جميلة الجميلات في تلفزيون برلسكوني تحولت إلى ممثلة مسرحية

اليانورا برليادوري لـ «الشرق الأوسط» : كنت مظلية ورأيت العالم من فوق فآمنت بالقوى الخفية

اليانورا برليادوري
TT

يقولون إن جمالها هو سبب نجاح التلفزيون الخاص الذي يملكه رئيس الوزراء الإيطالي الملياردير سيلفيو برلسكوني، فالمشاهدون كانوا يتحولون إلى القناة الخامسة حين تبدأ اليانورا برليادوري في تقديم البرامج، وتشير بإصبعها للمشاهد وهي تبتسم، لأن جمالها يسلب العقول، وشعرها الطويل المصفف يخطف الأبصار، والبرامج التي تقدمها تجذب أموال الدعايات التجارية والتمويل، وهذا هو السر الذي فهمه رجل الأعمال الناجح برلسكوني قبل أن يخوض غمار السياسة منذ نحو عشرين سنة.

حين قابلت اليانورا هذا الشهر رأيت أنها ما زالت متألقة في جمالها الأرستقراطي، رغم اقترابها من أواخر الأربعينات، لكنها عميقة التفكير، شديدة الذكاء، جريئة المشاعر، ومرهفة الأحاسيس، كما أنها تخطت مرضا عضالا من سرطان الكبد بقوة إرادتها وإيمانها بالشفاء الذاتي وتبحرها في العلوم الروحانية بدل اللجوء إلى المعالجة الكيميائية.

ورثت اليانورا ملامحها الحلوة من والدتها المولودة في ميلانو مسقط رأس برلسكوني، كما ورثت منها صوتها العذب، لأن والدتها كانت مغنية معروفة، وتبلورت شجاعتها بعد تجربتها الناجحة في الطيران الشراعي كمظلية وكان عمرها لا يتجاوز السابعة عشرة. وتذكر أنها كانت تحلم بالطيران منذ صغرها، وكانت سعادتها غامرة «حين أقذف نفسي من المظلة وأرى العالم من فوق».

وتابعت قائلة «ثم تعرفت على نظريات المفكر النمساوي رودلف شتاينر (1861 - 1925) فأيقنت وجود قوى روحانية خفية يمكن إخضاعها للسيطرة البشرية».

درست اليانورا الفيزياء والرياضيات، وتتقن الإنجليزية والفرنسية والإسبانية بالإضافة إلى اللغة الإيطالية، وتهوى الرياضة واليوغا، وبعد تخرجها التحقت بالتلفزيون الخاص وتقلبت فيه، من مقدمة للبرامج ثم صحافية إلى راقصة ومغنية، لكن قلبها كان يميل دوما إلى السينما والمسرح، فسافرت إلى نيويورك ودرست فن التمثيل في معهد لي سترابرغ للفيلم والمسرح، وعادت إلى ميلانو لتشارك في أدوار مهمة أخرجها المخرج المسرحي الراحل جورجيو ستريلر في «المسرح الصغير» ذي الصيت الذائع بميلانو، بدأتها بمسرحية «برتولد بريخت» المعروفة «الزواج المحترم» للبورجوازي الصغير، وتابعتها بمسرحية «عطيل» لشكسبير، وقامت في العام الماضي بدور رئيسي في مسرحية «ليزيستراتا»، حيث يمتزج الضحك بالمرارة للكاتب الإغريقي أريستوفان رائد الكوميديا القديمة.

تقارن اليانورا تجربتها في التلفزيون التجاري بكل صخبه وأضوائه وإثارته للجمهور، ثم تجربتها المسرحية الجدية حين تعرفت على نظريات وأعمال عمالقة أمثال ستانيسلافسكي الذي يشير على الممثل بأن يقوم بدراسة علم النفس ليفهم الشخصيات التي يريد تقمصها، ونصائح لويس جوفيه الممثل المسرحي والسينمائي الفرنسي المتوفى عام 1951 والتي تصفها بالرائعة نظرا للدور المهم البارز الذي يؤديه الممثل في نقل الفكرة إلى المتفرج.

استمرت كذلك في لعب الأدوار السينمائية مثل فيلم «الحزام» لألبرتو مورافيا وإخراج جيمس روسو، وفي عام 2005 شاركت بالدور النسائي لفيلم «7 كيلومترات عن القدس» الذي صورت بعض لقطاته في تدمر بسورية، كما شاركت في الكثير من المسلسلات التلفزيونية الإيطالية مع كبار الممثلين الإيطاليين كألبرتو سوردي وميكيل بلاسيدو والمخرجين المرموقين مثل ساندرو بولكي وسيرجيو كوربوكي.

جمهور التلفزيون يعشق اليانورا ويتابع نشاطاتها وعروضها منذ ما يزيد على ربع قرن، وكان متحمسا لها حين فازت بجائزة «عالم الاتصالات» عام 2006.

أصبحت اليانورا الآن أكثر انتقائية للأدوار التي تقوم بها، لأنها كرست اهتمامها في السنوات الأخيرة لأولادها الثلاثة، كما بدأت في ممارسة الرسم والفن التشكيلي، وتتمنى عرض أعمالها في البلاد العربية خاصة السعودية «لأنها أرض خصبة للفن ولها سحر خاص في خيالي».

عادت أيضا إلى اهتمامها بالقضايا الروحية، فتعمقت في دراسة فلسفة فرقة «زن» البوذية التي تؤمن بأنه في ميسور المرء أن ينفذ إلى الحقيقة عن طريق التأمل، وكذلك الفلسفات الشرقية الأخرى، وعكفت على البحث في الأديان السماوية والإسلام بشكل خاص وقضايا المرأة المسلمة، وتصف نفسها قائلة «رغم أنني من عائلة مسيحية محافظة فإنني أعتبر نفسي روحانية التفكير عالمية المنهج، لأنني أؤمن بالكون الواحد والروح الإنسانية والتآخي بين البشر».

تردف «تغمرني السعادة الآن إذا نجحت في الأعمال الخيرية وتدريب الأطفال واستخدام المسرح ووسائل الاتصال كأسلوب للتعليم وتربية الجيل الناشئ».

اليانورا برليادوري شخصية فريدة في عالم الفن والإعلام، إذ لم يفسد جمالها الجسدي اللافت، والإطراء المستمر على حسن ملامحها، ودنيا المجتمع الراقي والنجومية عن توقها إلى المثل الأعلى في الجمال والكمال، وهو الشخصية المحببة والروح الصافية الخيّرة والتعمق في النفس الإنسانية، لأنها عاصرت تطور وسائل الإعلام والترفيه في إيطاليا خلال فترة تميزت بعدم الاستقرار وتغلب التفاهة والبرامج الخاوية من المحتوى الجيد، وقادها ذكاؤها إلى البحث عن المضمون العميق لهذا الكون والفلسفات المعقدة لتفسير جوهر الأفكار والمعتقدات الراسخة الجذور.

أفكار رودلف شتاينر عن الفن والدراما والدين والعلم كان لها أكبر الأثر في تكوين وتطوير شخصية اليانورا. يقول شتاينر إنه يمكن للفنان الحقيقي أن يخلق صورته أو أدبه حتى في صحراء خالية، فأساس الإبداع الفني ليس تصوير ما هو موجود، بل ما يمكن أن يكون، فالفنان يقلد الطبيعة في أسلوب الابتكار، لكنه يطبق أفكاره وإلهامه على عمل فردي واحد، أما الطبيعة فتخلق الأشياء ثم تحطمها لأنها تنشد الكمال ولا تلتفت إلى الأعمال الفردية. إذا تجاذبت الحديث مع اليانورا ستدرك أن الوقت يجري دون أن تحس بالدقائق والساعات، فهي تتمتع بجاذبية هادئة مقنعة، وأفكار متلاحقة يمكن أن تجعل مستمعها صاغيا ومتسائلا لا عن مسلسلات التلفزيون والترفيه الرخيص بل عن فلسفة الوجود والبقاء.