«بلومبرغ» تقدم استراتيجية متواضعة لحكم العالم إعلاميا

رفعت شعار «واضح جدا.. الأكثر تأثيرا.. على كوكب الأرض»

تسعى «بلومبرغ» إلى وضع استراتيجية متكاملة تمكنها من السيطرة على الإعلام بمختلف أوجهه («نيويورك تايمز»)
TT

ارتمى أندرو لاك على مقعد جلدي أبيض اللون داخل مكتب صغير بمقر شركة «بلومبرغ إل بي» في مانهاتن، وهو يعرف بالضبط كيف يمكن أن يعبر عن طموحات هذه المؤسسة الإعلامية والتقنية التي يبلغ عمرها 28 عاما. وقال لاك، الذي يشرف على أنشطة «بلومبرغ» التلفزيونية والإذاعية وعلى شبكة الإنترنت: «نريد أن نكون المؤسسة الإخبارية الأكثر تأثيرا في العالم كله».

واضح جدا... الأكثر تأثيرا... على كوكب الأرض. هذا هو الهدف الذي ذكره العديد من المسؤولين التنفيذيين الآخرين داخل «بلومبرغ». وعندما سمع لاك، البالغ من العمر 62 عاما، وكان رئيسا سابقا لـ«إن بي سي نيوز» سؤالا عما إذا كان هناك شيء ممتع في قهوة شركته ـ وهو ما يجعل جميع العاملين في شركة «بلومبرغ» يتحركون بفاعلية كبيرة وعلى الوتيرة نفسها ـ بدا عليه الإحباط نوعا ما. وقال: «لا أريد أن أظهر وكأني ملتزم بالاتجاه الرسمي للشركة»، وضحك وقد بدا عليه القلق وهو ينظر إلى متحدثة باسم «بلومبرغ» قريبة منه وكأنه يطلب منها المساعدة. وفي الواقع، فإنه في هذه الأيام تلتزم الشركة باتجاهها الرسمي. وسبب ذلك هو أن هذا الكيان الضخم في مجال البيانات الذي أنشأه مايكل بلومبرغ وسماها على اسمه عام 1981، قبل أن يشغل منصب عمدة نيويورك بفترة طويلة، أصبح لديه مدى انتشار وموارد ورغبة في السعي إلى أن تكون المؤسسة الأكثر نفوذا على الأقل في عالم الأخبار الاقتصادية. وبعد أن قضت شركة «بلومبرغ» أعواما تدفع العاملين بها إلى بذل الأداء الأفضل والأسرع، تتمتع الشركة حاليا بمكانة كبيرة في السوق. وقد قام عمالقة النشر مثل «كوندي ناست» و«تايمز إنك» و«نيويورك تايمز»، وجميع هذه المؤسسات بها صحافيون مخضرمون ولديها تاريخ ثري، بتقليل عدد الموظفين. وربما يعوز شركة «بلومبرغ» تاريخ وبريق بعض من الكيانات المنافسة، ولكن لديها شيئا لا يمتلكه المنافسون في الوقت الحالي وهو المال الذي يمكنها إنفاقه. وفي هذا العام وحده قامت «بلومبرغ» باستخدام الأموال التي جنتها من خدمة البيانات التي تقدمها وقامت باستعمال لاجئين من «وول ستريت جورنال» و«فورتشن» وافتتحت مكاتب في أماكن مثل الإكوادور وأبو ظبي. ويبلغ عدد فريقها التحريري الذي يضم العاملين في الإذاعة والتلفزيون والموقع الإلكتروني 2200 فرد، في مقابل 1250 صحافيا في «التايمز» و1900 في «داو جونز»، وهو الرقم الذي يضم طاقم «وول ستريت» وطاقم شرائط الأخبار. وعندما بيعت «بيزنس ويك» في مزاد، فتحت «بلومبرغ» حافظتها والتهمتها من شركات الأسهم الخاصة التي كانت تحوم حولها في أكتوبر (تشرين الأول) مقابل 5 ملايين دولار فقط نقدا، وهو على الرغم من كونه مبلغا صغيرا إلا أنه مثل تغييرا كبيرا. وخلال العقد الماضي، قلما كانت تكلف «بلومبرغ» نفسها جهد الاستثمار خارج نطاق التمويل الموسع، وكانت أخبارها تهدف إلى مساعدة المشتركين في خدمتها لنقل البيانات على جني المزيد من الأموال لصالح أنفسهم. ومع احتمالية إعادة تسمية «بيزنس ويك» كي تكون «بلومبرغ بيزنس ويك»، نجد أن الشركة تتطلع إلى جمهور أوسع. ويتضمن ذلك قراء من كبار المسؤولين التنفيذيين والقادة الحكوميين والشخصيات البارزة عالميا. كما تسعى الشركة إلى إجراء تحسينات على موقعها الإلكتروني وبرامج التلفزة، التي أهملت لفترة طويلة داخل الشركة، كي تصبح خدمات تحظى بإعجاب الناس الذين لا يتداولون في الأوراق المالية من أجل كسب ما يعيشون عليه. ويتمتع مقر شركة «بلومبرغ» في إيست سايد بمنظر كريستالي رائع وقوام سهل يشبه محطة طائرة من القرن الثاني والعشرين. وتوجد الشركة داخل مبنى ملس وذات حوائط زجاجية منحوتة بأناقة وباحات خارجية وتحتوي على أدوات فنية معلقة على السلالم المتحركة وأحواض أسماك مملوءة بفصائل غريبة وشاشات رقمية تعرض أحوال الطقس ومعدلات التداول لصالح نازداك. ويتناول الموظفون وجبات خفيفة يقدم فيها كيوي مجانا والرمان ومشروبات الصودا. وتستعمل الشركة موظفين يعملون لمدة دوام كامل للاهتمام بنظافة الحمامات ويقومون بمسح نقاط المياه التي تسقط عن طريق الخطأ على أسطح الطاولات. وعلى الرغم من أن شركة «بلومبرغ»، التي تخضع للملكية الخاصة تجذب الانتباه بسبب طموحاتها الإعلامية، فإن نسبة كبيرة من العوائد المتوقعة للشركة والتي تبلغ 6.3 مليار دولار – وتقريبا جميع أرباحها – من أنظمة بيانات مالية. وهذه البرامج التي تعرف باسم «أجهزة نقل البيانات» منذ أن صنعت «بلومبرغ» الأجهزة توجد فعليا على جميع طاولات التداول داخل «وول ستريت» وتحتوي على كميات ضخمة من البيانات والتحليلات بدءا من أسعار السوق مرورا بمنتجات الدخل الثابت والمنتجات المشتقة وصولا إلى تحليل المخاطر المعقد. وخلال الازدهار الاقتصادي المالي خلال العقدين الماضيين، انتشرت أجهزة نقل البيانات التابعة لـ«بلومبرغ» في كل مكان. وفي العام الحالي وللمرة الأولى في تاريخ الشركة سوف يتراجع عدد الأجهزة المثبت، ولكن بنسبة بسيطة. ويتساءل بعض المحللين هل ولت أيام النمو السريع للشركة، دافعين إياها إلى البحث عن وسائل جديدة لجني الأموال داخل وول ستريت مع توخي الحذر في لعبتها الإعلامية. ويقول مسؤولون في الشركة إن الوقت قد حان كي نتخطى مجموعة من العملاء المهتمين بمعلومات مالية. ويقول دانيل دكتوروف، رئيس «بلومبرغ»: «نحتاج إلى جمهور أوسع، تاريخ الشركة هو القيام بما هو عكس البديهي وعكس الشيء المألوف. إنه جزء من تركيبتنا الأساسية».

وفي خطورة استغربها جميع أذكياء الإعلام الجديد داخل «بلومبرغ»، تقوم الشركة حاليا بالسعي إلى دمج ثقافة وعمليات الاستحواذ الإعلامية القديمة في شركة تعتمد على السرعة والكفاءة وعلى التقنية الرقمية. وبعد أن ظهرت الشركة على الساحة الإعلامية عام 1981، تسيطر «بلومبرغ» حاليا على ثلث سوق البيانات المالية العالمية الذي تبلغ قيمته 16 مليار دولار، حسب ما أفادت به بيانات نهاية عام 2008 الصادرة من شركة «مرجع بيانات السوق الداخلية» البحثية. (وتسيطر ثومسون رويترز على ثلث آخر، وتتقاسم كيانات أخرى أصغر الثلث الباقي).

وحصلت «بلومبرغ» على موطئ قدم ثابت في وول ستريت خلال التسعينات من القرن الماضي، ويعود الفضل في ذلك إلى قدراتها على توصيل الرسائل وهو ما ساعد المتداولين قبل انتشار البريد الإلكتروني بفترة طويلة على تبادل المعلومات الخاصة بأسعار الأوراق المالية التي يتم التداول عليها سرا بين السماسرة والمشترين. وكان ذلك الشيء السهل، حيث يستخدم خبراء وول ستريت حاليا نظم «بلومبرغ» من أجل وضع خرائط جغرافية لمحافظهم المالية أو لتقييم المخاطر التي تواجه أطراف التعاقد. ومثل ذلك 85 في المائة من عوائد «بلومبرغ»، والهدف هو مساعدة نحو 280 ألف عميل يدفع كل منهم نحو 20 ألف دولار سنويا من أجل الحصول على بيانات كل ميلي ثانية عن تقلبات السوق والأسعار بالإضافة إلى تحليل مالي متعمق. وخلال الفورة الاقتصادية الأخيرة في «وول ستريت»، في الفترة من 2004 حتى 2007، ارتفعت عوائد «بلومبرغ» بمتوسط 13 في المائة سنويا حسب ما تفيد به الشركة. ولكن أدت الأزمة المالية وانهيار العديد من الشركات التي كانت من بين عملاء «بلومبرغ» إلى تباطؤ داخل الشركة نفسها – كان يوجد في «ليمان براذرز» وحدها 3500 جهاز نقل بيانات تابع لـ«بلومبرغ». ومن المتوقع ارتفاع العوائد داخل «بلومبرغ» بنسبة 3 في المائة تقريبا خلال العام الحالي ولكن يحتمل أن تقل عدد الأجهزة التابعة للشركة بنسبة 2 في المائة، حسب ما ذكره دكتوروف. ويقر بأنه من غير المحتمل أن يكون داخل «بلومبرغ» معدلات النمو الكبيرة نفسها التي كانت لديها خلال أعوام الازدهار داخل وول ستريت، ولكنه يضيف: «ولكن سيكون لهذا النمو مغزى، ويجب أن نرى نموا بنسبة مئوية من رقم واحد داخل وحدات أجهزة نقل البيانات».

وفي هذه الأيام على سبيل المثال تبحث «بلومبرغ» عن تدفقات عوائد جديدة من برامج إدارة المخاطر الداخلية والتداول لصالح شركات وول ستريت، حسب ما يقوله توماس سكوندا، الذي يشرف على المنتجات المالية لشركة «بلومبرغ». وكان سكوندا قد قابل بلومبرغ في «سالومون براذرز»، وهي مؤسسة تداول السندات كانت بارزة في «وول ستريت» خلال السبعينات من القرن الماضي. (وبدأ بلومبرغ شركته بعد حصوله على مكافأة نهاية خدمة 10 ملايين دولار عندما ترك «سالومون»). وعلى الرغم من أن بلومبرغ ترك الشركة عندما أصبح عمدة لنيويورك عام 2002، لا تزال بصماته في كل مكان داخلها. وعمل دكتوروف معه كنائب عمدة قبل أن ينضم إلى الشركة. وقابل بيتر غرور، رئيس مجلس إدارة الشركة، بلومبرغ خلال سباقات القفز على الخيل التي كانت تشارك فيها بناتهما. ويقول غرور إن «بلومبرغ» الذي يمتلك 85 في المائة من الشركة تم استشارته ووافق على صفقات ميريل لنتش وبيزنس ويك كما هو مسموح به بموجب دليل تضارب المصالح داخل المدينة. وداخل مقر الشركة يوجد مجموعة من العاملين والأذكياء الناشطين. وعلى الرغم من أن يتم استعمال أصحاب رسائل دكتوراه في الفيزياء والرياضة من أجل تطوير البرامج النوعية لأجهزة نقل البيانات، فإن أحد أكبر التحديات في «بلومبرغ» هو الحصول على العملاء الذين سوف يستخدمون هذه التطبيقات الضخمة. ويستخدم الكثير من العملاء نسبة بسيطة من وظائف الأجهزة التي تؤدي 30146 وظيفة. وفي سعيها للحصول على عملاء جدد، تقوم شركة «بلومبرغ» باختبار منتج يعتمد على الشبكة الإلكترونية يستهدف شركات القانون. ويدرس المسؤولون التنفيذيون الساحة الرياضة، واستثاروا الاهتمام بين ملاك الفرق والدوري من أجل الحصول على نظام يحلل البيانات الخاصة بالرياضة. وربما يكون استثمار الأموال في البحث لصالح مؤسسات تريد المزيد من المعلومات وسيلة تحقق بعض المكاسب. ولكن هناك حيرة بخصوص قيام «بلومبرغ» باستثمار المزيد من الأموال في قطاع الأخبار، وهي الصناعة التي تكافح من أجل البقاء ولا تشهد نموا ماليا. وتحتاج قاعة التحرير في «بلومبرغ» إلى أعمدة إرشادية يعرف بما يغطيه كل صف من المحررين والصحافيين: «الأسهم» و«الأسواق الناشئة» و«التمويل المؤسساتي» وهكذا. وفي صباح أحد الأيام القرية، كان هناك هدوء مفاجئ والصحافيون يتحدثون في سماعات الرأس وفي الكثير من شاشات «بلومبرغ» المنتشرة بصورة أفقية على طاولتهم. وفي أحد الأركان، كتب عبارة «مكتب السرعة». وأفراد هذا القسم ـ 200 في مختلف أنحاء العالم ـ يقضون أيامهم في نشر العناوين في جهد يمنح المشتركين تقدما مقدار ثلاث ثوان وهو ما يعني سعرا أفضل للسلعة أو السهم. وكان الموظفون السابقون يشتكون من إحساسهم بأنهم مراقبون طوال الوقت في غرفة الأخبار، وما زال المكان يعج بذوي الياقات البيضاء، وأجهزة البيانات المالية الرقمية، وبطاقات الهوية. فعلى سبيل المثال؛ يخضع دخول وخروج الموظفين للمراقبة الدقيقة. ومع ذلك فإن هذا الانضباط والثقافة المتشددة هما نتاج لقطاع هائل، فيقول ماثيو ونكلر الذي كان يشرف كرئيس للتحرير على العملية الخبرية من البداية: «لقد بدأنا من الصفر عندما بدأت بلومبرغ الإخبارية في عام 1990. لم يكن هناك أصل أو خطة كما لم يكن لنا سمعة سابقة نعتمد عليها».

وذلك حيث كانت بلومبرغ تنظر إلى الأخبار باعتبارها مجرد خدمة إضافية مقدمة لتجار البورصة وقراء وول ستريت. وبالتالي فقد طلب وينكلر أن تكون الأخبار قصيرة ومباشرة، وأوصى الصحافيين أن يتجنبوا استخدام الصفات وظروف الزمان بالإضافة إلى عبارات مثل «ولكن» أو «على أي حال» قائلا إن مثل تلك العبارات تضر بوضوح الجمل. من جهة أخرى، يقول كريس روش أستاذ الصحافة المالية في جامعة كارولينا الشمالية بشابيل هيل الذي كان يعمل في بلومبرغ للأخبار منذ أواخر التسعينات: «يمكنني أن أكتب قصة الأرباح التي تحققها بلومبرغ وأنا نائم لأنها تمثل التركيبة الأساسية لكل قصص الربح. ونظرا لذلك فإن الصحافيين كانوا يشعرون إلى حد ما بأن إبداعهم مقيد». كما وضعت سمعة وينكلر باعتباره مديرا متقلب المزاج العراقيل أمام الاستعانة بالمواهب ذات الخبرة، ولكنه مؤخرا ـ على الأقل في المقابلات التي أجريت معه مؤخرا ـ كان يبذل جهودا للتحكم في شخصيته. وبالرغم من أنه يدير عددا كبيرا من الصحافيين أكثر من أي رئيس تحرير آخر في ذلك المجال، فإن وينكلر، 54 عاما، ما زال يفكر كخاسر؛ فهو يستخدم أفعالا مثل «اثبت»، و«تطلع إلى» عندما يناقش أخبار بلومبرغ. وبعدما ينتهي وينكلر من تصوير اللقاء معه ـ الذي لا ينطق خلاله بأي كلمة غير لائقة ـ يبعث وينكلر برسالة إلكترونية إلى رئيس قسم العلاقات العامة ليسأله: «هل كنت جيدا خلال اللقاء؟».

وفوق غرفة الأخبار الفسيحة بطابقين ـ التي تقع في إحدى زوايا المؤسسة ـ يقع مكتب أحدث المنضمين إلى فريق عمل بلومبرغ وهو رجل الأخبار المخضرم نرومان بيرلستاين، 67 عاما ـ الذي كان يتقلد منصبا من أهم المناصب في وسائل الإعلام التقليدية: كمدير إداري لصحيفة «الجورنال» وكرئيس تحرير لمؤسسة «تايم». يقول وينكلر: «لقد انضم نورمان بيرلستاين إلى بلومبرغ وهو يقدم مصداقية فورية للأشخاص الذين يتساءلون حول ما تتطلع إليه بلومبرغ».

وبالتالي، فإن بيرلستاين انتقل من كارليل غروب ـ شركة الأسهم الخاصة ـ خلال العام الماضي وحصل على منصب رئيس المحتوى. مما جعله يعمل كمستشار للسيد دوكتوروف وغروير مقدما استشارات بشأن المحتوى الخاص بالإنترنت، والتلفزيون والعمليات الإخبارية. ولم يكن بيرلستاين يتوقع مشقة عمله عندما أعلن عن قبوله للمنصب في البداية، كما أن مسؤولياته لم تكن محددة فيقول: «لقد انضممت إلى المؤسسة وأنا أعتقد أنني قد حصلت على الوظيفة المثالية؛ حيث أصبح لدي مكتبان ولا أشرف على العاملين بشكل مباشر، وقلت لنفسي: أستحق ذلك بعد كل تلك الفترة من العمل».

وبالرغم من خبرة بيرستاين الطويلة كمدير تحرير فإنه ظل بعيدا عن غرفة أخبار وينكلر. فتقول كريستين هاربر رئيسة المراسلين الماليين حول بيرلستاين: «لقد كنت أراه في الجوار. ولا يبدو أنه كان مشاركا بشكل مباشر في الأخبار».

وكانت أهداف غرفة الأخبار ببلومبرغ تتغير حتى قبل وصول بيرلستاين؛ وكان بلومبرغ تستخدم الأرباح المتدفقة من (أجهزة نقل البيانات) للاستعانة بعدد ضخم من الصحافيين خلال السنوات الماضية حيث أصبح المكان كالجنة بالنسبة للعاملين في مجال الإعلام الذي كان يتراجع في الآونة الأخيرة؛ وذلك حيث كان الصحافيون أو الكتاب الكبار يتدفقون على المؤسسة أسبوعيا من المطبوعات الأخرى مثل «فورتشين»، و«فوربس» و«الجورنال». (ستة من المحررين التنفيذيين الذين يبلغ عددهم 11 كانوا يعملون قبل ذلك في الجورنال).

يذكر أن بلومبرغ قد أصبح لديها 142 صحافيا في واشنطن، 196 في طوكيو و30 صحافيا في باريس. كما افتتحت المؤسسة مؤخرا مكاتب في نيجيريا، وغانا، وقبرص، وفازت بالعديد من الجوائز الصحافية. كما أنها ـ على سبيل المثال ـ قد قدمت أكثر التغطيات الصحافية براعة فيما يتعلق بالأزمة المالية خلال العامين الماضيين.

ولكن المشكلة هي أن معظم تلك المقالات يتم توزيعها من خلال أجهزتها التي يبلغ عددها 280 ألف جهازا وبالتالي فإن جمهورها محدود بهؤلاء الذين حصلوا على اشتراك في تلك الخدمة. مما يجعل مؤسسة بلومبرغ التي لديها جيش ضخم من الصحافيين من دون وسيلة اتصال بالجمهور واسعة النطاق. ولكي تصل إلى ذلك الجمهور ولتنشر اسمها بعيدا عن تلك الأجهزة والخدمة التي تقدمها، كانت بلومبرغ تعتمد على الصحف لنشر التغطيات الصحافية التي تقوم بإعدادها.

فعلى سبيل المثال، تستخدم صحف مثل صحيفة «فلوريدا تايمز يونيون» بجاكسونفيل مقالات بلومبرغ. والأهم من ذلك هو أن بلومبرغ تعمل مع الواشنطن بوست على إنتاج خدمة أخبار لاسلكية من المقرر أن تبدأ في يناير (كانون الأول). كما تخطط بلومبرغ لفرض رسوم جديدة على الصحف التي تستخدم المحتوى الذي تقدمه.

ولكي ترسم مستقبلها في مجال الصحافة المطبوعة وفي الوقت نفسه تصل إلى جمهور جديد من صناع القرار، استحوذت بلومبرغ على «بيزنس ويك». وكان بيرلستاين يسعى وراء عدد من الإصدارات الإعلامية بما في ذلك «كونغريشينال كوارترلي» عندما تمكن من الاستحواذ على «بيزنس ويك» خلال الصيف الماضي. وكانت الشركة الأم لبيزنس ويك ـ ماكغرو هيل ـ تتعرض لضغوط لبيع تلك المجلة التي كانت قد خسرت 43 مليون دولار خلال العام الماضي. وما كان يجذب بلومبرغ هو جمهور بيزنس ويك، حيث كان توزيع المجلة يبلغ 900 ألف ونحو 11 مليون زائر على الموقع الإلكتروني شهريا. ومن المتوقع أن ترفع بيزنس ويك عدد قراء بلومبرغ لكي تتجاوز مجرد الوصول إلى عملاء البورصة.

ويتمنى التنفيذيون أن تصبح بيزنس ويك هي المكان الذي يذهب إليه الرئيس أوباما أو جيفري إيملت أو جنرال الكتريك لإجراء حوار خاص وهو ما يحدث في العادة مع المؤسسات الصحافية العريقة. (بالرغم من أن بلومبرغ تقوم بعمل تغطيات في مجال الفن والثقافة، فإن الشركة لا تخطط لمد مجال عملها إلى شيء بخلاف مجالها الرئيسي الذي يتعلق بالمعلومات والأخبار المالية). وما زال الصحافيون بمجلة «بيزنس ويك» يجرون اللقاءات للحفاظ على وظيفتهم، كما أنهم مضطرون إلى تقديم مقالات يوضحون بها هدفهم من العمل بالإضافة إلى أهداف المجلة مرفق بها طلبات عمل جديدة. ويعتمد بيرلستاين على أقطاب وسائل الإعلام المخضرمين لتقديم الاستشارات بشأن عملية الدمج بما في ذلك جيم كيلي رئيس تحرير التايم سابقا وستيفن شيبارد الذي يعمل كمحرر بالبيزنس ويكلي منذ عشرين عاما قبل أن يخلفه ستيفين أدلر في 2005. (قدم أدلر استقالته من المجال بعدما استحوذت بلومبرغ عليها).

ويقول بيرلستاين إن بلومبرغ ستحافظ على إصدار المجلة أسبوعيا ولكنها سوف تعمل على تحسين جودتها وتوزيعها عالميا كنموذج مشابه لمجلة «إيكونوميست».

وربما يحدث صدام ثقافي نظرا للدمج بين مجلة لديها كتابها ذوو الثقافة الفردية إلى مؤسسة مثل بلومبرغ. فيقول أندرو ليكي رئيس مركز دونالد رينولدز القومي للصحافة المالية: «إن الشركة لا تعمل على صناعة نجوم، فهي تعتمد على العمل والمشاركة الجماعية». مضيفا أن: «دمج المجلة مع ذلك النظام يمثل تحديا إلى حد ما». وكانت من الخطوات الأولى المناهضة للنجومية الفردية هو إنهاء بلومبرغ يوم الجمعة الماضي للعمود الذي كان ينشر في «بيزنس ويك» للمحررة ماريا بارتيرومو من «سي إن بي سي». (كما أعلن جاك وسوزي ويلش كذلك إنهاء أعمدتهم بالمجلة).

وبالرغم من أن بيرلستاين ووينكلر يقدمان تقاريرهما مباشرة للسيد دوكتوروف، فإن بيرلستاين سوف يكون مضطرا إلى تقديم التقارير المتعلقة ببيزنس ويك أولا إلى وينكلر. فيقول وينكلر: «لأنها مادة تحريرية». وفي الوقت نفسه يترقب العديد من أقطاب مجال الإعلام ما الذي ستفعله بلومبرغ بمجلة بيزنس ويك والمواقع الإلكترونية. فهل ستدمجها معا؟ هل سيحصلون اشتراكات من القراء؟ والأهم من ذلك؛ هل تهتم بلومبرغ بشكل حقيقي بما إذا كانت أي من فروعها تحقق أرباحا؟ يقول دوكتوروف: «نتوقع أن تدر (بيزنس ويك) أرباحا. ولكن ليس بالضرورة خلال العام أو العامين القادمين».

ولم تتعرض الشركات الإعلامية الأخرى التابعة لبلومبرغ لنفس الضغوط المتعلقة بتحقيق الأرباح بل إن الأمر كان يبدو وكأنه الهدف التالي لتلك الشركة. فمثلا هناك مجلة «أسواق بلومبرغ» التي كانت تقدم مجانا للمشتركين في خدمة البيانات المالية لبلومبرغ. حيث تم إصدار تلك المجلة في 1992 ولم تكن تدر دخلا. وكان غلاف أول أعدادها يحمل رسما لأجهزة بلومبرغ المالية.

يقول رون هنكوف رئيس التحرير الحالي: «لقد كانت في البداية مطبوعة شهرية لمستخدمي أجهزة البيانات المالية ولم يكن بها أي أقسام أو صور». وبالرغم من أن مظهر المجلة وعدد قرائها قد تحسن إلى حد كبير فإنها ما زالت تركز على خدمة البيانات المالية. كما أن المقالات تنشر أولا من خلال خدمة البيانات المالية، وحتى المقالات المهمة مثل مقال «شارع الأحلام الضائعة» ـ تقرير تم نشره في مايو (أيار) حول تسريح العمالة المالية ـ كان مرفقا به بعض النصائح المتعلقة باستخدام خدمة البيانات المالية. (اكتب UKWILOMA GP لكي تذهب إلى الرسوم البيانية المتعلقة بالتغير في قوائم الرواتب).

وبالمثل، فعندما ظهر تلفزيون بلومبرغ في عام 1994، لم يتأثر لاك الذي كان يعمل في ذلك الوقت بشبكة «إن بي سي». وكان بلومبرغ يغطي الشاشة بصندوق على حرف «إل» مكتظ بمعلومات حول الأسواق. فيقول لاك: «لقد قال بلومبرغ في البداية: نحن غير مهتمين بما إذا كنتم تحبوننا أم لا. فقط انظروا إلى هذا. أليس مذهلا؟. حيث كنت تشعر بالصدمة جراء ذلك الكم الهائل من البيانات».

وعندما قام بيرلستاين بتعيينه خلال العام الماضي لإدارة العمل الخاص بالتلفزيون والراديو والإنترنت، فإن ما وجده لاك كان منذرا بالخطر. فيقول: «لقد كنت أعتقد أن ذلك سوف يمثل منعطفا مهما ولكنني وجدت أن الأمر أشبه بنقطة البداية. فلم تكن هناك بنية تحتية لإنتاج قناة تلفزيونية أرضية». وقد قام لاك بإجراء بعض التعديلات بما في ذلك تنظيم فوضى ظهور الرسوم على الشاشة وتغيير خلفية المعلقين الذين كانوا يتحدثون من داخل غرفة مظلمة حيث أصبحوا يتحدثون من غرفة أشبه بغرفة الأخبار وأضاف برامج مثل برنامج «تشارلي روز» الذي كان يذاع في المساء. ومع ذلك فإن جمهور قناة بلومبرغ في الولايات المتحدة أقل بكثير من جمهور «سي إن بي سي». فيقول لاك: «سوف نحول ذلك إلى عمل ناجح ولا تسيئوا فهمي فخلال أربع أو خمس سنوات سوف نجعل من ذلك عملا ناجحا».

وقبل نحو عام، وعندما حاول بلومبرغ تعيين لاك، كان يعتقد أن حديث التنفيذيين عن كونهم «الأكثر نفوذا» مجرد هراء. مؤكدا: «بالطبع كنت أرفض ذلك تماما».

ولكنه أصبح يؤمن بذلك تماما الآن فيقول: «إن تلك ليست شركة من شركات الإعلام القديمة. فنحن شباب ذلك النظام العالمي الجديد».

* خدمة «نيويورك تايمز»