صفقة «كومكاست ـ إن بي سي» تثير مخاوف حول عمليات دمج المؤسسات الإعلامية

إدارة أوباما في أول اختبار لقضية مثيرة للجدل مرتبطة بالقطاع الإعلامي

TT

تطرح عملية الدمج المقترحة بين مؤسسة «كومكاست»، التي تعد أكبر مقدم لخدمات النطاق العريض والخدمات الأرضية في الولايات المتحدة، وشركة «إن بي سي يونيفرسال»، الكيان الهام في هوليوود، أمام إدارة أوباما أول فرصة كبيرة للدخول في القضية المثيرة للجدل المرتبطة بعمليات الدمج داخل القطاع الإعلامي. وقد دعا ساسة ونشطاء في مجال حقوق المستهلكين إلى إجراء عملية مراجعة متأنية للصفقة، التي أعلن عنها يوم الخميس الماضي من مقر «إن بي سي يونيفرسال» بمركز «روكفيلر» وسط مدينة مانهاتن وصاحب الإعلان عنها صخب كبير، على ضوء النفوذ الكبير داخل السوق الذي سوف يتمتع به الكيان الجديد فيما يتعلق بملكية وتوزيع الأفلام والعروض التلفزيونية والشبكات الأرضية. ولا يوجد تنافس بصورة مباشرة بين «كومكاست» و«إن بي سي يونيفرسال»، ولن تؤدي عملية الدمج هذه إلى مشاكل هامة مرتبطة بمحاربة الاحتكار. ومع ذلك، تمثل الشركة المشتركة أنشطة تجارية تكاملية تتحد من أجل خلق قوة هائلة ستكون بوابة فيديو مهولة تصل إلى المستهلكين عبر الهواء وعبر الكابلات ومن خلال شبكة الإنترنت. ويقول كريستوفر كيلي، وهو متخصص في قضايا محاربة الاحتكار لدى شركة «ماير براون» القانونية ومحامٍ بارز سابق في وزارة العدل: «سوف ينظر الناس إلى ذلك على أنه اختبار للإدارة الجديدة فيما يتعلق بمراجعة الصفقات الكبرى، فلديك شركة خدمات أرضية كبرى تستحوذ على شركة محتوى بارزة، ورد الفعل الفطري من جانب المواطنين إزاء مثل هذه الصفقات هو أن الإدارة يجب عليها أن تدرس الصفقة بجدية».

وسوف ينتج عن عملية الدمج التي تبلغ قيمتها 30 مليار دولار كيان ضخم يتنافس مع عملاقة إعلامية مثل «والت ديزني» و«نيوز كوربوريشن» و«تايم وارنر» و«فيياكوم». وسوف تجمع عملية الدمج هذه النظم الأرضية التابعة لـ«كومكاست»، التي تصل إلى نحو 25 في المائة من المنازل الأميركية مع شبكات إذاعة «إن بي سي يونيفرسال» و«تيليموندو» واستوديو أفلام «يونيفرسال» و26 محطة تلفزيونية وأكثر من 30 قناة أرضية، من بينها «سي إن بي سي» و«يو إس إيه» و«إم إس إن بي سي» و«برافو». وأشار تقرير تحليلي صدر في وقت قريب إلى أن آثار عملية الدمج بصورة واضحة: سوف تمثل برامج «كومكاست ـ إن بي سي» 30 في المائة من ساعات المشاهدة داخل الولايات المتحدة. وتقول «كومكاست» نفسها إنها سوف تكون مالكة لواحدة من كل سبع قنوات. ويشار إلى أنه قبل توليه مهام منصبه، أعرب الرئيس الأميركي باراك أوباما عن شعوره بالقلق إزاء تركز وسائل الإعلام في يد مجموعة معينة من الشركات، وتحدث عن الحاجة إلى تعزيز عمليات مكافحة الاحتكار. وقال رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية يوليوس غيناتشوسكي، الذي اختاره أوباما، خلال جلسة التصديق بمجلس الشيوخ في يونيو (حزيران) إن «عمليات الدمج المبالغ فيها لا تزال تحتاج فيما أرى إلى الاهتمام به».

وقالت متحدثة باسم غيناتشوسكي إن لجنة الاتصالات الفيدرالية سوف «تدرس بحرص عملية الدمج المقترحة، وأنها سوف تكون شاملة ونزيهة وواقعية في مراجعتها». ومن جانبه، حذّر مفوض لجنة الاتصالات الفيدرالية مايكل كوبس، وهو من المنتقدين لعمليات الدمج بين المؤسسات الإعلامية، شركة «كومكاست» و«إن بي سي يونيفرسال» من أن الموافقة على الصفقة سوف «تواجه صعوبات معي». ومن المقرر أن تقوم اللجنة التجارية الفيدرالية ووزارة العدل بمراجعة عملية الدمج المقترحة. وكانت «كومكاست»، التي استعدت لمواجهة حركة معاكسة متنامية، منشغلة في التنظيم لهجوم. وفي خطاب أرسل إلى المنظّمين والمشرّعين البارزين بهدف إخماد المخاوف المرتبطة بعملية الاستحواذ، قالت الشركة إن عملية الدمج «في صالح المنافسة وفي صالح المستهلك وتخدم الصالح العام بقوة».

ولكن يتوقع الرئيس التنفيذي بـ«كومكاست» برين روبرتس أن توضع شروط على الصفقة. ولكنه قال يوم الخميس إنه يعتقد أنها «صفقة يمكن الموافقة عليها». ولكن يقول آخرون إنهم لا يوافقون على ذلك. وقال أندرو شوارتزمان، وهو رئيس شركة «ميديا أكسيس بروجت» القانونية التي تراقب وسائل الإعلام والتي تدافع عن المصالح العامة: «لا يجب أن يكون هناك كيان مسيطر على هذا القطاع الكبير من الجمهور». ويقول جيجي سون، الرئيس والمؤسس المشارك لمنظمة «المعرفة العامة»: «يمكن أن يطرح اتحاد أكبر شركة أرضية في البلاد مع شبكة تلفزيون واستوديو أفلام أخطارا كبرى فيما يتعلق بالإنترنت المفتوح والحر».

وتعهد السيناتور هرب كول (الديمقراطي من ولاية ويسكنسن) والذي يترأس اللجنة الفرعية بمجلس الشيوخ الخاصة بمحاربة الاحتكار وسياسات المنافسة وحقوق المستهلك، أن تعقد جلسات استماع خاصة بالصفقة. وقال: «سوف تتسبب عملية الاستحواذ هذه في تغيرات داخل سوق الإعلام والترفيه، ولا نعرف إلى أين سوف تؤول الأمور».

ويتطلع النائب هنري واكسمان (الديمقراطي من بيفرلي هيلز ورئيس لجنة التجارة والطاقة بمجلس النواب) إلى انعقاد جلسات الاستماع. ويقول واكسمان: «يثير هذا المقترح تساؤلات فيما يتعلق بالتنوع والمنافسة ومستقبل إنتاج وتوزيع محتوى الفيديو عبر المنصات الإذاعية والأرضية والمتحركة وعلى شبكة الإنترنت». ويمكن أن تبدأ جلسات الاستماع الخاصة بالصفقة قبل نهاية العام. وكانت شركة «كومكاست» تتوقع أن تثار مثل هذه المخاوف، ولذا قدمت الشركة تعهدات بأنها سوف تطمئن المشرعين من أنها لن تستخدم قوتها السوقية بصورة تتناقض مع المنافسة الشريفة. ومن بين الالتزامات التي تعهدت بها «كومكاست» هو الحفاظ على «إن بي سي» كشبكة إذاعية، وعدم تأثر تغطية الأخبار بالشبكة أو قنواتها الأرضية لتحقيق مصالحها المؤسسية الخاصة. وتشبه هذه تعهدات قدمتها شركة «جنرال إلكتريك» عندما اشترت «إن بي سي» عام 1986. وقد قالت شركة «كومكاست» أيضا إنها سوف تتبع اللوائح الحالية ولن تمنع قنواتها الخاصة من مقدمي خدمات التلفزيون المنافسة مثل «ديرك تي في» و«فريزون فيوس». وعلى صعيد البرامج، تقول «كومكاست» إنها سوف تزيل البرامج الإخبارية المحلية وتلتزم تقديم برامج للأطفال بجودة أعلى على محطات «إن بي سي». ويذكر أن شركة «كومكاست» شريك بالفعل مع «بي بي إس» في «سبروت»، قناة التلفزيون الأرضية للأطفال.

وعلى الرغم من المخاوف داخل واشنطن بخصوص عملية الدمج، لا يبدو أنه توجد لوائح كافية يمكن أن تمنع من إتمام الصفقة. وعلى الرغم من أن عملية الاستحواذ تضع الكثير من الأصول تحت تصرف شركة واحدة، فإن صفقة «كومكاست ـ إن بي سي» ليست عبارة عن عملية دمج بين مؤسستين متنافستين تنافسا مباشرا، ويتوقع البعض في واشنطن أن الصفقة سوف تمر من خلال المتاهة اللائحية من دون مشاكل. ويتمثل جزء من التحدي أمام المنظمين وهو أن الكثير من القواعد التي كانت تحكم ما يسمى بوسائل الإعلام التقليدية أصبحت أقل حزما أو تم إلغاؤها، وهو ما خلف عددا أقل من اللوائح التنظيمية في العصر الرقمي الذي يدلف إليه هذا القطاع في الوقت الحالي.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»