المحرر التنفيذي في «نيويورك تايمز»: الصحافة الإلكترونية تنمو والورقية تتراجع

بيل كيلر: تغطية قضية الشرق الأوسط تحد مرهق ومكلف وخطر على حياة المحرر

بيل كيلر («نيويورك تايمز»)
TT

أن تكون محررا تنفيذيا في صحيفة «نيويورك تايمز» فذلك يعني الكثير من اليقظة والانتباه لمجريات الأحداث على ثلاث دوائر، أولاها الدائرة الداخلية في المكان الذي تديره، ثم دائرة الأحداث المحلية، فدائرة الأحداث الدولية، مما يعني أن تخلد إلى النوم بعيون مفتوحة. هذه خلاصة تجربة المحرر التنفيذي في صحيفة «نيويورك تايمز» بيل كيلر، يطرحها عبر الحوار التالي:

* كيف ترى «النيويورك تايمز» المستقبل؟ - دائما ما يتردد هذا السؤال على الدوام، وقد فاقت الأسئلة المتعلقة بهذه القضية الأسئلة المطروحة في المجالات الأخرى في الرسائل الإلكترونية التي بعث بها القراء في أعقاب تولي جيل أبرامسون منصب مدير التحرير قبل أسابيع قليلة. المحررون التنفيذيون مسؤولون عن محتوى «التايمز» وليس أسلوب عملها. وهذا هو العمل الوحيد الذي أستطيع التفكير بشأنه، حيث يكون الأفراد الذين يقدمون المنتج بمعزل عن الأشخاص الذين يبيعون المنتج لحماية الصحافيين من تأثير المعلنين غير الملائم. وعلى مدار حياتي العملية كان الأمر يسير معي بصورة طيبة. علاوة على ذلك فالأسابيع الستة التي قضيتها في كلية وارتون قبل زمن بعيد زودتني ببعض حنكة عمل وارن بافت أو ستيف جوبس العملية، ناهيك عن تسليحي بالقدرة على التفكير المستقبلي. وككل الأفراد الذين يعملون في مجال الصحافة أو يحبونها، أنا قلق بشأن المستقبل وأتناقش بشأنه بشكل دائم مع زملائي وأشارك في وضع بعض التصورات بشأنه. وإذا ما سمح لنا بويد بقليل من التركيز على هذا الأمر لبدأت فيه على الفور. إلا أنني متفائل بشدة بشأن مستقبل الصحافة الجيدة و«النيويورك تايمز» على وجه التحديد. وأتوقع أن يستمر الأفراد في التقدم إلى وظائف كتاب الرأي بعد ذهابي. وقد أوضحت الأسباب الرئيسة وراء تفاؤلي في العديد من المناسبات ولا تزال هذه الأفكار تثبت مصداقيتها حتى اليوم. أولا.. هناك تناقص في الصحافة عالية الجودة على الرغم من تزايد الطلب. وأعني بالصحافة عالية الجودة ذلك النوع من الصحافة الذي يقوم فيه الصحافيون المجربون بالذهاب إلى مناطق الأحداث، ولقاء شهود العيان والتنقيب في السجلات وتطوير المصادر والتحقيق والتحقق المضاعف من روايات الشهود مدعومين في ذلك من قبل رئيس التحرير الذي يحاول تطبيق هذه المعايير. أنا أقصد بذلك الصحافة التي - برغم كونها غير تامة - تعمل جاهدة كي تكون جديرة بالثقة لتزودك بالمعلومات التي تحتاجها لأن تكون مواطنا مشاركا في الأحداث. توفير هذا النوع من الصحافة يتراجع لأنه صعب ومكلف وأحيانا خطر. أما الممارسون التقليديون لهذه المهنة - غالبا الصحف - غالبا ما يتضاءل حجمها أو تعلن إفلاسها. الازدهار الرائع لوسائل الاتصال التي أطلقها الإنترنت تحتوي على عدد لا نهائي من الأصوات الذين يطلعون على صحافة الآخرين. لكنهم ليسوا بالكثرة التي يمكن أن تقدم صحافة ذاتية خاصة. ومن ثم فهناك تضاؤل في الإمداد. والدليل الأكبر على هذا الارتفاع في الطلب هو نسبة الزيارات إلى المواقع الإلكترونية التي تقوم بعملية تحرير للأخبار المعتمدة على مصادر أخرى - هناك ما يقرب من 20 مليون زائر شهريا للموقع الذي تقرأه حاليا وهذا العدد يستثني المتابعين في الأنحاء الأخرى من العالم. فقانون العرض والطلب يشير إلى أن السوق سيجد طريقا لجعل الطلب يدفع مقابل التزويد بالخدمة. ثانيا، تحظى «التايمز» بالعديد من المميزات التي أكسبتنا بعض الوقت لنجاح هذا التحول. وككل العاملين في مجال الأخبار، ناضلنا ضد عدد من القوى، كان البعض منها متكررا (تحت اسم الأزمة الاقتصادية العالمية وهي قضية ضخمة تستلزم تغطيتها لكنها تجربة حزينة يمكن للمرء أن يعيشها) وبعض القوى البنيوية مثل هجرة القراء وعائدات الإعلانات إلى مواقع الإنترنت. لكننا مع ذلك تفوقنا على منافسينا. لحسن الحظ، لم نقم بتقليص عملية جمع الأخبار، كما فعلت العديد من الصحف، حتى نتمكن من تقديم التغطية الكاملة التي يتوقعها قراؤنا ولا نزال نملك القدرة البشرية على الابتكار. وقد انتقلنا مبكرا قبل الشركات الأخرى في تبني الإنترنت كجزء مكمل لعمليتنا في جمع الأخبار، لذا فإن موقعنا معروف على العموم بأنه بين المواقع الأفضل في تقديم الأخبار على الإنترنت وهو الأمر الذي يسهم في تفسير هذا الرقم الضخم من الزوار المترددين على الموقع والذي ذكرته بالأعلى. ونحن لدينا كم قراء للجريدة (متوسط أعمارهم دون الخمسين عاما) وقد زادت معدلات التوزيع بالفعل. كما أن لدينا علامة تجارية موثوقا بها تجذب كبار المعلنين على مستوى البلاد. ونحن نتبع عائلة تقدر وتدافع عن ما نقوم به. ولسنا بأي حال من الأحوال محصنين ضد الكساد الكبير أو الاضطراب في عالم الإعلام، لكننا آمنون بما يكفي لتطوير استراتيجية جيدة على المدى البعيد. الأمر الثالث أنني متفائل بسبب وجود عدد كبير من الأفراد المبدعين في هذه الشركة - وبعض المخلصين لـ«التايمز» خارج الشركة - يدرسون نمط العمل من أجل صحافة عالية الجودة وابتكار وسائل لتغييرها. وأعتقد أنه خلال العام أو العامين المقبلين ستضطر المؤسسات الصحافية إلى اتخاذ بعض القرارات الرئيسة بشأن دور المطبوعات الورقية في مواجهة الصحافة الإلكترونية وموازنة دخل الإعلانات مع عائدات الاشتراكات والمدى الذي ستتمكن من خلاله من الوصول إلى قراء بعينهم بدلا من السعي إلى الجميع بوجه عام وهكذا. لماذا لا نقوم بعملية تخفيض كبيرة في نفقات المطبوعات الورقية ومنشآت الطباعة والاعتماد على العائدات من الصحافة الرقمية؟ من ناحية، الكثير من الأفراد يحبون المطبوعات الورقية وهي تسهم بصورة كبيرة في تكاليفها. ومن ناحية أخرى فإن العائدات من الإعلانات على الإنترنت لا تكفي لدعم عملية جمع الأخبار. وربما يكون البعض قد قرأ التقرير الأخير الذي ذكر أن صحيفة «لوس أنجليس تايمز» تجمع ما يكفي من العائدات على الإنترنت لتغطية رواتب غرفة تحرير الأخبار وأنا لست مهتما بالاطلاع على الأرقام الداخلية لصحيفة «لوس أنجليس تايمز» لكن هناك عدد قليل من الأسباب التي تدفعنا إلى عدم الاحتفاء بذلك.

أولا، تعتبر الرواتب، على وجه التحديد، أضخم النفقات في غرفة تحرير الأخبار لكن هناك تكاليف رئيسة أخرى - في ميزانية غرفة الأخبار وفي الميزانيات الأخرى التي لا تعزى إلى غرفة تحرير الأخبار - والتي لا تختفي مع اختفاء الصحافة الورقية. هناك تكلفة المعدات - الحاسبات والكاميرات والهواتف إلخ. هناك أيضا مصاريف السفر والعقارات، حتى إن غرفة الأخبار غير المركزية يجب أن تعمل في مكان ما. وهناك تكلفة المكاتب الخارجية من بينها تكلفة الأمن في أماكن مثل بغداد وكابل. وفيما وراء غرفة الأخبار ذاتها هناك تكلفة مبيعات قسم الإعلانات وتكلفة المحامين الذين يتفاوضون على العقود ويساعدون في حماية المراسلين من السجن ونفقات الأفراد المحاسبين الذين يديرون المال ويقدمون إقرارات العائدات الضريبية ويشرفون على التوافق مع لجنة البورصة والأوراق المالية، ولن يختفي أي من ذلك لأنك إذا حدث ذلك فإنه يعني إيقاف نشر المطبوعة. ثانيا، لكي تصل إلى الرواتب الحالية كان على «لوس أنجليس تايمز» أن تخفض من أعداد العاملين بها، فقبل عدة سنوات كانت تمتلك عددا كبيرا من الصحافيين يكافئ الموجودين في «النيويورك تايمز»، وكانت تمتلك شبكة قوية نشطة من المكاتب الخارجية. أما الآن فقد تقلص عدد صحافيي «لوس أنجليس» إلى النصف وقامت بخفض كبير في عدد مكاتبها الخارجية. أنا أسمع عن ثقل هذه الصحيفة منذ أن كنت طالبا بالكلية في كاليفورنيا الجنوبية. وأعجبت بمحرريها الذين يحاولون تخطي الأزمة وما زلت أتابع تغطياتهم لكنها ليست كما كانت من قبل. ثالثا، الإعلان على شبكة الإنترنت، بعد أن نما بقوة كبيرة خلال عام 2008 تراجع خلال الربع الأخير من العام وتوقع الجميع أن يعود إلى سابق عهده بعد انتهاء الكساد لكن على المدى القريب على الأقل لن تكون الشبكة العنكبوتية طوق النجاة التي بدت عليه قبل ستة أشهر. هناك جدل لا نهائي بشأن استمرار الصحافة الورقية. فالبعض يقول بأن الصحافة الورقية ماتت والبعض الآخر يقول يجب أن يدفع القراء على الإنترنت ثمن ما يقرأونه وآخر يقول بأن القراء لن يدفعوا ووجهة نظر أخرى بضرورة حصول الصحف على منح مثل الجامعات. لكن علينا أن نتسلح ببعض الشكوك. فالحقيقة أننا لا نعرف كيف سيكون سلوك بعض القراء والمعلنين. ونحن لا نعلم فعلا، ونحن لا نعلم على وجه التأكيد كيف سنفصل بين عواقب الأزمة الاقتصادية الوخيمة من تحمل التغيرات في السلوك التي أثارتها التكنولوجيا الجديدة، وأعتقد أن علينا خلال العام أو العامين القادمين، أن ندرس كل خياراتنا بعقل متفتح وأن ندرس كل هذه الأمور المدروسة والقيام ببعض الخيارات الصعبة. وأتوقع أن يستمر عملنا في المستقبل القريب مزيجا من الصحافة الورقية والإلكترونية. مع نمو الصحافة الإلكترونية وتراجع الصحافة الورقية.

* هل يجب على «التايمز» أن تحصل على رسوم مقابل قراءة صفحاتها على الإنترنت؟

- كما يعلم غالبيتكم فقبل أعوام قليلة مضت قدمت «التايمز» خدمة الاشتراكات التي تدعى «تايمز سيلكت». ونحن نخفي مقالات كتاب الأعمدة وراء جدار حماية، وفرضنا رسم اطلاع على الأشخاص غير المشتركين في الصحيفة الورقية. وقد نتج عن هذا النظام إيرادات بلغت ما يقرب من 10 ملايين دولار سنويا، لكن الشركة رأت في النهاية إسقاط الجدار والسماح بفيضان المعلومات للسماح للزوار الآخرين بالدخول إلى موقع الصحيفة، وهو ما أسهم في الحصول على المزيد من أموال الإعلانات. بيد أن الدروس المستفادة من هذه التجربة لا تكمن في أن القراء لن يدفعوا لقاء المحتوى الإلكتروني. فالكثير من الأفراد في مجال الأخبار ومنهم أنا لا يشترون، من قبيل الاعتقاد بأن المعلومات تتطلب الحرية، بل لأن المعلومات الجيدة فعلا والمستقاة من مصادر موثوقة ومنظمة وواضحة تستحق أن يُدفع ثمن لها. وحتى الآن يدفع أغلب ثمن هذا المحتوى المعلنون لكن المناقشات الجادة والحيوية لا تزال جارية داخل «التايمز» بشأن طرق حمل المستهلكين على دفع ثمن مقابل ما نقدمه. هناك العديد من البدائل بشأن هذا الأمر لكننا نركز على ثلاثة خيارات. نموذج الاشتراكات. لم يكن نظام «تايمز سيلكت» هو الحل، لكن من الممكن أن نحجب بعض الموضوعات خلف الحائط، وربما يجب علينا أن نخفيها جميعا أو بعضا منها. فقد حددت كل من «وول ستريت جورنال» و«فاينانشيال تايمز» مناطق للدفع على موقعيهما على الإنترنت. وعندما اشترى روبرت ميردوخ «وول ستريت جورنال» تحدث بشأن جعل الموقع الإلكتروني مجانيا لكنه استحسن فيما بعد استمرار الخدمة عن طريق الدفع. ربما يكون نموذج «فاينانشيال تايمز» و«وول ستريت جورنال» نموذجا فريدا لأن غالبية قرائهما من المديرين التنفيذيين الذين يضيفون تكلفة الخدمة على حساب نفقاتهم بدلا من القارئ العادي الذي ينفق من ماله الخاص. النقاش الأكبر ضد الاشتراكات هي أنها قد تحد من عدد الزيارات التي يشهدها الموقع وهو ما يعني قلة الدخل. فالمحتوى المدفوع لا ينوى من خلاله ظهور البحث في محرك الإنترنت وهو ما يجعله أقل قابلية بالنسبة للمعلنين. إنهم لا يعلنون عن مكاسبهم ولو أنهم أعلنوا لأدركت أنهم يحققون مكاسب أقل منا بكثير. لكن إذا كانت الإعلانات قليلة - أو إذا ما تمكن مهندس محترف من فصل المحتوى المدفوع عن وظيفة البحث - فإن نمط الاشتراكات ربما يكون جديرا بالبحث. نموذج الدفع المصغر. والفكرة هي أن القراء قد لا يدفعون الاشتراك المخصص للموقع الإلكتروني، لكنهم قد يدفعون ملاليم قليلة كلما نقروا على الصفحة. ففي مواقع مثل «نابستر» ومواقع تحميل الموسيقى الأخرى يعتقد البعض أنهم لن يدفعوا أموالا مقابل تحميل الموسيقى. الصورة الثالثة هي أجهزة القراءة الجديدة. تحقق «التايمز» في الوقت الحالي قدرا لا بأس به من المال عبر بيع الصحف المحملة على أجهزة مثل كيندلر بالنسبة للمشتركين في خدمة «تايمز ريدر». تلك الخدمات تسمح للقارئ بتحميل الجريدة كاملة على جهاز لوحي. في حالة «تايمز ريدر» يكون التحميل مصمما خصيصا لتحميل الصور بصورة كاملة والرسوم والأمور الأخرى. وبعض الأفراد يدفعون مقابل «تايمز أون لاين» لكن العدد لا يزال قليلا حتى الآن.

* ما رأيك في النموذج غير الربحي؟ - عندما أفكر في ذلك، يتبادر إلى ذهني عدد كبير من أفضل أنواع الصحافة التي تحصل على إعانات بصورة أو بأخرى. فمحطة «بي بي سي» تحصل على دعم حكومي وكذلك الإذاعة العامة للولايات المتحدة التي تقوم على تبرعات المواطنين. كما تعاني صحف «وول ستريت جورنال» و«واشنطن بوست» من وطأة التراجع الكبير في الدخل، لكن أيا من الصحيفتين لم تعترف بخسارة المال، لكنها إذا ما وصلت في خسائرها إلى مستويات كبيرة فستكشف ذلك الشركات المالكة لها والتابعة للشركات الأم. وتعود «الغارديان» في لندن إلى ملكية شركة بريطانية كما أن صحيفة «سان بطرسبيرغ تايمز» في فلوريدا مملوكة لكلية صحافة، وكلا الصحيفتين أسسها أثرياء أرادوا للمطبوعات أن تدار للمصلحة العامة بدلا من المنفعة الخاصة. وقد أثار أحد التعليقات على صفحة الرأي الأسبوع الماضي إنشاء مؤسسة «نيويورك تايمز» كجامعة، عددا كبيرا من وجهات النظر التي وصلتنا في رسائل القراء. وأعتقد أن علينا دراسة أي فكرة واعدة بصورة جدية لكن هناك بعض العيوب في نموذج الصحافة الخالية من الربحية، أولها أن الهبات والمنح الخيرية، على الرغم من النوايا الصادقة، فإنها قد تشتمل على بعض الأهداف. وثانيها أن المنح لا تكون في مأمن خلال الأزمات الاقتصادية. وأعتقد أن المنافسة هي العامل الأفضل بالنسبة للصحافة. وقد يؤدي التباري على اجتذاب انتباه القارئ بالصحف إلى البحث عن الفضائح وسعار التغذية الصحافية الراجعة، لكنها أيضا تعمل كمحفز على التقارير وتأكيد دقة حقائقنا وتحليلاتنا.

* هل المصادر التي لا يذكر اسمها ضرورية؟ - المصادر السرية التي لا ترغب في الكشف عن أسمائها أداة حيوية ومجازفة خطرة بالنسبة للصحافيين. وغالبا ما تستخدم بصورة حذرة، وعادة ما يكون هناك اتفاق بإخفاء اسم المصدر ليسمح لنا باستقاء معلومات مهمة من الأشخاص الذين يخشون تعرضهم للعقاب من قبل أرباب عملهم أو المخاطر القانونية أو العواقب الأخرى. في الحالات الخطرة - يتبادر إلى ذهني تقارير زيمبابوي - فإن تسميتك لشخص ما تعني أنك تحدد هذا الشخص لكي يتعرض للاعتقال أو الموت. والكثير مما يعلمه العامة عن الأفعال غير الشرعية للمسؤولين أو الفساد أو التهديدات الموجهة ضد أمننا والحريات المدنية أو حول طبيعة العمل الفعلية للمؤسسات القوية في مجتمعنا تبدأ بمصادر لن تتحدث دون إجراء حمائي. وفي الوقت ذاته فإن الاعتماد على مصادر مجهولة يمكن أن يقوض من مصداقيتنا، وفي بعض الحالات النادرة أو البسيطة قد تغري بعض الصحافيين إلى سلوك ممارسات صحافية خاطئة. وسياسة «التايمز» تم تشديدها في أعقاب القبض على صحافي يزيف قصصا إخبارية في 2003، إلا أنه يجب على الصحافيين الضغط على المصادر لتسجيل تصريحاتهم. وأفضل المراسلين هم القادرون على كتابة بعض القصص الصحافية شديدة الحساسية بعدد بسيط من المصادر التي ترفض الإفصاح عن أسمائها - فكشف ديفيد بارستو على سبيل المثال لبرنامج البنتاغون بالتعاون مع «المحللين العسكريين» الذين يبدون كمحللين محايدين على شاشات التلفزيون، أو رواية كريس تشيفرز حول المزاعم بالتعذيب في الشيشان. ثانيا، يجب على رئيس التحرير أن يعلم هوية أي مصدر لم يكشف عن اسمه وأن يعمل على إضافة (أو حذف مواد من القصة) إذا لم يكن عدم الإفصاح عن السر غير مبرر. ثالثا، حيث توجد المصادر غير المعروفة يتوقع أن يقوم رؤساء التحرير بالتأكد من أن يكشف الصحافيون الكثير حول صحة المصدر وأي تحيز محتمل؟ وهل المصدر لديه دافع للتشهير؟ وكأي عمل كسول يرغب المصدر الذي لا يود الكشف عن اسمه في التأكد من أنه غير مراقب. لذا فمن الأفضل تحين التوقيت الصائب.

* هل يأسف المحررون التنفيذيون أو يندمون على أعمال قاموا بها؟ - أعتقد أنك لا تشير إلى الليالي التي أعود فيها إلى المنزل متأخرا، ولا أتمكن من أن أقرأ لأولادي قصص قبل النوم، أو كتابين لم أنجح في إنهاء كتابتهما. وربما يكون من السهل - على الرغم من عدم صحته - القول بأنني نادم على عدم الحصول على المال الكافي لتوظيف عدد كاف من الصحافيين الرائعين الذين يسعون إلى الخلاص من المؤسسات الصحافية الأخرى المنهارة. الصحافيون هم في عمل دائما ما ينتقدون فيه أنفسهم، الانتقاد أقررنا بذلك أم لا، فنحن ننتقد أنفسنا طوال الوقت، هل كانت هناك مكالمة هاتفية كان يجب علي القيام بها؟ هل علي أن أثق بهذا المصدر؟ وهل هذه هي الخطوة المثالية أو العنوان الصائب أو الصورة الصائبة؟ هل القصة تستحق أن توضع على الصفحة الأولى؟ في الصفحة الرابعة كل يوم ننشر بعض الأخطاء في صورة تصويبات. فكل كلمة خاطئة في التهجي، وكل حقيقة لم يتم التأكد من صحتها، وكل وقت فشلنا في أن نعطي شخصا ما هزة عادلة، تجعلني أجفل. وعندما نخطئ خطأ فادحا - بعض القصص الإخبارية الساذجة التي نشرتها «التايمز» خلال الإعداد للحرب على العراق على سبيل المثال - أصاب بالحزن على مصداقيتنا الثمينة. الأمر الأسوأ أنه حينما نفهم خطأ ثم نصر على التمسك بموقفنا - انتظرت عاما بعد تولي هذا المنصب قبل أن أكتب بشأن بعض ما قلناه بشأن أسلحة الدمار الشامل قبل الحرب - لا يخفف من حزني سوى حقيقة أننا نحاول، كقاعدة، أن نصحح أخطاءنا وأن نتعلم منها. بيد أنه لا يوجد شعور أسوأ في هذه المهنة من كونك خذلت قراءك. لذا بالطبع أندم، وقد ندمت أكثر من مرة. ولحسن الحظ أنها لا تقارن بالسعادة التي أنا عليها للعمل مع بعض من أكثر الأشخاص الموهوبين ذوي ضمير مهني متيقظ والشرفاء في عالم الصحافة. الكثيرون منكم تراودكم التساؤلات حول مهنة الصحافة - تلك التي أقوم بها أو بصورة عامة. مثلما الحال معكم، اتضح تعلقي بالعمل الصحافي للمرة الأولى أثناء دراستي الثانوية. ومنحني العمل في الصحيفة المدرسية فرصة الابتعاد قليلا عن المدرسين وأقراني من الطلاب، وطرح أسئلة جريئة، والإقدام من حين لآخر على كتابة مقال أثار غضب مسؤولي المدرسة. مع التحاقي بالجامعة وعملي في صحيفة الكلية، بدأت أنظر إلى عملي الصحافي بجدية أكبر. وفي الجامعة، كنت محظوظا بالتعامل مع بعض رؤساء التحرير من الطلاب الذين كانوا مدركين أن العنصر الأكثر أهمية لا يكمن في الكتابة أو الشعور بالاستقلالية، رغم أهميتهما، وإنما في الانضباط. في الواقع، يشكل الانضباط شرطا مسبقا لضمان الدقة والإنصاف، اللذين يعززان النزاهة بدورهما. للتأكد من أنك حصلت على الخبر بالصورة الصائبة، عليك تعلم الكتابة على نحو يتعارض مع تصورك، والعمل على تفحص الحقائق، وعدم الاكتفاء بالحديث إلى الأشخاص الذين من المحتمل أن يتفقوا مع الأساس الذي يقوم عليه تصورك، وإنما الحديث إلى من يختلفون مع وجهة نظرك أيضا. وإذا راودك شك حيال ما كان يعنيه شخص ما في حديثه، لا تخجل قط من معاودة الاتصال به للتأكد من حقيقة موقفه. وللتأكد من أنك حصلت على الخبر الصحافي في صورة محايدة وموضوعية، مثلما يفعل القاضي داخل المحكمة. إذا كنت تكتب موضوعا عن سيرة ذاتية لشخص ما، عليك أن تتخيل أن هذا الشخص الذي تكتب عنه هو أنت. وينطبق الانضباط على الكتابة أيضا. عليك الدخول في صلب الموضوع مباشرة، والتحلي بأقصى درجة ممكنة من الوضوح. وعليك حذف أي جزء لا يخدم الموضوع. وعليك ممارسة الكتابة يوميا، وإعادة الكتابة باستمرار. الملاحظ، أن الأفراد ينجذبون إلى الصحافة لأسباب كثيرة مختلفة، حيث يعشق البعض الكتابة، بينما يمتاز آخرون بالفضول وحب المعرفة، وتراود آخرين الرغبة في تغيير وجه العالم. ويرغب البعض في معاينة التاريخ، ويروق لآخرين رؤية أسمائهم مطبوعة في الصحف. من جانبي، أعتقد أنني أجمع بداخلي جميع هذه الدوافع، لكن أقواها كان دوما رغبتي في سبر أغوار الأشياء من حولي - بمعنى النظر إلى موقف معقد وإجراء تحقيق بشأنه ودراسته حتى يتولد لدي اعتقاد بأنني فهمته، ثم الشروع في شرحه وتفسيره بأفضل صورة ممكنة. وأعتقد أنني لو لم أعمل صحافيا، ربما كنت سأمتهن التدريس. وأعتقد أن الاعتقاد بأن المحرر التنفيذي يشكل العنصر الأهم في أي صحيفة صائب. لكن عندما كنت في سن صغيرة، لم يساورني هذا الاعتقاد. في الواقع، لقد عملت مراسلا طيلة 25 عاما، وأقسمت على ألا أتولى رئاسة تحرير قط، وذلك لاعتقادي حينها أن الجلوس خلف مكتب ومشاهدة أفراد آخرين يخرجون، بحثا عن قصص صحافية، ثم التدخل في الكلمات والألفاظ التي استخدمها الآخرون - لم أر عنصر جذب في هذا العمل. بقيت على هذه الحال حتى جاء وقت كنت أنجز فيه مهمة صحافية في جنوب أفريقيا عام 1995، عندما عرض علي رئيسي في «نيويورك تايمز» تولي منصب محرر الشؤون الخارجية. حينها أدركت أن القول بعدم الرغبة في تولي منصب محرر أمر، ووقوف المرء أمام فرصة قيادة أفضل فريق من المراسلين الخارجيين على مستوى العالم أمر مغاير تماما. وبمرور الوقت اتضح أن العمل التحريري كان صورة أخرى من مهمة العمل على الكشف عن كنه القضايا، التي كانت تشكل عنصر الجذب الأكبر لي بمجال العمل الصحافي. وكرئيس تحرير للشؤون الخارجية، بات بمقدوري نشر جيش من المراسلين والعمل معهم، ومحاولة فهم الكثير من الأمور في وقت واحد. في الفترة الراهنة، بجانب محاولتنا سبر أغوار مجموعة من الصراعات العالمية وتداعي الاقتصاد العالمي وسياسات الإدارة الجديدة في واشنطن، نحاول أيضا التعرف على مستقبل صحيفتنا من الناحية التجارية. بطبيعة الحال، تحمل مهنة الصحافة ضغطا عصبيا شديدا معها، ويرتبط جزء من هذه الضغوط بالعمل الجاد الذي نبذله لضمان أننا نعرض خبرا صحافيا بالصورة الصحيحة - وغالبا ما تقيد هذه الجهود بموعد زمني نهائي صارم. وينبع جزء آخر من المنافسة، وتنبع بعض الضغوط أيضا من الأشخاص الذين لا يروق لهم ما نكتبه، بجانب الضغوط الناجمة عن الأوضاع الاقتصادية السيئة. أيضا، هناك أنماطا من الضغوط يتعذر عليك تخيلها عند بداية التحاقك بالعمل الصحافي، مثل مرض من تعمل معهم، أو مرض أزواجهم أو أطفالهم أو أحد الوالدين. كما أن المراسلين الذين يعملون في مناطق خطرة يتعرضون لإلقاء القبض عليهم أو الاختطاف، بل وربما القتل. وقد عاينت شخصيا المواقف الثلاثة. أما السبيل للمرور عبر مثل هذه المواقف من دون أن تنهار معنوياتك أو تغلف القسوة قلبك فيتمثل في أن تحيط نفسك بأفراد صالحين يمكنك الاعتماد عليهم. وبفضل هؤلاء الناس، كان معظم الوقت الذي قضيته في هذه المهنة رائعا. من ناحية أخرى، فإن دعوتي لاختيار اللحظة المفضلة لدي خلال عملي الصحافي أشبه بأن يطلب مني أحد تحديد الطفل المفضل لدي من بين أبنائي. لذلك، أبقى عاجزا عن تحديد مثل هذه اللحظة. لقد كنت محظوظا بما يكفي لتغطية نبأ انهيار الشيوعية في الاتحاد السوفياتي ونهاية نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا.

* كيف يمكن ضبط السلوك السيئ للصحافي؟

- كثيرا ما يسأل البعض عن حوادث تتعلق بسوء السلوك الصحافي على نحو صارخ، مثل جيسون بلير، الذي اختلق عددا من المقالات الصحافية في «نيويورك تايمز» قبل أن يتم ضبطه متلبسا، وستيفين غلاس، مراسل «نيو رببليك». رغم أن الصحف بإمكانها، ويتحتم عليها، اتخاذ تدابير وقائية قوية، ليس هناك من سبيل يضمن تماما حماية أي صحيفة من وجود مراسلين مارقين في صفوفها. ليس بإمكانك التنصت على جميع المحادثات الهاتفية، أو إرسال جواسيس خلف المراسلين عند خروجهم إلى مهام خارجية. فيما يلي سأعرض عليكم بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها على هذا الصعيد، والتي نقوم بها جميعا بحماس داخل «نيويورك تايمز» منذ الحرج الذي سببته قضية جيسون بلير. ينبغي أن يحصل مسؤولو الصحيفة على وقت مناسب لاختيار الأفراد الذين يعينونهم، وتدريب العاملين في الصحيفة على أساليب تقصي الحقائق، وكذلك تنبغي مراقبة التصحيحات، وتوجيه اهتمام خاص للأشخاص الذين تتطلب أعمالهم تصحيحات على نحو متكرر، وضمان أنه عندما يقدم المراسلون أعمالا تعتمد على مصادر مجهولة، فإن مسؤول التحرير على علم بهوية المصادر، وتخصيص أفراد لمهمة مراقبة مستوى النزاهة الصحافية (داخل «نيويورك تايمز»، هناك محرر مسؤول عن الالتزام بالمعايير ومحرر عام)، إلى جانب خلق ثقافة تعطي الأولوية الأولى للمصداقية، والاعتراف بالأخطاء ومواجهتها (يذكر أن أكبر تحقيق حول تجاوزات جيسون بلير جرى داخل «نيويورك تايمز» ذاتها). الملاحظ أن الإبقاء على مستوى رفيع من الدقة والإنصاف زادت صعوبته في الوقت الحاضر، خاصة في ضوء إجراءات تقليص الميزانيات. إلا أن السبب الأكبر وراء ذلك يتمثل في الضغوط لنشر المعلومات سريعا على موقع الصحيفة الإلكتروني. ويعد هذا أحد أكبر التحديات التي نناضل في مواجهتها - كيفية إرضاء النهم الشديد المستمر لشبكة الإنترنت للحصول على معلومات فورية من دون التضحية بالنقل الدقيق للأخبار والتحقق من صحتها على النحو الذي يتوقعه قراء «نيويورك تايمز» من صحيفتهم. في الحقيقة، عملنا بجد من أجل إقرار مبدأ أخلاقي يمنح الأولوية الأولى لنقل الخبر الصادق عن المبادرة في نقله، وأعتقد أننا حققنا نجاحا كبيرا في ذلك، خاصة على شبكة الإنترنت. لكن هذا الأمر بحاجة إلى تيقظ وانتباه مستمر.

* هل بالضرورة أن يكون الصحافي دارسا لعلم الصحافة؟

- بالنسبة للكليات التي تخلق إمكانية لامتهان الصحافة في المستقبل، أعتقد أن هناك الكثير من السبل لدخول عالم الصحافة، وهي ليست مقتصرة إطلاقا على دراسة الصحافة كمادة أكاديمية. الواضح أن المهارات الضرورية للصحافة - من جمع وتفحص للمعلومات وتنظيمها على نحو يبدو منطقيا ووضعها في إطار مناسب وكتابتها على نحو واضح وموضوعي - يمكن تطبيقها على الكثير من الميادين، والعديد من المهن. إن تعلم الفنون الليبرالية يشكل بداية جيدة للانطلاق إلى عالم الصحافة، وكذلك الحال مع الدراسة المركزة بأي مجال يثير اهتمام المرء، سواء العلوم أو التاريخ أو الأدب أو القانون أو الفلسفة أو علوم الحاسب الآلي. إذا كنت تظن أن لديك ميلا لامتهان الصحافة، ليس من الضروري أن تختار كلية بها برنامج مكثف في الصحافة، وإنما ربما تجد من الأفضل الانضمام إلى كلية تصدر صحيفة جيدة. لذا، عليك بالبحث عبر شبكة الإنترنت عن مواقع الكليات التي تثير اهتمامك، أو تطلب من شخص ما إرسال أعداد من صحيفة الكلية. عندما تقوم بزيارة إلى الحرم الجامعي، عليك زيارة المكتب المعني بإصدار الصحيفة. وإذا كنت ترغب في القيام بدراسات متقدمة أو متخصصة بمجال الصحافة، هناك الكثير من الفرص على هذا الصعيد، خاصة أن العديد من الجامعات المتنوعة، مثل كولومبيا وستانفورد وجامعة مدينة نيويورك وجامعة تكساس المسيحية (تكساس كريستيان يونيفرسيتي)، تعمل على إعادة النظر في مناهج الدراسة الصحافية لديها وتعزيزها.

* ماذا يتعين على الصحافي أن يفعل إذا لم يتوفر لديه موضوع للكتابة، وهل يفضل المزاوجة بين العمل الصحافي ومهنة أخرى؟

- أرى أنه في هذه الحالة يتعين على المراسل الخروج من المكتب والتجول داخل الحرم الجامعي وخارجه، والاتصال بعضو في مجلس إدارة الكلية وتوجيه أي أسئلة تدور برأسه والإبقاء على عينيه مفتوحة طيلة الوقت. ويمكنه البدء بطرح أسئلة حمقاء، ثم الانتقال إلى أسئلة أذكى. وعليه تفحص موقع المدينة التي يعيش بها على شبكة الإنترنت. هناك 18.000 شخص في مدينة ألبرتا ليا، وكل واحد منهم يعلم قصة يمكنه سردها، فقط إذا كانت لدى المرء القدرة على استخلاصها منه. وفي الواقع، الصحافة لا تستثني بالضرورة جميع الأحلام الأخرى، ذلك أن بمقدور الصحافة التوافق مع الكثير من الأعمال والاهتمامات الأخرى. أعرف صحافيين يمتهنون بجانب الصحافة المحاماة وعزف البيانو وكتابة الشعر والروايات والطب. وأعلم أناسا قفزوا من مهنة الصحافة إلى التدريس والدبلوماسية والاستثمار المصرفي. إذا كانت لديك موهبة جمع المعلومات وتنظيمها واختبار صحتها وتفسيرها والقدرة على التشارك فيها مع آخرين عبر لغة واضحة - بل وربما جميلة - فإن العالم سيبقى به مكان لك، حتى ولو ماتت الصحف كلها، لا قدر الله.

* ماذا عن تحديثات موقع الصحيفة على الإنترنت؟

- ذكرني جيم روبرتس، مساعد المحرر الإداري الذي تولى الإشراف على النشاطات الإخبارية الرقمية، أننا قمنا بآخر عملية إعادة تصميم للموقع في أبريل (نيسان) 2006. بالنسبة لمقاييس الصحف، يعد هذا التحديث جديدا، لكن بالنسبة لشبكة الإنترنت، حيث تبدو الأمور وكأنها تتغير بسرعة البرق، تبدو السنوات الثلاث فترة طويلة للغاية. منذ ذلك الحين، كانت التغييرات تدريجية، لكنها كانت كثيرة، وعند النظر إليها على نحو إجمالي نجد، على سبيل المثال، أن الصفحة الرئيسة (ناهيك عن الموقع برمته) مختلف تماما عما كان عليه عام 2006. في الواقع، في اللحظة التي أكتب فيها هذه الإجابة يجري وضع مقطع فيديو في قمة الصفحة الرئيسة (حول قصة النازية)، وقد حرصنا على وضع مشاهد حية مصورة ورسوم متحركة وغرافيك تفاعلية باستمرار على صفحتنا الرئيسة. في يوم تنصيب الرئيس الجديد، سمعنا من كثير من القراء أن تغطيتنا الحية لاحتفال إدلاء الرئيس أوباما لليمين كانت أفضل وأكثر مصداقية عن مواقع شبكة الإنترنت الخاصة بقنوات «الكيبل». أثناء موسم الحملات الانتخابية، غالبا ما عرضنا خرائط بها بيانات معدلة باستمرار. وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من العقول الإبداعية في صحيفتنا التي يعود إليها الفضل في إبداعاتنا التفاعلية سبق أن أجابت عن أسئلة القراء عبر هذا المنبر أخيرا. وإذا كان لديكم فضول لمعرفة سر تفوق موقعنا على شبكة الإنترنت، فعليكم تفحص الموقع بأنفسكم، أو قراءة التحليل الرائع الوارد بشأنه في «نيويورك مغازين»، التي أشادت بالموقع باعتباره «ليس مجرد تقليد رديء للصحافة المطبوعة، وإنما صورة أرقى بكثير منها. وربما يعد هذا الموقع القصة المبهجة الوحيدة بعالم الصحافة». حسنا، ربما لا يكون الموقع القصة المبهجة الوحيدة، في اعتقادي، وإنما هو قصة مبهجة. حسنا، دعوني الآن أتباهى أمامكم بعدد من الأمور الأخرى، منها أن القراء أصبح في إمكانهم الآن النقر على زر «إكسترا تايم» (الوقت الإضافي) أعلى الصفحة لتظهر أمامهم حزمة من روابط إلكترونية ذات صلة بالأخبار الرئيسة. وفي جزء أعمق من الموقع، قمنا بإعادة تصميم الكثير من الصور المتحركة ونعرض حاليا مجموعة واسعة النطاق من عناصر الملتيميديا التفاعلية مثل مقطع حفل تنصيب الرئيس أوباما سالف الذكر. أمضينا بعض الوقت في مناقشة مسألة إعادة التصميم، ذلك أنه سيكون من الحمق عدم إلقاء نظرة ناقدة لما هو ناجع وما هو غير ذلك. إلا أنه بصورة عامة، نشعر بأن هذا الموقع حقق نجاحا هائلا، حيث يدخل إليه حاليا 20 مليون مستخدم، ما يعد قرابة ضعف عدد الزائرين وقت إجراء إعادة التصميم. الواضح أن عملية إعادة التصميم التي تجري من أعلى لأسفل تنطوي على تعقيد بالغ وتستنفد وقتا كبيرا. بوجه عام، نبحث دوما عن سبل لتحسين مستوى عرض تقاريرنا الصحافية، ومن المقرر أن ندخل بعض التغييرات قريبا على صفحات المقالات لدينا، والتي نأمل في أن يتمكن القراء من خلالها من الاتصال على نحو أفضل بالمواد السمعية والبصرية وغيرها المتعلقة بالقصص التي يقرأونها.

* ماذا عن «إنترناشونال هيرالد تريبيون» التي تعتبرونها حاليا نسخة دولية من إصداراتكم وتصدر في باريس وهونغ كونغ؟ - من المنتظر أن تنضم NYTimes.com وIHT.com هذا الربيع. ولا يعلم الكثيرون، بل ولا أتفهم أنا شخصيا الكثير بشأن التحديات الفنية والأخرى المرتبطة بالتصميم التي ينطوي عليها هذا المشروع، لكن النتيجة النهائية تتمثل في أن الموقع على الشبكة سيعرض على جميع المستخدمين، هنا وفي الخارج، مع إمكانية الاختيار بين صفحتين رئيسيتين، الأولى الموجودة بالفعل، وهي مصممة للتوافق مع جمهور محلي على نحو أفضل، وأخرى ذات طابع عالمي تتسم بتركيز أكبر على الأنباء العالمية وتحوي محتويات فريدة من «إنترناشونال هيرالد تريبيون». وسيتمتع القارئ بالقدرة على التنقل بين الصفحتين الرئيسيتين المحلية والعالمية بسهولة. ترقبوا هذا التعديل في نهاية مارس (آذار).

* هناك الكثير من الأحاديث تدور حول إهمالكم لتغطية أخبار وشؤون المدينة التي تنطلقون منها (نيويورك)، ما ردكم؟

- تستدعي الأمانة الاعتراف بأن صحيفتنا تقدم تغطية أقل للأخبار الخاصة بالمنطقة فيما وراء مدينة نيويورك، والألم الذي يشعره كثيرون لهذا السبب حقيقي، خاصة في ضوء اختفاء الصحف المحلية في كل مكان تقريبا تحت وطأة الضغوط الاقتصادية. ومع ذلك، تبقى «نيويورك تايمز» مهتمة بقوة بالأحداث الجارية في المنطقة المحيطة بنيويورك، حيث يعيش الكثير من قرائنا، ناهيك عن الصحافيين العاملين لدينا. ولا يزال بيتر أبلبوم يعمل بجد على بث الحياة في تناوله لهذه المنطقة في عموده الصحافي، سواء كان الموضوع الذي يتناوله التنقيب عن الغاز الطبيعي في نيويورك أو سباق لوتبرغ على مقعد مجلس الشيوخ أو دور الرياضة وكرة القدم داخل جامعة روتجرز. وقد اضطلعت آن برنارد ببعض العمل الجريء والمهم حول قضية قتل مهاجرين في لونغ آيلاند. وتناول باتريك مكغيهان وديفيد تشين المشكلات الاقتصادية العملاقة في بعض أجزاء نيو جيرسي. وتعمد ويني هو، التي تولت تغطية الشؤون التعليمية خارج حدود المدينة طوال عامين، بانتظام إلى البحث عن قصص مهمة وتناول شؤون المدارس الخاصة والعامة. وتعرض الأعداد الأسبوعية الإقليمية مواد حيوية، مع وجود قوي وطموح لها على شبكة الإنترنت. وتعمل تينا كيلي على استكشاف مدونة محلية في نيو جيرسي. وندعو القراء إلى إمدادنا باستمرار بأفكار ومقترحات جديدة. إلا أن الحقيقة تبقى أن «نيويورك تايمز» لم تتظاهر قط بأنها صحيفة محلية تخدم جميع المجتمعات الموجودة بالمنطقة. ولم تتوافر لدينا قط فيالق المراسلين اللازمة لتغطية جميع المدن وجميع أقسام الشرطة وجميع المدارس وجميع اتحادات الرياضة المحلية وما إلى غير ذلك. منذ تأسيس «نيويورك تايمز»، ركزنا اهتمامنا عل المؤسسات التي تؤثر على الغالبية العظمى من الأفراد، وقمنا بتغطية الشؤون الأخرى حال ظهور قصة مهمة. وبذلك يتضح أننا نوفر تغطية كبيرة لشؤون حكومة مدينة نيويورك، بما في ذلك نظام المدارس بها وقسم الشرطة وحكومة الولاية وهيئة النقل وهيئة الموانئ وما إلى غير ذلك. أما في باقي الأنحاء، فنعمل على التقاط أنباء من هناك وهناك، وليس بوسعنا عرض كثير من القصص والأنباء. ومنذ أمد بعيد، خاصة مع تحول «نيويورك تايمز» إلى صحيفة وطنية بحق، أصبحنا نعرف قراءنا على أساس ديموغرافي، وليس جغرافيا. ويتميز جمهور قرائنا بمستوى كبير من التعليم والفضول والتعاون والنجاح، ويبدي اهتماما بشؤون العالم والقضايا التجارية والاقتصادية والسياسية والفنون والعلوم والتعليم وأخبار المشاهير والرياضة والموضة. ويتوافر الكثير من أمثال هذا النمط من القراء في نيو جيرسي وكونيكتيكيت ولونغ آيلاند وهودسون فالي.

* هل تعتزمون تبني اتجاه فرض رسوم على قرائكم لمحتويات الصحيفة على شبكة الإنترنت؟

- الملاحظ أن قضية فرض رسوم على قراءة محتويات «نيويورك تايمز» على شبكة الإنترنت أثارت رد فعل قويا، خاصة من جانب من يرون أن الصحيفة على درجة بالغة من القيمة لا تسمح بفقدانها، ومن على قناعة بأن نموذج دفع أموال مقابل الاطلاع على المحتوى سينجح. وتلقينا أكثر من عرض من قراء يريدون دفع رسوم طواعية. وعلى الصفحة الرئيسة لمجلة «تايم» ظهر والتر إيساكسون، رئيس التحرير الإداري السابق للمجلة، والذي انتقد اعتماد موقعنا على شبكة الإنترنت على عائدات الإعلانات فقط، مشيرا إلى أن الجزء الأكبر من هذه العائدات يتجه إلى فئات لا صلة لها بخلق المحتوى. يدعو والتر الذي كان على رأس مؤسسة «تايمز» عندما أنشأت بوابتها الإلكترونية «Pathfinder.com» في 1994، إلى تقديم خدمة خبرية عبر تطبيقات الـ«آي تيونز» بمصروفات ضئيلة. ولكنني أختلف معه حول بعض الأشياء التي وردت في مقالته؛ فهو معجب للغاية بنموذج الاشتراك بصحيفة «وول ستريت جورنال» الإلكتروني ويعتبره أحدث توجهات عالم المال والأعمال المعاصر. ولكنني أعتقد أن قرار روبرت ميردوخ بعدم ترك الموقع الإلكتروني للصحيفة مجانيا بعدما اشترى الصحيفة كان يعود إلى عدة عوامل أخرى، فالاشتراكات في الموقع الإلكتروني للصحيفة كان يتم إردافها بالاشتراكات في الصحيفة المطبوعة. وبالتالي فإن ترك الموقع الإلكتروني للصحيفة مجانيا كان ليضر بتوزيع الصحيفة المطبوعة ويؤثر على عائدات الإعلانات. وبالطبع، لا تنشر أي من مؤسسة «نيوز كورب» لروبرت يمردوخ، أو «نيويورك تايمز» التفاصيل المالية المتعلقة بمواقعهم الإلكترونية ولكنني أعتقد أن «وول ستريت جورنال» تأتي بعد «التايمز» فيما يتعلق بالانتشار الإلكتروني، كما أنني أستطيع أن أؤكد أنها تأتي بعدها في مجمل العائدات كذلك. والأهم من ذلك، فإن والتر لم يتعرض إلى أزمة حقيقية فيما يتعلق بأزمة نماذج السداد، وكيفية منعها من عرقلة معدلات تصفح الجريدة خاصة معدلات التصفح التي تتم من خلال استخدام محركات البحث؛ وهي التي ربما تكون قد تسببت في تنفير المعلنين من نشر إعلاناتهم على الموقع الإلكتروني. وذلك لا يعني أنني أقول إنها مشكلة بدون حل ولكنني فقط أقول إنها مشكلة لم يستطيع أي أحد في حدود علمي حلها حتى الآن. وبالمناسبة، فقد استمتعت إلى حد كبير بصورة فوتوغرافية نشرتها «التايمز» على غلافها كانت تحمل سمكة تم لفها بصحيفة «نيويورك تايمز»، للتذكير بالاستخدامات المتعددة للصحيفة الموائمة للبيئة والتي ما زال على الموقع الإلكتروني مواكبتها. صناعات فنية ورقية، وتغليف الهدايا. هل حاولت قبل ذلك أن تقوم بتغليف قفص عصافير بموقع «غوغل» الإلكتروني؟ وكانت «نيويورك تايمز» تتقاضى أجرا من خلال مواقعها الإلكترونية (بعد رحيل والتر) ولكن الأمر جاء بعكس النتائج المرجوة، وبالتالي توقفت عن تقاضي تلك المصروفات؛ حيث إنك يمكنك قراءة مقال والتر بالموقع الإلكتروني «Time.com» وتوفير المصروفات التي تبلغ 4.95 دولار.

* المصادر المجهولة للأخبار قد تضع العديد من نقاط الاستفهام حول المادة الصحافية المقدمة للقراء، ما رأيكم؟

- أعتقد أن توجس العديد من القراء من المصادر المجهولة يرجع إلى اعتقادهم بأن الصحيفة يتم استغلالها لخدمة أغراض خفية. ولكننا عندما نكون مضطرين لإخفاء هوية المصدر، فإننا نحاول تخفيف المخاطرة من خلال بذل أقصى جهودنا لتوضيح مصداقية المصدر للقارئ (فهل هو على إطلاع مباشر على المعلومات أم لا؟) كما أننا نحاول الإشارة إلى دوافعه كذلك.

وفيما يتعلق بما أطلق عليه الأستاذ بلوتستاين «المصادر الملوثة» – المصادر التي ترفض الإفصاح عن هويتها لكي تتمكن من الكذب أو التضليل - أعتقد أن معظم الصحافيين يمكنهم تخيل أحد المواقف التي استبعدوا فيها أحد المصادر لأنه أخبرهم بمعلومات مضللة لأغراض خبيثة. فإذا ما تعمد أحد السياسيين ذكر معلومات مضللة حول خصمه فإنه يكون قد انتهك الاتفاق الذي نخفي بمقتضاه هويته، كما أنه يكون في الوقت نفسه قد أشار بدون قصد إلى هويته وفي أغلب الأحيان يكتشف جمهور الناخبين ذلك. ولكنني أعتقد أيضا أن معظم الصحافيين يفضلون التعامل مع كل حالة على حدة؛ فعلى سبيل المثال، قال دايفيد بارستو، أحد أهم وأقوى الصحافيين المحققين لدينا الآتي عندما طرحت عليه أسئلة الأستاذ بلوستاين.

إن مشكلة ذلك النوع من الأسئلة هو أنه يفترض أن الحقيقة تنحصر في اللونين الأبيض والأسود وأن العالم ينقسم إلى حقيقة أو كذب، وأن المصادر يحركها إما دوافع نقية للغاية أو نوايا مغرضة تماما. ولكن الحقيقة تقع دائما في منطقة غائمة بينهما؛ وإذا ما بحثت بما يكفي فسوف تكتشف وجود عدد متنوع من الحوافز؛ بعضها طيب وبعضها شرير.

وذلك حيث إن المعلومات التي تقدمها المصادر، التي تأتي على شكل وثائق أو حتى نكات تعمدوا تمريرها تؤدي إلى مصادر أخرى، تأتي في أشكال متعددة وتكون في أغلب الأحوال إعادة تجميع للأحداث سواء القريب منها أم البعيد. وربما يكون بعض ما قالوه صحيحا، وربما يكون بعضه خاطئا، وفي بعض الأحيان يكون بعضه مجرد تفسير للحدث. كما أن بعض المعلومات الخاطئة يتم تقديمها بحسن نية، فيما تقدم أحيانا بعض المعلومات الصحيحة على نحو انتقائي. وأعتقد أن مهمتنا هي أن نصغي لتلك المعلومات، ثم نحصل عليها ونقيمها بعناية. كما يجب علينا أن ندرك وجود تشابك كبير بين الناس ودوافعهم، وأن نتوقع أن يكون جزء من المعلومات التي نأخذها من مصادر مجهولة ليس صحيحا أو على الأقل ليس صحيحا تماما. والأهم من ذلك، أن نحرص على أن ما ننشره لا يعتمد فقط على مصادر مجهولة للمعلومات.

وإليك نموذجا واقعيا على ذلك، فبعدما انسحبت كارولين كيندي من التنافس على مقعد مجلس الشيوخ الشاغر بنيويورك، أخبر أحد الأشخاص - الذي ذكرنا أنه أحد المقربين إلى الحاكم - الصحافيين بأن الحاكم باترسون لم يصدق على ترشيحها، لأسباب تتعلق بالضرائب والمربيات. وكان ذلك غير صحيح على الإطلاق. وفي هذه الحالة لم تذكر «نيويورك تايمز» أو غيرها من المطبوعات اسم المصدر لأنه كان يبدو مقتنعا بما قاله. وعندما تعقبنا تلك المعلومات اكتشفنا أنها تعود إلى خبير الاتصالات الرئيسي للحاكم؛ المستشار غوديث سميث. وكشفنا عن ذلك مباشرة قبل بداية حملة الشائعات حيث كان ذلك المستشار قد التقى بالحاكم. وبدون الكشف عن المصدر الأصلي الذي ربما يكون مجرد وسيط فإننا نكون قد سمحنا بنسبة تلك المعلومات المغلوطة إلى الحاكم.

ومن الأمثلة على ذلك الاستغلال؛ تعمد أحد المسؤولين إخفاء هويته لكي يطلق بالون اختبار. وعادة ما يتم نشر مثل تلك الأخبار بصيغ مثل «ينظر الرئيس في» أو «أوصى مساعدو الرئيس باتخاذ إجراء ما». وبالتالي فإن ذلك الخبر يحمل جانبا من الحقيقة وهو المتعلق بأن الرئيس ينظر في تلك القضية بالفعل ولكن جزءا من تفكيره في تلك القضية يتعلق بترويج تلك الفكرة من خلال وسائل الإعلام لكي يستطيع رصد رد فعل المعارضة تجاهها. وبالرغم من أنني أعتقد أن دور الصحافة في مثل تلك الحالات ليس ضارا فإننا يجب أن نترك القارئ يشارك في ذلك؛ بأن نجعله يعرف أن ذلك ليس سبقا صحافيا حول أحد القرارات المتوقع صدورها بل إنه احتمال مطروح يتم اختباره من خلال أحد التسريبات.

وفيما يتعلق بمسألة «الخبراء». أعتقد أن ذلك المصطلح يحمل في طياته مخاطر ومزايا في الوقت نفسه. فمن مميزاته؛ أنك تريح القراء من أن يتحملوا سلسلة من شهود العيان الذين يكررون الشيء نفسه واحدا تلو الآخر؛ وذلك حيث إن القصص الصحافية طويلة بما يكفي. بالإضافة إلا أن الصحافي الحذر لا يستخدم تعميمات على لسان الخبراء ما لم يكن هناك إجماع حقيقي. ولكن الخطورة تكمن في أن القراء ربما يتشككون في أن الصحافيين ينتقون نماذج محددة، أو الأسوأ من ذلك هو أن يتشكك القراء في أن الصحافيين قد اختاروا الخبراء الذين تتوافق آراؤهم مع المحرر.

وبالتالي فإن فكرة تحديد هوية الخبراء على الموقع الإلكتروني – توضع في هوامش الموضوع - هي فكرة عبقرية ولكنه جهد إضافي بالنسبة للصحافيين والمحررين الذين يبذلون بالفعل جهودا حثيثة. وبعيدا عن ذلك، أعتقد أنه من الضروري أن تتحرى الدقة (فلا تقل الخبراء إذا كنت تقصد بعض الخبراء أو إذا كنت تقصد الخبراء الذين يميلون إلى آراء «فرويد» أو «الخبراء المحافظين»)، وألا تضيف آراء بعض الخبراء باعتبارها آراء قاطعة إذا لم يكن هناك إجماع على ذلك الرأي، كما يجب عليك ذكر ميول الخبراء الذين استعنت بهم وتحديد أسمائهم.

* أيضا، ماردكم على من يتهمون الصحيفة بالانحياز لبعض القضايا على حساب أخرى؟

- دائما ما كانت الكلمات اللينة - والعطوفة، والمخلصة - تخفق في إزالة غضب الذين يعتقدون أن «التايمز» منحازة لأحد الاتجاهات؛ أو بأن صحافيينا منحازون إلى أحد الاتجاهات، وأن الصور التي ننشرها هي جزء من حملة لتشويه سمعة إسرائيل أو لتحقيق مآرب بعض الجماعات اليهودية. وقد كتب زميلنا إيثان برونر الذي كان يغطي أخبار الشرق الأوسط لأكثر من 25 عاما والذي يعمل حاليا كمدير لمكتبنا في القدس مقالا رائعا في قسم التحليلات الأسبوعي يوم الأحد قبل الماضي حول الغضب الذي يحيط بمحاولتنا لتغطية الصراع في غزة على نحو شامل وعادل. ويفسر المقال – الكلمة اللينة لصحافي حي الضمير - كيف يمكن لحرب الكلمات أن تقف حجر عثرة أمام محاولات الصحافي للتعليق - أو محاولات الرئيس الجديد للتوسط - على ذلك الصراع بطريقة يمكن أن يقبلها الطرفان ويعترفا بأنها عادلة. وأدعوكم لقراءة ذلك المقال.

وقد أجابت جيل أبرامسون مدير تحرير قسمنا الإخباري عن العديد من الأسئلة المشابهة في حوارها الإلكتروني مع القراء خلال الشهر الماضي. كما أن محررنا العام كلارك هويت قد أدلى بدلوه فيما يتعلق بموضوع التوازن في الشرق الأوسط في 11 من يناير (كانون الثاني) وبشأن استخدام مصطلح «الإرهابي» يوم 13 ديسمبر (كانون الأول). وفيما يتعلق بمتى يمكننا أن نطلق على إحدى الجماعات الإرهابية مصطلح الإرهابي من عدمه أنصح بقراءة المذكرات التي كتبها جيمس بنيت الذي يعمل حاليا كمحرر بـ «أتلانتيك» بعدما أنهى فترة رئاسته لمكتب «التايمز» في القدس في عام 2004.

وقد ذكر السيد هيوت جزءا منها في عموده الذي كان يدور حول الموضوع نفسه ولكنني وضعتها في أرشيفنا وبالتالي يمكنك قراءة المقال بأكمله هناك. وبالطبع لا يمكنني الإضافة إلى مقال إيثان أو إلى مذكرة جيمس. وأعتقد أنك سوف تنبهر بعمق الأفكار وبالإرادة الطيبة حتى إن لم تتفق مع كل ما جاء بهما. ولكنني سوف أستغل المساحة هنا لكي أضيف بعض الملاحظات الشخصية حول المهمة الأكبر للصحافة كما نحاول أن نمارسها في «نيويورك تايمز». أولا، فيما يتعلق باللغة، فإن الكلمة هي أداتنا الأولى في تلك المهنة، ويمكننا استخدامها لنقل المعلومات وتفسيرها، كما يمكننا استغلالها للإثارة والإرضاء. وكانت صحافة التابلويد تستخدم لغة خاصة - بطل، سفاح، معتوه - والتي لا تستهدف عقول قرائها أو حتى قلوبهم بل تستهدف أمعاءهم. ومع مرور الوقت، جعل ذلك الاستخدام غير الأخلاقي للغة الساخنة والصفات البذيئة كلا من اللغة والعملاء شيئا رخيصا. وهو بلا شك أمر مهين للقراء؛ فهم يخبرونك بما يجب عليك اعتقاده وهو ما يحمل اتهاما ضمنيا لك إما بالغباء أو بافتقارك للحساسية التي يقتضيها إصدارك للأحكام بمفردك. ولكنني أثق بأن قراء «نيويورك تايمز» أذكياء بما يكفي. كما أن تلك الكلمات يمكن أن تصبح مؤشرا حقيقيا على النجاح أو الفشل أو المفتاح الذي يقودك لكي تبني إيمانك بقضية ما. حيث إن وصفك لأحد رجال السياسة بأنه «ليبرالي» أو «محافظ» (رغم أن تلك الأوصاف غير دقيقة) بشكل عام أمر محايد، ولكن وصفك للسياسي بأنه يساري أو يميني ربما يكشف معلومات عنك أكثر مما يكشف عن السياسي الذي تصفه، فهو يفصح على نحو ما عن هويتك. وبالتالي فإذا ما عدنا إلى الشرق الأوسط: فيمكنك أن تكتب حول عملية انتحارية نفذتها حماس في أحد المطاعم واصفا إراقة دماء الأبرياء في مثل ذلك الحادث المأساوي بطريقة مؤثرة يمكنها إثارة الغضب حتى في أكثر القلوب قسوة ولكن بالنسبة لبعض القراء فإن عدم استخدامك للفظ «إرهابي» في ذلك التقرير يجعلك تبدو وكأنك تحاول تبرئة إبليس من آثامه. ومما لا شك فيه أن الشخص الذي يرتكب عملا مرعبا إلى هذا الحد هو إرهابي يقترف فعلا إرهابيا ولا يوجد ما يمنعنا عن أن نقول ذلك. ولكن استخدام الكلمة لا يضيف أي شيء إلى ما نفهمه بالفعل. فهو لا يضيف معلومات. وإذا ما أضفناها لأن بعض القراء يريدون ذلك لأصبحت تلك الكلمة كلمة السر أو الإشارة - من وجهة نظري هي إشارة استعلائية - إلى كوننا منحازين. هل إطلاق الصواريخ على المدنيين الإسرائيليين عمل إرهابي؟ نعم، حتى إذا أطلقت عليه حماس «رد فعل»؛ فالصواريخ التي أطلقتها كانت تعتزم القيام بعمل إرهابي. وليس لدينا قواعد تعوق أن نقول ذلك، وقد قلناه بالفعل. ولكننا نتجنب استخدام المصطلح بطريقة آلية وكأنه نشيد أخلاقي أو تصريح له دلالات سياسية. هل حماس هي جماعة إرهابية؟ حسنا، إن الإجابة عن ذلك السؤال ليست بهذه البساطة. وبالطبع فإن الإجابات المركبة ليست لها شعبية في أرض الوضوح الأخلاقي؛ فبالرغم من أن حماس ترتكب أفعالا إرهابية، فإنها في الوقت نفسه منظمة سياسية (فقد دافعت عن إجراء الانتخابات في غزة). كما أنها منظمة عسكرية تشن حربا بوسائل أكثر تقليدية من القنابل الانتحارية والصواريخ الإرهابية. كما أن حماس مؤسسة خيرية، وهو ما كان سببا في جانب كبير من شعبيتها؛ نظرا لمساندتها للفلسطينيين الذين يعانون. وبالتالي فإننا إذا ما وصفنا حماس بأنها «منظمة إرهابية» فإننا نتخذ موقفا محددا وننحاز لإحدى وجهتي النظر (بما فيها وجهة نظر الحكومة الأميركية) ولكن ذلك تبسيط مخل حيث إنه يختصر حماس إلى عنصرها السيئ. كما أنه يفتقر إلى الحياد السياسي على الأقل بشكل ضمني، حيث إن نعت حماس بأنها منظمة إرهابية يقول إنه لا مكان لها على طاولة المفاوضات. ومن جهة أخرى، فإنه لا يجب علينا - ولن نقوم - بتضخيم الأشياء التي تقوم بها حماس ولكن في الوقت نفسه فإن الصحافة التي تشير إلى حماس ببساطة باعتبارها «منظمة إرهابية» هي صحافة فقيرة.

وثانيا، فيما يتعلق بالتوازن. تعتمد العديد من الرسائل التي نتلقاها وبعض «الدراسات المستقلة»، التي تزعم أنها تكشف الانحياز الإعلامي، على معايير غير دقيقة ومثيرة للجدل ولا تتفق مع قواعد العلم أو الصحافة؛ فهم مثلا يقومون بحساب بعض الأشياء مثل عدد الأقوال الموالية لإسرائيل في مقابل عدد الأقوال الموالية لفلسطين، بغض النظر عن محتوى تلك الأقوال أو حجمها والسياق الذي جاءت فيه، بالإضافة إلى موقع الصور وحجم الأعمدة المخصصة لجنازات الفلسطينيين في مقابل جنازات الإسرائيليين وما إلى ذلك. ويرصد كلارك هويت ذلك على نحو شامل في عمود يناير (كانون الثاني). ومما لا شك فيه أننا نحاول أن نلتزم بالتكافؤ في المساحات، ويعتقد السيد هويت أننا ناجحون إلى حد كبير في ذلك. وبصفة عامة فإنني أعتقد أن التوازن يعني أن نحاول في كل قصة خبرية تلو الأخرى أن نفرق بين الحقيقة والزعم وأن نضع الأحداث في سياقها وأن نحاول تقديم صورة أكثر شمولا دون انحياز لأحد الطرفين. كما يعني التوازن أننا نزود القارئ بكل ما يحتاج إلى معرفته لكي يتوصل بنفسه إلى حكم خاص.

وثالثا، وفيما يتعلق بالدوافع. ربما يكون مزعجا بالنسبة لنا أن نسمع الانتقادات الموجهة لنا والانتقادات الموجهة لتحليلنا للأحداث ولكن ذلك جزء طبيعي من عملية الأخذ والعطاء التي نمارسها مع قرائنا. ولكن أكثر الأشياء تثبيطا للعزيمة فيما يتعلق بهذه المناقشة هو الافتراض - ليس من قبل معظم القراء ولكن من قبل الأقليات ذات الصوت العالي التي انغلقت عقولهم على اعتقادهم بأنهم محقون - بضعف الإيمان والتعصب، بل وحتى بالتآمر. وقد حشدت مقالة إيثان برونير بعضا من رسائل الكراهية المرتبطة بتلك المهمة، وتجنب أكثرها خطورة. وتعد تغطية قضية الشرق الأوسط عملا مرهقا ومكلفا عاطفيا ويمثل تحديا فكريا وربما يمثل خطورة على حياة المحرر. ويتوقع المحررون الذين يقومون بهذا العمل أن يتم انتقادهم ولكنهم لا يستحقون تشويه سمعتهم.

وأخيرا، أقول لكم قبل أن أنهي أسبوعي كرئيس للمدونين: أعتقد أن تغطيتنا للصراع الأخير في غزة - التي قام بها السيد برونير، ورئيس مكتب القدس السابق ستيف إرلانغر ومحررتنا العظيمة في غزة، تغريد الخضري، وصحافي بالقدس إيابيل كرشنر ورئيس مكتبنا في اسطنبول سابرينا تافرنيس ومصورنا تايلور هيكس ومويسيس سامان ورينا كاستلنوفو - كان عملا مذهلا. فقد كان مليئا بالحيوية والأمانة والعمق والتحليل. كما أنه كان متوازنا بذلك المعنى الذي حددته قبل ذلك. ولكنه كان في الوقت نفسه عملا خطرا؛ فقد منعت إسرائيل الصحافيين الأجانب بمن في ذلك صحافيونا من دخول غزة لعدة أيام. وبالتالي فقد كنا محظوظين لأننا لدينا بالفعل تغريد الخضيري داخل غزة والتي كانت شاهد عيان على الدمار الذي تسببت فيه الأسلحة الإسرائيلية وحقيقة أن حماس كانت تطلق الصواريخ على إسرائيل من داخل أحياء مدنية. ومن أفضل التقارير التي قدمتها لنا، كان ذلك التقرير الذي ظللت أفكر فيه لعدة أسابيع وهو مواجهتها المختصرة والمثيرة من صفحة واحدة مع الجهادي الفلسطيني المجروح الذي ذهب إلى مستشفى مزدحم طالبا أن تتم معالجته أولا ومعلنا أنه يجب على المدنيين أن يسعدوا بأنهم استشهدوا دفاعا عن قضيته. وقد تضمنت التغطية تقارير مكثفة حول إراقة الدماء في كل من غزة وإسرائيل والتحليل المكثف للحسابات السياسية لكلا الجانبين والتحقيقات غير المنحازة لبعض المزاعم (بما في ذلك الاتهامات التي توجهها بعض جماعات حقوق الإنسان حول أن إسرائيل قد ارتكبت جرائم حرب) وعندما أوقفت إسرائيل وحماس في النهاية إطلاق النيران لم يتوقف صحافيونا عن متابعة النتائج. حقا، يجب أن يفخر صحافيونا بجهودهم. وأنا شخصيا فخور بهم للغاية.

* بيل كيلر.. سيرة ذاتية

* قبل أن يصبح بيل كيلر محررا تنفيذيا في يوليو (تموز) 2003، كان كاتب عمود في صفحة الرأي وكاتبا بارزا في مجلة «نيويورك تايمز» بالإضافة إلى أقسام أخرى داخل الصحيفة منذ سبتمبر (أيلول) 2001. وعمل مديرا للتحرير من 1997 حتى سبتمبر (أيلول) 2001 بعد أن عمل محررا للشؤون الخارجية داخل الصحيفة في الفترة من يونيو (حزيران) 1995 حتى 1997. وكان رئيس مكتب «نيويورك تايمز» في جوهانسبرغ من أبريل (نيسان) 1992 حتى مايو (أيار) 1995. ومن ديسمبر (كانون الثاني) 1986 إلى أكتوبر (تشرين الثاني) 1991، كان كيلر مراسلا لـ«نيويورك تايمز» في موسكو، وعمل رئيسا للمكتب خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة له هناك. وفي عام 1989، حصل على جائزة «بوليتزر» في الصحافة بسبب تغطيته للأحداث داخل الاتحاد السوفياتي السابق. وانضم كيلر إلى «نيويورك تايمز» في عام 1984 كمراسل مختص بالشؤون الداخلية في مكتب واشنطن. وقبل الانضمام إلى «نيويورك تايمز»، كان كيلر مراسلا في «دالاس تايمز هيرالد» و«التقرير الأسبوعي» الذي تصدره «كونغريشن كوراترلي» في واشنطن و«بورتلاند أوريغونيان». وتخرج كيلر في كلية بومونا وحصل منها على درجة الليسانس عام 1980، وهو عضو في مجلس أمناء الكلية.