مواجهة بين جهود تقليص النفقات وثقافة الإنفاق داخل «كوندي ناست» للنشر

أغلقت مجلة «غورمت» و3 أخرى.. ومطالب بخفض 25% من ميزانيات باقي المجلات

دعوات لتقليص النفقات داخل إحدى كبرى مؤسسات النشر الأميركية («نيويورك تايمز»)
TT

أعلنت مؤسسة «كوندي ناست» أن مجلة «غورمت» التي اعتنت بعالم الطهي والسفر على صفحاتها الفاخرة منذ عام 1941 ستتوقف عن الظهور مع صدور آخر أعدادها في نوفمبر (تشرين الثاني).

وتمثل مجلة «غورمت»، التي تحظى بتاريخ ثري ومكانة سامقة في سماء النشر، بالنسبة لعالم الطعام ما تمثله مجلة فوغ بالنسبة للأزياء. وفي ظل قيادة روث ريتشيل، أحد أبرز المديرين التحريريين في «كوندي ناست» أغدقت «غورمت» الأموال على التصوير ومطابخ التجربة ومقالات السفر الخارجية مما نتج عنه مجلة جميلة عاشت وباعت الحياة المترفة.

وأشارت موري بيرل المتحدثة باسم «كوندي ناست» إلى أنه برغم غموض الموقف إلا أن التوقعات ترجح ترك ريتشيل الكاتبة المتخصصة السابقة في المطاعم في «نيويورك تايمز» المؤسسة، إضافة إلى أن المؤسسة ستبقي على المجلة المتخصصة في الطعام «بون أبيتيت».

وأعلنت المؤسسة أيضا أنها ستغلق 3 مجلات أخرى هي مجلة الأسرة «كوكي» والمطبوعات التي تعني بأمور الزفاف وهما «العروس» و«العروس الحديثة»، وهو ما سيسفر عنه فقدان 180 فردا لوظائفهم، أما بالنسبة لعشاق «غورمت» فإن الخسارة ستكون مضاعفة إذ يعني ذلك انتهاء علاقة دامت لأمد طويل بين القراء والمجلة وصور المجلة للطعام كاستكشاف.

وباختيار مجلة «بون أبيتيت» على «غورمت» فإن «كوندي ناست» تعكس بذلك تحولا كبيرا داخل وخارج الشركة مفاده أن النفوذ وقوة الإنفاق تقع في أيدي الطبقة الوسطى. فقد تضاءل حجم الإعلانات التي تدعم مجلة فاخرة مثل «غورمت» فيما استمر معلنو متاجر البقالة عن شراء صفحات بسعر معقول وسهل المنال في مجلات المشاهير مثل «أفري داي» مع ريتشل راي المتخصصة في الوجبات التي تعد خلال 30 دقيقة ومجلة «فود نيت ورك».

وكان قرار «كوندي ناست» بإغلاق المجلة غير متوقع لكن الشركة بررت ذلك بأن المجلة تخسر الكثير من المال. وقال تشارلز تاونسند، المدير التنفيذي في مقابلة: «في اقتصاديات الثمانينيات والتسعينيات وبدايات الألفية سيكون ذلك قرار اقتصاديا يتواءم مع التغير الثقافي بالتخلي عن الماركات الشهيرة».

ومع تراجع الإعلانات الفاخرة خسرت الشركة 8000 صفحة إعلانات خلال إصداراتها في شهر أكتوبر مقارنة بنفس الفترة عن 2008، وذلك بحسب تقرير «ميديا إندستري نيوزلتر».

ومع انخفاض بلغت نسبة مبيعات المجلة بواقع 43% جاءت «غورمت» كأحد الضربات الموجعة للشركة. ومن ثم عمدت «كوندي ناست» إلى التعاقد مع شركة الاستشارات «ماكينزي آند كومباني» خلال هذا الصيف للمساعدة في دراسة كل من هذه المجلات بصورة علمية وليست عاطفية.

وقد شارفت الجهود التي تبذلها «مكنزي آند كومباني» بعد دراسة استمرت لثلاثة أشهر، حول كيفية تقليص النفقات على الانتهاء، في وقت صدرت تعليمات إلى العديد من المجلات التابعة للمؤسسة بخفض ميزانياتها بنسبة تقارب 25 في المائة. وتفسر ثقافة الإنفاق داخل «كوندي ناست» بعض مشاعر الإبهار التي تثيرها المؤسسة في نفوس الكثيرين، والتي تخلق بدورها مزيجا من مشاعر الحسد والسخرية بين الموظفين لدى مجلات أخرى. وعمدت «كوندي ناست» إلى إجراء بعض التغييرات الجادة في أسلوب عملها. والواضح أن الحياة داخل مقرها الرئيسي في 4 تايمز سكوير على وشك التبدل ـ ولو قليلا. في هذا الصدد، قالت أودري سيغيل، نائبة الرئيس التنفيذي ومديرة شؤون خدمات العملاء بشركة «تارغيت كاست تي سي إم» الإعلامية: «لقد تمتعوا بالحماية لبعض الوقت. لكن أعتقد أن «كوندي ناست» ستتحول الآن». وتوزع «غورمت» 980000 نسخة مقابل 1.35 مليون نسخة لـ«بون أبيتيت». وقد حققت الأخيرة أكبر نسبة مبيعات في أكشاك بيع الصحف في الشهور الستة الأولى من العام، وذلك بحسب التقرير الذي أصدره مركز مراقبة التوزيع.

وعلى الرغم من انخفاض المبيعات بصورة كبيرة خلال تلك الفترة مقارنة بالشهور الستة الأولى في عام 2008 إلا أن مقالاتها الافتتاحية كانت مختلفة، ففي الوقت الذي حمل فيه غلاف «بون أبيتيت» عنوان «أفضل طريقة لإعداد النقانق في الولايات المتحدة»، كتبت «غورمت» مقالا حول كيف يمكن لناقد متخصص في الكتابة عن المطاعم في إنفاق 1000 دولار في مدنهم المحلية.

وقالت دوروثي كالينز المحررة المؤسسة مجلة «سافير» المتخصصة في مجال الطعام: «يجب أن تبحث عن المعلنين لدعم المجلات المختصة بشؤون الطعام، التي تميل لاجتذاب المصنعين وكذلك الشركات التي تمتلك المال». في السياق ذاته، تدرس بعض المجلات تقليص معدلات صدورها. إلا أن سيغيل حذرت من أن هذا الأمر ربما يترك تداعيات على المدى البعيد. وقالت: «هناك القليل للغاية من الجهات الإعلانية التي تشتري 12 عددا من مجلة شهرية، إذن، هل يحمل الأمر أهمية إذا أصبح العدد 10؟ ليس على المدى القصير، لكن ربما يكتسب الأمر أهمية إذا ما ترك تأثيرا على مجمل جمهور القراء». من جهتها، قالت سيغيل إن بعض إجراءات تقليص النفقات جاءت مناسبة، لكنها أعربت عن أملها في ألا تحد من جودة المجلات. وأضافت: «إنني أحب المجلات التي يصدرونها ـ أعتقد أنها رائعة، يروق لي الشعور الذي تبثه.. لذلك آمل في ألا يخبرهم الاستشاريون الذين يتعاونون معهم بتقليص الجودة بأي صورة كانت، لأن هذا هو ما يجعل لأسماء المجلات قيمة حقيقية». وأشار باري لوينثال، رئيس في «ميديا كتشن» بنيويورك وهي جزء من شركة «إم دي سي هولدنغ» القابضة للإعلان إلى أن اعتماد «غورمت» على السفر والإعلانات الفاخرة قد أصابها بضرر بالغ. وإذا ما اضطررت إلى الرهان على من سيدعمك فسيقع الرهان على معلنو «بون أبيتيت».

ولا تعدم «غورمت» القراء المعجبين بها، فتقول آليس والترز صاحبة مطعم في كاليفورنيا إنها أوشكت على البكاء عندما علمت بنبأ الإغلاق. فيما قالت غيل زوينغنثال، وهي مديرة التحرير السابقة في «غورمت» إنها أصيبت بحزن بالغ. وقالت: «أعتقد أنها كانت المجلة الأولى التي علمت الأفراد كيفية الإبحار في تعقيدات السفر الخارجي وأماكن الإقامة ونوعية الطعام. قد كانت مجلة متخصصة، ذات تاريخ رائع».

وامتدحت دانا كوين، رئيس تحرير مجلة «فود آند واين» التعليقات الثقافية والسياسية الاجتماعية والحس الرفيع للمجلة.

وتشير سوزان غريمز التي تشرف على مجلة «إفري داي» و«ذ راتشيل راي» التي تعد واحدة من بين مطبوعات «ريردز ديجست أسوسيشن»، إلا أن توقف «غورمت» عن الصدور لا يعني أن الأفراد لم يعودا يطهون كالسابق أو أنهم لا يرغبون في شراء مجلات الطعام، فقد أصبح الطهي أكثر ديمقراطية وأصبح الطعام عملة عاطفية وليس طموحا.

كما أصبح الطعام أكثر ديمقراطية عبر الحديث العذب للسيدة راي ونجوم شبكة الطعام. وقال جورج جانسون، المدير المشارك في «غروب إم برنت»، وهي جزء من شركة دبليو بي بي للإعلان تعتبر ريتشل شهيرة في عالم الطعام لكنها من نوعية القمة. وقالت: «إنها واحدة من اليقونات الشهيرة في عالم الطعام. لكن يبدو أن ما يرغبه الطهاة الآن نموذجا أقل اختلافا وأكثر صداقة».

ويقول آبي بيك الحاصل على الأستاذية الفخرية من معهد الصحافة بالشمال الغربي بشأن قرار «كوندي ناست»: «لا أعتقد أنهم اتخذوا القرار الصائب هنا». وفي ظل الأخبار المتعلقة بمجلة «غورمت»، فقد انتهى عصر آخر بـ«كوندي ناست».

وأضاف أن الشركة لم تعد تستطيع تحمل المجلات الخاسرة «لا نستطيع الاحتفاظ بعمل خاسر، لقد وقعنا تحت ضغط الأزمة الاقتصادية التي دفعتنا للتعقل».

يذكر أن فرقا من استشاريين تابعين لـ«مكنزي آند كومباني» عملوا داخل مقر رئاسة «كوندي ناست» على امتداد الأشهر الثلاثة الماضية، والتقوا برؤساء تحرير وناشرين ومسؤولين تنفيذيين آخرين لمراجعة كيفية إنفاق الأموال. وأشار عدد من هؤلاء المسؤولين أنهم أوصوا بأنه إضافة إلى إجراءات خفض النفقات الإجمالية بنسبة 25 في المائة تقريبا، يجب أن تفترض الميزانيات الخاصة بعام 2011 أن مستوى المبيعات سيبقى ثابتا. كما تضمنت إجراءات خفض النفقات الأخرى التي ذكرها مسؤولون تنفيذيون المواد المتعلقة بالترويج للمجلة والأموال الضخمة التي يجري دفعها إلى صور التقطها مصورون متعاونون من الخارج ولم تستغلها المؤسسة بمجلاتها وطلبات الغداء شبه اليومية من «بالثازار».

من ناحيتهم، قال المسؤولون التنفيذيون إن هناك بعض المجالات الواضحة التي يمكنهم خفض النفقات بها، مثل العقود مع المساهمين. من جهته، يقول تاونسيند إن كل إصدار من تلك الإصدارات كان يستهدف تحقيق هامش ربح معين، وكان على الناشر ورئيس التحرير أن يحددا الطريقة التي سوف يحققان بها ذلك الهامش. وفي الوقت نفسه أكد السيد تاونسيند إنه لن تكون هناك المزيد من الاستقطاعات لبعض الوقت. «فقد انتهى الأمر. انتهى».

من جهة أخرى، يقول تاونسيند إن معظم جهوده سوف توجه للأعمال المتعلقة بشبكة الإنترنت، حيث نريد التوقف عن الاعتماد على عرض الإعلانات. وسوف نقوم بتوسيع المجلة المختصة بشؤون الزفاف «العرائس»، ونرفع معدل صدورها إلى 12 مرة في العام، بالإضافة إلى زيادة الاستثمارات في موقعها الإلكتروني.

ويقول تاونسيند إن المجلات التي أغلقت ربما يكون لها مستقبل على شبكة الإنترنت أو في شكل آخر من وسائل الإعلام. فعلى سبيل المثال: «ربما تؤدي «كوكي» بشكل أفضل في النسخة الإلكترونية» بينما يمكن أن تتحول «غورمت» إلى كتب ناجحة، وأعمال تلائم البث والنشر على شبكة الإنترنت.

ومن الواضح أنه لا توجد خطط واضحة لإدارة هذه الأعمال، فلدى الشركة عقود عليها الالتزام بها في بعض الأعمال الجانبية. فكان من المتوقع، أن تعود السيدة راتشيل بعد أن تحزم أمتعتها إلى جولة لاستعراض كتاب الطهي الجديد «غورمت اليوم».

وقالت راتشيل يوم الاثنين من خلال صفحتها على موقع تويتر: «آسفة لأنني لا أرسل تعليقات الآن، ولكنني أحزم أمتعتي. كلنا نشعر بالصدمة والحزن».

* خدمة «نيويورك تايمز»