العراق: فوضى إعلامية يربكها التمويل وكثرة العطل الرسمية

100 فضائية و15 إذاعة و200 صحيفة ولدت فيه بعد أحداث 2003

عشرات القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية التي تملأ الفضاء العراقي بحاجة إلى قوانين تنظم عملها (أ.ف.ب)
TT

بعد مضي أكثر من سبع سنوات على تغيير النظام في العراق، أصبح العراق من أكثر البلدان العربية في عدد المؤسسات الإعلامية بأنواعها كافة، فهناك الفضائيات المستقلة والحزبية والإسلامية والتربوية وحتى الخدمية التابعة لمؤسسات الحكومة، وأيضا الإذاعات والصحف التي تجاوز عددها الـ200 مطبوع، بعضها دولي بطبعة عراقية وأخرى محلية تصدرها أحزاب ومنظمات إسلامية وأخرى مستقلة استثمارية، وهناك مطبوعات الحكومة.

وفي مجال المطبوعات لم تحاول أي جهة كانت سياسية أو دينية أو مستقلة المجازفة، حتى هذا اليوم، بإصدار طبعة يوم الجمعة أو أيام العطل بسبب التوزيع والطبع، والأغرب أن هذه المطبوعات تحجب عن الشارع في أيام المناسبات الدينية والاحتفالية، لا لعدم رغبتها في الصدور، وإنما بسبب المطابع التي تجبر على الإغلاق في هذه الأيام لعدم وجود الكادر الطباعي. وفي بلدان تعتمد النظام الحر أو السوق المفتوحة، الذي يتبناه العراق حاليا، تحسب هذه الدول ألف حساب لموضوع العطل أو الإغلاق لعطل معينة أو عدم العمل والإنتاج لأوقات معينة، لكن في العراق يختلف الأمر، فأصبح أمرا اعتياديا أن تغلق الأسواق والمعامل وحتى الدوائر لأيام عديدة بسبب الانتخابات أو المناسبات الدينية.

مصدر مخول في المركز الوطني للإعلام التابع لرئاسة الوزراء (طلب عدم الكشف عن اسمه) قال لـ«الشرق الأوسط» إن حجب الصدور يوم الجمعة وأيام العطل تعد ثقافة متوارثة منذ زمن الرئيس السابق صدام حسين، ولم تتمكن المؤسسات الإعلامية الحالية من كسر هذه الثقافة غير الحضارية، فالجميع يعلم أن أغلب البلدان العربية لديها صدور في هذه الأيام باستثناء العراق، مشيرا إلى أن السبب في ذلك هو ليس المؤسسات الإعلامية وحدها بل يتبع عمل (بورصة) الصحف، فهي التي تحدد أيام الصدور، فبدونها لا يكون هناك توزيع في ذلك اليوم، حتى وإن تجرأت صحيفة على الظهور، فهي ستخسر تكاليف الطبع ولن تشاهد المطبوع في الشارع.

وحول إحصائيات المؤسسات الإعلامية، قال المصدر «بعد سبع سنوات من التغيير ظهر في العراق الآن ما يقرب من 102 فضائية عراقية، النسبة الأغلب منها تبث من خارج العراق، وبعضها من الصعب تسميتها عراقية، فنحن لا نعلم أي جهة تقف وراءها، لكنها تبث باللهجة العراقية، وتتصدر نشراتها الشأن العراقي، وهنا نضعها مع الفضائيات العراقية، وهناك فضائيات إسلامية وسياسية وخبرية ورياضية وثقافية، أما عدد الإذاعات فما زال محدودا جدا ولا تتجاوز الـ15 إذاعة، أغلبها يبث من داخل العراق وتحديدا من شمال العراق، وأخيرا الصحف التي يصعب حتى الآن معرفة عددها، فبعضها يصدر بشكل أسبوعي، لكنه يعلن أنها يومية، وقد تصدر متى ما توفر التمويل، وأخرى تصدر مرتين وتختفي من الشارع، وهناك مطبوعات المحافظات والأحزاب والوزارات والمنظمات، لكنها بشكل عام كثيرة جدا، ومن المهم وجود إحصائية أو جهة تأخذ على عاتقها معرفة تفاصيل عن هذه المطبوعات».

أنس اللامي صاحب مطبعة (أنس) المختصة بطباعة وتوزيع الصحف المحلية قال لـ«الشرق الأوسط» حول تأثير أيام العطل على الطباعة والمطبوعات «لو احتسبنا عدد أيام العطل في العراق لوجدناها كثيرة جدا وخاصة إذ ما أضفنا يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، وأن حجب الإصدار يؤثر سلبا على مردود المؤسسة الإعلامية وكذلك المطابع، ففي بعض الأسابيع لا نصدر سوى يومين، لكني مضطر لدفع رواتب العمال والإيجارات وغيرها، أما صاحب الصحيفة فهو الآخر يعاني من قلة المردود، فأغلب المطبوعات متعاقدة مع جهات حكومية وغير حكومية وتجارية على نشر إعلانات، وهي المصدر الأكبر لتمويل المطبوعات وبقية المؤسسات الإعلامية، وهنا فإن أي يوم حجب يعني ضياع مبالغ مالية كبيرة جدا قد تصل باليوم الواحد لعدة ملايين».

وأضاف اللامي أن ما نسبته 40 في المائة من الصحف تابعة لجهات ممولة ذاتيا، أما الأخرى فهي إما حكومية أو حزبية أو دينية، أي إنها لا تتأثر كثيرا بالتمويل الإعلاني، لكنها أيضا بحاجة له لتسيير أعمالها وتأمين مرتبات موظفيها.

وبمقارنة الأيام الكرنفالية في زمن صدام عما هي عليه اليوم، لوجدنا أن المناسبات تضاعفت بشكل كبير لأسباب كثيرة من أهمها أن الحكومة أجبرت على إقرار مناسبات لجميع الطوائف والملل والأديان، فيما عملت الأحداث الكثيرة التي شهدتها هذه البقعة من العالم، على أن يكون هناك يوم لكل شيء.

والغريب أن العراقيين يعتمدون مختلف التواريخ لأيام مناسباتهم، فقسم يعتمد التقويم الهجري وآخر الميلادي وآخر الفارسي، مثل عطلة النوروز، وهذا نابع من أن العراق وقع تحت الاحتلال الطويل من قبل حضارات أخرى مثل الفارسية والعثمانية والإنجليز، فيما تعتمد الحكومة التاريخ الميلادي لتنظيم العطل والاحتفالات الرسمية، فيما تجد بعض المناسبات الدينية على وجه التحديد تستمر لأيام أكثر من بقية الدول الإسلامية بسبب اختلاف المذهبين السني والشيعي في تحديد موعد المناسبة، كعيد رمضان أو العيد الأضحى.

معنيون بالاقتصاد أكدوا أن هناك خسائر لا يمكن تخيلها بحسب وزارة التخطيط يخسرها العراق لكن لا توجد جهة أخذت على عاتقها احتساب هذه الخسائر كما تفعل دول أخرى. يذكر أن الحكومة العراقية سبق أن أقرت قانونا يتضمن العطل والأعياد الرسمية العراقية، وهدف القانون «إلى تنظيم العطل الرسمية وتحديد يوم للعيد الوطني للعراق وإبراز المناسبات الدينية والثقافية المرتبطة بمشاعر الشعب العراقي». ونص القانون على إلغاء بعض العطل السابقة، وأشار إلى أن مشروع القانون الجديد نص على أن تكون الأيام التالية عطلا رسمية (الجمعة والسبت من كل أسبوع، الأول من محرم الحرام (رأس السنة الهجرية)، العاشر من محرم الحرام (يوم عاشوراء)، الثاني عشر من ربيع الأول (المولد النبوي الشريف)، الخامس عشر من شعبان (يوم الانتفاضة الشعبانية)، الأول من شوال ولغاية الثالث منه (عيد الفطر المبارك)، العاشر من ذي الحجة ولغاية الثالث عشر منه (عيد الأضحى المبارك)، الأول من يناير (كانون الثاني) (رأس السنة الميلادية)، السادس من يناير (كانون الثاني) (عيد الجيش)، الحادي والعشرين من مارس (آذار) (عيد نوروز)، الأول من مايو (آيار) (عيد العمال العالمي)، الرابع عشر من يوليو (تموز) (إعلان تأسيس جمهورية العراق)، الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) (يوم الاستقلال – العيد الوطني لجمهورية العراق).

وبخصوص عيدي الفطر والأضحى نص مشروع القانون على أنه في حالة اختلاف ديواني الوقف الشيعي والسني في تحديد يومهما الأول يعد اليوم الأول الذي يحدده ديوان الوقف المختص عطلة رسمية تمتد إلى نهاية اليوم الأخير الذي يحدده ديوان الوقف الآخر على أن لا تزيد في جميع الأحوال على خمسة أيام، كما يخول مشروع القانون مجالس المحافظات التي تقع ضمنها المدن المقدسة (النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء) تحديد عطلة رسمية فيها قبل وبعد العطل الرسمية الدينية المذكورة أعلاه على أن لا تزيد على ثلاثة أيام.

وبخصوص المناسبات الدينية للمكونات غير المسلمة للشعب العراقي، فقد أبقى مشروع القانون على العطل المعتمدة حاليا باعتبار الأيام أدناه عطلا رسمية (إضافية) للطوائف الآتية المسيحية (الخامس والعشرين من ديسمبر (كانون الأول).. يوما العيد الكبير»، الطائفة الموسوية (.. يوم الكفارة.. يوما عيد الفصح.. يوما عيد المظلة)، طائفة الصابئة (.. الخامس والسادس من أبريل (نيسان)، عيد البنجة.. السابع والثامن من أغسطس (آب)، العيد الكبير.. الثالث والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني)، العيد الصغير يوم عيد وهنة لمافة»، أما الطائفة الايزيدية (.. يوم الجمعة الأول من شهر ديسمبر (كانون الأول).. يوم الأربعاء الأول من شهر أبريل (نيسان الشرقي).. الثالث والعشرين من سبتمبر (أيلول الشرقي) ولغاية الثلاثين منه.. الثامن عشر من يوليو (تموز الشرقي) ولغاية الحادي والعشرين منه.