الإعلانات المبوبة نافذة ضوء للناشر وحاملة طرائف للقارئ

تعتمد عليها الصحف اللبنانية لمواجهة منافسة الإعلام المرئي والمسموع

TT

تحتل الإعلانات المبوبة، المسطرة والمؤطرة، مساحات متزايدة من الصحف اللبنانية أو معظمها، فضلا عن ولوجها مؤخرا ميدان الإذاعات وشاشات التلفزة، والمواقع الإلكترونية، بالإضافة إلى المجلات المتخصصة في هذا النوع من الإعلانات والموزعة الاختصاصات بين العقارات والسيارات وغيرها من القطاعات التي تستلزم تسويقا وترويجا.

وتشكل الإعلانات المبوبة نافذة ضوء بالنسبة إلى المطبوعات التي تعاني ظلاما ماديا ناجما عن تكاثرها وتضاؤل الكتلة المالية الإعلانية، وتضاؤل عدد القراء بفعل منافسة الإعلام المرئي والمسموع للإعلام المكتوب.

وفي هذا المجال يقول ناجي تويني، نائب المدير العام الإداري في صحيفة «النهار» ومدير شركة «مبوب نت» الإعلانية لـ«الشرق الأوسط»: «نحن معنيون بالإعلانات المبوبة في ثلاث صحف محلية هي (النهار) و(اوريان ـ لوجو)، و(السفير)». وأضاف: «يشكل الإعلان المبوب، الذي تعاطته (النهار) منذ الخمسينات، مردودا لا بأس به من الدخل الإعلاني العام، بحيث يناهز 20 في المائة، مع تباين بين صحيفة وأخرى من دون تباين في الأسعار. ويرتفع هذا الرقم في الصحف الإعلانية البحتة إلى 25 في المائة. وإذا بلغت النسبة نفسها في الصحف الأخرى فإنها تقل من حيث القيمة، كما هو الإعلان التجاري، بحيث تعطى الأفضلية للعروض المختلطة، أي المدفوعة والمجانية معا».

ويعتبر تويني أن «إعلانات الوفيات التي تندرج في باب الإعلانات المبوبة تشكل 75 في المائة من مردود الإعلانات المبوبة. ويخشى على مستقبل هذا السوق الإعلاني، خاصة بعد تكاثر المواقع الإلكترونية التي تهتم بالتوظيف والعقارات، وهما القطاعان اللذان يشكلان العمود الفقري للإعلانات المبوبة».

وتمثل صحيفة «الديار» نموذجا للصحف التي تواظب على إطلاق العروض في مجال الإعلانات المبوبة. ويقول عماد معلوف رئيس قسم الإعلانات في الصحيفة لـ«الشرق الأوسط» إن «الإعلان المبوب أساسي بالنسبة إلينا، وهو يمثل نحو 50 في المائة من مردودنا الإعلاني و70 في المائة من مساحتنا الإعلانية». يضيف: «نحاول أن نبقي سعر السطر الواحد على حاله، أي 3 آلاف ليرة، لكننا ندعمه بعروض مجانية، مع كل 3 إعلانات مبوبة مدفوعة 7 إعلانات مجانية. وأحيانا نلجأ إلى عروض في الإعلانات المؤطرة بحيث لا نعتمد على السطر بل على البدل المقطوع المتهاود».

ويرى معلوف أن «الإعلان المبوب الرسمي، أي الذي توزعه وزارة الإعلام وفق كوتا معينة لكل صحيفة، يشكل بالنسبة إلينا نحو 10 في المائة من مرود الإعلان المبوب، فيما تشكل إعلانات الوفيات نسبة 15 في المائة».

وحول بعض الإعلانات «الجريئة» والمزورة التي تنشر بين الوقت والآخر يقول معلوف: «نحن نتساهل بعض الشيء في هذا المجال، ولكن بشرطين: أن يكون الإعلان صحيحا، وأن يكون ملتزما بالحدود المقبولة سياسيا وأخلاقيا وغير ذلك».

وتنطوي هذه الصفحات في كثير من الأحيان على إعلانات فيها من الطرافة أكثر مما فيها من الحاجة، وفيها من الشعوذة أكثر مما فيها من العلم، وفيها من المغالاة أكثر مما فيها من الحقيقة والواقع. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، ولا تخلو منها مطبوعة تولي هذا النوع من الإعلانات الأهمية التي تستحقها.

فإذا أخذنا قطاع العقارات لوجدنا فيه نوعا من الطرافة والحيل الإعلانية كمن يعرض شقة «للراغبين فقط» أو منزلا «من دون وسيط» تجنبا للعمولة، أو كمن يبالغ في وصف البناء بأنه ذو موقع مميز، ومطل على البحر أو الشارع الرئيسي، فإذا هو أقرب إلى المستودع منه إلى الشقة السكنية، أو كمن يبالغ في السعر ومساحة الشقة، فإذا السعر غير واقعي والمساحة دون الرقم المذكور في الإعلان بكثير. ويذهب بعض المعلنين إلى تسجيل موقف سياسي من خلال الإعلان المبوب، كما فعل رجل أعمال جنوبي أسس مزرعة له في الجنوب اللبناني تضم نحو 4 آلاف شجرة من كل الأصناف. ولما تعذر عليه حفر بئر ارتوازية لري هذه الأشجار، نشر إعلانا يقول فيه إن «المزرعة التي أنفق عليها السنوات الطويلة والأموال الوفيرة معروضة للبيع بسعر مغر لشخص حزبي قادر على حفر بئر في المزرعة لري هذه الأشجار التي ربيتها كأولادي». ومن أجل التسويق السريع للوحدات السكنية يذهب بعضهم إلى نشر إعلانات عن وجود «أوكازيون شقق» ظنا منهم أن المشترين يعتقدون بوجود حسومات على الشقق المعروضة كما يحصل على الملابس وغيرها.

وإذا أخذنا قطاع السيارات لوجدنا فيه ما لا يقل طرافة وتحايلا عن قطاع العقارات. كمن يعرض سيارة «كاملة الأوصاف» فإذا هي من عمر الخبز ومرشحة للتقاعد المبكر، أو كمن يعرض سيارة في «حالة ممتازة» فإذا الصدأ قد ترك بصماته عليها، وإذا بجهاز التبريد والتدفئة يحتاج إلى الغاز من دون توقف، وإذا بالمحرك قد شارف على نهاية خدمته. أو كمن يعلن عن رغبته في شراء «سيارة نسائية» اعتقادا منه أنها لم تصرف عمرها في السرعة و«التشفيط»، أو كمن يسوِّق لسياراته «الواصلة حديثا» من الخارج فإذا بها أو بعضها أعيد لملمته وتلحيمه وبهرجة شكله بعد تعرضه لحوادث كان يفترض أن تحوله إلى خردة.

وفي القطاع المالي تلاحظ هجمة واسعة على مدخري الأموال من قبل عملاء البورصة، وقد توسعت هذه الهجمة قبل الأزمة المالية العالمية الأخيرة، حيث كانت البورصات العالمية والإقليمية تعيش طفرة لا سابق لها، وكانت الإعلانات المبوبة في هذا المجال إغرائية كأنها تقود إلى الجنة أو الكنز. فمن إعلان يسأل: «هل تحلم بمدخول إضافي؟» إلى إعلان يسأل: «هل تحلم بأن تكسب براحة لتعيش في راحة؟» إلى إعلان يدعوك إلى «الدخول في عالم العملات» وإلى المتاجرة بالذهب والفضة والبترول. ويذهب الإغراء إلى حد القول: «الرأسمال علينا والعمل عليك».

وإذا قرأت إعلانا حول «تأمين خادمات من كل الاختصاصات» يذهب بك التفكير بعيدا بعيدا، خاصة إذا ترافق الإعلان مع صورة خادمة لافتة للقلب والنظر. وإذا تمعنت في زوايا الإعلانات المبوبة عن الخادمات لأدركت كيف يعيش هذا «المجتمع». فمن إعلانات الفرار والتحذير من استخدام الهاربة من منزل مخدومها، إلى إعلانات مغادرة المنزل «وشفط» ما توفر حمله من محتوياته، إلى إعلانات عن خطف ابن المخدوم والتوجه به إلى مكان مجهول، إلى إعلانات عن عمال هاربين أو مفقودين، إلى إعلانات ملغومة من قبل أصدقاء محبين أو خصوم ألدّاء، كنشر صورة صديق أو خصم والقول إنه «غادر منزله والرجاء ممن يعرف عنه شيئا الاتصال بأقرب مخفر».

أما الطرافة والمبالغة فتكمنان في نوعين من الإعلانات المبوبة الشائعة، وهما «التبصير وقراءة الطالع» و«تقنيات» المعالجة الجنسية. فعلى الصعيد الأول يحرص أصحاب الإعلانات على إرفاق صورهم الشمسية بالإعلانات، فمن «قارئة كف» تزعم معرفة مستقبلك الصحي، إلى «ضاربة رمل» تكشف مبغضيك، إلى «قارئ المستقبل» الذي يضع بين يديك الثروات أو السقطات، أو الانفصال عن الزوجة أو الالتحام بها إلى أبد الآبدين، امتهان الأسفار والرحلات أو التقوقع بعيدا عن الناس والمدينة. وهناك من «يبصّر» بالنرد أو بالتمتمة غير المفهومة بما يوحي لـ«الزبون» أن البصارة تملك لغة خاصة بها. وهناك من يدعي علم الفلك فيرسم لك صورة عن غدك وبعد غدك خطوة خطوة وشهرا شهرا وسنة سنة.

أما «تقنيات» المعالجة الجنسية فحدث عنها ولا حرج. ففيها الكثير من الكلام غير اللائق ـ وغير الصحيح ـ سواء بالنسبة إلى الرجل أو إلى المرأة. ويذهب البعض إلى نشر الإعلان بالحرف والصورة، وكأن هذا «الدواء» أو ذاك، يجعل الإنسان ماردا أو عملاقا أو مخلوقا من عالم آخر.

وبعيدا عن كلمات «التكبير» و«النفخ» و«الإثارة» نقرأ الكثير من الإعلانات عن معالجة العقم. فمن قائل «وداعا للعقم» إلى قائل: «لا حاجة بعد اليوم للتلقيح الصناعي» إلى قائل: «عالج عقمك من دون ألم أو ضرر» أو «ما عجزت عنه المختبرات تحله الأعشاب».

غير أن ذلك كله لا يسقط أهمية الإعلان المبوب في زمن السرعة، سواء بالنسبة إلى الناشر، أو بالنسبة إلى القارئ، أو بالنسبة إلى صاحب السلعة أو مقدم الخدمة.