تجمدت الحكومة ولم تقدر الصحف على التوزيع

هجوم جليدي تاريخي

عامل يستخدم آلة لإزالة الجليد من أمام البيت الأبيض في واشنطن أمس (إ.ب.أ)
TT

خلال أسبوع واحد، اجتاحت الولايات المتحدة، وخاصة الولايات الشمالية والشمالية الشرقية، عاصفتان جليديتان تاريخيتان. لم تكن أي واحدة من العاصفتين الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة. لكن، أولا، لم تتعاقب عاصفتان كبيرتان خلال أسبوع واحد. وثانيا، لم تغلق الحكومة الفيدرالية في واشنطن أبوابها لأربعة (ربما خمسة) أيام بسبب الجليد.

لهذا، صار خبر الشلل الذي أصاب واشنطن أهم من خبر الجليد.

وفي تاريخ صحيفة «واشنطن بوست»، الأولى في العالم تخصصا في أخبار الحكومة الأميركية، لم يحدث أنها أهملت هذه الأخبار، ونشرت عناوين عن الطقس في صدر صفحاتها الأولى، لخمسة أيام على التوالي:

السبت: «توقع عاصفة جليدية كبرى».

الأحد: «فوضى تاريخية».

الاثنين: «الحفر للخروج من تحت الجليد».

الثلاثاء: «الاستعداد لهجوم جليدي جديد».

الأربعاء: «العاصفة تختبر المواصلات والصبر».

ربما ستنشر يوم الخميس عنوان «استسلمنا!» يوم الثلاثاء، كتبت افتتاحية عنوانها: «غرقنا في الجليد: هل كل هذا ما تقدر عليه عاصمة البلاد (والعالم)؟» وقالت: «نقدر على أن نقول نقطتين عن هذا الجليد. الأولى عاطفية: وسط مشاكل الحياة والعمل، نستحق، من وقت لآخر، أن نتحدث مع جيراننا وأفراد عائلاتنا، وأن نخرج مع أولادنا وبناتنا لنتزحلق على الجليد. النقطة الثانية جادة: كيف تتجمد عاصمة البلاد؟ كيف نصاب بشلل لا نعرف كيف، ومتى نخرج منه؟» وأضافت: «حتى نحن في (واشنطن بوست) نواجه شللا، وليومين متتاليين لم نستطع توزيع الصحيفة. ما فائدة صحيفة لا يقرأها الناس؟ وما فائدة حكومة مكاتبها مغلقة؟» لكن، شدد على هذه النقطة موقع «هافينغتون بوست» التقدمي (صاحبته أريانا هافينغتون، سياسية تقدمية في ولاية كاليفورنيا). وسأل، في خبث: «ماذا لو هجم علينا إرهابيون ونحن بدون حكومة؟».

وأضافت: «إذا كانت مدينة واشنطن لا تقدر على مواجهة الجليد، ربما نحتاج لنقل العاصمة إلى ولاية من ولايات الشمال الأميركي حيث يعرف المسؤولون كيف يواجهون الجليد».

في نيويورك، التي واجهت المشكلة نفسها، شن الإعلام هجوما عنيفا على عمدة المدينة لأنه قرر إغلاق المدارس. ويوم الأربعاء، قالت صحيفة «نيويورك بوست»: «لو افترضنا أن الجليد سيستمر شهرا، هل سنغلق المدارس شهرا؟» ونفس يوم الأربعاء، قال شين هانيتي، مقدم برنامج إذاعي من نيويورك: «كنت أعتقد أن المدينة التي لا تنام (شعار مدينة نيويورك) لن تنام حقيقة. كيف يقول العمدة إنه سيعطل الحياة فيها؟» لكن، نقدا أو تأييدا للمسؤولين، غطى الإعلام الأميركي العاصفة الجليدية تغطية مكثفة. وفي مدن مثل واشنطن ونيويورك وفيلادلفيا، استمرت التغطية ساعة بعد ساعة. ويوم الثلاثاء، في نشرة أخبار تلفزيون «إي.بي.سي» المسائية، قالت المذيعة دايان سويار: «يقول لنا بعض المشاهدين إننا نكثر من متابعة أخبار الجليد، ويجب أن نهتم أكثر بأخبار المشكلة الاقتصادية والمشاكل السياسية. ويقول لنا غيرهم إننا أرحناهم من مشاكل الاقتصاد والسياسة المعقدة».

وأضافت، مع ابتسامة اشتهرت بها هذه المذيعة الشقراء: «ألم يغلق الجليد مبنى الكونغرس، ربما أكبر مكان للكلام في العالم؟» (لم تقل «كلام فارغ»، لكن، كان واضحا أنها تقصد ذلك).

وقال هانيتي، مقدم البرنامج الإذاعي، إن الجليد أيضا اختبر قدرة الصحافيين على متابعة الأحداث، وأشار إلى صحافيين وصحافيات وسط الجليد وهو ينهمر، بينما يقولون للمشاهدين آخر الأخبار.

وصباح الأربعاء، أشار إلى ذلك مقدما البرنامج الصباحي «فريدي آند هاندي» في واشنطن، والذي يبدأ في الخامسة صباحا. قالا إنهما يسكنان بعيدا عن الإذاعة، وفي أول يوم تأخرا عن الوصول إليها. لهذا، وبترتيب من الشركة التي تملك الإذاعة، نزلا في فندق قريب منها. وتندر واحد منهما، وقال: «لا تقولوا لزوجتي إن الفندق هادئ ولا يضايقني فيه أي شخص».

وكما قالت صحيفة «واشنطن بوست»، أوضح الجليد «الحياة الفردية التي نعيشها». وذلك إشارة إلى أن «جيرانا صاروا يساعدون جيرانا» و«غرباء صاروا يتعرفون إلى غرباء». ونشرت الصحيفة مواضيع اجتماعية، مثل: «إتيكيت الجليد: يجب على كل صاحب منزل أن ينظف الجليد من أمام منزله». و«لحظات اجتماع عائلي ما كانت ستكون لولا أن الجليد أجبرنا على البقاء في المنازل». وأكثرت الصحيفة من نشر صور ناس يساعدون آخرين على إخراج سياراتهم من الجليد، وأطفال يتزحلقون على الجليد. وقال طفل: «أتمنى أن لا تفتح المدرسة غدا (الأربعاء)». وفي الحقيقة، أعلنت مدارس كثيرة أنها ستغلق أبوابها حتى يوم الثلاثاء المقبل.

لكن، لم يقدر الجليد على دفن السياسة في عاصمة السياسة. يوم الثلاثاء، علق تلفزيون «سي.بي.إس» على كلمة «سنوماغيدون» التي صارت تستعمل لوصف العاصفة الجليدية. تشير هذه إلى كلمة «أرماغيدون» (نهاية العالم) المسيحية. وتقصد التهكم بأن العاصفة الجليدية ستكون نهاية العالم.

لكن، أكثر الذين يستعملون الكلمة هم الذين ينتمون إلى الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري (خاصة المسيحيين المتطرفين). ويقصدون انتقاد الرئيس أوباما الذي دخل البيت الأبيض وهو يرفع شعار مواجهة موجة الدفء والانحباس الحراري. وكأنهم يقولون له إن العالم يواجه موجة برد.

وتوقع تلفزيون «سي.بي.إس» أن يتحول التهكم إلى واقع وأن يعرقل قادة الحزب الجمهوري في الكونغرس خطة الرئيس أوباما حول الانحباس الحراري.

وقال جيم ديمنت، سيناتور دمهوري من ولاية ساوث كارولينا: «إلى آل غور (نائب الرئيس في عهد كلينتون، ومن قادة مواجهة الانحباس الحراري): لن يتوقف الجليد في واشنطن حتى تعلن التوبة». وتندر أكثر السيناتور الجمهوري جيم إينهوف، جمهوري من ولاية أوكلاهوما. ومع زوجته وأولادهما وبناتهما بنوا غرفة من الجليد أمام منزلهما. ووضعوا عليها لافتة: «إلى الذين يخيفوننا من الانحباس الحراري» وفي الجانب الآخر، أصدر معهد «بروغريسيف» (تقدمي) في واشنطن بيانا في موقعه على الإنترنت (مكاتبه مغلقة بسبب الجليد)، قال فيه إنه لا يوجد تناقض بين الجليد والانحباس الحراري. وذلك لأن الانحباس الحراري يزيد التبخر من المحيطات، ويزيد الأمطار. لكن، عندما تصل درجة الحرارة في مكان ما إلى أقل من درجة التجمد، تتحول الأمطار الكثيفة إلى جليد كثيف.

وتندرت مذيعة تلفزيون «سي.بي.إس» أن معهد «بروغريسيف» لم يفهم نكت قادة الحزب الجمهوري، واعتبرها تعليقات جادة.