الاستغناء عن 140 موظفا في المؤسسة اللبنانية للإرسال.. تنظيف سياسي أم تحديث للهيكلية؟

الإدارة تنفي تأثير الخلاف المستحكم مع «القوات اللبنانية» والمصروفون يؤكدون أنه السبب الأبرز

TT

يتداخل في تلفزيون المؤسسة اللبنانية للإرسال «إل.بي.سي» الشأن المهني والإعلامي بالشأن السياسي، لدى محاولة البحث عن أسباب صرف أو الاستغناء عن نحو 140 موظفا من مختلف القطاعات، منهم الإعلاميات دنيز رحمة فخري، التي قضت 16 عاما كمراسلة في التلفزيون، وفيرا أبو منصف، وديامان رحمة، وغسان الترك، وآخرون. وتورد مصادر متابعة للتطورات في المؤسسة أن «أزمات متلاحقة طاولتها وأصابتها بالضعف جراء تراجع في السيولة المالية بلغت 40 في المائة في المحطة الأرضية، بعد الخلاف المستحكم بين إدارة المؤسسة، وحزب القوات اللبنانية. وتضيف هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن «بوادر الأزمة لاحت لدى تقديم الإعلامية مي شدياق، استقالتها على الهواء وانتقادها عددا من زملائها من دون تسميتهم، وكذلك غداة الانتخابات النيابية التي أعطت جهة وحيدة في المحطة امتياز تغطيتها. وفي الحدثين سعى رئيس مجلس الإدارة بيار الضاهر، إلى احتواء الاعتراضات في المؤسسة ومناقشة الفريق الإعلامي فيها، والذين اعترضوا في المرتين هم الذين تم صرفهم، إضافة إلى أسماء أخرى». إلا أن مصادر رفيعة في إدارة المؤسسة اللبنانية للإرسال تنفي هذا الطرح وتسخر منه، وتوضح أن «المؤسسة ليست مرتبطة بالمحطة الأرضية اللبنانية لتتجاوزها إلى محطات وشركات إنتاج تغذي شبكاتها». وتقول: «من هنا الأفضل عدم حصر الموضوع بلبنان. فنحن نعيش عصر العولمة ونتأثر بالسوق العالمية والعربية وليس بالسوق اللبنانية». وتجد هذه المصادر أن «من يصور ما حصل في المؤسسة انطلاقا من كيديات سياسية ضيقة يعمل على تصغير المشكلة على قياس التجاذبات المحلية ومبالغاتها. كل ما حصل يتلخص بأن المؤسسة عملت على إعادة هيكليتها لنحصل على الإنتاجية ذاتها بعدد أقل من الموظفين. ويجب عدم المبالغة في الأمر». وتنفي المصادر نفيا قاطعا أن «يكون سبب الصرف مرتبطا بانتماء المصروفين إلى القوات اللبنانية»، وتشير إلى أن «تداول اسم المسؤولة الجديدة في غرفة الأخبار لارا زلعوم، في إطار انتمائها إلى التيار الوطني الحر، يبدو سخيفا لأنه تم تعيين الإعلامي ايلي حرب، المعروف بانتمائه إلى القوات اللبنانية رئيس تحرير الأخبار على المحطة الفضائية. هناك سخافة في مثل هذا الطرح ونظرة ضيقة وسطحية». وتضيف: «نحن لا نأخذ على أي من المصروفين مآخذ مهنية. ذلك أن سبب الصرف هو تقليص عدد العاملين في إطار الترتيب والتحديث. هي ليست المرة الأولى التي نتخذ مثل هذه الإجراءات. ففي عام 1999 سبق أن صرفت المؤسسة 122 موظفا واستبدلتهم بثمانين موظفا جديدا. فنحن نحتاج دائما إلى العناصر الجديدة ولن نوقف الصرف لأننا نسعى إلى اللحاق بكل جديد في عالم الإعلام والاتصالات، ولا نستطيع أن نبقي إعلاميا أو موظفا لا يجيد الإنجليزية مثلا أو لا يلم بالتقنيات الحديثة والصناعة الإعلامية. لم يكن أحد ليتوقف عند ما قامت به المؤسسة من إجراءات لولا الخلاف مع القوات اللبنانية الذي استغل سياسيا». مدير تحرير الأخبار الفضائية «المصروف» غسان الترك، يقرأ ما حصل من زاوية أخرى. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «فعلا لا أعرف لماذا تم صرفي من العمل. حتى الآن لا أعرف سبب هذا الإجراء. فقد بلغت القرار من سكرتيرة في المؤسسة عند العاشرة صباح الخميس (أول من أمس) وعند الساعة الرابعة بلغت كل من الزميلات دنيز رحمة فخري، وفيرا أبو منصف، وديامان رحمة. يبدو أن صرفي كان للتلميح بأن لا سبب سياسيا أو كيديات معينة وراء صرفهن. مع أنهن شكلن رأس حربة في المؤسسة من خلال التزامهن بالقوات اللبنانية. وكن يجاهرن بآرائهن في المؤسسة. لذا ربما كنت كبش محرقة». ويستعيد الترك صباح الخميس ذاك فيقول: «كنا ننتظر أسماء المصروفين. ولم أكن أتوقع أن يكون اسمي في عدادها، وذلك لعدة أسباب. فإذا كانت أسباب الصرف سياسية أنا خارج الاصطفافات السياسية وتجاذباتها بالمطلق. وإذا كانت الأسباب مهنية، فأنا متخرج من الجامعة اليسوعية في بيروت، ومن ثم من جامعة أكسفورد في بريطانيا. وقد عملت في مؤسسات بريطانية. وبالتأكيد لست متخلفا عن العصر وتقنياته في عالمي الإعلام والاتصالات. أنا أواكب الصناعة التلفزيونية وساهمت في تأسيس فضائيات عربية بشهادة هذه الفضائيات. وقد تركت وظيفتي لدى اتصال الضاهر بي وسؤالي العمل في المؤسسة قبل ثماني سنوات. لذا ما حصل معي يناقض ما صرح به الضاهر عن مواصفات الذين يفترض الاستغناء عنهم في المؤسسة. وأنا بانتظار معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى صرفي من العمل».

حالة الإعلامية دنيز رحمة فخري تختلف عن وضع الترك. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو أن المؤسسة اللبنانية للإعلام تريد أن تمحو أثر القوات اللبنانية في أقسامها. قبل الوصول إلى قسم الأخبار كنا نعتقد أن الصرف سيطاول محازبي القوات لأنهم الغالبية. لكن عندما وصلوا إلى قسم الأخبار ومع (الاستنسابية) التي استخدمت في عملية الصرف أصبح الشك يقينا بأن القوات اللبنانية هي المستهدفة. وما حصل معي يدعو إلى الاستغراب، فالطريقة التي صرفت بموجبها من دون تبرير أو توضيح أو أي اتصال من بيار الضاهر، ليست مهنية أو لائقة. لم يوضح لي سبب صرفي. لذا أشعر بجرح في كرامتي لأن لا علاقة للمهنية في ما تعرضت له، لا سيما أني كنت أتلقى التنويه دائما عن عملي». وتشير رحمة إلى أن الخلاف بين الضاهر والقوات اللبنانية انعكس عليها نظرا لانتمائها الواضح وإعلانها رأيها الصريح من المواضيع المطروحة من دون أن يتأثر عملها أو موضوعيتها بذلك. وتقول: «مع تفاقم الخلاف بدأ تهميشي ومنعي من استلام المواضيع المهمة. إلا أني تابعت عملي بحماس ولم أشعر أن الضاهر كان يعترض على ما أقوم به أو ما أعلنه من مواقف في اجتماعاتنا. ولدى مناقشة استقالة مي شدياق، طلب مني أن أقول ملاحظاتي ورحب بها في حينه. وأبلغته أننا نتعرض إلى الاضطهاد وكأننا في سجن، فأبدى تفهما كبيرا».

وتستغرب رحمة فخري كيف يتم صرفها من العمل وهي حامل، فالأمر ممنوع وفق القوانين اللبنانية لذا تنتظر الإجراءات القانونية التي تلي الصرف. وهي تتوقع أن انحياز المؤسسة لن يكون باتجاه الحياد والمهنية. وتقول: «لا يمكن أن نقول إن المؤسسة تسير باتجاه الحياد والمهنية، فالسياسة الإعلامية فيها تنحو منذ فترة نحو اللعب على التوازن بحيث تحافظ على نسبة المشاهدة».