عمل السياسيين محللين إخباريين يثير التساؤلات حول أهدافهم

بينهم سارة بالين ومايك هوكابي ونيوت غنغريتش

نيوت غنغريتش («نيويورك تايمز»)
TT

سارة بالين ومايك هوكابي ونيوت غنغريتش، هذه بعض أسماء الذين أصبحوا يعملون اليوم محللين سياسيين مدفوعي الأجر لصالح قناة «فوكس نيوز». إلا أنه في غضون عامين من الآن، من الممكن أن تشكل هذه الأسماء ذاتها قائمة المرشحين الرئاسيين عن الحزب الجمهوري.

جدير بالذكر أن المحللة السابقة لدى محطة «فوكس»، أنجيلا مكغلوان، شاركت في سباق انتخابي لنيل عضوية مجلس النواب في ولاية مسيسيبي الأسبوع الماضي. وحتى أسابيع قليلة ماضية، كان هارولد إي. فورد، على قائمة العاملين في قناة «إم إس إن بي سي»، حتى أخبر رئيسه أنه يفكر جديا في الترشح لعضوية مجلس الشيوخ عن نيويورك. وباستمرار، تدور شائعات حول ترشح أسماء تلفزيونية لامعة في انتخابات سياسية. على سبيل المثال، هناك أقاويل حول سعي لو دوبس، الذي رحل عن «سي إن إن» الخريف الماضي، للترشح في انتخابات سياسية.

في هذا الصدد، علق فيل غريفين، رئيس قناة «إم إس إن بي سي»، بقوله: «يبدو من المذهل عدد المحللين الذين تدور حولهم مناقشات كمرشحين، أو تدور حولهم شائعات كمرشحين، أو ترشحوا بالفعل». الملاحظ أن التلفزيون والسياسة دائما ما كان بينهما تداخل ملحوظ، لكنه لم يصل قط إلى الدرجة الحالية، حسبما أشار عدد من المسؤولين التنفيذيين بالمجال التلفزيوني ومهنيون بمجال الصحافة. ويبدو أن ما يطلق عليه «الباب الدوار» الذي سمح لمستشاري السياسيين بالعمل بالحقل الصحافي، امتد إلى الصحافيين أنفسهم، في وقت باتت قنوات الكيبل تتسم بطابع سياسي أكثر من أي وقت مضى.

بالنسبة للمشاهدين، يبدو الأمر أشبه بحملة سياسية على شاشات التلفزيون لا نهاية لها، في ظل تنافس سياسيين سابقين وحاليين، وربما، مستقبليين، على تقديم خطبهم وشرح وجهات نظرهم. (من بين الأمثلة على ذلك تناول هوكابي لخطاب حالة الاتحاد الذي أعلنه الرئيس أوباما، وتناول سارة بالين لاستراتيجية أوباما بمجال مكافحة الإرهاب).

لا شك أن الفائدة من وراء الاستعانة بأمثال هؤلاء الخبراء السياسيين، الذين يعملون لبعض الوقت ويتقاضون أجورا كبيرة، هي زيادة أعداد مشاهدي القناة. في هذا الصدد، أعرب جوناثان والد، النائب السابق لرئيس قناة «سي إن بي سي»، وبروفسور لبعض الوقت بكلية الصحافة بجامعة كولومبيا، عن اعتقاده بأن «من المنطقي أن يسعى المرشحون السياسيون لأماكن لهم في قنوات الكيبل المناسبة، نظرا لكونها قناة اتصال مباشرة مع الناخبين». على الجانب الآخر، تبدو الفوائد العائدة على المشاهدين من وراء ذلك أقل وضوحا، حيث يعتقد بعض الخبراء أن مثل هذا الوضع ربما يخيم بظلاله على حيادية المنظمات الإعلامية الإخبارية.

من جانبه، أكد آندي شوتز، رئيس لجنة شؤون الأخلاق التابعة لـ«جمعية الصحافيين المهنيين»، أنه «طالما أنهم ما يزالون يعملون بالمجال الإعلامي، فإن هناك احتمالية كبيرة لحدوث تعارض». على أدنى تقدير، يمكن أن يخدم هذا الوضع مصالح المحللين، ويخلق نوعا من المحاباة.

وفي الإطار ذاته، قال ديفيد بورمان، رئيس مكتب واشنطن التابع لمحطة «سي إن إن»، إن «هذا الوضع حساس بعض الشيء». واستطرد موضحا أن الشبكات الإعلامية التي تستعين بأمثال هؤلاء المحللين «ربما يتعين عليها إدراك أنهم يعمدون إلى استغلالها بعض الشيء»، نظرا لأن بعض الأفراد «يسعون لتحقيق مكاسب انتخابية».

تجدر الإشارة إلى أنه من غير المحتمل أن يقدم أي من المحللين العاملين لدى «سي إن إن» على الترشح في انتخابات لمناصب سياسية خلال عامي 2010 أو 2012، وينطبق القول ذاته بوجه عام على الشبكات الإذاعية والتلفزيونية. إلا أن محطة «إم إس إن بي سي» كانت تسجل، حتى وقت قريب، فورد على قائمة الأجور والرواتب الخاصة بها، بينما تفرض «فوكس نيوز» حالة أشبه بالاحتكار على المرشحين المحافظين المحتملين.

من جانبهم، يقول المسؤولون التنفيذيون إنهم يحرصون على الارتباط بتعاقدات مع الشخصيات المتمتعة بثقل سياسي كبير (إلى جانب، وإن كان بمعدل أقل، خبراء قانونيين ومؤرخين) سعيا لضمان سهولة الوصول إليهم، والحيلولة دون مشاركتهم في برامج تلفزيونية منافسة. وأكد غريفين أن الأمر لا يعدو «قضية منافسة».

ومن الممكن أيضا أن يجتذب محللون معروفون، مثل بالين، معدلات مشاهدة أكبر للقنوات التي يعملون فيها، الأمر الذي لا بد وأن «فوكس»، إحدى الوحدات التابعة لـ«نيوز كوربوريشن»، توقعته عندما استعانت ببالين الشهر الماضي. من ناحيته، قال والد: «تخلت كثير من هذه القنوات منذ أمد بعيد عن الحياد الصحافي المعتاد. الآن، تتبع هذه القنوات وجهة نظر محددة. وبالتالي، يساورها ارتياح حيال توفير غطاء لهؤلاء السياسيين وتعيينهم لديها». وفي سؤال لهم حول الشخصيات التي يتذكرون تنقلها خلال السنوات الماضية ذهابا وإيابا بين العمل التلفزيوني والحملات الانتخابية، أشار مسؤولون تنفيذيون بقنوات تلفزيونية إلى أن اسما واحدا لامعا فقط يرد إلى الذهن عند طرح هذا التساؤل، وهو بات بوشانان، الذي شارك في تقديم برنامج «كروسفاير» بقناة «سي إن إن» خلال الفترة بين حملتيه الانتخابيتين الفاشلتين للترشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري في عقد التسعينات. من ناحية أخرى، الواضح أن المرشحين السياسيين المحتملين أدركوا منذ أمد بعيد أهمية الاهتمام الإعلامي. على سبيل المثال، سجل رونالد ريغان تعليقات إذاعية وكتب أعمدة صحافية في السنوات ما بين توليه منصب حاكم كاليفورنيا وترشحه للرئاسة عام 1980.

الملاحظ أن كبار الشخصيات التلفزيونية راودتهم فكرة الترشح للكونغرس في السنوات الأخيرة، مما أثار على الفور التساؤلات حول تعارض المصالح. عندما ثارت أقاويل حول تفكير لاري كودلو في الترشح لعضوية مجلس الشيوخ عن كونيكتيكيت العام الماضي، سارعت المنظمة الرقابية المعنية بالإعلام الليبرالي، «ميديا ماترز»، بتوجيه خطاب إلى قناة «سي إن بي سي» تطلب منها التوضيح حيال دور كودلو على الهواء وخلف الكواليس. وأوضح الخطاب أنه «كمواطن عادي، يحق لكودلو التفكير في الترشح لمنصب عام، لكن استغلاله لبرنامجه في (سي إن بي سي) لتعزيز طموحاته السياسية من شأنه تعريض أمانة شبكتكم الإعلامية للخطر».

وسرعان ما أعلن كودلو، عبر شاشات التلفزيون، عزمه عدم الترشح في الانتخابات. أيضا في العام الماضي، اختار كريس ماثيوز، البقاء في «إم إس إن بي سي» بدلا من الترشح لعضوية مجلس الشيوخ عن بنسلفانيا، لكن هذه الخطوة لم تأت سوى بعد ورود شكاوى مشابهة.

من ناحيته، قال غريفين: «إذا كنت تدرس بجدية الترشح لمنصب سياسي، لا يمكنك العمل محاورا في برنامج أو العمل محللا عاما». لبعض الوقت، بدا ماثيوز وكأنه يعكف بجدية على دراسة الترشح لعضوية مجلس الشيوخ، لكنه لاحقا أوضح أنه كان يتحدث عن الأشخاص الذين اتخذوا خطوة رسمية نحو الترشح.

في حالة فورد، وهو عضو بالحزب الديمقراطي ربما يدخل في تنافس مع كريستين إي. غيليبراند في السباق على نيل عضوية مجلس الشيوخ هذا العام، «بمجرد أن لمح أمامي لتفكيره في الترشح، قمنا بتجميد عمله كمحلل سياسي»، حسبما ذكر غريفين. وأضاف أن هذا الأمر وقع منذ عدة أسابيع ماضية، منوها بأنه جرت لقاءات عبر شاشات «إم إس إن بي سي» مع غيليبراند منذ ذلك الحين.

الواضح أن «فوكس نيوز» جاء رد فعلها مختلفا مع مكغلوان، التي عملت محللة سياسية طيلة 11 عاما لصالح القناة، وكانت تستعد للترشح عن الحزب الجمهوري لعضوية مجلس النواب عن مسيسيبي منذ سبتمبر (أيلول). الاثنين الماضي، انتهى تعاقدها مع «فوكس نيوز» وشرعت رسميا في حملتها الانتخابية في اليوم ذاته.

وفي سؤال لها حول ما إذا كانت جهودها للترشح ستستفيد من ارتباطها بـ«فوكس»، أجابت مكغلوان: «أعتقد أنه سيسهم في الاستعداد للترشح، وسيساعدني في بناء اسم معروف».

وأضافت، خلال مقابلة أجريت معها عبر الهاتف، الجمعة: «لكن عملي في (فوكس نيوز) ليس كافيا وحده لمنحي الفوز في الترشح».

على نحو أقل وضوحا، يساعد الظهور في التلفزيون المرشحين المسابقين والمحتملين، مثال بالين، الحاكمة السابقة لألاسكا، وهوكابي، الحاكم السابق لأركنساس الذي يتولى تقديم برنامج أسبوعي على قناة «فوكس».

ثارت الدهشة داخل واشنطن عندما روج برنامج «فوكس نيوز صنداي» لما وصفه المذيع كريس والاس بأنه «مقابلة حصرية» مع بالين في 7 فبراير (شباط)، وذلك بالنظر إلى أن بالين تتلقى أجرا من «فوكس». (وقد اعترف والاس بعملها محللة سياسية لدى القناة أثناء المقابلة). وأشار مسؤول تنفيذي تلفزيوني آخر طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له بالتعليق على «فوكس» من قبل الشبكة التي يعمل لديها، إلى أنه «يروق للبعض إطلاق النكات في كل مرة تقدم (فوكس) واحدا منهم على شاشاتها، إنهم يسهمون فعليا في حملاتهم المستقبلية». من ناحية أخرى، رفض المسؤولون التنفيذيون في «فوكس نيوز» التعليق من أجل هذا المقال، ولم تستجب القناة لسلسلة من التساؤلات الكتابية بشأن المحللين العاملين لديها. ولم يؤكدوا على ما إذا كان غنغريتش يعمل بأجر حاليا في القناة، لكن موقع «فوكس نيوز» على شبكة الإنترنت يشير إليه باعتباره كذلك. داخل «سي إن بي سي»، يدور حديث حول إمكانية ترشح كولدو لمجلس الشيوخ، هذه المرة عن مقعد نيويورك الذي يشغله تشارلز إي. شومر. ورغم أن «مسودة لحملة كودلو» أثارت بعض الضجة، فإن متحدثا رسميا باسم «سي إن بي سي» قال، الجمعة، إن كودلو «لا يفكر جديا في الترشح لعضوية مجلس الشيوخ».

وأضاف المتحدث، بريان ستيل: «إذا تغير هذا الوضع، فلا بد وأن علاقته بـ«سي إن بي سي» ستتغير أيضا».

* خدمة «نيويورك تايمز»