دبي تنقل إدارة صحف وتلفزيون وإذاعة وشركة للطباعة من القطاع الخاص إلى الحكومي

مسؤول في الحكومة: لا نريد التعامل مع الإعلام كسلعة تجارية > الرئيس التنفيذي للمجموعة العربية: فترة ما بعد الأزمة العالمية لها متطلبات أخرى

خطوات تصحيحية تقوم بها حكومة دبي لمؤسساتها الإعلامية بالتزامن مع الأزمة المالية العالمية (أ.ب)
TT

في الإمارات هناك أربع صحف يومية ناطقة باللغة العربية، لها الباع الأكبر بين قراء الدولة، وهي صحف «الاتحاد» الصادرة من العاصمة أبوظبي، و«الخليج» الصادرة من إمارة الشارقة، بينما الاثنتين الأخريين هما صحيفتا «البيان» و«الإمارات اليوم»، لكن المفاجأة كانت حاضرة في نقل الأخيرتين، من ضمن وسائل إعلامية أخرى من المجموعة الإعلامية العربية التابعة للحكومة أيضا، ولكن تدار بطريقة تجارية، إلى مؤسسة دبي للإعلام، التابعة للحكومة المحلية مباشرة، أو تحديدا انتقال هذه الوسائل الإعلامية الكبرى من إدارة القطاع الخاص إلى القطاع الحكومي، وإن كان البعض في دبي يرى أن مؤسسة دبي للإعلام هي مؤسسة شبه حكومية، ولا تدار بشكل حكومي كامل.

القرار الذي أصدره الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، قضي بنقل ملكية كل من صحيفة «الإمارات اليوم» وصحيفة «إمارات بيزنيس 24/7» وشركة مسار للطباعة والنشر، وإذاعة وتلفزيون نور دبي، بكامل ما لها من أصول وممتلكات وحقوق وما عليها من التزامات وتعهدات من المجموعة العربية للإعلام إلى مؤسسة دبي للإعلام، فيما كان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قد أصدر قرارا مماثلا في السابع من سبتمبر (أيلول) الماضي، بنقل ملكية صحيفة البيان إلى مؤسسة دبي للإعلام.

وتقول المصادر الرسمية الحكومية إن القرار يأتي في إطار توجهات حكومة دبي «لتحقيق الريادة الإعلامية لإمارة دبي على مختلف الأصعدة الإقليمية والدولية عبر تقديم خدمة إعلامية نوعية، تقوم على أساس تشجيع الإبداع وفتح المجال للمبدعين وحفزهم على تقديم رسالة إعلامية متميزة، تلبي تطلعات القاعدة الجماهيرية الكبيرة التي تتابعها سواء من مواطني الدولة أو العرب أو من غير الناطقين بالعربية، حيث ستصبح مؤسسة دبي للإعلام بهذه الخطوة واحدة من أكبر مؤسسات الإعلام العاملة في المنطقة، سواء من ناحية عدد الجهات العاملة تحت لوائها، أو من ناحية اتساع نطاق تخصصها وشموليته، حيث تضم المؤسسة إلى جانب المؤسسات والصحف والأجهزة الإعلامية المشار إليها سابقا، كلا من صحيفة البيان وتلفزيون دبي وقناة سما دبي وقناة دبي وان الناطقة باللغة الإنجليزية إضافة إلى قناتي دبي الرياضية ودبي ريسينج المتخصصة في سباقات الخيول». أحمد عبد الله الشيخ المرافق الصحافي لحاكم دبي، والعضو المنتدب المدير العام لمؤسسة دبي للإعلام، اعترف لـ«الشرق الأوسط» أن القرار اتخذ لأن هذه الوسائل الإعلامية خلال وجودها في مظلتها السابقة «لم تقم بالدور المتوقع منها»، مضيفا أن القرار لا يرتبط بأي ظروف وقتية «باعتبار أن المؤسسات الإعلامية في الأساس يجب أن تجتمع تحت مظلة واحدة، أن الإعلام يجب أن لا يدار وكأنه سلعة تجارية، الإعلام يجب أن يقوم بدوره المناط به، وهذا المتعارف عليه في غالبية دول العالم».

ويلفت أحمد الشيخ إلى أن هذه الوسائل الإعلامية التي انتقلت ملكيتها إلى مؤسسة دبي للإعلام، «في الأساس كانت تابعة للمؤسسة، قبل أن تنتقل لظروف معينة لمؤسسات أخرى، وحان الوقت لأن تعود إلى ملكية المؤسسة وضم جميع الوسائل الإعلامية التابعة لدبي تحت مظلة واحدة».

ووفقا للعضو المنتدب لمؤسسة دبي للإعلام فإن الوسائل الإعلامية المنتقلة حديثا «ستستفيد من البنية التحتية المتقدمة التي تمتلكها مؤسسة دبي للإعلام، كما أنها ستجد كل الدعم المطلوب وهي تنتمي لمؤسسة كبرى لديها كل الإمكانيات التي تساهم في نجاح أي وسيلة إعلامية كبرى».

وحول ما إذا كان الإعلام المقروء في دبي لم يتوافق مع التقدم الذي ساد باقي القطاعات في الإمارة، قال أحمد الشيخ إن هذه الوسائل الإعلامية المنضمة للمؤسسة حديثا «ستشهد هيكلة جديدة تواكب الدور المطلوب منها.. نريد إعلاما أقوى، ونريد عودة سريعة لهذا الإعلام الذي يمثل دبي، وننتظر أن يكون في مستوى السمعة التي جنتها دبي».

ويواصل أحمد الشيخ بالقول إن القرار هذا يأتي كنقلة نوعية جديدة لمؤسسة دبي للإعلام ستواصل من خلالها رسالتها في تقديم محتوى إعلامي نوعي «لا تسعى من خلاله فقط إلى تلبية تطلعات المتلقين سواء في الداخل أو الخارج ولكنها تنشد عبره تحقيق الامتياز الإعلامي وصولا إلى أسمى مستويات الأداء وأرفع درجات المصداقية والموضوعية وهي السمات التي طالما اقترنت باسم مؤسسة دبي للإعلام». القرارات الأخيرة المنظمة للقطاع الإعلامي في إمارة دبي، جعلت عائلة مؤسسة دبي للإعلام تتوسع بحيث تضم بالإضافة إلى القنوات التلفزيونية التي كانت متخصصة فيها، صحفا مقروءة ناطقة باللغة العربية والإنجليزية، فأصبحت عائلة المؤسسة الإعلامية التابعة لدبي تتكون من 6 قنوات هي دبي، وسما دبي، ودبي الرياضية، ودبي وان، ودبي ريسينج، ونور دبي، بالإضافة إلى ثلاث صحف يومية هي «البيان» و«الإمارات اليوم» الناطقة بالعربية، و«إمارات بيزنيس 24/7» الناطقة بالإنجليزية.

من جهته قال لـ«الشرق الأوسط» عبد اللطيف الصايغ، الرئيس التنفيذي للمجموعة الإعلامية العربية، التي انتقلت من مظلتها أهم المطبوعات، ليس في دبي فحسب، بل في الإمارات عموما «هناك عالمان مختلفان، فما قبل الأزمة المالية العالمية يختلف عن ما بعد هذه الأزمة التاريخية، لذلك أعتقد أن المؤسسات الإعلامية كانت في حاجة لحضن معين، أما الآن فالوضع مختلف وفترة ما بعد الأزمة لها متطلبات أخرى».

الصايغ الذي بدا متحفظا في الحديث عن انتقال المؤسسات الإعلامية تلك من تحت إدارة القطاع الخاص إلى القطاع الحكومي، لمح إلى أن الفترة الحالية في حاجة لأن تدار هذه المؤسسات الإعلامية الكبرى تحت مظلة الحكومة وليس القطاع الخاص. وفي الوقت ذاته يقول الصايغ إنه لا ينظر إلى مؤسسة دبي للإعلام والمجموعة الإعلامية العربية كمؤسستين مختلفتين «فمالكهما واحد وهما يعودان في النهاية لحكومة دبي، لذا فإن مسألة انتقالهما من مظلة لأخرى هو أمر طبيعي»، مشيرا إلى أن ما حدث من عملية انتقال هذه المؤسسات هو «سياسة بلد.. وأرى أن قرار الشيخ محمد بن راشد (حاكم دبي) قرار حكيم وبالتأكيد له استراتيجية بعيدة المدى ستنعكس على القطاع الإعلامي بأكمله خلال فترة».

ويعترف الصايغ بأن المجموعة الإعلامية العربية في الفترة الحالية «ربما لا تملك الأدوات التي تعينها على إدارة هذه الوسائل الإعلامية كما هي مؤسسة دبي للإعلام، وهو الأمر الذي سيعطي هذه الوسائل بعد القرار الأخير، دفعة أقوى لتكون أفضل مما هي عليه، كما أن انضمام مثل هذه الوسائل العريقة، سيعطي مؤسسة دبي للإعلام ثقلا إعلاميا يتناسب ومكانة دبي.. أستطيع القول إن المحصلة النهائية هي فائدة لدبي».

وبين الصايغ وجود تغيير في الاستراتيجية «هذا أمر طبيعي.. لكن من المؤكد أن الأمر مبكر للحديث عن هذه الاستراتيجيات التي سنتبعها من الآن».

وتابع «يمكن القول إن النجاح الكبير الذي قامت به مؤسسة دبي للإعلام في سنواتها الأخيرة، عبر تطوير القنوات الفضائية الحكومية التابعة لدبي، هو ما أفضى إلى تحويل هذه الوسائل الإعلامية تحت مظلتها، في خطوة للاستفادة من هذا النجاح في تعزيز قدرة باقي الوسائل الإعلامية في دبي، لتستفيد من كمية النجاح التي بلغتها القنوات التلفزيونية الأخرى».

مؤسسة دبي للإعلام باتساع مظلة ملكيتها لوسائل إعلامية مقروءة أيضا، ستكون من أكبر المؤسسات الإعلامية العربية، خاصة أنها تمكنت من تحقيق خطوات كبيرة ونجاحات متواصلة في عالم الإعلام العربي المرئي والمسموع، تماشيا مع شعارها «الإعلام بروح دبي»، مع التذكير بأن المؤسسة تؤكد دائما أنها «تمهد الطريق لخلق جيل جديد من الإعلاميين الإماراتيين القادرين على المساهمة في نشر وإظهار صورة دبي ودولة الإمارات ومنجزاتها المحلية والعالمية وذلك عبر تطبيق أرقى معايير. أما المجموعة الإعلامية العربية، التي أسست في مارس (آذار) 2005، عندما كانت الطفرة في أعلى مستوياتها، وهو ما ساهم في تحولها بسرعة كبيرة لتكون إحدى أكبر المجموعات الإعلامية في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد نمت بشكل سريع، بعد أن امتلكت عددا من المؤسسات الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية من بينها، شبكة الإذاعة العربية التي تضم ثماني قنوات إذاعية، وجريدتين يوميتين وقنوات تلفزيونية، ومواقع إلكترونية، إضافة إلى خدمات الطباعة والنشر والتوزيع والدعم اللوجيستي وشركات تنظيم الفعاليات والإعلانات الخارجية.

بل إن المجموعة سارعت إلى إصدار صحيفتين يوميتين في عام 2005، وهما «الإمارات اليوم» وصحيفة «بيزنيس 24-7» الناطقة باللغة الإنجليزية، اللتين انتقلتا في القرار الأخير. وتعتبر شبكة الإذاعة العربية إحدى أهم ركائز المجموعة الإعلامية العربية وتتكون من ثماني قنوات إذاعية رائدة في دولة الإمارات، مما يجعلها أكبر مشغل للمحطات الإذاعية في المنطقة وهي: إذاعة «دبي آي 103.8»، «دبي92»، «سيتي 1016»، «هيت 96.7»، «نور دبي 93.9»، «الخليجية 100.9»، «إذاعة العربية 99»، وأخيرا إذاعة «فيرجين دبي104.4» وهي فرع من مجموعة فيرجين العالمية لريتشارد برانسون وتم إطلاقها في شهر مارس (آذار) 2008. وقد دخلت المجموعة الإعلامية العربية مؤخرا القطاع السمعي البصري بقوة من خلال إطلاقها حزمة من القنوات التلفزيونية تحت إدارة شبكة التلفزيون العربية التابعة للمجموعة، وكانت باكورة هذه القنوات التلفزيونية قناة «أم تي في عربية» التي افتتحت رسميا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، وقناة نيكوليديون المخصصة للأطفال في 23 يوليو (تموز) 2008، ثم قناة نور دبي (التي انتقلت ملكيتها هي الأخرى) وبدأت بثها في أول يوم من شهر رمضان، الأول من سبتمبر (أيلول) 2008، وجاءت امتدادا لإذاعة نور دبي الهادفة إلى تجسيد القيم الاجتماعية، والإنسانية، والدينية لدولة الإمارات العربية المتحدة.

إذن دبي تعيد هيكلة وسائل إعلامها بطريقة مختلفة، فهي لا تريد أن تدار هذه الوسائل، التي تمثل الحكومة المحلية بطريقة أو أخرى، بعقلية القطاع الخاص، وترى أن العودة لحضن الحكومة هو الحل السحري الذي سيعيد إلى هذه الوسائل الإعلامية بريقها الذي فقدته طويلا، باعتراف مسؤوليها أنفسهم. ويبقى الانتظار قليلا، وربما طويلا، بانتظار ما ستسفر عنه هذه الخطوة الاستراتيجية في الحقل الإعلامي، هل تتمكن مؤسسة دبي للإعلام من تحقيق وصفة النجاح الذي طبقته على القنوات الحكومية فحققت النجاح، أم أن الإعلام المقروء سيكون التعاطي معه مختلفا، يبقى الانتظار هو أمام الجميع، للمدينة التي جمعت أكبر وسائل الإعلام العربية والإعلامية على أرضها، وتسعى لأن تصل بإحدى وسائلها الإعلامية لقمة النجاح الذي تحصده وسائل إعلامية أخرى، من دبي نفسها.

* تحولات إعلام دبي

* في يوليو (تموز) 2002، قررت حكومة دبي دمج صحيفة البيان (صدر العدد الأول منها في مايو 1980) وتلفزيون دبي ضمن مؤسسة واحدة أطلق عليها مؤسسة دبي للإعلام، وهو ما اعتبر في حينه إلغاء ضمنيا لدوائر الإعلام الحكومية في دبي، والتي كانت تشرف سابقا على التلفزيون المحلي والصحيفة التابعة للحكومة.

المؤسسة الجديدة، حينها، ترأس مجلس إدارتها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم (كان وليا للعهد)، وأرادت الحكومة من خلالها أن تكون مؤسسة إعلامية مستقلة، وذلك في خطوة عدت بأنها إبعاد للعمل الإعلامي من السيطرة الحكومية الخالصة، وكان مؤملا أن يكون قرار الدمج وسيلة لتطوير أداء الإعلام بدبي وبالتالي استكمال لجملة خطوات بدأت الحكومة المحلية باتخاذها من أجل احتلال موقع رئيسي على الساحة الإعلامية العربية والدولية، خاصة أن من تسعفه الذاكرة يعلم أن تلفزيون دبي في بداية التسعينات من القرن الماضي، كان أول مؤسسة تلفزيونية عربية تخرج للفضاء، وكانت برامجه تلقى رواجا جماهيريا وكانت حصته من الإعلانات هي الأكبر بين التلفزيونات العربية.

غير أن تلك الخطوة لم تستمر طويلا، عندما خرجت صحيفة البيان من عهدة المؤسسة إلى المجموعة الإعلامية العربية، قبل أن تعود إلى مؤسسة دبي للإعلام، في رابع ملكية تنضوي تحتها، خلال فترة قصيرة نسبيا.

في تلك الفترة كانت دبي قد بدأت خطواتها الفعلية نحو استكمال دورها الإعلامي الذي تأمل منه الشيء الكثير، حيث بدأت بإنشاء مدينة دبي للإعلام التي استطاعت استقطاب العشرات من المؤسسات العربية والأجنبية، وهو الدور الذي تواصل بالإعلان عن إنشاء مدينة الإنتاج الإعلامي بكلفة زادت على 100 مليون دولار بهدف جعل دبي مركزا للإنتاج التلفزيوني والسينمائي والإعلامي.

وبالرغم من عشرات الصحف التي تصدر من مدينة دبي الإعلامية، إلا أن صحيفتين يوميتين باللغة العربية يصدران من دبي، باعتبار أن تراخيص إصدار الصحف في الإمارات مناط بقرار من مجلس الوزراء، في الوقت الذي لا يسمح للمدينة الإعلامية بإصدار تراخيص لصحف يومية، وإن كان العديد من الصحف العربية والأجنبية، تحصل على تراخيص للطباعة والتوزيع في دبي.