد عبر شبكة الإنترنت. وسوف ينمو طلبة الغد في عالم شخصي حسب الطلب، يكون فيه نمط التعليمي غريبا للغاية.

ويمكن أن نأخذ التشبيه بالصحف إلى مستوى آخر، حيث سيكون مجمّعو الجامعات في محور تجربة التدريس الجديدة، ونجد أن مواقع التجميع في الصحافة أصبحت، بدلا من الصحف، نقطة دخول لمعرفة الأخبار.

ويتدرب نصف خريجي الجامعات في أكثر من مدرسة قبل التخرج. وقريبا، سوف ترى المزيد من المواقع الإلكترونية تقدم تسهيلات للاستفادة من دورات دراسية تقدمها مجموعة من الجامعات المختلفة.

وعلى ضوء الكثير من الأشياء الزائدة على الحاجة داخل النظام الجامعي الحالي، كما هو الحال مع الصحف، سوف ينتج عن الكفاءات الجديدة على شبكة الإنترنت عدد أقل من الباحثين والأساتذة. وبعد أن كان لكل صحيفة كبرى مكتب في سراييفو، على سبيل المثال، نجد حاليا أن مقالات عدد قليل من المراسلين الأجانب تستخدم في عشرات من الصحف.

وبنفس الصورة، فإنه في الوقت الحالي يدرس مئات من الأساتذة الجامعيين علم اجتماع في الوقت نفسه. وسيكون من الصعب مع استخدام الإنترنت تبرير هذه الأشياء الزائدة على الحاجة.

وفي المستقبل، سوف يتم تصوير مجموعة من محاضرات علم الاجتماع على شرائط فيديو وتدريسها في مختلف أنحاء الولايات المتحدة.

وعندما يحدث ذلك، سواء كان خلال 10 أعوام أو 20 عاما، سوف نرى تفسخا هيكليا داخل الأكاديمية على غرار ما يحدث داخل الصحف في الوقت الحالي. وستكون الكلية النموذجية في عام 2030 عبارة عن مجموعة من المساعدين، يستخدمون داخل أقسامهم مناهج مكررة.

وسيختلف مقدار التغير الذي سيطرأ على الجامعات من مكان لآخر، فكما هو الحال مع صحيفة «نيويورك تايمز»، قد تلعب الكليات البارزة دورا فريدا في مجتمعنا، وسيمكنها الاستمرار بعناصر النمط القديم للعوائد لفترة أطول، مقارنة بالأقل شهرة ممن ينافسها.

وسيكون لدى المدارس التي تحصل على دعم من الولاية حصانة طالما أن ميزانياتهم في حال جيد. ولكن، خلال الأربعين عاما المقبلة، ستقيم معظم الجامعات شراكات مع أشكال مختلفة من الخدمات أو سيكون عليها أن تغلق أبوابها.

ولكن، كيف يجب أن تكون طريقة تفكيرنا بخصوص ذلك؟ سيكون متاحا أمام الطلاب الذين لم يكن في استطاعتهم الوصول إلى الدورات الدراسية الهامة أو الشخصيات البارزة الحصول على تعليم عبر شبكة الإنترنت بصورة لم يكن ممكنا تخيلها خلال القرن الماضي، وطالما لم يكن هناك التزام قوي بتمويل أكبر للتعليم العالي، فإن المؤسسات التي سمحت بحرية أكاديمية وتعلم مجتمعي وبحث، بعيدا عن الضغوط وعن المخاطر الثقافية، ستكون في خطر.

وإذا أصبح النمط الشائع للتعليم الجامعي عبارة عن مجموعة من المساعدين المتفرقين الذين يتقاضون راتبا بسيطا، فإننا بذلك سنفقد سلوكا أكاديميا نادرا يصعب الحصول على بديل عنه.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»