ليليان لاندور: لا تجوز مقارنة «بي بي سي» العربية بقنوات أخرى

مديرة الخدمة العربية لـ «الشرق الأوسط»: خطتنا الجديدة إنتاج البرامج الإنسانية وطرح أسئلة بلا قيود

ليليان لاندور (تصوير: حاتم عويضة)
TT

عندما انطلقت قناة «بي بي سي» بالعربية في 11 مارس (آذار) 2008، طرحت عدة أسئلة من بينها: هل ستقوم القناة البريطانية العربية الجديدة بمنافسة كل من «الجزيرة» و«العربية»؟ وكيف ستكون سياستها حيال المنطقة العربية التي تكثر فيها بؤر التوتر؟

في حين رأى البعض أن قناة «بي بي سي» العربية لن تدخل في معركة تنافسية مع القنوات العربية الفضائية الأخرى لأنها تنضوي تحت لواء هيئة الإذاعة البريطانية التي تتمتع بباع طويل من الخبرة في المجال الإعلامي يتعدى 70 عاما، كما أن للقناة تقاليدها ومهنيتها العالية، وهذا ما أكدته ليليان لاندور رئيسة قطاع الشرق الأوسط في خدمة «بي بي سي العالمية» في مقابلة أجرتها معها «الشرق الأوسط»، واستهلت لاندور حديثها بمسألة المقارنة بين «بي بي سي» العربية والقنوات العربية البارزة الأخرى، معلقة أنه لا يجوز أن نقارن مؤسسة إعلامية مثل «بي بي سي» مع أي قناة عربية أخرى، والسبب يعود إلى أن لكل قناة هوية ومهمة، كما أن «بي بي سي» هي مؤسسة قديمة لها جذورها في بريطانيا. فإلى نص الحوار:

* ما تعليقك على التغييرات التي طرأت على الإدارة في خدمة «بي بي سي» العربية في الآونة الأخيرة؟

- من الصعب الرد على هذا السؤال، لأنه لم يطرأ تغيير في حد ذاته على الإدارة إنما ما حصل هو أن جيري تيمنز الذي كان مسؤولا عن المنطقة العربية وأفريقيا أصبح مسؤولا عن خدمة «بي بي سي» في أفريقيا في حين تم تسليمي رئاسة القسم الخاص بالعالم العربي وشمال أفريقيا. وبعد ترك صلاح نجم «بي بي سي» ليتفرغ للعمل في «الجزيرة» الإنجليزية تولى فارس خوري منصب نجم، أما بالنسبة إلى حسام السكري فهو لا يزال يترأس شبكة الإنترنت العربية على «بي بي سي» وهو يتولى أيضا برنامج «غرينيتش 710».

* هل هناك تغيرات طارئة على البرامج ومحتواها؟

- من المهم جدا تجويد نوعية البرامج بكل أشكالها والعمل على محتواها أيضا، لذا نسعى حاليا للعمل على برامج تلقي الضوء على الجانب الإنساني، لأن «بي بي سي» العربية يجب أن تقدم للمشاهد العربي أينما كان في العالم، كل ما يجري حول العالم وليس فقط في العالم العربي.

ومن بين البرامج التي نعمل عليها حاليا برنامج «المهم والأهم» لسام فرح، ومدة هذا البرنامج 30 دقيقة يتم خلالها لقاء شخصية عربية لافتة ولكنها غير معروفة، فهناك الكثير من الشخصيات من خارج عالم المشاهير بإمكانهم صناعة مادة إعلامية جذابة تهم كل مشاهد، فمن ضيوف البرنامج كارلوس غصن، وعلاء الأسواني، وامرأة أميركية من أصول فلسطينية تعاني الشلل تعمل في تقديم الفكاهة على طريقة «ستاند أب كوميدي»، ويرصد سام في الحلقة يوما كاملا في حياتها، الحلقة أكثر من رائعة لأن الأهم في الموضوع هو التركيز على الجانب الإنساني ونقل القصص من الواقع والتطرق إلى موضوعات شائكة تعرف بالتابوهات في عالمنا العربي يصعب التكلم عنها، ولو أننا نعرف أنها موجودة لدينا ومتغلغلة في مجتمعاتنا، مثل موضوع عذرية الفتيات وموضوع مثليي الجنس وموضوع تغيير الأديان وغيرها من الموضوعات الحساسة من منطقة الخليج إلى شمال أفريقيا وبلاد الشام، وهنا يجب التركيز على نقطة مهمة وهي أننا لم نختَرْ هذه الموضوعات لتحقيق سبق صحافي إنما لعرض الموضوعات التي لا يجرؤ أحد على التكلم فيها علنا، ولكن القناة مسؤولة عن أعمالها ولا يهمها أن تحقق السبق الصحافي على حساب أمن وحماية الشخص المشارك في البرنامج، وأذكر هنا بأننا سوف نقوم بتغطية وجه المشترك في البرنامج إذا ما رأينا بأن ظهوره من شأنه أن يعرض حياته للخطر. وأضيف أننا نعمل حاليا على برنامج كامل عن اليهود في لبنان.

* هل توافقين على شراء البرامج الأجنبية الجاهزة وتعريبها؟

- لا، أعتقد أنه آن الأوان لأن نعتمد على أدمغتنا لإنتاج برامجنا الخاصة، أنا لست مع فكرة شراء البرامج الجاهزة، لأنها في الكثير من الأحيان نجدها غير مناسبة لثقافتنا، كما أننا في العالم العربي لدينا الكثير من الأدمغة الإعلامية المنتجة لذا يجب أن نبدع في خلق الأفكار الجديدة التي تهم مشاهدينا.

* هناك من وصف بداية مشوار «بي بي سي» العربية بالخطوة الناقصة بسبب ساعات البث الـ12 فقط بالمقارنة مع بداية قنوات عربية أخرى.

- كما ذكرت آنفا، أنا لا أحب المقارنة على الإطلاق، لأنها لا تجوز، نحن نتكلم عن شيء حصل منذ سنتين، في حينها لم تكن القناة مؤهلة للبث على مدار الساعة، وكانت أول قناة تابعة لـ«بي بي سي» تبث بلغة غير إنجليزية، وأنا أرى أن ساعات البث القليلة لم تؤثر على مسيرة القناة.

* من الانتقادات أيضا عدم تميز خدمة «بي بي سي» العربية بتغطيات وأخبار خاصة بها في المناطق الساخنة، على غرار «بي بي سي» الإنجليزية الأم.

- ما يسعني قوله، هو أن الخدمة العربية لا تزال في بداية المشوار بعد سنتين على إطلاقها، وهي صغيرة بالنسبة إلى «بي بي سي»، المؤسسة التي تملك الكثير من المراسلين، أنا أوافق رأي النقاد، فمن الضروري تقديم الأخبار الخاصة، وها نحن اليوم نسعى لتقديم الأفضل لإرضاء المشاهدين. تتوجب على الخدمة العربية مسؤولية ضخمة جدا لانها تحمل اسم مؤسسة بعراقة «بي بي سي»، لذا أنا أعيد وأوافق على أن الخدمة العربية يجب أن تقدم الأخبار الخاصة بشكل مستدام.

نحن اليوم بصدد تحضير برامج مهمة جدا عن العراق تواكب فترة الانتخابات، والمهم هنا الجانب الإنساني، كالتكلم عن النساء في الانتخابات، والأقليات الدينية. وغيرها من الموضوعات بعيدا عن تصريحات الزعماء التقليدية.

* هل هناك معوقات تواجه الخدمة العربية كونها تابعة لقناة بريطانية؟

- لا، بل على العكس، فباستطاعة الخدمة العربية الاستفادة لكونها مملوكة من الحكومة البريطانية، وأعطيك مثالا حيا على ذلك: منذ نحو أسبوع رفض مصعب حسن يوسف ابن أحد مؤسسي حركة حماس التكلم إلى أي مؤسسة إعلامية ناطقة بالعربية، لأنه قرر أن يقدم تصريحات باللغة الإنجليزية فقط، لقناة أجنبية، فاستطاعت كل من قناة «سي إن إن» وراديو «بي بي سي» أخذ تصريحات منه، وفي الحال قمنا في الخدمة العربية بترجمة المقابلة إلى العربية وبثها على التلفزيون وعلى موقع الإنترنت.

«بي بي سي» معروفة لكونها بريطانية، والمعروف عن الخدمة العربية أنها توظف عربا، وبالتالي فهي ليست «سي إن إن» أو «الحرة» أو «القناة الفرنسية الرابعة»، فالكل يعرف سياسة ومنهج «بي بي سي» غير المتحيزين.

زرت لبنان مؤخرا ولم أسمع من أحد بأنه ينظر إلى الخدمة العربية لكونها بريطانية، إنها قناة عربية تُعنى بالشأن العربي لكنها تتحلى بصفات المؤسسة الأهم وهي عدم التحيز وتسمية الأشياء بأسمائها.

في اجتماعات التحرير نقضي معظم أوقاتنا في التنبه إلى مسألة المصطلحات فهي مسألة مهمة أضعها على سلم أولوياتي وتشغل بالي، وعلى سبيل المثال، لا يجوز تسمية الذين يسقطون في فلسطين ضحايا «شهداء».

* هل هناك أي قيود تعاني منها الخدمة العربية؟

- لا توجد أي قيود، فلا أحد يتدخل في التحرير ولا أحد يفرض علينا فكرة، وهذه السياسة الخاصة بـ«بي بي سي» بشكل عام، تطبق في جميع خدمات هيئة الإذاعة البريطانية الناطقة بثلاث وثلاثين لغة.

* هل عاود مكتبكم في السعودية العمل؟ وهل كان سبب التوقف سياسيا؟

- المكتب مفتوح ويعمل على قدم وساق، ونحن نملك نخبة من المراسلين والصحافيين العاملين في مكتبنا في السعودية. سبب التوقف عن العمل لفترة كان سببه تفاصيل خاصة بعقد الإيجار وليس هناك أي سبب سياسي خلفه.

* كيف تواكبون عالم التكنولوجيا في توصيل الأخبار في أسرع وقت؟

- أنا أسعى إلى توصيل «بي بي سي» العربية إلى أكبر عدد من العرب حول العالم، لكن المشكلة أن هناك عائقا يقف حيال انتشار القناة مثلما نود، ففي لبنان أو القاهرة يتم توزيع القنوات العربية عن طريق موزعين لقاء مبالغ لا تزيد على 10 دولارات عن طريق القرصنة، وليس من الممكن التأكد من وصول القنوات إلى المنتسبين، فما يهمني هو انتشار القناة لإيصال أفكارنا وبرامجنا التي تهم كل عربي أينما كان حول العالم، ولو أن الخدمة العربية تتمتع بانتشار واسع على شبكة الإنترنت وعن طريق توصيل الأخبار عبر الهواتف الجوالة بسرعة فائقة، ولكن ي رأيي يجب أن تتمتع القناة بقاعدة جماهيرية أكبر عن طريق وضعها على خارطة القنوات التي تصل إلى كل عربي.

* خبرتك في المجال الإعلامي اكتسبتِها في الغرب، كيف يمكنك الموازنة بين الخلفية الغربية التي تتمتعين بها وتقديم ما هو مناسب للمشاهد العربي؟

- السؤال مهم جدا، فصحيح أنني عملت طوال حياتي في أوروبا، وأنا ابنة «بي بي سي» لأني عملت فيها أكثر من 20 سنة. الصحافة والإعلام في الغرب متقدم، ويجب مراعاة ما نقدمه للمشاهد العربي، إنما أرفض، فرض فكرة أن المشاهد العربي لا يجذبه إلا الأخبار العربية ولا يهمه إلا السياسة والنشرات الإخبارية، فالمشاهد العربي مثله مثل أي مشاهد من أي جنسية أخرى، فضولي ويحب أن يعرف معلومة جديدة، فلا أعتقد أن المشاهد العربي يهمه سماع خبر لقاء رئيس عربي ما مع رئيس حكومة ما، إنما ما يهمه هو لقطة صغيرة رشحت عن اللقاء، ما يصنع الخبر هو الشخص العادي وليس بالضرورة السياسي، والصحافي البارع هو من يستطيع أن تلقط عينه فكرة، ومعرفة كيفية طرحها وتقديمها للمشاهد.

* ما الذي يصنع من الخبر مادة إعلامية دسمة؟

- أعتقد أن طريقة طرح الفكرة وكيفية إيصالها إلى المشاهد هي فن في حد ذاتها، فيجب على الصحافي أن يعرف كيف يروي عطش المعرفة والفضول لدى المشاهد، فالقصص الإنسانية مهمة جدا وتشد كل مشاهد، فلا يكفي أن نكتب وننشر صور الزلازل مثلما حصل في تشيلي أو هايتي، إنما يجب رصد المواجع الإنسانية، وهنا أعود وأقول إن المشاهد العربي لا تهمه فقط الأخبار العربية إنما ما يهمه هو مواكبة الأحداث بشتى مواقعها.

* هل ستتأثر الخدمة العربية بخطة تقليصات «بي بي سي»؟

- خطة التقليصات ستطبق فقط على الاقسام المحلية لـ«بي بي سي» في بريطانيا، وإقفال بعض الإذاعات، لا يعني أن هيئة الإذاعة البريطانية في مأزق اقتصادي، ولو أن بريطانيا لا تزال تعاني الأزمة الاقتصادية، إنما الخطة ترنو إلى تدوير الميزانيات وتوظيفها في أقسام مختلفة، فالإقفال لن يكون بمعنى الإقفال، إنما إعادة استثمار الميزانيات في مواقع أخرى. والخدمة العربية خارج الموضوع.