الصين تضخ مليارات الدولارات لبناء إمبراطوريتها الإعلامية الخاصة

ستسمح للشركات الأجنبية والخاصة بالاستثمار في الموسيقى والأفلام والتلفزيون والمسرح

خطط صينية لاستقطاب استثمارات أجنبية لإنشاء امبراطورية إعلامية («الشرق الأوسط»)
TT

تخطط الحكومة الصينية لإنفاق مليارات الدولارات خلال الأعوام القليلة القادمة لتطوير شركات الإعلام والترفيه المملوكة لها طمعا في منافسة الشركات العالمية العملاقة مثل «نيوز كوربوريشن» و«تيم وارنر»، وستحاول الحكومة تخفيف الرقابة على تلك الصناعات.

وكانت الخطة الطموحة التي قدم خطوطها العريضة مجلس الدولة الصيني، قد شملت تصورات حول إنشاء الشركات الإعلامية والإخبارية والترفيهية والثقافية من خلال التكيف مع السوق ودون دعم كبير من الحكومة. وهو ما يعني رغبة الحكومة الصينية في تعزيز صناعتها لتنافس شركات مثل «بلومبيرغ» و«تيم وارونر» و«فياكوم».

ويقول جيم لاوري، المراسل السابق لشبكة «إيه بي سي» الذي عمل أستاذا في جامعة هونغ كونغ والتقى مديري المحطات الصينية المملوكة للدولة مؤخرا: «يبدو أن الحكومة الصينية تشعر بالحاجة إلى آلة إعلامية تكافئ قوة الدولة الصينية الناشئة». وتأمل بكين في أن تقوم هذه الخطوة بتحسين صورة الدولة في الخارج، وهو ما يأتي في إطار جهد كبير ودائم لاستغلال هذه «القوى الناعمة» بدلا من القوى العسكرية للفوز بأصدقاء خارجيين.

وخلال هذه الخطة ستقوم بكين بالسماح للشركات الأجنبية والخاصة بالاستثمار في كل شيء بدءا من الموسيقى والأفلام والتليفزيون إلى المسرح والرقص والعروض الأوبرالية، مع شركات تملكها الدولة.

وكانت الشركات الإخبارية الكبرى مثل «فياكوم» والشركات الإعلامية الغربية العملاقة أعربت عن فشلها في عدم قدرتها على الفوز بإنتاج أفلام وبرامج تليفزيونية تستهدف المشاهد الصيني، وأنها كانت تعمل على الدوام من خلال شركات مشتركة وتواجه تأخيرات وعقبات سياسية. وقد علقت الشركات الأميركية على القانون الجديد بأنها تعكف على دراسته، لكنها رفضت التعليق أكثر من ذلك.

وفي تعليقها على بيان الأسبوع الماضي، أشارت الحكومة الصينية إلى أن المجموعات الإعلامية المملوكة للدولة سيعاد تنظيمها للسماح بالاستثمارات الخارجية حتى تتمكن من النهوض بذاتها بدلا من تبعيتها للمؤسسات الحكومية كطفيليات.

وستحظى الشركات الجديدة بمزيد من الحرية في التمويل وإنتاج سلسلة واسعة من المحتوى الثقافي والترفيهي لتوزيعه داخل البلاد وحتى لتصديره.

وعلى الرغم من أن الصين لم تطرح تفاصيل الخطة بعد، فإن البرامج الإخبارية قد تكون استثناء في ذلك لأنها تقع تحت سيطرة الحزب الشيوعي. وتحاول الصين تطوير مؤسساتها الإعلامية المملوكة للدولة بهدف زيادة إصدارات المزيد من المطبوعات باللغات الأخرى والخدمات السلكية والبرامج التلفزيونية للوصول إلى القراء والمشاهدين في المناطق الأخرى من العالم.

ومن بين أُوليات الشركات التي ستستفيد من السياسة الحكومية الجديدة مجموعة «شنغهاي» الإعلامية، إحدى كبرى الشركات المملوكة للدولة والشركات الإعلامية الأخرى. وكانت الحكومة الصينية قد وافقت خلال شهر أغسطس (آب) الماضي على إعادة تنظيم الشركة لعملياتها طرح أسهمها للجمهور.

ومن المعروف أن مجموعة شنغهاي الإعلامية التي تُعرف اختصار بـ«إس إم جي» من أكثر الشركات الإعلامية ربحية، فقد حققت أرباحا قاربت مليار دولار، كما حققت العام الماضي أرباحا بلغت 100 مليون دولار، كما أنها ترتبط بشراكات مع شركات إعلامية أخرى مثل «نيوز كوربوريشن» و«فياكوم» و«سي إن بي سي» ومجموعة من الشبكات التليفزيونية الربحية مثل شبكات التسوق المنزلي وقناة الرسوم المتحركة وقناة الموضة إضافة إلى الإذاعة والصحف والمجلات وإنتاج الأفلام.

وستبدأ الشركة في الانقسام إلى جانب غير ربحي تديره الدولة يستضيف البرامج الإخبارية والبث التليفزيوني عبر الأقمار الصناعية، وجانب ربحي يركز على الإعلان وتطوير محتوى البرامج والتوزيع.

وقال لي روي غانغ رئيس مجموعة «شنغهاي» ومديرها التنفيذي: «شهدت سوق الإعلام المحلية تطورا كبيرا، وستكون المجموعة شركة جديدة وستتحول في المستقبل إلى شركة قابضة تدير عشر شركات فرعية».

ولمساعدة الشركة في التوسع في خططها وافق «بنك التنمية الصيني» على تقديم 1.5 مليار دولار لتمويل الخطة خلال السنوات الخمس القادمة.

وسيصبح البنك شريكا مع المجموعة الإعلامية في صندوق أسهم خاصة منفصل بقيمة 735 مليون دولار، حيث سيقوم الصندوق الجديد «تشينا ميديا كابيتال» بالاستثمار في مجال الإعلام والمشروعات الترفيهية والتي سيرأسها لي رئيس مجموعة «شنغهاي» الإعلامية.

وأشار مايكل تانغ مدير الاستثمار في صندوق «تشينا ميديا كابيتال»، إلى أن الحكومة تشجع الاندماج في مجال صناعة الإعلام والترفيه وأن الصندوق سيعمل على تطوير مجموعات إعلامية أكبر حجما.

وقال تانغ: «السوق الصينية مقسمة، فهناك أربع أو خمس مجموعات إعلامية ضخمة لكن لا توجد مؤسسات مثل (نيوز كورب) أو (تيم وارنر)، لكننا سنسعى للحصول على فرص خارجية أيضا».

ويشير المحللون إلى أن الخطوط الإرشادية الجديدة ستصيب الكثير من المؤسسات الإعلامية الكبيرة التي تتطلع إلى دخول السوق الصينية الضخمة بخيبة أمل.

فيقول فيفك كوتو، مدير شركة «ميديا بارتنرز آسيا» (شركة أبحاث تتخذ من هونغ كونغ مقرا لها): «ليس القانون الجديد دعوة للشركات الإعلامية العالمية للحصول على أسهم، لكنه قد يكون دعوة لشركات الأسهم الخاصة ورأس المال الأجنبي للقيام بالمزيد».

وإذا ما دخلت الاستثمارات الأجنبية فمن المتوقع أن تكون من خلال شراكة، وهو أمر قائم بالفعل ويخضع لإشراف الدولة. وقالت زيهو مي رئيس شركة «ليندن للاستشارات» في بكين: «هذا توقيت جيد للشركات الغربية كي تتمكن من القدوم إلى هنا للبحث عن شراكات».

وتشير زيهو إلى أن السياسة الجديدة يُتوقع أن تغذي شراكات مثل الشركة المشتركة التي أسستها مجموعة «جيهو للتنمية الثقافية» التي تملكها الحكومة الصينية والتي يقع مقرها في بكين، وشركة «لايف ناشن الأميركية» التي تنظم الحفلات والعروض الموسيقية. لكن خبراء آخرين حذروا من العقبات التنظيمية لأن شركات الترفيه ترفع تقاريرها للعديد من الوكالات وكل لها قواعدها الخاصة. وقد يكون ذلك هو السبب وراء استبعاد التليفزيون المركزي الصيني، أكبر محطة تليفزيونية في الدولة، من برنامج إعادة التنظيم الأولي.

ويعد التلفزيون الصيني المتحدث الرسمي بلسان الحكومة المركزية، وقد خضع مؤخرا لتغيير إداري بعد أن دمر حريق جزءا من مقره الجديد في الصين الذي بلغت تكلفته 700 مليون دولار والذي صممه ريم كولهاس وأولاي ستشين.

على الرغم من هذه العقبة يقول كوتو والمحللون الآخرون إن بعض الشركات الإعلامية الصينية الضخمة تشهد ازدهارا من خلال إنتاج الأفلام ووسائل الترفيه.

وقد حصلت شركة «هوآي براذرز ميديا كوربوريشن» (إحدى أشهر شركات إنتاج الأفلام) على موافقة طرح أسهم للجمهور في عرض يُتوقع أن يجمع 90 مليون دولار في مؤشر «ذا غروث إنتربرايز ماركت» الذي يتبع أسلوب عمل بورصة «نازداك».

وقال لي إن طرح شركته للاكتتاب العام كان أحد أحلامه منذ فترة طويلة، إذ يعني «ربط الشركة بمقومات السوق، ونأمل في أن تتمكن الشركة من الريادة على هذا الصعيد». * خدمة «نيويورك تايمز»