«خبر لاهاريلا».. أول صحيفة هندية تحرر وتدار بأيد نسائية

تصدر بلغة «بونديلي».. ومرتبات عاملاتها تتراوح بين 60 و140 دولارا شهريا

الشنطي مسؤولة التحرير (يسار) وميرا وبريما المحررتان بالصحيفة، يجتمعن في صالة تحرير «خبر لاهاريلا» الهندية قبل إصدار النسخة للقراء («لوس أنجليس تايمز»)
TT

في بعض الأحيان يقولون إن القلم أحد من السيف؛ وبالنسبة لهؤلاء النسوة فإنه أصبح كذلك مصدرا للاحترام. وذلك حيث أن صحيفة «خبر لاهاريلا» أو «موجات الأخبار» تعد أول صحيفة هندية يحررها ويديرها ويقرأها نساء قبليات، وغيرهن من نساء الداليت (أو ما يعرف بطائفة المنبوذين).

وبالرغم من أن القراء لا يعرفون عن تلك الصحيفة المكونة من ثماني صفحات سوى الأخبار السياسية، وأخبار الجريمة أو الأخبار المتعلقة بالتعليم، فإن كل واحدة من كاتبات تلك الصحيفة لها قصة خاصة بها تدور حول مواجهتها للتحديات الصعبة؛ حيث تعرضت العديد من هؤلاء السيدات العاملات بالجريدة للضرب أو للتحرش الجنسي خلال طفولتهن، كما أنهن تزوجن في سن صغيرة للغاية، وعانين من زيجات قائمة على الاستغلال، وحاربوا بشراسة للحصول على حقهن في التعليم وفي الطلاق.

وعادة ما تقدم لهن الصحيفة النصح في القضايا المهمة، بالإضافة إلى أنها تعزز إحساسهن بالثقة في الذات وبوجود هدف من تلك الحياة. ويقوم العمل في تلك الصحيفة على الحب؛ فهؤلاء السيدات لا يقمن فقط بكتابة المواد الصحافية للجريدة التي تصدر بلغة أحد الأقليات «بونديلي» بل إنهن يحررنها، ويصممن الصفحات، ويصححن المواد لغويا ويحاولن الحصول على الإعلانات لإصداري الصحيفة المختلفين.

ويتقاضى العاملون في الصحيفة أجرا يتراوح بين 60 و140 دولارا في الشهر، ويقضون عدة أيام من كل أسبوع وهن يحملن بمشقة نسخ الجريدة لكي يقوموا بتوصيلها للقرى النائية ـ يجر بعضهم تلك النسخ عبر طرق الغابات. فتقول ميرا، 23 عاما، التي لا تخبرنا مثل كثيرات غيرها سوى باسمها الأول، وهي جالسة إلى جانب لوحة بيضاء معلق عليها خطط الموضوعات الأسبوعية: «نستقل الحافلات، أو السيارات، أو الدراجات البخارية حتى ينتهي الطريق فنسير حتى نصل للقرى. وبعد تلك الصعوبات البالغة التي نواجهها حتى نصل إلى تلك المناطق المنعزلة، نواجه صعوبة أخرى في البقاء وبيع تلك النسخ».

وفي تلك المجتمعات المنعزلة، تحصلن تلك الصحافيات على قصص جديدة من القراء أو سكان تلك المناطق الذين يسعون للحصول على العدالة في المحاكم أو المكاتب الحكومية. وبعد ذلك يعدن إلى اجتماع التحرير الأسبوعي، وتقدم كل منهن خمس أفكار جديدة ويتناقشن في أي تلك القصص الجديدة أصلح للنشر.

وتضمنت قصص الصحيفة الجديدة مزاعم بالرشوة في العيادات الصحية، وقصة متعلقة بأحد الموظفين الذي يختلس الأموال المخصصة للأرامل، بالإضافة إلى قصة أخرى حول الأخ الشقيق لأحد السياسيين البارزين الذي قام ببناء منزل تسبب في قطع المياه التي تذهب لمزارعي الداليت ودمر أحياءهم.

وقبل عدة سنوات، نشرت الصحيفة قصة عريس رفض أن يتزوج خطيبته لأن أسرتها رفضت إعطاءه جهاز التلفزيون الذي يريد الحصول عليه. ونشرت تلك القصة تحت عنوان «هل تريد زوجة أم جهاز تلفزيون؟» وقد لفتت تلك القصة الأنظار إليها، وبعد ذلك تزوج العريسان وما زالا يتندران حول تلك الواقعة.

وربما يبدو سعر الأربعة سنتات لنسخة الصحيفة سعرا زهيدا، إلا أن ذلك المبلغ يعد كبيرا في ولاية «أتر برديش» حيث لا توجد شبكة إنترنت، بالإضافة إلى انتشار الفقر.

وفي بعض الأحيان، يقوم بعض العاملين في الصحيفة بمقايضة الصحيفة بالطعام أو حطب الوقود. وربما يمنحون أحد الأشخاص نسخة مجانية من الصحيفة إذا كان مهتما بها ولكنه لا يملك المال لشرائها.

ووفقا لتقديرات العاملين بالصحيفة فإن كل نسخة من النسخ الأسبوعية التي تبلغ أربعة آلاف يقرأها نحو عشر أشخاص، وذلك في تلك المنطقة التي تعاني من الفقر الشديد.

ولا يغطي توزيع تلك الصحيفة سوى 20 في المائة من ميزانية تشغيل الصحيفة التي تصل إلى 67 ألف دولار سنويا. وتغطي جمعية «نيرانتار» المختصة بالحقوق المدنية والتي يقع مقرها بنيودلهي ذلك الفارق.

يذكر أن جمعية «نيرانتار» هي جمعية متخصصة في القضايا المتعلقة بالجنس، ومحو الأمية، والتنمية؛ وتؤمن تلك المجموعة بذلك المشروع وتعتقد أنه يمكن أن يمثل نموذجا يحتذى به بالنسبة للمجتمعات الأخرى بالهند. وقد فاز المشروع قبل عدة أسابيع بجائزة اليونسكو لمحو الأمية.

وتركز الصحيفة على موضوعات لها أهمية خاصة بالنسبة للداليت، وللمجتمعات القبلية أو غيرها من المجتمعات التي تعاني من التمييز والتي لا تغطي الصحف الأخرى قضاياها. ومن جهة أخرى، يقول الصحافيون إن الصحافة الرئيسية تتعامل مع قضايا تلك المجتمعات بطريقة سطحية للغاية.

وتسعى هؤلاء السيدات إلى مساعدة قارئات الصحيفة اللاتي تعانين من القمع على معرفة حقوقهن وتوعيتهن بنوعية البرامج الحكومية المتاحة أمامهن وتعليمهن كيف يطلبن المساعدة. فتقول ميرا، 38 عاما، لها نفس اسم زميلتها في الصحيفة ـ لقد واجهت الصحيفة مقاومة عنيفة عندما بدأت في 2002؛ حيث كان كل من ـ رموز الإقطاعيين الذين اعتادوا استعباد العاملين لديهم، وملاك الأراضي الذين لا يريدون فضح ممارساتهم الاستغلالية، والموظفين الفاسدين، بل وحتى الصحافيين الذين يشكلون المتعاطفين مع تلك الفئات ـ مستاءين من ظهورهم بتلك الصورة في تلك الصحيفة.

من جهتها، تقول ميرا الأصغر سنا إنها تجادلت كثيرا مع أبيها وزوجها قبل أن يسمحا لها بالحصول على درجة الماجستير في العلوم السياسية والعمل بالصحيفة. وتقول النساء العاملات بالصحيفة إن الهيكل التنظيمي لغرفة الأخبار ما زال مرنا، وفي الأغلب يتم منح الألقاب المهنية وفقا للاحترام بين النظراء. وقد مرت العديد من تلك النساء باللحظة الفاصلة عندما أدركن ـ عادة يحدث ذلك في المدارس الابتدائية أو الإعدادية ـ أن كونهن من الداليت يعني أنهن في قاع الهرم الاجتماعي الهندي.

وبالنسبة لميرا، تكون وعيها بكونها من الأقليات عندما لاحظت أن المدرس في قريتها المنعزلة لا يشرب أبدا المياه التي تعرضها عليه بينما يقبلها من الطلاب الذين ينحدرون من طوائف أعلى.

وتتذكر الصحافية ميثليش، 44 عاما، أنها كانت تلاحظ أن مدرسها في المدرسة الابتدائية كان يفصل الطلبة من الداليت عن باقي الطلاب ويشجع الطلاب الذين ينحدرون من طوائف أرقى على أن يغسلوا ملابسهم عندما يلمسهم أحد طلاب الداليت. وتقول إحدى العاملات بالصحيفة إن عائلتها كانت فقيرة للغاية وبالتالي لم تذهب أبدا إلى المدرسة. ولكن عندما أصبحت في الثانية والثلاثين من عمرها حصلت على الطلاق من زوجها مدمن الكحوليات الذي كان يضربها باستمرار، ثم أخذت أولادها الخمس وشرعت في التعلم.

وبعدما أصبحت في الأربعين من عمرها أصحبت تعيل أسرتها من خلال عملها بالصحيفة كي تؤمن لأولادها فرصة التعليم. فتقول: «أصبحت أجيد القراءة ولا يستطيع أحد أن يخدعني بعد الآن».

فتقول النساء إن نظام الطوائف هو مؤسسة اجتماعية وبالتالي، فمن المرجح أن يستمر. ولكن إذا كنت متعلما وتعرف حقوقك فإن الناس سوف تصبح أكثر احتراما لك. وكلما تغير المجتمع الهندي، متأثرا بالتحضر والهجرة الداخلية والتحرر الاقتصادي والتغيرات السياسية ـ سوف تضعف قبضة ذلك النظام المتشدد تدريجيا.

وتقول نساء «الداليت» إنهن يمكن أن يصبحن أسوأ عدوات لأنفسهن، حيث إن الإحساس بالتمييز الطائفي يبدأ منذ الولادة. وهناك اعتقاد سائد بأن الأشخاص يستحقون قدرهم نظرا للكرما التي يحملونها من حياتهم السابقة سواء كانت طيبة أو سيئة. ولكن ميرا الأصغر سنا تؤكد: «لا أعتقد أنني قد ارتكبت أي خطأ في حياتي السابقة. فأنا إنسانة».

وتقول ديشا موليك منسقة برنامج «نيرانتار» الذي يقع مقره في نيودلهي والتي تساعد في تدريب الصحافيات الجدد إن الضغط الاجتماعي «للبقاء في مكانك» يصل لهؤلاء العاملات في تحرير الصحيفة. فبالرغم من الفرص الكبيرة التي تتاح لهن من خلال العمل بالصحيفة حيث يحصلن على راتب كبير. فإن العديد منهن يتركن العمل بعد عدة أسابيع أو أشهر لأنهن لم تتكيفن مع الحصول على دور أكثر إيجابية.

وتقول بعض السيدات إنه بالنسبة للعديد منهن فإن فكرة العمل في وظيفة تمكنهم من توجيه أسئلة صعبة للمسؤولين الكبار، أو للأثرياء أو للسياسيين تمنحهم إحساسا بالنفوذ، ومن جهة أخرى، تقول بعض السيدات إن تعلم استخدام التكنولوجيا أمر رائع كذلك. فتقول كافيتا، 30 عاما، إحدى المحررات: «لقد ساعدتني تلك الوظيفة للغاية في الاعتماد على ذاتي وأن أصبح مستقلة. فقبل عام، لم أكن أتخيل وجود شيء مثل الكومبيوتر أو الإنترنت. أعتقد أن محرك بحث غوغل شيء مذهل. كما أنك تستطيع قراءة الصحف الأخرى ببساطة».

وقد بدأ القراء في الاستجابة، كما أن نسبة توزيع الصحيفة في تزايد مستمر حيث ارتفعت إلى حد كبير عن عدد 2500 الذي كانت تحققه قبل عدة أعوام. فتقول بالبير سينغ، 36 عام، ومالكة إحدى المحال الصغيرة في جوهاربول: «إن الصحف الأخرى لا يتم طباعتها بلغتنا، ولا تتناول الأخبار المحلية التي تهمنا. فنحن نشعر بأن تلك الصحيفة تخصنا. ولكنني أتمنى لو كانت تلك الصحيفة أكثر من ثماني صفحات حتى أستطيع قراءة المزيد».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الاوسط»