هل يتفرغ الصحافيون للكشف عن خبايا منافسيهم؟

لا يتطلب الأمر سوى إطلاق شائعة عبر الإنترنت لمعرفة ما يقوم به شخص آخر

TT

لطالما ركز المراسلون أنظارهم على أقرانهم المراسلين. بالنسبة للصحافي، الأمر الوحيد الأكثر إثارة عن ما تعكف على عمله هو ما يعكف منافسك على عمله. لكن ماذا إذا تحولت مراقبة منافسك إلى أن تكون هي كل عملك؟ بمرور الوقت، تزداد التقارير الصحافية التي تتناول الموضوعات الصحافية التي ربما يعكف عليها مراسلون آخرون. على صعيد شبكة الإنترنت، لا يتطلب الأمر سوى إطلاق شائعة، أو حتى شائعة بشأن وجود شائعة، وبمجرد الضغط على زر يمكنك الكشف عن العمل الذي يقوم به شخص آخر. بالنسبة للمراسلين العاملين، يمكن لهذه البيئة خلق شعور بأنهم يعملون في قلب صالة من المرايا. على امتداد الأسبوعين الماضيين، كانت «نيويورك تايمز» محط شائعات محتدمة حول تقرير تعكف على وضعه بشأن الحاكم ديفيد إيه. باترسون. على موقع «تويتر» الأسبوع الماضي، كانت هناك تلميحات إلى أن «بوليتيكو» على وشك التحول إلى مادة لمقال لـ«مجلة نيويورك تايمز» وأصدرت مذكرة لتفادي الأمر. وقبل أيام من نشر مجلة تصدر في نيويورك مقالا وضعه غابرييل شيرمان حول «نيوز كوربوريشن»، نشر موقع «غوكر» مادة توحي بأن مقال شيرمان «سيقضي على بعض من الصرح المنهار لإمبراطورية مردوخ». ولدى ظهور مقال «مجلة نيويورك تايمز»، لم يحقق أيا من هذا. إلا أن هذا لم يمنع ظهور موجة جديدة من التكهنات. باعتباري مراسلا صحافيا، لا أرمي بالطبع إلى القول إن نشاطات الصحافيين ينبغي إبقاؤها خارج دائرة التحقيق الصحافي المشروعة، لكن القلق يساورني إزاء الاحتياجات الإضافية الضرورية لضمان البقاء على شبكة الإنترنت - حيث يرغب الجميع في معرفة ما يدور على الساحة في لحظة معينة - ربما تعرض النشاط الصحافي الأطول أمدا للخطر، وهو نمط يتطلب مزيدا من الوقت وكثيرا من التقصي، وفي بعض الأحيان يصل بصاحبه إلى طريق مسدود. إلا أننا أصبحنا في عصر أصبحت طريقة صنع النقانق تكتسب أحيانا أهمية أكبر من النقانق ذاتها. عندما بعثت بملحوظة، الخميس، إلى جون كوك، محرر التحقيقات في «غوكر» الذي كتب مادة نشرت في الصفحة الرئيسية حول ما سيتضمنه وما لا سيتضمنه مقال «مجلة نيويورك تايمز»، أجاب بأنه يسعده الحديث معي، ثم أردف قائلا: «أنت تدرك أنك بذلك تستحثني لكتابة مقال حول الموضوع الذي تعكف على تناوله. أليس كذلك؟».

في الواقع، لم أكن مدركا تماما لذلك. لم أكن راغبا سوى في طرح بعض الأسئلة، لكنني وضعت هذه النقطة قيد الاعتبار. وقال كوك إن الكتابة حول مقال يخص «مجلة نيويورك تايمز» لم ينشر بعد يتوافق مع المعايير الصحافية للخبر المناسب، بالنظر إلى هوية الأشخاص المعنيين بالمقال. وأضاف: «تشتهر (مجلة نيويورك تايمز) بنشرها موضوعات قوية حول حيتان رجال الأعمال. والمؤكد أن مسألة أن غابرييل شيرمان كان يعكف على كتابة تحقيق يشعر مسؤولو (نيوز كوربوريشن) بالقلق حياله تشكل في حد ذاتها سببا وجيها كي يهتم (غوكر) بالموضوع. وكان المقال ورد الفعل عليه من القضايا الجديرة بالتغطية الصحافية». ولم يبد شيرمان مندهشا حيال الأمر، حيث أوضح أنه «من الحقائق القائمة في عالم الصحافة أن المدونات تنشر الأخبار فور وقوعها، وهناك مساحة ضخمة متوافرة على شبكة الإنترنت يجب أن تملأ بأخبار. وبالتالي، إذا أقدمت على الاتصال، في فترة معينة، بمصادر متنوعة ستذيع فكرة الموضوع الذي تعكف على تحضيره. إنني أنظر إلى هذا الأمر باعتباره حقيقة قائمة لا شك فيها». في هذه الحالة تحديدا، استفاد شيرمان والمجلة، لأن الخبر الذي نشره «غوكر» عزز من مشاعر ترقب المقال. إلا أنه مع صدور المقال بالفعل وعدم كشفه أي أسرار كبرى جعل المقال، على الرغم من جودته ومتانة أسلوبه، يبدو مثيرا لخيبة الأمل. لكن لم يكن بإمكان شيرمان التعمق في الأسف على ذلك، لأنه هو الذي أشار عبر موقع «تويتر» إلى المقال الذي يكتبه في «مجلة نيويورك تايمز» وتأثيره المحتمل. وأشار شيرمان إلى أنه سبقت له كتابة موضوعات عن «بوليتيكو» فيما مضى وأنه اعتبر «تويتر» «وسيطا يمكن التحادث من خلاله ومناسبا للغاية لتناول هذا الأمر». ومنذ أسابيع قليلة، كتب كرك هويت، محرر الشؤون العامة في «نيويورك تايمز»، يقول إن رسالة عبر «تويتر» من جون كوبلين، المراسل لدى «نيويورك أوبزرفر» الخاصة بـ«مفاجأة (نيويورك تايمز) المذهلة» حول باترسون ساعدت في تسليط الضوء على العاصفة المرتقبة. وقد يخلق هذا الأمر مناخا صعبا بالنسبة للمراسلين العاملين بناء على المعايير التقليدية للنشر. من جهتها، أعربت كارولين ريان، المحررة السياسية لدى «نيويورك تايمز»، في رسالة بعثت بها عبر البريد الإلكتروني عن اعتقادها بأنه «في بيئة تعج بالمدونين ومواقع الشائعات والقيل والقال والمعلقين الإعلاميين، عليك افتراض أن كل ما تفعله سعيا وراء تحقيق صحافي سيكشف عنه النقاب علنا وسيخضع لكثير من التمحيص والتعليق وربما يتحول إلى أحد أبعاد الموضوع الذي تكتبه». وأضافت: «الأمر أشبه بمباراة كرة يد كبرى يضع خلالها اللاعبون ميكروفونات صغيرة في ملابسهم، فحتى ما يبدو محادثات سرية بينك وبين مصادرك ربما تجري إذاعته على نطاق واسع». وتصاعدت مشاعر الترقب تجاه مقال «نيويورك تايمز» في ظل نفي الحاكم جميع الشائعات المحيطة به التي لم تكن جزءا من المقال الأخير. ونشرت «نيويورك بوست» مقالا يحمل صورته بعنوان «لم أمارس الجنس مع هذا المرأة».

وأثارت نبرة اللغة المستخدمة في العنوان الرئيسي في الأذهان واحدا من أوائل المقالات المشابهة، ففي 17 يناير (كانون الثاني) 1998، نشر «ذي دردج ريبورت» خبرا يوحي بأن «نيوزويك» على وشك نشر تحقيق صحافي حول فضيحة أخلاقية تتعلق بالرئيس. وبعد أربعة أيام، نشرت «واشنطن بوست»، المملوكة للشركة نفسها المالكة لـ«نيوزويك»، المقال الخاص بها حول الأمر. المؤكد أن العمل الصحافي الجيد يستغرق وقتا، وفي بعض الأحيان يستلزم قدرا من السرية، حتى في خضم عصر من الشفافية اللامتناهية. وعلينا أن نتذكر أن «ووتر غيت» لم تعد في البداية كونها قصة عادية حول حادث سطو حتى بدأ بوب وودورد وكارل برينستين في فك خيوط القصة واحدا تلو الآخر لتتكشف في النهاية فضيحة أسقطت رئيسا. ربما أصبح «تويتر» والمدونات جزءا من تطور أحداث قصة صحافية ما، لكن المحتمل أن الأنباء المحدثة باستمرار حول ما يعكف المراسلون على كتابته - أو نشر شائعات مضللة بشأن الأمر ذاته - قد تزيد شدة المعارضة وتدفع المصادر لوقف تعاونها وتقوض التحقيقات الصحافية، في بعض الأحيان. لقد تلقيت أول دروسي عن التعاون عام 2003، عندما اتصلت بالمدون آندرو سوليفان حول تحقيق صحافي كنت أقوم به مع عدد من مراسلي «واشنطن بوست» بشأن سلسلة من مأدبات الإفطار التي أقامها الرئيس جورج دبليو. بوش بغية حشد التأييد لغزو العراق. (واتضح لاحقا أن الأمر غير مثير، فقد سبق أن عقد بوش مأدبات إفطار قبل طرح فكرة الحرب بفترة طويلة). وقال سوليفان إنه لم يسبق له حضور مثل هذه المأدبات، وما كاد يضع سماعة الهاتف حتى شرع في الكتابة عما دار بيننا من حديث. وبعدما استشعرت أن الموضوع الذي أكتب عنه أصبح مكشوفا للجميع، اتصلت بسوليفان فأجابني: «مرحبا بك في العالم الجديد، ديفيد. لن نقف هنا مكتوفي الأيدي وننتظركم. إن بمقدورنا نشر الأخبار في لمح البصر».

* خدمة «نيويورك تايمز»