جورج بيكر: رغم الظروف المالية فإن «نيويوركر» كرماء في تمويل التقصي الميداني

قال إن بعض القصص تكلف أكثر من 10 آلاف دولار

جورج بيكر
TT

جورج بيكر الكاتب والصحافي في مجلة «نيويوركر» انفتح له باب الشهرة والمجد من أول مقال كتبه عن حرب الأميركيين في العراق، رغم أنه كتب لسنوات قصصا أدبية وروايات خيال علمي وتجول في أفريقيا ملهمته حتى اليوم منذ سنوات صباه، وتوالت عليه التقارير التي أنجزها من بلاد الرافدين واستحق عليها أكثر من جائزة، فقد اختارت صحيفة «نيويورك تايمز» كتابه «بوابة الحشاشين: أميركا في العراق» كأحد أفضل عشرة كتب خلال عام 2005، وكذا جائزة نادي الصحافة الخارجية للكتاب. وحصل بيكر على جائزتين من نادي الصحافة الخارجية: الأولى عن تحقيق جاء في 20 ألف كلمة عن الصعوبات إبان الاحتلال وإعادة إعمار العراق ونشر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2003، والثانية لتغطيته الحرب الأهلية داخل سيراليون التي نشرت في يناير (كانون الثاني) 2003. وجاء معه الحوار على النحو التالي:

* كيف بدأت مهنتك كصحافي، وهل واجهت يوما موقفا فاصلا تأكدت فيه من أنك اخترت الطريق الصحيح؟

- لم أدرس علم الصحافة، ودرست الأدب والتاريخ. وقضيت 15 عاما في كتابة روايات الخيال العلمي ومقالات ومراجعات، وقد كتبت أخيرا مسرحية. ولذا تجد أنني مارست العديد من الأنماط المختلفة للكتابة. وبدأت العمل كصحافي بدوام كامل في عام 2000 تقريبا. ولم أكن أطمح عندما كنت صغيرا في أن أصبح صحافيا، بل كنت أتطلع إلى أن أكون روائيا. ومع ذلك، أعتقد أني أفضل مهنة الصحافة.

* أنت تشبه لورانس رايت زميلك بالمجلة إلى حد كبير؟

- نعم، هناك الكثير من أوجه الشبه بيني وبين لاري. ولكني أعتقد أن اللحظة التي رأيت فيها أن العمل الصحافي سوف يلبي رغباتي وأنه سيكون نمط الكتابة الذي أحب ممارسته كانت عندما ذهبت إلى العراق للمرة الأولى في عام 2003 بعد الغزو الأميركي، شعرت وكأني تولستوي هناك حيث رأيت نفسي وسط حدث تاريخي ضخم. ولكن ما أثار اهتمامي هي تجارب الأفراد، وأعني حقا المواطنين غير المشهورين. ولذا قضيت وقتي أتحدث إلى طلاب الجامعات ورجال الدين غير البارزين ومع الجنود والمسؤولين الأميركيين من الطبقة الوسطى لأتعرف على رأي هؤلاء الأفراد في هذا الحدث الضخم وأتعرف عليه من وجهات نظر مختلفة. وكان هذا الإحساس أقرب إلى شعوري وأنا أكتب رواية.

* كم عدد الكتب التي ألّفت عن العراق؟

- كتاب واحد حمل عنوان «بوابة الحشاشين»، بالإضافة إلى مسرحية واحدة.

* نعم، لقد قرأت أجزاء من هذه المسرحية باللغة العربية.

- جيد، لم أكن أعلم أنها ترجمت إلى اللغة العربية.

* كصحافي تحقيقات، تستغرق الكثير من المقالات والكتب أسابيع وربما شهوررا، هل يمكن أن توضح الطريقة التي تقنع بها مصادرك كي تعطيك معلومات قيمة لا يسمح لآخرين بالاطلاع عليها؟

- أعتقد أنهم يقومون بذلك إذا أظهرت لهم استعدادي للإنصات إليهم وقضاء وقت معهم، كما قلت، لأيام وربما لأسابيع. ويكون المعظم مستعدا لأن يروي لك قصته، ولكن لا ينطبق ذلك على ذوي النفوذ. وأستخدم شيئا آخرا مع ذوي النفوذ، إذ عليك أن تجرب وأن تطرح الأسئلة المناسبة من أجل الحصول على القليل من المعلومات. وأفضل الحديث مع الأشخاص العاديين لأنهم أكثر أمانة وإثارة وتتعرف على الكثير من خلال ما يقولونه. ولذا، أجد أنك لو أظهرت الإخلاص والرغبة في الاستماع إلى الأشخاص العاديين فيمكنهم التحدث بسبب الطريقة التي تتحدث بها معهم أو النظرة التي تظهر على وجهك. وقد وجدت أنهم راغبون في الحديث معي ربما لأسابيع.

* التحقيقات الطويلة ولا سيما التي تجرى داخل دول أخرى تكون كلفتها المالية كبيرة. والسؤال: مَن يدفع مقابل إجراء هذه التحقيقات، وهل تم الاعتراض على أي من أفكار البحث المقترحة الخاصة بك بسبب التكلفة؟

- تتكفل مجلة «نيويوركر» بهذه النفقات، وهم كرماء. وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة في الوقت الحالي، أجدهم يتحملون التكلفة. وفي بعض الأحيان، ربما تصل التكلفة إلى 10 آلاف دولار من أجل قصة واحدة إذا كانت قصة كبيرة. ولم يتم رفض أي من أفكاري المقترحة لأسباب اقتصادية.

* هل عليك الحصول على موافقة رئيسك أو رئيس التحرير قبل أن تكتب أي قصة؟

- مطلقا، أتحدث مع المحرر المسؤول عني، وهو محرر جيد للغاية، ونناقش سويا ما يمكن أن يصبح قصة جيدة. وبمجرد أن ننتهي من ذلك نذهب إلى رئيس التحرير ديفيد ريمنك، الذي يبلغ من العمر 50 عاما رغم أنه يبدو شابا ويدير المجلة منذ 12 عاما حتى الآن. ويعني ذلك أنه بدأ إدارة المجلة عندما كان يبلغ من العمر 38 أو 39 عاما، وهذه سن صغيرة هنا. وأعتقد أنه صغير بالنسبة لكم أيضا إذ توجد هيكلة هرمية داخل معظم المؤسسات. ولذا فإنه صغير في رأيي. ولم يرفض يوما قصة تقريبا، ربما حدث ذلك في مرات قليلة.

* كنت في السابق من المؤيدين لغزو العراق، فما الذي جعلك تنظر في رأيك بخصوص الحرب من جديد؟

- انظر إلى ما آلت إليه الأمور.

* في المجمل، كم عدد المرات التي ذهبت فيها إلى العراق؟

- ذهبت إلى العراق ست مرات، ولكن بعد المرة الأولى رأيت أن الأميركيين لا يعرفون ما يقومون به. كان القادة متغطرسين ويفتقرون إلى المعرفة، وكانوا يرتكبون الكثير والكثير من الأخطاء. وكان أي إنسان عاقل سيقول إنه لو كان ذلك أفضل ما لديهم ما كان عليهم أن يقوموا بهذا. وأوليت اهتماما كبيرا بموقف العراقيين، ورأيت أنه كان يتغير سريعا بدءا من لحظة بدء الغزو وخلال الفترة المتبقية من عام 2003. ولذا، فإنه بنهاية عام 2003 يمكن أن تقول إن أغلبية الشعب العراقي كانوا ضد الأميركيين.

ومع ذلك لا أعتقد أن ذلك كان صحيحا في البداية لأني أعتقد أنه كان هناك شعور بالإثارة بسبب رحيل صدام ونسي المواطنون ذلك. ولكن، كان ذلك شيئا مؤثرا بالنسبة للعراقيين، ولاحظ المراسلون الأجانب ذلك ولم يتمكنوا من تجنبه. وشابت التصرفات الأميركية الكثير من الأخطاء خلال العام الأول والعام الثاني والعام الثالث، ولذا خسروا العراقيين وخسروا الحرب. لم أقل إن العالم كان سيكون أفضل مع صدام حسين، ولم أقل إن الأمر كان مرتبطا كثيرا بالأكاذيب المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل، وقدرت أنه كانت هناك أسباب مشروعة لكونهم أفضل من دون هذا النظام. يقول الشاعر العربي نزار قباني في شعر له «غوصي في البحر أو ابتعدي»، وقد اقتبست هذا السطر في كتابي «بوابة الحشاشين». وكان هذا شعوري المرتبط بالحرب.

* ما المقال الأكثر تكلفة الذي كتبته، وكم تكلف في رأيك؟

- أعتقد أنها قصتي الأولى من العراق، التي كان عنوانها «حرب بعد الحرب»، ونشر في «نيويوركر» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2003. لا أتذكر تحديدا كم تكلف ولكني أعتقد أن التكلفة وصلت تقريبا إلى 10 آلاف دولار لأن المقال كان طويلا جدا فقد كان مكونا من 20 ألف كلمة وهذا شيء مكلف. كان مثل كتاب صغير. ولم يقتصر الأمر على الذهاب إلى العراق لمدة 6 أسابيع والذهاب إلى مناطق مختلفة داخل العراق والدفع مقابل مترجمين والفنادق وبعد ذلك العودة عبر الأردن. بل ذهبت أيضا إلى واشنطن وتحدثت مع مسؤولين داخلها. واستغرق الأمر مني من يونيو (حزيران) إلى نوفمبر (تشرين الثاني) أي استغرق الأمر خمسة أشهر. ولذا فقد كان ذلك وقتا طويلا جدا. ولكن لا يعد ذلك شيئا استثنائيا بالنسبة لمجلة «نيويوركر».

* ومنذ متى تعمل في «نيويوركر»؟

- أنا فيها منذ 2003، ولذا فقد مضت سبعة أعوام.

* هل كتبت مقالات كلفتك صداقات أو جاءتك بسببها تهديدات؟

- لم تصلني أية تهديدات، ولكن كي أكون صريحا، لو تعرضت للاختطاف داخل العراق على يد متمردين وبحثوا عني على موقع «غوغل» وقرأوا مقالاتي، لكانت هذه هي النهاية. ولذا أعتقد أنه من حسن حظي أني لم أتعرض للاختطاف. ومن ثم، لم تصلني تهديدات من أي جانب سواء من الجانب الأميركي أو الجانب العراقي أو أي جهة أخرى. خسرت أصدقاء، فقد خسرت كاتبا جيدا جدا هنا في نيويورك بسبب أشياء كتبتها في كتابي «بوابة الحشاشين» وكان ذلك بالأساس بسبب أشياء كتبتها عنه. ولكن هناك أصدقاء آخرون خسرتهم لأننا اختلفنا حول الحرب ودارت بيننا نقاشات. لقد كان ذلك صعبا للغاية. وكانت تجربة مريرة على مدار الأعوام، حيث إن حرب العراق أضرت بالكثير من العلاقات بين الأميركيين.

* ما أكثر المقالات التي تجعلك تشعر بالفخر لكتابتها؟

- أعتقد أنها القصة الإخبارية التي جاءت منها فكرة مسرحيتي. وسميت المسرحية «خيانة»، وهو العنوان نفسه الذي حملته القصة الإخبارية التي اعتمدت عليها، والتي نشرت في «نيويوركر» خلال مارس (آذار) 2007. وكانت تتناول العراقيين الذين عملوا مترجمين وما حدث معهم. وأولا، أعتقد أنها كانت قصة إخبارية جيدة للغاية، وأنها كانت قصة قوية جدا وقضيت وقتا طويلا أتحدث مع هؤلاء الفتية داخل العراق وسورية والأردن، واستغرق ذلك مني ثلاثة أشهر، ولكن بخصوص السفر ذهبت إلى السويد وذهبت إلى دمشق وإلى سلطنة عمان وإلى بغداد وإلى أربيل وإلى بيتسبورغ وبنسلفانيا وواشنطن. ولذا فقد سافرت إلى أماكن عديدة وأجريت الكثير من المقابلات. وتحدثت مع الكثير من هؤلاء المترجمين، وأشعر أني أخذت تجربتهم ونقلتها داخل القصة، وقد حرك ذلك الناس، وغيّر الكثير من الأشياء داخل واشنطن ودفع إدارة بوش إلى تولي بعض المسؤولية بخصوص ما يتعرض له المترجمون. فقد كانوا يتعرضون للقتل وكانت تأتيهم تهديدات، ولم يقدم لهم أي شخص يد العون.

* هل تعتقد أنه من المهم أن يتولى صحافيون متخصصون تغطية مناطق معينة أو كتابة قصص إخبارية معينة، كأن تكون لهم معرفة متخصصة حول العراق أو أفغانستان؟

- أعتقد أنه من المفيد أن يكون الصحافي قادرا على التحدث باللغة، وأعتقد أن أكبر نقاط ضعفي أنني لا أستطيع التحدث باللغة العربية، فيما عدا بعض الكلمات القليلة. ولذا كانت هذه صعوبة كبيرة إبان تغطيتي للحرب. وفي بعض الأحيان، أعتقد أن الصورة الأفضل لكتابة التقارير هي ألا يكتبها شخص خبير لأنه لو كنت خبيرا يمكن أن تنسى نفسك وسط التفاصيل ولا ترى الصورة الكبرى بل تركز على أشياء صغيرة. وأعتقد أنه من الأفضل أن يكون هناك اهتمام عام أكثر من قضاء الكثير من الوقت في ذلك. لا تجعل خلفياتك بالكامل حول الشرق الأوسط لأن هذه أكاديمية مبالغ فيها، وتخصص مبالغ فيه.

* إلى أي مدى تحظى منطقة الشرق الأوسط بأهمية في التغطية الإخبارية داخل مجلة «نيويوركر»؟

- حسنا، لبعض الوقت كان هذا هو الشيء الوحيد الذي تتم تغطيته. ذهبت إلى منطقة الشرق الأوسط كثيرا، وكنت أكتب عن الحرب، ولكن اهتمامي الأساسي ليس منصبا على منطقة الشرق الأوسط. بدأت الكتابة في أول الأمر عن أفريقيا، وما زلت مهتما بأفريقيا، وللأمانة فإنه بعد قضاء أعوام في تغطية منطقة الشرق الأوسط بدأت أحس بالتعب من هذه المنطقة وبدأت أنظر إلى هذه المنطقة على أنها عبارة عن مكان به آيديولوجيات قوية ونظم ديمقراطية ضعيفة. وتعبت من سماع نفس الكلام مرة بعد أخرى ولذا لم أكتب عن منطقة الشرق الأوسط منذ عامين أو ثلاثة أعوام.

* كباحث يجري تحقيقات، هل تعرضت يوما لمراقبة من مكتب التحقيقات الفيدرالي أو من أي خدمات أمنية أخرى؟

- لا أعتقد ذلك، ولم أهتم يوما بذلك. ربما يقومون بقراءة رسائلي عبر البريد الإليكتروني عندما أكون خارج البلاد. وأعتقد أنه ربما تقرأ وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية رسائل البريد الإليكتروني الخاصة بالصحافيين داخل العراق أو أفغانستان، ولكن لم يتدخل شخص في شؤوني أو يتحدث معي بخصوص ذلك.

* كيف عرفت أنهم يقرأون رسائل البريد الإليكتروني الخاصة بك؟

- لدي بعض الأصدقاء الصحافيين الذين كانوا في العراق وأفغانستان وكانوا يقولون لي في بعض الأحيان إن لديهم قصة إخبارية أو يعملون على قصة إخبارية ولكن لا يمكن إخباري بمضمونها في رسالة عبر البريد الإليكتروني لأنهم غير متأكدين من أن هذا سيكون آمنا. لست على يقين من ذلك، ولكن لدي من الأسباب ما يجعلني مقتنعا بأنهم يقرأونها في بعض المناطق، ليس هنا داخل الولايات المتحدة ولكن خارج البلاد.

* في ظل الاستخدام الكبير لشبكة الإنترنت، هل تعتقد أن الصحف المطبوعة تواجه تهديدا ما، وما رأيك في المقترح الذي يدعو إلى الدفع مقابل الاطلاع على جميع المحتوى الإخباري الإليكتروني من قبل القراء بدلا من ترك هذه المعلومات مجانية؟

- حسنا، أعتقد أن صحيفة مثل صحيفة «الشرق الأوسط» لديها مستقبل كصحيفة مطبوعة، لأنه عندما أذهب إلى دمشق أو سلطنة عمان أجد أن الجميع يقرأون صحفا داخل المقاهي. وما زالت ثقافة المكان هناك هي الجلوس وتصفح إحدى الصحف. ولكن لسوء الحظ لا يقبل الشباب داخل الولايات المتحدة وربما في لندن على شراء الصحف. ولدي صديق يعمل لدى صحيفة «نيويورك تايمز»، وسألته يوما «هل تعتقد أنه ستكون هناك نسخة مطبوعة من صحيفة نيويورك تايمز بعد خمسة أعوام؟» وكان رده «لا». هل تتخيل صحيفة «نيويورك تايمز» من دون إصدار مطبوع؟ وعليه أشعر بالقلق بشأن هذا كثيرا.

* لقد كان للركود الاقتصادي آثاره الشديدة على الكثير من القطاعات، فكيف ترى مستقبل الصحف (ولا سيما مجلة «نيويوركر») في ظل هذه الأوقات العصيبة؟

- أعتقد أنه شيء صعب للغاية، فقد تراجعت عوائد الإعلانات، وأصبحت الإعلانات داخل مجلة «نيويوركر» أقل وهو ما يعني أنه سيكون هناك عدد أقل من المقالات. ولكن لو قرأت مجلة «نيويوركر» بصورة منتظمة يمكن أن ترى أن المجلة لا تزال تنشر قصصا كبيرة وذات تكلفة كبيرة، وقصصا لا تتعلق بأخبار الأسبوع الحالي وحده.

* لو كانت الأموال من الإعلانات قد تراجعت، فمن أين تحصلون على أرباح؟

- حسنا، لست مطلعا على الشق التجاري بصورة جيدة، ولكني أعتقد أن الأرباح تأتي من الاشتراكات والقرّاء المخلصين للمجلة. وأعتقد أنهم في حاجة إلى أن يضعو سعرا أكبر للمجلة، وأظن أنه يمكنهم شراؤها مقابل نحو 50 سنتا إذا اشتركوا لمدة عام وهذا غير كاف. وهناك الموقع الإليكتروني الذي تحاول «نيويوركر» جعله جزءا أكبر من العملية الإجمالية.

* اكتشف أخيرا أن 1 من كل 10 من خريجي الجامعة لا يستطيع الحصول على وظيفة داخل المملكة المتحدة على الرغم من حصوله على درجة علمية كبيرة، فما هي الدرجة العلمية التي يحتاج إليها المرء كي يعمل في صحيفة بارزة، وما مدى أهمية الحصول على هذه المؤهلات؟

- في هذه البلاد لا أعتقد أن المؤهل العلمي له قيمة كبيرة. فأنا أدرس الأدب والتاريخ وبعض الناس يحصلون على درجة الماجستير في الصحافة ولكني لا أعرف الكثيرين الذين قاموا بذلك. وعدد قليل من العاملين في «نيويوركر»، وهي مكان كبير جدا حصلوا على درجة الماجستير في الصحافة. المهم هو الموهبة والحظ. ويلعب الحظ دورا كبيرا في ذلك، وكذا العلاقات. وأحب أن ننظر إلى الأمر على أنه مرتبط بالأهلية، وإلى حد ما تلعب الموهبة دورا مهما للغاية، ولكن كيف يمكن ملاحظة الموهبة. بدأت العمل كصحافي بدوام كامل في عام 2000، ولكني سأخبرك ما حدث في ذلك العام. انتقلت من بوسطن إلى نيويورك، ولأني أعيش داخل نيويورك كنت أقابل الصحافيين في حفلات وفجأة وجدت أعمالي تنشر داخل مجلات مهمة.

* هل تتذكر أول من أتاح لك الفرصة كي تصبح صحافيا؟

- كانت هناك بعض المجلات الأصغر عندما كنت صغيرا.

* ما هي نوعية المقالات التي تفضلها شخصيا، التحقيقات الصحافية أم القصص الصحافية أم الأدب...أم ماذا؟

- القصص الصحافية، إذ أحب أن أكتب عن حياة المواطنين العاديين في هذه الظروف المهمة، كما فعلت في مقالاتي حول العراق. هذا ما أفضله.

* هل لك أن تصف لي اليوم النموذجي داخل مجلة «نيويوركر»؟ على سبيل المثال، كيف ينظر إلى أفكار القصص الإخبارية وطبيعة اجتماعات الهيئة التحريرية وعملية نشر المقال في نهاية المطاف؟

- لا أعتقد أن هناك يوما نموذجيا بالنسبة لي داخل مقر المجلة، فأنا لا أذهب إلى المجلة يوميا، وأعمل في بعض الأحيان من المنزل وكثيرا ما أسافر. ولذا فإذا ذهبت إلى المجلة فإن ذلك يكون لسبب ما مثل إنهاء قصة إخبارية أحتاج إلى أن أكون هناك لإنهائها أو التحدث مع المحرر بخصوص قصة مستقبلية. ولكن إذا ذهبت إلى المكاتب ستجد المكان هناك هادئا، ويشبه مكتبة. وهي ليست مثل الصحف الشرق أوسطية حيث يتجادل الجميع داخلها على الرغم من أني أتمنى لو كانت كذلك. مجلة «نيويوركر» عبارة عن مكان هادئ جدا ومؤدب للغاية، وربما مؤدب بصورة مبالغ فيها.

* كيف ترى أميركا بعد مرور عشرة أعوام من الآن؟

- يا إلهي، هذا صعب، وأعتقد أنه سيعتمد كثيرا على العامين المقبلين. ويمكن أن نذهب في أحد اتجاهين: إما أن نستطيع حل المشاكل بطريقة عقلانية وجميعنا يعرف طبيعة المشاكل، أو يمكن أن نستمر في هذا السيرك السياسي وجمهور يعاني من اضطراب نقص الانتباه ويحتاج كل يوم إلى قصة جديدة. أميركا في سقوط، فنحن في سقوط على المدى الطويل. ونشبه الإمبراطورية العثمانية، وكيف يمكن أن توقف ذلك؟.. يتجاوز الأمر مجرد رئيس، فنحن في حاجة إلى تغيير ثقافة. وحاول أوباما ولكن ذلك لم يثمر.

* قلت لي إن بعض القصص يمكن أن تستغرق شهورا، هل شعرت يوما باحتمالية حدوث تسريب لهذه القصص وأن يأخذها منك أحد المنافسين؟

- حسنا، أخشى قليلا من وقوع ذلك، ولكن لم تكن قصتي يوما أحد الأسرار المهمة. وعليه، يمكن أن أقول لأحد الأصدقاء إنني أعمل حاليا في قصة إخبارية حول المترجمين العراقيين ولكني لا أعتقد أنه يمكنه أخذ هذه القصة الإخبارية مني لأنها ستكون صغيرة وقصيرة ولن يكون مقالا عميقا. وإذا نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» قصة إخبارية عن مترجمين عراقيين قبل ثلاثة أسابيع من نشر مقالتي فلا أعتقد أن هذه ستكون مشكلة لأن مقالي سيكون مختلفا. هذا ليس خبرا عاجلا، وليس لدي قصة سرية حيث يعرف الجميع بالفعل عن القصة التي أعمل فيها. ولكن يرتبط الأمر بكيفية عمل قصة إخبارية تكون لها أهميتها، وتساعدني مجلة «نيويوركر» على أن أؤدي القصة بطريقة مختلفة عن أي صحيفة أخرى.

* ما رأيك في الاحتلال الأميركي والبريطاني لأفغانستان؟ وكيف يمكن أن يتحسن الوضع؟ وهل تعتقد أن قرار الرئيس أوباما إرسال المزيد من القوات إلى هناك كان صوابا؟

- حسنا، أولا لا أعتقد أنني أصفه بأنه احتلال بريطاني أميركي، ولكنه تدخل من جانب «الناتو» وقد ذهب «الناتو» إلى هناك بعد الحصول على موافقة من الأمم المتحدة ومن دولة أفغانستان ولذا لا أعتقد أن هذا احتلال غير شرعي أحادي الجانب. ويجب أن نحقق نجاحا في الحرب داخل أفغانستان، أراد الأفغان ذلك، وأراد العالم ذلك، وقد تركناهم يذهبون وأعتقد أن ذلك ربما يكون متأخرا للغاية.

* جورج بيكر في سطور

* أصبح جورج بيكر كاتبا في مجلة «نيويوركر» عام 2003 وتولى تغطية حرب العراق لصالح المجلة. واختارت صحيفة «نيويورك تايمز» كتابه «بوابة الحشاشين: أميركا في العراق» كأحد أفضل عشرة كتب خلال عام 2005. وحصل على جائزة هيلين بيرنستين للكتاب التابعة لمكتبة نيويورك العامة، وكذا على جائزة نادي الصحافة الخارجية للكتاب. وكتب عن الأعمال الوحشية التي ارتكبت داخل سيراليون وعن الاضطرابات المدنية داخل ساحل العاج ولاغوس وعن مكافحة التمرد عالميا. وفي عام 2003، حصل بيكر على جائزتين من نادي الصحافة الخارجية: الأولى عن تحقيق جاء في 20 ألف كلمة عن الصعوبات إبان الاحتلال وإعادة إعمار العراق ونشر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2003، والثانية لتغطيته الحرب الأهلية داخل سيراليون التي نشرت في يناير (كانون الثاني) 2003.

وألف بيكر أيضا كتاب «قرية الانتظار» (عام 1988)، وهو يتناول تجربته داخل أفريقيا. وكتب أيضا كتابا تحت عنوان «دماء الليبراليين» (عام 2000)، وهو عبارة عن سرد تاريخي واقعي عن عائلته والليبرالية الأميركية في القرن العشرين. وحصل بيكر على جائزة روبرت كيندي للكتاب. وكتب أيضا روايتين «نصف الرجل» (عام 1991) و«الميدان المركزي» (عام 1998). ويحمل كتابه الأخير عنوان «أوقات مثيرة: كتابات من عقد كثرت فيه الاضطرابات». وعمل بيكر في قوات السلام داخل توغو، غرب أفريقيا. وأسهم بالعديد والعديد من المقالات والتحقيقات المتعلقة بالشؤون الخارجية والساحة السياسية الأميركية والأدب في مجلة «نيويورك تايمز» و«ديسنت» و«ماذر جونز» و«هاربرز» ودوريات أخرى. وتعلم الكتابة في هارفارد وبينينغتون وكولومبيا. ويعيش حاليا في مدينة بروكلين، نيويورك.