المؤسسات الصحافية ما زالت تخوض صراعا للاطلاع على الوثائق رغم الأزمة المالية

العديد من الشركات قلصت ميزانيتها لغرف الأخبار

TT

في الخريف الماضي، رفعت شركة «هارست»، كبرى الشركات العالمية التي تمتلك العديد من الصحف والمجلات والمحطات التلفزيونية، دعوى قانونية ضد مكتب حاكم تكساس كي تتمكن من الاطلاع على التماس البراءة الخاص بكاميرون تود ولينغام الذي أعدم في عام 2004 والتي ظهرت مزاعم أخيرا حول براءته. وهو ذلك النوع من القضايا - ربما يكون ولينغهام بريئا ولكنه لم يعد هناك سبيل لإنقاذه الآن - الذي لا نتوقع أن تتبناه مؤسسة إخبارية في ظل الأزمة الاقتصادية التي فرضت تقليص الموارد الصحافية في كافة أنحاء تلك الصناعة.

وبالفعل، قللت المؤسسات الصحافية مشاركتها في الواجبات المدنية مثل المعارك القانونية المتعلقة بالفوز بحق الاطلاع على المعلومات الحكومية فيما قلصت العديد من الشركات الأخرى ميزانيتها لغرف الأخبار.

ولكن بالرغم من أن العديد من الصحف الإقليمية كانت تختار ألا تنفق الأموال على المحامين - أو كانت تطلب منهم العمل خدمة للمصالح العامة - ظهر توجه جديد رسم بعدا آخر للقصة، وفقا لما يقوله النشطاء الصحافيون والمحامون النشطاء في مجال الحريات. وذلك حيث كانت الشركات الكبرى مثل «هيرست» و«أسوشييتد برس» تعزز جهودها القانونية في صمت من خلال رفع المزيد من القضايا ولكن بالاستعانة بجهودهم الذاتية فقط؛ حيث يقللون التكلفة باستغنائهم عن تعيين محامين من الخارج؛ بالإضافة إلى أنهم يتخذون مواقف أكثر حسما في الولايات التي يستطيعون فيها استرداد المصروفات القانونية وعلى المستوى الفيدرالي، والذي يسمح لجانب الادعاء بالمطالبة بالمصروفات القضائية في حالة فوزه بالقضية.

ومن جهته، يقول كبير المحامين بـ«هيرست» إن القضايا المتعلقة بـ«التعديل الأول للدستور الأميركي» تزايدت في كافة أنحاء البلاد في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى.

ومن جهتها، تقول إيف بارتون، نائب الرئيس والمستشار العام لـ«هيرست»: «أعتقد أننا الشركة الإعلامية الوحيدة التي ترفع أكبر عدد من قضايا الاطلاع». وتضيف إيف «كلما زاد حقنا في الاطلاع على المعلومات، قل تعرضنا لقضايا القذف».

ومن جهة أخرى يؤكد المحامون العاملون بـ«أسوشييتد برس»، وهي المؤسسة التي يمتلكها الأعضاء في الصحيفة، إنهم أصبحوا أكثر حزما في عدة جبهات. ففي عام 2009، كانت الوكالة طرفا في نحو 40 قضية، وهو ما يزيد قليلا على السنوات الأربع السابقة التي كان عدد القضايا بها يصل إلى 30 قضية فقط، وفقا لديف توملين المستشار العام لـ«أسوشييتد برس».

ولكن «أسوشييتد برس» كانت أكثر حزما فيما يتعلق بالالتماس في الطلبات المرفوضة والمتعلقة بقانون حرية المعلومات في ظل إدارة أوباما التي وصلت للسلطة من خلال وعود بحكومة أكثر انفتاحا وتغيير ما كان يشتكي منه بعض المحامين الإعلاميين باعتباره توجها صوب المزيد من السرية الحكومية في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية.

فيقول توملين: «بعد هجمات 11 سبتمبر، شعرت بأن العناصر الانهزامية تقف وراء السرية الحكومية». وأضاف أن المنظمات الإخبارية لم تكن في العادة مضطرة إلى تقديم التماسات متعلقة برفض اطلاعها على المعلومات.

وفيما يتعلق بالالتماسات، ترسل «أسوشييتد برس» التي عينت السنة الماضية المحامية الجديدة، كران كايسر، المستندات القانونية وفي بعض الأحيان مجرد خطاب يمثل في العادة مذكرة قانونية كاملة إلى الهيئات المختصة بالمعلومات. فيقول توملين: «نحن نجعلهم يشعرون بما ستكون عليه القضية القانونية».

ووفقا لكايسر، قدمت «أسوشييتد برس» خلال العام الماضي 40 التماسا تم البت في 28 منها، حيث حققت الوكالة مكاسب في 24 منها. وتضيف كايسر: «لقد قررنا أن نكون حازمين، لأننا نعتقد أن ذلك هو السبيل الوحيد لإجبار الهيئات المختلفة على الالتزام بالقانون».

وفي واحدة من القضايا خلال العام الماضي، طلبت «أسوشييتد برس» الاطلاع على أجندة مواعيد وزير المالية تيموثي غايتنر بالإضافة إلى المراسلات بينه وبين التنفيذيين بوول ستريت. وبعد سبعة أشهر من المناقشات المستمرة، أرسلت كايسر شكوى مفادها أنها على استعداد لرفع قضية أمام محكمة نيويورك. وفي ظل التهديد برفع دعوى قانونية، أفرجت وزارة المالية عن المستندات.

وفي قضية أخرى تتعلق ببيانات من وزارة النقل، كانت «أسوشييتد برس» قد طلبت معلومات حول برنامج «المال في مقابل سيارات الخردة». وبعد أربعة أشهر، قامت «أسوشييتد برس» بتقديم التماس، استجابت له الوزارة، ونشرت البيانات - ما يوازي 13 ألف صفحة - على شبكة الإنترنت. ومما لا شك فيه أنه خلال العام الماضي، انتقل تركيز مثل تلك الأعمال من القضايا المتعلقة بالأمن القومي إلى عالم المال والأعمال خاصة الهيئات الحكومية ذات الصلة بخطة الإنقاذ المالية للبنوك وصناعة السيارات.

فعلى سبيل المثال، قامت «بلومبرغ إل بي» برفع قضية على بنك الاحتياطي الفيدرالي للاطلاع على الوثائق المتعلقة بخطة الإنقاذ المالية.

ومن جهة أخرى، تقول «نيويورك تايمز» إنها لم تتخل عن الجهود القانونية التي كانت تقوم بها رغم الضغوط المالية التي ترزح تحت وطأتها الصناعة. فيقول جورج فريمان، مساعد المستشار العام لـ«نيويورك تايمز»: «لقد كانت التايمز هي من بدأ القضايا المتعلقة بقانون حرية المعلومات، وما زالت تعمل عليها، خاصة حينما تحاول الحكومة إعاقتنا في القضايا ذات الأهمية الصحافية القصوى وتنكص بالتزامها بقانون حرية المعلومات. بل إننا استحدثنا منصبا جديدا لمساعدة صحافيينا على رفع القضايا المتعلقة بقانون حرية المعلومات».

ومن جهة أخرى، تقول بارتون من «هيرست» إن الشركة لديها 18 دعوى قضائية حاليا - وهو أكبر عدد على الإطلاق -، ربما يكون أكثرها شهرة هي القضية المتعلقة بعقوبة الإعدام في تكساس، التي تمتلك بها «هيرست» صحيفة «ذا هوستن كرونيكل».

وقد شجعت القضية – التي تتركز حول قرار إعدام ولينغام في 2004 والذي أدين بتهمة إشعال النيران في عام 1991 التي أسفرت عن مقتل أولاده الثلاثة - هؤلاء الذين يعملون بالنيابة عن المتهمين الذين لديهم مزاعم قوية بالبراءة.

ومن جهة أخرى، أبدى هؤلاء الناس – المحامون والنشطاء - تحسرا على التخفيضات الحادة في غرف الأخبار التي تشهدها الصناعة في كافة أنحاء البلاد، قائلين إنهم كانوا يعتمدون لسنوات على عمل المحررين المحققين في إبراز الجور القضائي. فيقول باري شيك، المؤسس المساعد لمشروع البراءة بنيويورك والذي يتبع مدرسة بنجامين كادوزو للقانون والذي كان مشاركا في قضية ولينغام: يمثل رفع «ذا كروينكل» و«هيرست» لتلك القضايا أهمية قصوى بالنسبة لنا. حيث إننا لا نملك الوقت الكافي أو الموارد. وأضاف: إلى جانب العنصر الرقابي فيما قامت به «هيرست» في تلك القضية. فقد تم تعزيز الحجة في قصة ولينغام ليس فقط من خلال جهود «هيرست» القانونية بل من خلال الموارد الصحافية القوية.

فقد جاءت القضية التي رفعتها «هيرست» عقب مقال شامل يتكون من 16 ألف كلمة نشر في مجلة «نيويورك» للكاتب دايفيد غران احتج من خلاله على أن العلم الذي يكمن خلف إدانة ولينغام بالحريق العمدي كانت تشوبه العديد من الشوائب. وأصبحت تلك القضايا أحد الأشياء الرئيسية التي يعتمد عليها النشطاء ضد عقوبة الإعدام والذين كانوا لسنوات عديدة يبحثون عن القضايا التي يستطيعون عبرها تعضيد إمكانية تعرض شخص بريء للإعدام.

وبالرغم من أن تلك القضية لا تمثل الكأس المقدسة الزائفة لقضيتهم نظرا لأنه لا يوجد دليل يتعلق بالحمض النووي يمكن اختباره – والذي كان بإمكانه إثبات البراءة بالدليل العلمي القاطع - فإن العديد احتفوا بها نظرا لأن العلم المتعلق بحرائق المباني والذي استخدم في إدانة ولينغام تعرض للطعن على يد الخبراء، في مقال غران وغيره.

فيقول غران: «لقد استغرقت قصة ولينغام عدة أشهر وتكلفت قدرا طائلا من المال. ولكنني كنت أعمل في مكان يدعمني تماما. فقد أظهروا التزاما هائلا من جانبهم». ولكن الجهود التي تبذلها «هيرست» و«أسوشييتد برس» تتناقض مع الواقع على المستويات الأدنى، حيث نأت الصحف المحلية والإقليمية بنفسها عن اتخاذ إجراءات قانونية أكثر صرامة بل وفي العديد من الحالات كانت تنأى بنفسها عن التقارير التحقيقية.

فيقول تشارلز دايفيز، المدير التنفيذي بحلف الحرية القومية للمعلومات بجامعة ميسوري: يجب أن أعترف بوجود فجوة بين عالمي «هيرست» وكافة الصحف الصغيرة المنتشرة في كافة أنحاء البلاد.

ومن جهة أخرى، عادت لوسي دالغليش، المدير التنفيذي للجنة الصحافية لحرية الصحافة، أخيرا من اجتماع مع المحامين الإعلاميين بفلوريدا الذين يستهدفون العمل كمستشارين من الخارج للعديد من الصحف، وأكدت أنها سمعت قصة مختلفة تماما عن تلك التي تتحدث حولها «هيرست» و«أسوشييتد برس». فتقول: «يؤكد جميعهم أن قضايا الحق في الاطلاع على المعلومات صعبة للغاية. وأعتقد أننا جميعا نواجه صعوبات».

ومن جهة أخرى، تقول السيدة دالغليش إنه جاءتها شكاوى متكررة من المحامين تتعلق بأن الصحف أصبحت تطلب منهم العمل في خدمة الأغراض العامة. وتضيف: «وتقول الصحف إذا ما ساءت الأحوال سوف نطلب من المحامين العمل بالمجان».

* خدمة «نيويورك تايمز»