سباق إلكتروني على اقتسام كعكة الإعلانات على الإنترنت

مواقع الشبكة غير التابعة للصحف تستعيد مستوياتها السابقة

TT

كان يوما طيبا بالنسبة للصحف الإلكترونية الصادرة على شبكة الإنترنت عندما طرح فرع شركة «مرسيدس بنز» في الولايات المتحدة النسخة المعدلة من سياراتها طراز «إي ـ كلاس» هذا الصيف، حيث اشترت الشركة مساحات إعلانية في الصفحات الرئيسية من «واشنطن بوست» و«وول ستريت جورنال» و«نيويورك تايمز»، ودفعت هذه المواقع على شبكة الإنترنت لعرض إعلانات ثلاثية الأبعاد لحسابها، بتكلفة قدرت بـ100000 دولار للموقع الواحد. إلا أن الأيام التي تلت ذلك لم تكن بالسارة، فرغم سعادة «مرسيدس بنز» بأداء مواقع الصحف على شبكة الإنترنت، فإنها عمدت إلى تحويل أموالها باتجاه إعلانات أرخص وأكثر دقة في استهدافها عبر شبكات تجمع مساحات إعلانية تخص الكثير من المواقع على شبكة الإنترنت.

وعندما تقدم الشركة على الإعلان عن طرزها الرئيسية العام القادم، ستعمل على تجنب مواقع الإنترنت الخاصة بالصحف والاعتماد على شبكات. وبررت بيث لانغ، الخبيرة بشؤون الإعلام الرقمي لدى فرع الشركة بالولايات المتحدة، ذلك بقولها إن هذا الإجراء يسمح لـ«مرسيدس بنز» بالتمتع بقدرة استهداف كبيرة وفاعلية مقابل الأموال التي ندفعها. ويفسر هذا الأمر السر وراء عجز مواقع الصحف على شبكة الإنترنت عن التمسك بعائدات الإعلانات، حتى في الوقت الذي تتنامى فيه الإعلانات على الشبكة. الملاحظ أن مواقع الصحف على شبكة الإنترنت يجري استغلالها في مناسبات خاصة، بينما تحظى المواقع الأخرى باستخدام يومي أكبر بكثير. أما الجهات المستفيدة من هذا الوضع فهي الشبكات مثل «Advertising.com» من «إيه أو إل» و«DoubleClick Ad Exchange» من «غوغل»، اللتين تهيمنان على عمليات شراء وبيع المساحات الإضافية.

داخل مواقع شبكة الإنترنت غير التابعة للصحف، مثل «ياهو» و«غوغل»، يبدو أن عائدات الإعلانات ـ وهي الإعلانات المعتمدة على الصور على صفحات المواقع ـ تستعيد مستوياتها السابقة، حيث كشفت الأرقام ارتفاع عائدات الإعلانات على مواقع الشبكة التابعة لـ«ياهو» بنسبة 2 في المائة خلال الربع الثالث من العام، رغم أنها جاءت أقل مما كانت عليه منذ عام مضى. في المقابل، زادت عائدات الإعلانات في «غوغل» عما كانت عليه منذ عام.

بصورة عامة، تعد شبكة الإنترنت الوسيط الإعلاني الوحيد المتوقع تحقيقه نموا هذا العام داخل الولايات المتحدة، حيث تشير التوقعات إلى إحرازه نموا بنسبة 9.2 في المائة، ليصل إلى 54.1 مليار دولار، طبقا لأرقام صادرة هذا الشهر عن «زينيث أوبتيميديا»، وهي شركة خدمات إعلامية.

وعلى ما يبدو لا يمتد هذا النشاط إلى مواقع الصحف على شبكة الإنترنت، حيث أعلنت شركة «نيويورك تايمز» تراجع عائداتها من الإعلانات بمواقع صحيفتها على الشبكة بنسبة 18.5 في المائة خلال هذا الربع مقارنة بالربع الثالث من العام الماضي.

وبالمثل تراجعت عائدات الإعلانات في مواقع الصحف التابعة لشركة «غانيت» الإعلامية على شبكة الإنترنت. أما شركة «مكلاتشي» فكانت استثناء، حيث ارتفعت عائدات الإعلانات على شبكة الإنترنت لديها بنسبة 3.1 في المائة عن عام مضى، وإن كانت وتيرة النمو تباطأت. (ولم تعلن شركات الصحف الكبرى الأخرى بعدُ عن عائداتها عن آخر ربع من العام).

ويحمل هذا التوجه مؤشرات خطيرة للمسؤولين التنفيذيين بالصحف الذين راودهم الأمل في فترة من الفترات في أن تتمكن عائدات الإعلانات عبر شبكة الإنترنت من تعويض الانحسار في عائدات نظيرتها بالصحف المطبوعة.

من ناحيتها، قالت دينيس وارن، المسؤولة الأولى عن شؤون الإعلانات داخل «نيويورك تايمز ميديا غروب»، إن السبب الأكبر وراء تراجع عائدات الإعلانات على موقع الصحيفة على شبكة الإنترنت يكمن في اختفاء الإعلانات المبوبة. ورغم رفضها الكشف عن أرقام محددة حول الربع الثالث تكشف مستوى أداء الإعلانات، فإنها قالت: «يمر الأداء حاليا بمرحلة إيجابية». وأردفت أن الموقع فاق في أدائه سوق الإعلانات العامة.

في الوقت الذي جاء جزء كبير من عائدات الإعلانات الخاصة بـ«نيويورك تايمز» عبر موقعها على شبكة الإنترنت من حملات كبرى، «لا تزال نسبة كبيرة من نشاطنا التجاري تعتمد على الإعلانات عبر الموقع» (في إشارة إلى الإعلانات التي تظهر بأي مكان على الموقع، وليس أكثر الأجزاء التي تحظى بنسبة مشاهدة ضخمة).

في الوقت الذي تراجعت عائدات الإعلانات المبوبة في «مكلاتشي» أيضا، ارتفعت عائدات الإعلانات عبر الإنترنت، حيث ارتفعت إعلانات التجزئة بنسبة 58 في المائة، إلى 17.7 مليون دولار، وارتفعت الإعلانات الوطنية من جهات تسويق مثل «ستيبلز» و«وول مارت» بنسبة 36 في المائة، إلى 5.4 مليون دولار. من جهته أوعز كريستيان إيه هندريكس، نائب رئيس شؤون الإعلام التفاعلي لدى «مكلاتشي»، الزيادة إلى تركيز الشركة على الإعلانات على شبكة الإنترنت فقط وبيعها إعلانات محلية، بدلا من الحملات الإعلانية الوطنية الكبرى.

وقال هندريكس: «هناك الكثير من المخزون»، أو أماكن لوضع الإعلانات بها، «على المستوى الوطني، وعليه هناك عدد أقل من الجهات الإعلانية مقارنة بالسوق المحلية».

من جهته قال كريس ساريداكيس، نائب رئيس ومسؤول الشؤون الرقمية لدى «غانيت»، التي تملك مواقع مثل «USAToday.com»، إن الإعلانات المبوبة كانت ضعيفة، لكن الإعلانات المصورة شهدت ارتفاعا خلال الربع الأخير من العام.

ويتمثل أحد الأسباب وراء عدم استعادة مواقع الصحف على شبكة الإنترنت نشاطها بذات الدرجة مثلما الحال مع باقي مواقع الشبكة العنكبوتية في السعر، ذلك أنه في أعقاب شن الجهات الإعلانية حملاتها عبر مواقع إخبارية، بات بمقدورهم اتباع ذلك بإعلانات أرخص تكلفة عبر مختلف أرجاء الشبكة. وقال ساريداكيس: «تنجذب أعداد كبيرة من الجماهير إلى العلامات التجارية الوطنية، ويمكن ضمان ذلك عبر شراء (يو إس إيه توداي) أو (ذي تايمز) أو إصدارات أخرى. ثم القيام بعمليات شراء ثانوية منخفضة الكلفة بالنسبة لكل ألف مرة في الشبكات الإعلانية».

الملاحظ أن الإعلانات المصورة التي تتراوح تكلفتها بين 10 دولارات و20 دولارا لكل ألف مرة في موقع مثل «USAToday.com» يمكن أن تتراجع تكلفتها إلى نحو النصف عندما يجري شراؤها عبر شبكة إعلانية من مواقع مشابهة. وقال: «إنهم يحاولون بصورة رئيسية اجتذاب ذات الجمهور بثلث السعر».

وبالنظر إلى أن المواقع رفيعة المستوى ليس بمقدورها بيع جميع المساحات الإعلانية لديها في وقت واحد على الفور، وعليه تسلم المساحات الإضافية لديها إلى الشبكات، فإن «الشبكات تعد سبيلا جيدا للوصول إلى هذه المساحات».

إلا أنه أضاف أنه عندما يزداد الإنفاق بمجال التسويق وتصبح المساحات الإضافية نادرة، سترتفع أسعار الإعلانات على الشبكات، حسب وجهة نظره. وأردف موضحا أنه يتوقع إقدام الجهات الإعلانية عند هذه النقطة على العودة إلى المواقع رفيعة المستوى على الشبكة العنكبوتية، نظرا لأن الاختلاف في الأسعار لن يكون بنفس الدرجة من الوضوح.

بيد أن السعر ليس نقطة الجذب الوحيدة في الشبكات، ذلك أنها تركز أيضا على الجمهور الذي يشاهد الإعلانات. على سبيل المثال، تنوي «مرسيدس بنز» توجيه إعلاناتها عن الطرز الرئيسية من سياراتها العام المقبل إلى الأفراد ممن يحظون بدخل أسري يتجاوز 75000 دولار أو من أوشكت عقود إيجارهم على الانتهاء، وهو جمهور أضيق نطاقا بكثير عن أولئك الذين يقبلون على موقع «واشنطن بوست»، على سبيل المثال، على الإنترنت.

من ناحية أخرى، خلصت بعض الأبحاث إلى أنه ما دام إعلان ما يبدو جيدا فإن الموقع الذي يستضيفه لا يشكل أهمية كبيرة، بغض النظر عما إذا كان رائعا أو متدني المستوى.

في هذا الإطار قال كين مالون، من شركة «ديناميك لوجيك» للأبحاث: «العامل الأكبر على الإطلاق في إحراز النجاح يكمن في مستوى جودة الإعلان. بوجه عام، لا نرى اختلافات كبيرة تتعلق بالمواقع (التي تطرح عليها الإعلانات)».

الملاحظ أن جهات شراء الإعلانات غير مقتنعة أيضا بقوة تأثير المواقع رفيعة المستوى. وعلق آدام كاسبر، مدير الشؤون الإعلامية الرقمية بشركة «هافاز ديجيتالز ميديا كونتاكتس»، على ذلك بقوله: «سيميلون للإقبال على مواقع أرخص تكلفة». وأضاف أن مواقع الصحف على شبكة الإنترنت ستعمل جيدا «عندما يتعلق الأمر بطرح منتج جديد في الأسواق والأحداث الإعلانية الكبرى، لكن تكاليف هذه الإعلانات أعلى».

على الجانب الآخر عمدت جهات نشر الصحف، التي تناضل من أجل الإبقاء على مصادر دخلها، إلى السعي لخلق أنماط جديدة من الإعلانات، مثل تلك التي تتمدد ثم تنكمش، التي ترى الجهات الإعلانية أنها ليست بالضرورة السبيل للمضي قدما. هذا الصيف أقر «اتحاد الناشرين على شبكة الإنترنت»، الذي تنتمي إليه غالبية مواقع الصحف الكبرى، ثلاثة أنماط جديدة من الإعلانات يمكن لأعضائها الشروع في بيعها، مثل: أحدها يتحرك لأسفل مع استخدام الزائر للفأرة، وآخر ينتشر عبر الصفحة لبضع ثوان. وترمي الأنماط الجديدة إلى تمييز المواقع الأعضاء عن الشبكات، حسبما أوضح بام هوران، رئيس الاتحاد.

حتى الآن، يطرح موقع واحد فقط ـ «NYTimes.com» ـ الأنماط الثلاثة الخاصة الجديدة. وأعربت وارن عن سعادتها البالغة بعائدات الإعلانات، وإن رفضت الإفصاح عن أرقام محددة.

إلا أن هذا التميز سرعان ما تلاشى، حيث عمدت الشبكات على الفور إلى محاكاة الأنماط الخاصة الجديدة من الإعلانات. ولم تبدِ الجهات الإعلانية حماسا حيال الأنماط الجديدة الأكثر تعقيدا. في هذا الصدد، قالت كاثرين كويغيل، من «بريماري إمباكت»، شركة استشارية بمجال الإعلام الرقمي، إن الصناعة تحاول الاستقرار على حد أدنى فيما يخص أحجام الإعلانات.

من جانبه أشار كاسبر إلى أنه بغض النظر عما يفعله الناشرون فإنهم يواجهون مشكلة ما دامت الشبكات الإعلانية مستمرة في بيع مساحات إعلانية بأسعار منخفضة. وقال: «الكثير من الجهات الإعلانية تتحرك باتجاه الشراء بأسلوب يشبه المزادات»، مشددا على أن ذلك يعني أن السوق هي القوة المحركة وراء هذا الوضع. وأضاف: «هناك أمور يمكن للناشرين القيام بها لوقف هذا التيار، لكن لا أعتقد أن لهم كامل السيطرة على الوضع».

* خدمة «نيويورك تايمز»