بدء العد العكسي للبث التلفزيوني المجاني

بعد أن تمكنت القنوات الكيبلية من الحفاظ على نفسها خلال فترة الركود الاقتصادي

TT

على مدى أكثر من 60 عاما، كانت محطات التلفزيون تبث الأخبار والبرامج الرياضية والترفيهية مجانا، وتحقق أرباحا من خلال الإعلانات. ولكن، ربما لا يستمر ذلك لوقت طويل. ويتغير نموذج العمل التجاري داخل «إيه.بي.سي»، و«سي.بي.سي»، و«إن.بي.سي»، و«فوكس» والمحطات المحلية التي تبث برامج الشبكات، ويأتي ذلك بعد أن تمكن التلفزيون الكيبلي والشبكة الإلكترونية من جذب الجمهور بسبب البث التلفزيوني المجاني، وجذبوا معهم دولارات الإعلانات. وقد أدى الركود إلى المزيد من الضغوط على الإعلانات، وأجبر الشركات الإذاعية على زيادة وتيرة مساعيها من أجل الحصول على عائدات جديدة للدفع مقابل البرامج. وسوف يحدث ذلك داخل حجرات المعيشة عبر البلاد. وسوف تعني هذه التغيرات فاتورة أعلى للتلفزيون الكيبلي أو للقنوات الفضائية، في الوقت الذي تقوم فيه الشبكات والمحطات المحلية بالحصول على المزيد من الرسوم من شركات التلفزيون المدفوع، مثل: «كومكاست»، و«ديرك تي.في» مقابل الحق في عرض قنوات تلفزيونية إذاعية. وربما تقوم الشبكات بالتخلص من البث الإذاعي المجاني خلال الأعوام القليلة المقبلة. وفي المقابل، يمكن أن تعمل كقنوات كيبلية، وهي الخطوة التي يمكن أن تؤدي إلى نهاية التلفزيون المجاني الذي عرفه الأميركيون منذ الأربعينات من القرن الماضي. وقال روبرت موردوخ، الذي تمتلك مؤسسة «نيوز» التابعة له «فوكس»، خلال اجتماع مع حملة الأسهم في فصل الخريف الجاري «إن البرامج الجيدة أمر مكلف، ولا يمكن دعمها فقط من خلال عائدات الإعلانات».

وتمارس «فوكس» استراتيجيتها هذه علنا، وتحذر من أن برامجها سوف تكون حصرية للمشتركين في «تايم وارنر كيبل» ما لم تعط شركات التلفزيون المدفوع لـ«فوكس» رسوما أعلى. من جانبها طرحت شركة «تايم وارنر كيبل» على عملائها سؤالا حول ما إذا كان عليها «إعادة التفاوض»، أو «التحلي بالحزم» في المفاوضات. وربما يتغير مستقبل التلفزيون المجاني مع استعداد «كومكاست كورب»، وهي أكبر مقدم للتلفزيون المدفوع، للاستحواذ على «إن.بي.سي». ولم تعلن «كومكاست» حتى الآن عن خطط لإنهاء البث المجاني لبرامج على «إن.سي.بي». ولكن جيف زوكر، الذي يدير «إن.بي.سي» والقنوات الكيبلية الشقيقة مثل «سي.إن.بي.سي» و«برافو»، قال في حديث إلى المستثمرين الشهر الجاري إن «النموذج الكيبلي أسمى من النموذج الإذاعي».

ويعمل النموذج الإذاعي التقليدي على النحو التالي: توزع «سي.بي.إس»، و«إن.بي.سي»، و«إيه.بي.سي»، و«فوكس» عروضا عبر شبكة من المحطات المحلية. وتمتلك الشبكات عددا قليلا من المحطات داخل أسواق كبرى، ولكن معظمها «كيانات تابعة» تمتلكها شركات منفصلة. وبصورة تقليدية، تقوم الشبكات بالدفع للكيانات التابعة كي تبث برامجها، على الرغم من أن هذه الرسوم تراجعت إلى لا شيء تقريبا، حيث إن المحطات المحلية ترى أن جمهورها يتناقص. وما لم يتغير هو المصدر الذي يأتي منه المال: وهو الإعلانات. وتحصل القنوات الكيبلية على معظم أموالها من خلال فرض رسوم شهرية على شركات التلفزيون المدفوع مقابل كل مشترك في برامجها. وفي المتوسط، يدفع مقدمو التلفزيون المدفوع نحو 26 سنتا لكل قناة يبثونها، حسب ما أفادت شركات «إس.إن.إل كاغان» للأبحاث. ويمكن أن تحصل القناة التي عليها إقبال كبير، مثل «إي.إس.بي.إن»، على ما يصل إلى 4 دولارات، فيما تحصل قنوات أخرى، مثل «إم تي في 2» على عدد قليل من البنسات. ومع الإعلانات والرسوم، شهدت «إي.إس.بي.إن» عائدات تصل إلى 6.3 مليار دولار في عام 2009 مقارنة بـ1.8 مليار دولار قبل عشرة أعوام، وذلك حسب تقديرات شركة «إس.إن.إل كاغان». وكانت القناة قادرة على تقديم عروض مقابل فعاليات مميزة إضافية كانت تبثها الشبكات بصورة تقليدية مثل مباريات كرة القدم. وكانت القنوات الكيبلية قادرة على تمويل العروض المهمة مثل مسلسل «رجال مجانين» على «إيه.إم.سي». وأعطى ذلك، بالإضافة إلى عدد متزايد من القنوات، القنوات الكيبلية نصيبا أكبر من كعكة الإعلانات. وفي عام 1998، جذبت القنوات الكيبلية قرابة 9.1 مليار دولار أو 24 في المائة من مجمل النفقات على الإعلانات التلفزيونية، حسب ما أفاد مكتب الإعلانات التلفزيونية. وبحلول 2008، كانوا يحصلون على 21.6 مليار دولار أو 39 في المائة. وقد تمكنت القنوات الكيبلية من الحفاظ على نفسها خلال فترة الركود الاقتصادي، حيث إن لها مصدري عائدات وهي الإعلانات والرسوم التي تفرضها على مقدمي التلفزيون المدفوع. وعلى النقيض، كانت المحطات التي تبث عبر الأثير مضطرة إلى تقليص طواقم العمل لديها، ورفعت مؤسستان إذاعيتان على الأقل طلبات لحمايتهما من إشهار الإفلاس في عام 2009. وتوضح «فوكس» هذا الاتجاه: سجلت عملياتها الإذاعية تراجعا نسبته 54 في المائة في إدارة الدخل خلال الربع المنتهي في سبتمبر (أيلول). وارتفعت عائدات التشغيل لقنواتها الكيبلية التي تضم «فوكس نيوز» و«إف إكس» بنسبة 41 في المائة. ويقول، توم لاف المحلل من «سنيث أوتيميديا»، إن عوائد الإعلانات في الشبكات الكبرى تراجعت بنسبة 9 في المائة خلال 2009، وسوف يتبع ذلك تراجع نسبته 8 في المائة خلال 2010 ونمو صفري في 2011. ويتم تعويض نسبة صغيرة من عوائد الإعلانات على الشبكة الإلكترونية، حيث تقوم الشبكات ببيع حلقات مقابل دولارات قليلة لكل حلقة، أو عرض إعلانات إلى جانب البرامج على المواقع كما هو حال «هولو». ويقول جاك مايرز، اقتصادي الوسائل الإعلامية، إن إعلانات الفيديو على الشبكة الإلكترونية سوف تنمو لتصل إلى ملياري دولار بحلول 2012، مقارنة بـ350 مليون دولار إلى 400 مليون دولار خلال 2009. ولذا، بدلا من انتظار إلى أن يصبح الإنترنت مصدرا أكبر للدخل، تقوم الشبكات والمحطات المحلية بمحاكاة ما قامة به القنوات الكيبلية: وتقوم بفرض رسوم على شركات التلفزيون المدفوع من خلال فرض رسم شهري مقابل كل مشترك لبث برامجها. ويشار إلى أنه منذ عام 1994 سمحت هيئة الاتصالات الفيدرالية للشبكات والكيانات التابعة لها أن تحصل مدفوعات مقابل ضم برامجها إلى شركات التلفزيون المدفوع. وفي البداية، لم تطلب الشبكات كافة الحصول على مدفوعات. ولكن، اعتمدت الشبكات بدلا من ذلك على جمهور أوسع يتيحه البث الكيبلي وعبر القمر الصناعي من أجل زيادة ما يمكن أن يفرضوه كرسوم على أصحاب الإعلانات. وكانت الشبكات الكبرى راضية بالسماح للمحطات الإذاعية التابعة لها بالحصول على دعم من خلال الرسوم الأعلى على القنوات الكيبلية التي تأتي ضمن مظلة المؤسسة نفسها. ومن المحتمل أن شركة تلفزيون مدفوع تقوم حاليا بالتفاوض على نسبة أكبر مع شركة «ولت ديزني»، التي تمتلك «إيه.بي.سي»، مقابل «قناة الأسرة إيه.بي.سي»، ومن المفترض أن المدفوعات الإضافية سوف تساعد «ديزني» على تغطية ما تتكلفه مقابل عروض شبكة «إيه.بي.سي». ولكن بمرور الوقت، وحيث إن هذه العقود مدتها ثلاثة أعوام في أغلب الأحيان، سوف تبدأ المزيد من الشبكات طلب مدفوعات من أجل المحطات التي تمتلكها. وتتفاوض الكيانات التابعة التي تحصل بالفعل على رسوم من أجل الحصول على المزيد من الأموال. وفي عام 2007، سحبت مجموعة «سينكلير الإذاعية»، التي تدير 32 محطة تابعة للشبكة في مختلف أنحاء البلاد، بثها لمدة شهر تقريبا من شركة «ميداكوم للاتصالات»، التي تقدم بثا تلفزيونيا كيبليا لنحو 1.3 مليون مشترك، موجودين بالأساس داخل مدن صغيرة. وربما تخسر «ميديا كوم» البث أيضا من الكيانات التابعة لـ«سينكلير» داخل أسواق كبيرة مثل: «دو مون» و«سيدار رابز» بولاية آيوا، بعد أن تعثرت مفاوضات بخصوص الرسوم يوم الاثنين، كانت تهدف الوصول إلى بديل لاتفاقية تنتهي يوم الجمعة. وقال توم لارسن، المتحدث باسم «ميديا كوم»، إن «سينكلير» تريد زيادة نسبتها 50 في المائة في الرسوم. وقال باري فابر، المحامي العام لـ«سينكلير»، إنه من غير المخطط إجراء محادثات جديدة. وتقول رابطة التلفزيون الكيبلي الأميركية إن أعضاءها، وهي بالأساس شركات تلفزيون كيبلي صغيرة، رصدوا ارتفاعا في تكلفة بث محطات تلفزيون محلية بمعدل تجاوز ثلاثة أمثال خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وقال مات بولكا، رئيس المجموعة، إن هذه الرسوم وجدت طريقها «مباشرة إلى جيوب المستهلكين» عبر فواتير كيبلية أعلى. وقد أخذت شركة «غانت»، على سبيل المثال، والتي تدير 23 محطة، 56 مليون دولار في صورة رسوم من مشغلي التلفزيون المدفوع خلال 2009 بعد التفاوض بشأن مجموعة جديدة من الاتفاقات، ويأتي ذلك بالمقارنة مع 18 مليون دولار في عام 2008. ويدافع ديف لوجي، رئيس الذراع الإذاعية في «غانت»، عن هذه الرسوم ويقول: «كانت الشركات الإذاعية متأخرة في اللعبة من ناحية بدء السعي وراء الحصول على قيمة سوقية عادة مقابل إشاراتهم».

ويقول محللون إن «سي.بي.إس» تمكنت من الحصول على ما يصل إلى 50 سنتا لكل مشترك خلال محادثاتها الأخيرة مع شركات التلفزيون المدفوع التي تبث محطات تمتلكها «سي.بي.إس». ويقول ليسلي مونف، رئيس «سي.بي.إس»، إن هذه الرسوم يمكن أن تضيف «مئات الملايين من الدولارات إلى العائدات بصورة سنوية».

وربما تكون هذه هي البداية فقط، حيث تطلب «سي.بي.إس» و«فوكس» نسبة في الرسوم التي تحصل عليها الكيانات التابعة لها، وتقول إن عروض الشبكات هي ما تعطي المحطات المحلية قدرة على طلب الحصول على رسوم. وبمرور الوقت، ربما تكون الشبكات قادرة على الحصول على المزيد من الأموال، عن طريق التخلي عن هيكلة الكيانات التابعة، وإبطال عنصر مهم في التلفزيون المجاني. والسبب في ذلك قيام شركات التلفزيون المدفوع بتقديم مدفوعات إلى الشبكات مقابل المحطات التي تمتلكها الشبكات. ويبلغ ذلك أقل من ثلث جمهور التلفزيون، وهو ما يعني أن الكيانات التابعة المحلية تعوض ثلثي الرسوم. وإذا عملت الشبكات كقناة كيبلية وأوقفت الكيانات التابعة، فربما تحصل الشبكات على رسوم مقابل جمهور التلفزيون المدفوع بالكامل. وإذا أجبرت الكيانات التابعة على أن تكون مستقلة، سيكون عليها أن تقدم برامجها الخاصة، وبما فيها الأخبار المحلية والبرامج؟ ويقول جامي ريزو، المحلل التابع لـ«فيتش راتينغز»، إنه على الأقل واحدة من الشبكات الإذاعية الأربع «ربما تدرس» أن تصبح قناة كيبلية بحلول 2011. وربما يستغرق أي تغير أعواما، في الوقت الذي تلغي فيه الشبكات عقودا معقدة للكيانات التابعة. وفي مؤتمر محللين عام 2008، قال مونفس، التابع لـ«سي.بي.إس» إن الفكرة «تمثل مقترحا مثيرا للغاية». ولكنه أضاف أن ذلك «سوف يغير العالم الذي نعيش فيه».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»