قنوات أجنبية بأسماء دول تسعى لتغيير صورتها في المنطقة العربية

تمولها الحكومات لتخاطب الجمهور العربي بساعات بث محددة

قناة «روسيا اليوم» وقد انتشرت اعلاناتها الترويجية في مختلف المدن السعودية (تصوير: ثامر الفرج)
TT

نتيجة لامتلاء المنطقة العربية بالأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، تسعى معظم الدول الأوروبية إلى إطلاق قنوات تحمل اسم دولها بتمويل حكومي لتخاطب الجمهور العربي بساعات بث محدودة، تتطرق فيها إلى برامج إخبارية تجذب المشاهد في تلك المنطقة، وذلك بهدف وضع قدم لها وتغيير صورتها التي رسمها العقل العربي عنها على مر السنين.

وذكر سعيد الجابر المشرف على قناة «فرانس 24» الفرنسية ومراسلها في السعودية، أن القنوات التي تحمل أسماء دول أو حكومات غالبا ما يعتقد المتابع لها أنها حكومية 100 في المائة، إلا أن هذا الاعتقاد ينقصه المنطق في عصر الخصخصة والانكشاف الإعلامي على العالم.

وقال الجابر لـ«الشرق الأوسط» إن قناة «فرانس 24» بنيت على صيغة هجينة تضم مشاركة القطاعين العام والخاص معا، وتستثمر في الطاقات البشرية والإعلام الجديد، لافتا إلى أن الميزانية الضخمة «رفض الإفصاح عنها» التي رصدت لها شكّلت رافدا مهما لتطوير ساعات بثها بالعربية واستمرارية تغطيتها الإخبارية للمنطقة.

وأبان أن ساعات البث باللغة العربية للقناة بلغت 10 ساعات يوميا بعد أن كانت بداياتها بـ4 ساعات فقط، مشيرا إلى وجود نية لرفع عدد ساعات بثها باللغة العربية إلى 24 ساعة بحلول العام القادم في ظل اعتمادها على البرامج الإخبارية أولا، إضافة إلى شبكة برامج تركز على البث المباشر والتفاعلية اعتمدتها «فرانس 24» في شكلها الجديد. وأضاف أنه يتم تحديد البرامج العربية بناء على التفاعلية وأكثرية المشاهدة، إذ يقوم الشكل الجديد للبرامج على فقرتين إخباريتين تمتد الأولى من الثانية بعد الظهر حتى السادسة مساء بتوقيت باريس، فيما تبدأ الثانية من السادسة مساء إلى منتصف الليل.

وأوضح أن كلا الفقرتين تحتويان على نشرة إخبارية من 13 دقيقة يعقبها تذكير بالعناوين (موجز) لدقيقتين على رأس كل ساعة وعند منتصفها، إضافة إلى البرامج المعتادة من ضمنها «وجها لوجه» و«قراءة في الصحف الدولية» و«جولة المراسلين» و«نادي الصحافة»، مما يجعل المشاهد أكثر تفاعلية مع الأحداث ومشاركة في صنع قراراته بذاته. وبيّن أنه بعد نجاح موقع تفاعلي اسمه «مراقبون» على الإنترنت باللغتين الفرنسية والإنجليزية، تم إطلاقه بالعربية ليصبح متاحا للزائرين من العالم العربي، باعتباره يغطي مجريات الأحداث العالمية من خلال شهادات حية «للمراقبين» أنفسهم الذين يوجدون في قلب الحدث، عدا عن إمكانية الهواة إرسال أشرطة فيديو ونصوص وصور للنشر على موقع «فرانس 24» بعد فرزها وتدقيقها وترجمتها وشرحها، مما يتيح ذلك التفاعل المباشر مع الجمهور ليصبحوا هم المراقبين والمراسل الميداني الأول على أرض الواقع.

ويرى المشرف على قناة «فرانس 24» الفرنسية ومراسلها بالسعودية أن المساحة الإعلامية والإخبارية تحديدا تعد واسعة يمكن الركض فيها بشكل ترسمه السياسة الذاتية لأي وسيلة إعلامية أو مراسل ميداني. وأكد أن المشاهد العربي يبحث دائما عن الحياد في الطرح وهو بذاته الحكم في التنقل بين وسائط القنوات الفضائية الإخبارية، مضيفا أن الخلافات المهنية الإعلامية بين بعض قنوات الوطن العربي الإخبارية كانت السبب في انكشافه على النظرة الاستثمارية الأجنبية في ذات النشاط الناطق بالعربية كونه يرى في الأفق تذمرا لدى بعض المشاهدين من تلك الخلافات في الطرح واختلافات الرأي، الأمر الذي أكسب الاستثمار الأجنبي لا سيما وأنه يبحث عن المهنية والحياد في طرحه. واستطرد قائلا «لا أعتقد أن الإعلام المهني الحر الذي يحمل أمانة المهنة على النقل الموضوعي للأحداث، سيسعى في يوم من الأيام للتغيير في الحقائق أو النظر إليها بعين وحيده دون أخرى، وهو الفخ الذي وقعت فيه بعض القنوات الإخبارية التي هي في طور خسارة بعض من مشاهديها كونهم الحكم في ذلك».

واستبعد أن يكون في تخصيص ساعات بث بالعربية نوعا من الأجندة التي لا محل لها من الإعراب في واقع الإعلام الحر والأكثرية المشاهدة ذات الصبغة الذكائية «بحسب قوله»، وإنما ستسمح زيادة البث باللغة العربية لقناة «فرانس 24» باجتذاب مشاهدين جدد ومستخدمي شبكة الإنترنت باللغة العربية في الشرقين الأوسط والأدنى وفي المغرب العربي، إضافة إلى أفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة.

ويؤكد رعد الحديري أحد الإعلاميين السابقين في قناة «ABTN» الأميركية التي خصصت نحو أربع ساعات للبث باللغة العربية على أن معظم العاملين في مثل تلك القنوات تركوا العمل بها نتيجة عدم وجود تصاريح للتصوير أو تغطية الأحداث داخل السعودية خاصة في عهد وزير الإعلام السعودي الأسبق.

وقال الحديري لـ«الشرق الأوسط» كانت تغطياتنا في هذه القناة سيئة مقارنة بالقنوات العربية الأخرى، مما جعل معظمها يتوقف عن التغطية الإخبارية ويتفرغ للبرامج الاجتماعية.

وأرجع سبب استهدافهم للمشاهد العربي إلى امتلاء الدول العربية بالأحداث، غير أن المراسلين يعكسون وجهة نظر القناة تجاه أي حدث باعتبار أن تقاريرهم تخضع للتعديل بحسب ما تراه الإدارة ليتم قراءته وتركيب الصور عليه فقط.

وأضاف يشكل المشاهد العربي شريحة كبيرة من العالم، الأمر الذي يجعل القنوات الأجنبية تسعى وراء تغيير صورتها ووضع قدم لها في البلدان العربية، لا سيما وأنها تستهدف دول الخليج بشكل خاص، لافتا إلى أن تلك الفضائيات تحاول الدخول بشكل إخباري مع دس وجهات النظر التي ترغب في إيصالها إلى العرب.

وأفاد بأن هذه القنوات تبدأ في نشراتها الإخبارية بأخبار الدول التابعة لها لتنتقل فيما بعد إلى الأحداث التي تهم المشاهد العربي وأخباره، مشيرا إلى أن أهدافها تمتد إلى المدى البعيد وليس القريب.

من جهته اعتبر الدكتور عبد العزيز بن سلمة وكيل وزارة الثقافة والإعلام للإعلام الخارجي أن تلك القنوات أطلقت لخدمة أهداف ومصالح دولها، مبينا أن ازدياد أعدادها دليل على أن تلك الدول تولي الرأي العام في العالم العربي أهمية كبرى بعكس ما يظنه البعض.

وقال بن سلمه لـ«الشرق الأوسط» إن الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن والمتمثلة في أميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين تولي البث التلفزيوني المباشر إلى العالم العربي أهمية كبيرة، إذ ثبت لها منذ حرب الخليج الثانية عام 1991 أنه لا شيء يعوض عن قدرة الوصول الإعلامي المباشر إلى الجمهور العربي.

وأشار إلى أن الفضائيات الأجنبية الناطقة باللغة العربية التي تنتمي لهذه الدول وأحدثها «CCTV» الصينية المنطلقة نهاية العام الماضي حلّت محل الإذاعات الموجهة التي كانت تتسيد الساحة الإعلامية منذ الأربعينات والخمسينات من القرن الميلادي الماضي.

ولفت إلى وجود دول أخرى مثل ألمانيا ترى أن سعيها للحضور في العالم العربي لا يكتمل إلا بوجود محطة تلفزيونية وإلكترونية باللغة العربية مثل «دويتش فيله»، إلى جانب دول إقليمية كإيران ترى أن ذراعها السياسية ومساعيها للهيمنة لا تكون إلا بإنشاء منظومة إعلامية بالعربية وبلغات أخرى.

وأضاف لا يستغرب إطلاقا من أي دولة أن تسعى إلى خدمة مصالحها من خلال اللجوء لوسائل إعلامية فعالة من ضمنها التلفزيون، لا سيما وأن القنوات التلفزيونية التابعة للدول تتفاوت في أدائها ومدى ما تحظى به من جماهيرية، ومنها ما يتبنى لغة دعائية معينة، عدا عن تركيزها على كل ما هو سلبي في العالم العربي، مبيّنا أن هناك ما يتمتع بمستوى احترافي راقٍ ومضامين تخدم التفاهم والتقارب مع الجمهور العربي.

واستدرك بالقول يصعب تعميم مسألة القصور في الجانب الإخباري لدى القنوات العربية في ظل وجود فضائيات رائدة ومتألقة وإن كانت قليلة، غير أن معظمها ما زالت تتبنى لغة خشبية عفا عليها الزمن، إضافة إلى بعدها عن المستوى الاحترافي الإعلامي الراقي «على حد قوله».

وتوقع وكيل وزارة الثقافة والإعلام للإعلام الخارجي قيام دول مثل كندا والبرازيل واستراليا واليابان بإطلاق قنوات تخاطب المشاهد العربي حول العالم، مؤكدا أن وراء ذلك إرادة سياسية باعتبارها تمول من قبل الحكومات، مما يجعل زعم استقلاليتها من ناحية السياسة التحريرية لا ينطلي على أحد.

ونوّه إلى أن الولايات المتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوروبي حظرت نشاط ووجود إحدى المحطات التلفزيونية العربية على أراضيها بحجة انتمائها لمنظمة سياسية معادية لها وحثّها على معاداة السامية.

فيما يرى الدكتور خالد الفرم المستشار السابق لقناة «BBC» العربية ونائب رئيس تحرير صحيفة «عكاظ» أن القنوات الأجنبية تندرج ضمن منظومة إخبارية تستهدف المنطقة العربية لما لها من تأثير استراتيجي سياسي واقتصادي، مما يجعل تلك المنطقة نقطة تجاذب من قبل تلك القنوات، عدا عن كون المشاهد العربي محور جذب للفضائيات العربية والأجنبية على حد سواء.

وقال الفرم لـ«الشرق الأوسط» أحيانا تسقط القنوات الإخبارية العربية في الانحياز لمحور معين، مما يجعلها تصنف كقنوات منحازة أو غير موضوعية أو ذات أجندة معينة، الأمر الذي يعطي فرصة للقنوات الأجنبية التي توظف مصداقيتها وجماهيريتها، مبينا أن مصداقية القناة وانتشارها يعتمدان على مهاراتها التحريرية في طرح محايد بعيد عن الانحياز.

وأوضح أن بعض القنوات الأجنبية تعثرت بسبب ضعف إدارتها وبرامجها واللغة المستخدمة، مما جعلها خارج المنافسة مقارنة بالقنوات الإخبارية العربية في ظل ضعف بناء النشرات الإخبارية وبعد المشاهد العربي الجغرافي الذي يؤثر على معرفة المزاج العام، لافتا إلى أن ذلك يبرز الفرق بين الفضائيات الأجنبية البعيدة عن اهتمامات المشاهد العربي والأخرى القريبة منه جغرافيا.

وأضاف أن القنوات الإخبارية الأجنبية والعربية لا تواجه أي عراقيل في السعودية، خصوصا وأن وزارة الثقافة والإعلام حريصة على تذليل الصعوبات لهذه الفضائيات بحكم خطها التحريري الراسخ لديها والمصداقية الكبيرة التي تتمتع بها، إلا أن المعيار الرئيسي لنجاح أي قناة إخبارية هو التأثير والانتشار.

واستبعد وجود إعلام محايد في كافة دول العالم بحكم انتماء كل وسيلة إعلامية لأجندات تختلف باختلاف توجه الوسيلة، غير أن الأساس لا بد أن يتركز حول درجة الموضوعية والحيادية في تغطية الأخبار.

وأشار إلى أن كل قناة لها فلسفة وفكر إعلامي محددان، عدا عن امتلاك المشاهد العربي لـ«فلتر» داخلي وحصانة إعلامية حيال الضخ الإخباري، الأمر الذي يصعّب تسويق الجرعات التلفزيونية له بسهولة.

وأردف قائلا «يبرز لدى الوسيلة صعوبة التسويق والتأثير على المشاهد العربي باعتباره تمرس على الإعلام السياسي والقنوات الإخبارية، مما أعاق القنوات في بث وجهات نظرها السياسية في ظل وجود بديل إخباري للمشاهد والمتمثل في الإعلام البديل (الإلكتروني)». وبالعودة إلى الدكتور عبد العزيز بن سلمه وكيل وزارة الثقافة والإعلام للإعلام الخارجي الذي كشف عن بلوغ عدد الفرق الإعلامية التابعة لتلك القنوات التي زارت السعودية خلال الشهور الست الأولى من هذه العام نحو 132 فريقا إعلاميا، عدا عن الإعلاميين الأفراد الذين يزورون مختلف مناطق المملكة لمهام إعلامية متنوعة تتضمن تغطية المناسبات والزيارات الرسمية والندوات والمؤتمرات والمعارض وغيرها.

وقال إنه في كل حالة من هذه الحالات يتولى منسوبو الإعلام الخارجي بالرياض وجدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة والدمام تقديم كافة الخدمات الضرورية للإعلاميين من الاستقبال والمساعدة في فسح المعدات الإعلامية وتسهيل تنفيذ برامج الزيارات وإجراء المقابلات مع المسؤولين والشخصيات التي يرغب الإعلاميون في الالتقاء بهم، إلى جانب مرافقتهم أثناء التصوير في المواقع المختلفة.

وأكد أنه منذ سنوات لم يعد أمر الحصول على تأشيرات دخول للسعودية يشكل عقبة بالنسبة للصحافيين من خارج المملكة ما داموا مهنيين ينتمون إلى وسائل ومؤسسات إعلامية معروفة ذات مصداقية.

وحول التعامل مع مراسلي القنوات الأجنبية التي تخاطب الجمهور العربي من خلال نشرات إخبارية تبث باللغة العربية أفاد وكيل وزارة الثقافة والإعلام للإعلام الخارجي أنه يتم التعامل معهم بسهولة ويسر عندما يرغبون في تغطية أحداث داخلية أو القيام بإعداد تقارير عن شتى جوانب الحياة بالسعودية وإجراء مقابلات مع المسؤولين وصناع القرار والمثقفين ورجال الأعمال وغيرهم.

وأضاف «يبدأ الإجراء من خلال التقدم بطلب الحصول على تأشيرات من إحدى سفارات السعودية أو بعثاتها الدبلوماسية عبر العالم والتي توافينا بها عبر وزارة الخارجية، أو من خلال الاتصال بوزارة الثقافة والإعلام مباشرة، إذ تدرس الطلبات وترسل إلى سفارة المملكة المعنية بمنح تأشيرات الدخول عن طريق وزارة الخارجية للصحافيين أو الفرق الإعلامية».

وذكر أنه يندر الاعتذار عن عدم قبول الطلب، إضافة إلى قيام سفارات السعودية وممثلياتها بدور مهم جدا في تسهيل إجراءات من خلال توفير البيانات اللازمة قبل وقت كاف من الزيارة مع إبداء مرئياتها بشأن أهميتها، مبينا أن وسائل الإعلام تتفاوت في كل دولة من حيث أهميتها.

ولفت إلى أن موسم الحج يحظى بإقبال كبير من الوسائل الإعلامية التلفزيونية التي ترغب في إعداد أفلام وبرامج تلفزيونية عن الحج والعمرة وشهر رمضان المبارك، إذ يتجاوز عدد الفرق الإعلامية العشرات كل عام خلال هذا الموسم، إلى جانب مئات الصحافيين الذين يفدون للسعودية لفترات محدودة في إطار الزيارات الرسمية التي يقوم بها ملوك ورؤساء دول وحكومات ووزراء من مختلف بلدان العالم طوال شهور العام. وقال تجاوز عدد الإعلاميين الأجانب الذين وجدوا أثناء زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للسعودية المئات، فيما لم يتعدوا العشرات خلال زيارة الرئيس الروسي الأسبق فلاديمير بوتين أو الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، إضافة إلى عدد محدود من الإعلاميين لا يتجاوزون العشرين في بقية الزيارات.

وبيّن أنه في حالة زيارات زعماء الدول إلى السعودية تقوم وزارة الثقافة والإعلام بكافة الترتيبات التي تكفل إنجازهم لمهماتهم الإعلامية بيسر بما في ذلك تجهيز مركز إعلامي لهم وعقد مؤتمرات صحافية إذا تطلب الأمر.