مجلة تابلويد تخطط لفتح مكتب في واشنطن للتنقيب عن فضائح السياسيين

«ناشيونال إنكوايرر» لديها قصب السبق للقيام بما تنأى عنه الصحف الأخرى

«ناشيونال إنكوايرر» وخطط لاستهداف السياسيين وملاحقة فضائحم (نيويورك تايمز)
TT

تلقى مكتب مجلة «ناشيونال إنكوايرر» بلوس أنجليس - ذلك النوع من مجلات التابلويد التي يتم طرحها تحت شعار «سوف ندفع جيدا في مقابل شائعات المشاهير التي تأتينا بها» - مكالمة هاتفية في أواخر سبتمبر (أيلول) 2007 تتعلق بامرأة تدعى ريلي هانتر تلمح لوجود علاقة بينها وبين جون إدواردز الذي كان مرشحا للرئاسة في ذلك الوقت.

وخلال ساعة كانت المعلومة قد أصبحت على مكتب باري ليفين، المدير التنفيذي لـ«إنكوايرر» بنيويورك. ولم يكن قراؤه يهتمون بالأخبار السياسية الصرفة خاصة إذا ما كانت هناك زيجات هوليوودية مثيرة يمكن الكشف عن تفاصيلها أو صور فضائحية تم اختلاسها لبعض النجوم. ولكن هذه القصة أثارت اهتمام ليفين خصوصا بعدما قام بعمل بحث حول إدواردز على محرك البحث «غوغل» ووجد استفتاء يشير إلى أن المرشح إدواردز وزوجته إليزابيث يعدان من أكثر الزيجات نجاحا وإثارة للإعجاب بين المرشحين كافة، مما يعني أن إدواردز يحظى باحترام وتوقير الناخبين وأن الكشف عن تورطه في علاقة غرامية ربما يقضي عليه، هو ما يتوافق مع منهج «إنكوايرر» الذي يعتمد، وفقا لما يقوله ليفين، على أن «يكشف للقارئ أن الأثرياء والأشخاص الذين يحظون بإعجابه لديهم نفس المشكلات التي يواجهها في حياته العادية».

وبقيامه بجمع التقارير والمعلومات معا كي يتحقق من صحة تلك الإشاعة كان ليفين يقوم بشيء غير اعتيادي، ليس فقط في ما يتعلق بالقضاء على مرشح رئاسي يحظى باحترام الجماهير، ولكن بالنسبة إلى المجلة التي تعتمد في العادة على الإثارة، حيث إنه كان يقوم بشيء يرقى إلى الاحترام والمصداقية.

وباعتبارها المجلة الأولى، وإلى حد كبير المجلة الوحيدة، التي لاحقت قصة العلاقة العاطفية لإدواردز في الفترة التي كان ينكر فيها وجود تلك العلاقة الغرامية وينكر أبوته لطفل خارج نطاق الزواج، فمن المحتمل أن تحصل «إنكوايرر» على جائزة «بوليتزر»، خصوصا لأنها تحظى بتأييد واسع من الصحافيين الآخرين. وقد دفع ذلك النجاح ليفاين إلى أن يفكر في إقامة مكتب بواشنطن للتفتيش في فضائح السياسيين.

وقد يكون ذلك هو الوقت الملائم لازدهار «إنكوايرر»، خصوصا أن شركتها الأم، «أميركان ميديا»، أوشكت على إعلان إفلاسها خلال العام الماضي.

ومن جهة أخرى، يزعم أحد المحررين السابقين أن الشركة دفعت «تايغر وودز» إلى الظهور على الغلاف في مطبوعة «مينز فيتنس» الشقيقة في عام 2007 في مقابل عدم نشر مقال بـ«إنكوايرر» حول خيانته الزوجية (رفض دايفيد بيكر رئيس «أميركاز ميديا» التعليق على ذلك الموضوع ولكنه أكد أنه لا يعقد صفقات بشأن تغطية الموضوعات).

وفي ما يتعلق بسباق «إنكوايرر»، لم تكن المنافسة أكثر حدة من ذلك، خصوصا في ظل وجود منظمات مثل «تي إم زد» بالإضافة إلى الصحف التقليدية التي تفتش في الحياة الشخصية للمشاهير. ولكن «إنكوايرر» لديها قصب السبق لأنها تقوم بما تنأى الصحف الأخرى بنفسها عن عمله. فقد نشرت تقارير حول قصة إدواردز وأنفقت مئات الآلاف من الدولارات على النفقات، وقامت بالمراقبة، ودفعت للمخبرين، ونشرت مقالات اعتمدت بالكامل على مصادر مجهولة.

وقد أثارت هذه الإجراءات جدلا حول إذا ما كانت «إنكوايرر» مؤهلة بالأساس لجائزة «بوليتزر» وهي أعظم الجوائز الصحافية. فتقول كيلي ماكبرايد، رئيسة جماعة الدفاع عن القيم الأخلاقية بمعهد «بوينتر» رغم تأييدها دخول المجلة لمنافسات الفوز بجائزة «بوليتزر»: «عندما تدفع للناس في مقابل الحصول على معلومات منهم، فإن المعلومات نفسها تصبح مشوهة».

ومن جهته قال ليونارد داوني المحرر التنفيذي السابق بـ«واشنطن بوست» إنه ليس معترضا ما دامت «إنكوايرر» لا تدفع لمصادرها الذين استعانت بهم في الموضوعات المرشحة للجائزة. ومن جهة أخرى، أكد ليفاين أن صحيفته لم تدفع للمصادر مقابل الحصول على معلومات، ولكن قال إن الصحيفة غير نادمة على استخدام تلك الممارسات في الموضوعات السابقة المتعلقة بإدواردز.

وأضاف ليفاين حول الصحف الرئيسية: «أعتقد أنهم ينظرون إلينا باعتبارنا الطرف الأضعف، فنحن نمثل الكثير مما يتعالون هم عليه، ولكننا نستطيع، في الوقت نفسه التغلب عليهم في لعبتهم الخاصة».

ومع ذلك، تخضع لعبتهم الخاصة لقوانين صارمة، فيقول سيغ غيسلر المسؤول عن جوائز «بوليتزر» في رسالة إلكترونية إنه على الرغم من أن لجنة الجائزة لن تتحدث حول ترشيحاتها، أو تدلي بتصريحات فيها تلميح إلى النتائج، فإن أي صحيفة أميركية تنشر على الأقل مرة أسبوعيا يمكنها المشاركة.

ويضيف غيسلر: «كما أن تحديد أهلية المرشحين يخضع للجنة ولهيئة (بوليتزر)»، وأضاف أن الجائزة سيتمّ منحها عن الأعمال التي نُشرت في عام 2009 فقط. ومعظم التحقيقات التي كانت تعالج قصة إدواردز نُشرت قبل ذلك.

وبعد الخبر الأول الذي نُشر في 24 سبتمبر (أيلول) 2007، بدأت «إنكوايرر» في جمع خيوط القصة. وفي عدد 22 أكتوبر (تشرين الثاني) من نفس العام، كانت قد تواصلت مع عدد كافٍ من المصادر حول الحملة، وحصلت على الأقل على تأكيد هانتر وجود علاقة بينها وبين إدواردز. في ذلك الوقت نشر المحرر دايفيد بيريل مقالا حول خيانة إدواردز ولكنه حجب اسم عشيقته.

لقد كانت المجلة تلعب صحافة البينغ بونغ، حيث تقذف بالكرة عبر الطاولة وتنتظر كيف سترتد لها. ولكن سرعان ما حدد المدونون اسم المرأة وفقا لأوصافها في المقال، حيث إنها كانت تعمل مصورة فيديو في حملة إدواردز، وهو ما أدى إلى حصولها على المزيد من المعلومات، حيث علمت المجلة أن هانتر حامل، وأنها نقلت إلى مجتمع منعزل بنورث كارولينا على مقربة من أندرو يانغ مساعد إدواردز الذي نشر مؤخرا كتابا يروي فيه الحقيقة كاملة في كتاب بعنوان «السياسي»، ومن ثم استأجرت الصحيفة على الفور بيتا صغيرا هناك كي يتمكن صحافيوها من المرور عبر البوابات التي تخضع لحراسة قوية.

وعندما لم يجدوها في ذلك المكان، جمع الصحافيون قائمة بأسماء أطباء النساء المحليين، ولأن الصحافيين بـ«إنكوايرر» لا يستطيعون دفع أجور للمسؤولين الطبيين (لأن ذلك ينتهك قوانين خصوصية الرعاية الصحية)، فقد طلبوا الحصول على معلومات بشأن طبيبها وقلصوا البحث إلى طبيبين أو ثلاثة، وهو ما استغرق أكثر من أسبوعين.

وقد شهد يوم الأربعاء 12 ديسمبر (كانون الأول) ارتفاعا قياسيا في درجات الحرارة في كاري بنورث كارولينا، حيث كانت توقعات الأرصاد تشير إلى أن درجة الحرارة من المحتمل أن تصل إلى 80 درجة. وقد اتفق أن ذلك هو اليوم الذي تم تحديد موعد فيه مع السيدة هانتر التي كانت ترتدي قميصا قطنيا خفيفا وبنطلون جينز يكشفان حملها. فيقول ليفاين: «إذا جاءت ذلك اليوم وهي ترتدي معطفا ثقيلا لما تَمكنّا من التقاط الصورة لها». حيث تمكن المصور من التقاط سلسلة من اللقطات لها في أثناء اقترابها.

وبعدما اتصلت «إنكوايرر» بفريق إدواردز للحصول على تعليق، تلقت المجلة اتصالات من محاميي يونغ، وهانتر يؤكدان فيها أن يونغ هو أبو الطفل. ولكن فريق «إنكوايرر» لم يصدق هذه الرواية.

يقول بيريل: «لا أعرف الكثير من الرجال الذين لديهم الشجاعة الكافية لاصطحاب عشيقاتهم إلى زوجاتهم في المنزل». وفي عددها الصادر في 31 ديسمبر، نشرت «إنكوايرر» تحقيقها على ثلاث صفحات تحت عنوان «فضيحة الابن غير الشرعي لجون إدواردز»، التي شارك في تحريرها سبعة من المحررين.

ثم لم يحدث أي شيء، حيث لم يكن فعليا هناك أي متابعة للقصة في وسائل الإعلام الأخرى. وعن ذلك قالت بعض المنظمات الإخبارية إنها لم يكن بوسعهم تأييد تلك المزاعم، فيما قالت بعض المنظمات الأخرى إن تلك الأخبار كانت تبدو غير جديرة بالثقة، حيث إنها تأتي من إحدى صحف التابلويد. وكان هناك سبب آخر سياسي، حيث أعلن إدواردز في نهاية يناير (كانون الثاني) 2008 انسحابه كمرشح للرئاسة.

فيقول بيريل: «عندما لم تخلق تلك القصة الضجة المتوقعة، بعد كل الجهد الذي بذلناه، مررنا بيومين ونحن في حالة دهشة، ثم بدأنا ندفع بمصادرنا إلى وسائل الإعلام الأخرى: (ابحث في هذه القصة، فهي موجودة هنا). وعندما اتضح لنا أن إدواردز سوف ينكرها من خلال تعليقات مثل (هراء صحف التابلويد)، اجتمعنا مرة أخرى، حيث قلت: لم ينتهِ الأمر بعد».

وفي صيف 2008، نشرت «إنكوايرر» معلومات حول لقاء إدواردز بهانتر المولود في فندق «هيلتون» ببيفرلي. وعلى الفور، ذهب بعض الصحافيين بـ«إنكوايرر» للفندق ووجدوا غرفة محجوزة بالفعل للسيد هانتر (وكان الصحافيون في العادة يدفعون أموالا للعاملين بالاستقبال، ولكنهم هذه المرة كانت لديهم أوامر واضحة بعدم الاقتراب من الموظفين بالفندق الذي يشتهر بعلاقته الوثيقة بالمشاهير، لأن الموظفين قد يحذرون إدواردز).

وقد الصحافيون شاهدوا إدواردز وهو يدخل من باب جانبي، وبعد عدة ساعات، عندما كان يخرج من المصعد، باغتوه فتراجع واختبأ في أحد حمامات الرجال.

وفي 22 من يوليو (تموز) نشرت «إنكوايرر» موضوعا يقول إن إدواردز «ضُبط وهو يزور عشيقته وطفله غير الشرعي»، وفي عدد 18 أغسطس (آب) نشرت صورا له وهو يداعب المولود في الفندق.

وأخيرا، ذاع صيت القصة. وفي 8 أغسطس وعندما ظهرت النسخ الأولى من عدد «إنكوايرر» التي كانت تحمل الصور، ذهب إدواردز إلى «نايتلاين» كي يُقِرّ بالعلاقة وبأحداث فندق «هيلتون»، ثم أصدر تصريحا يتضمن ذلك المعنى في ذلك اليوم رغم أنه لن يقر بأبوته إلا بعد ذلك بشهور.

وفي خضمّ السباق الدائر حول المعلومات، ظلت «إنكوايرر» تتابع الموضوع، حيث كانت الأخبار التي تقدمت بها لـ«بوليتزر» من عام 2009 تتضمن أخبارا من اللجنة العليا للتحقيقات حول ما إذا كان إدواردز قد أساء استغلال تمويل الحملة كي يجري اختبار الحامض النووي لهانتر.

ومن جهة أخرى، يقول غيسلر إن لجنة «بوليتزر» كانت تتساءل إن كانت «إنكوايرر» توافق الشروط أو لا، لأنها كانت تطلق على نفسها في بعض الأحيان «مجلة» لا «صحيفة»، مؤكدا أن التساؤل حول أهليتها لم يكن له علاقة على الإطلاق بدفعها أموال للمصادر. ووفقا لما يقوله غيسلر، أثبتت «إنكوايرر» أنها صحيفة. ومن جهة أخرى، رفض غيسلر التعليق على فرصها في الفوز أو إذا ما كان الدفع للمصادر سوف يؤثر على الأمر أو لا.

فيقول: «إن الصحافة ذات الجودة العالية كانت دائمة هي السمة المميزة لجوائز (بوليتزر)، ونحن نترك الأمر لهيئة التحكيم كي تحدد أكثر أهم ثلاثة مقالات في كل فئة».

وحتى إذا لم تتمكن من الوصول إلى القائمة المختصرة لجائزة «بوليتزر»، فإن «إنكوايرر» أصبحت تحظى بترحيب حذر من الصحافة التقليدية. ولكن بالنسبة إلى ليفاين فإن تلك ليست هذه بأخبار طيبة. فيقول: «في المرة القادمة لن تنتظر وسائل الإعلام كما فعلوا هذه المرة، فسوف تتعامل مع الأخبار على نحو أسرع، وبالتالي فأنا لا أعتقد أنه ستسنح أمامنا فرصة قريبا كي نحصل على سبق بأنفسنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»