مراسلو التلفزيون يؤدون كل المهن.. وقت الجفاف

رغم سلبيات وإيجابيات هذا الاتجاه.. فإنه يجد قبولا كبيرا في المحطات المحلية

يتعرض مراسلو القنوات التلفزيونية لضغوطات كثيرة تجبرهم على القيام بجميع الأعمال الخاصة بهم وبغيرهم («الشرق الأوسط»)
TT

أدار سكوت بروم، مراسل محطة «دبليو يو إس إيه»، حامل الكاميرا صوب الحائط الذي علقت عليه صناديق البريد الرمادية وضبط الكاميرا واتجه ليقف أمام الكاميرا لكي يقدم تقريره.

وقال، بينما كان مجموعة من عملاء مكتب بريد غاريت بارك يراقبونه وهو يضبط الكاميرا: «هنا تتجلى معاناة الخدمات البريدية في الولايات المتحدة». تناول المراسل قضية العجز المالي المتنامي الذي تعانيه مؤسسة البريد الأميركية التي تَقصّى عنها عبر حاسبه المحمول في سيارته ووضع طابع بريد على مظروف وقال: «أربعة وأربعون سنتا للطابع تعني أن هناك الكثير من الفرز واللصق».

دفع بروم بعد ذلك المظروف تجاه الكاميرا - وقام بتنظيف العدسات التي كان لا بد من إعادة ضبطها حتى يتمكن من مواصلة التصوير مرة أخرى. كانت تلك إحدى المخاطر المهنية لكونك صحافيا تمارس كل المهن، كأنك تغني بينما تلعب على لوحة المفاتيح أو الغيتار أو الدرامز.

في الوقت ذاته يقول بروم: «قد يكون صحافي واحد بكاميرا صغيرة أقل إثارة للفضول من فريق كامل من المصورين خلال إجراء مقابلة. وأنا أجد الأفراد أكثر رغبة في الحديث وتقديم المعلومات عندما يتحدثون مع شخص واحد».

ورغم سلبيات وإيجابيات هذا الاتجاه فإنه يجد قبولا كبيرا في التلفزيونات المحلية. وعندما أعلنت محطة «إيه بي سي» عن ترشيد كبير في النفقات يمكن أن يؤدي إلى فقد ما بين 300 و400 وظيفة - أي ما يعادل 25 في المائة من العمال بالشبكة - قال المديرون التنفيذيون في القناة إنهم يتوقعون من صحافييهم أن يعملوا مراسلين ومصورين ومنتجين لأعمالهم بالإضافة إلى الاعتماد على طاقم الأفلام. وقد بدأت كل الشبكات بما فيها «إيه بي سي» ممارسة هذه السياسة، بيد أنه في فترة تسريح العمالة وإغلاق المكاتب - لن يكون لدى «إيه بي سي» أي مكاتب خارج واشنطن - بات الأمر ضرورة.

يقول ألكسندر والاس نائب رئيس شبكة «إيه بي سي» التي بدأت التغيير قبل أربع سنوات: «لا يمكنني القول إن التكلفة كانت السبب الرئيس لكنه كانت العامل الدافع لذلك. فأحيانا تشعر بحالة من الحميمية مع كاميرا صغيرة أكثر من تلك التي تكون عليها مع الكاميرا الكبيرة المحمولة على كتف المصور. وأنا أعتبر كل العاملين هنا صحافيي ديجيتال».

من الناحية العملية وفرت الخطوة الجديدة على الشبكات الإعلامية والمحطات التلفزيونية استئجار أطقم تصوير أو إرسال فرق إخبارية طارئة من مراسلين ومصورين وأطقم فنية خاصة بالبث.

دائما ما يحمل ريتشارد إنغل كبير مراسلي الشؤون الخارجية في قناة «إن بي سي» كاميرته الرقمية التي يبلغ ثمنها 3.000 دولار معه أينما ذهب، فخلال مرافقة القوافل العسكرية غالبا ما ينفصل عن المصور المرافق له.

يقول إنغل: «من الناحية الإيجابية توفر لي الكاميرا عينين إضافيتين وتجعلني أحظى برؤية أوسع للميدان. أما مثالبها فهي أنني لست مصورا محترفا، فالمصور مدرب للقيام بذلك، ومن المفترض أن أقوم بما أستطيع القيام به، ولن أتمكن من القيام بالتصوير بنفس الجودة التي يقوم بها هو».

ويروي إنغل قصة حدثت له قبل عدة سنوات في العراق عندما كان يستقل عربة «هامفي» واصطدمت بقنبلة مزروعة على جانب الطريق. يقول: «عندما انقلبت العربة وامتلأت بالدخان التقطت الكاميرا ودرت بها في جميع الاتجاهات لأسجل ردود الفعل الأولية للجنود في العربة لنقل ما قد يكون انفجارا، ولحسن الحظ لم يصب أحد بسوء».

بالنسبة إلى والاس فإن الممارسة لها ميزة أخرى. يقول: «إذ ما استطعت أن تقوم بعملية التصوير والمونتاج للأفلام التي تصورها فبمقدورك أن تروي القصة من الزاوية التي تراها أنت».

ويرى آلان هورلك المدير العام لمحطة «ديو يو إس إيه» فوائد مشابهة فيقول: «إحدى الشكاوى التي نسمعها من غرفة تحرير الأخبار هي رداءة جودة الصور، لكننا نلحظ ارتفاعا في جودة المنتج وفريق العمل ينتج محتوى أكبر من المطلوب في كل نشرة إخبارية. وقد أجبرنا عالم الوسائط المتعددة الجديد على وضع استثمارات ضخمة في عملية التدريب. وسواء أكنا نتحدث عن محطة (ديو يو إس إيه) أو (واشنطن بوست) فإننا نتطلع إلى الاستخدام الأمثل لمواردنا».

بيد أن الكثير من المتمرسين في مجال الإعلام ينظرون إلى الخطوة على أنها نوع من التراجع في جودة العمل الإعلامي، فيقول غاري ريلز، الذي ترك منصبه في المحطة في عام 2008 لعدة أسباب كان من بينها التوقعات بتحويله للقيام بعمل الفريق الإخباري بمفرده مع خفض راتبه بمقدار 40 في المائة حيث أعادت القناة التاسعة - حيث كان يعمل - التفاوض مع النقابات للسماح للمراسلين بعمليات التصوير والمونتاج لأفلامهم. وقد أجبر غالبية المراسلين والمذيعين في المحطات المحلية على قبول خفض في الرواتب ما بين 5 و30 في المائة وربما أكثر.

يقول ريلز إنه تخصص في القصص الإخبارية الطويلة وهو أسلوب من التقرير الإخباري الذي أُهملَ ولم يعد أحد يهتم به كثيرا، إذ إن تقديم التقارير والكشف عن الحقائق والبحث يستلزم المزيد من الوقت. لكن جزءا من المشكلة داخل المحطات التلفزيونية المحلية والشبكات الإعلامية يكمن في أنها تبتعد عن الجوهر، فهم لا يغطون المجالس التشريعية في الولايات أو اجتماعات مجلس المدينة أو مجلس الولاية، بل يعمدون إلى الأخبار السريعة والسهلة».

لا يختلف بروم في هذه النقطة، فيقول: «إنك تحاول التقصي عن سياسيين فاسدين، وإذا ما كنت ملتزما بموعد زمني محدد وتقوم بعمليات القيادة والتصوير والمونتاج فربما لن تتمكن من القيام بالمكالمة الأخيرة التي تستطيع من خلالها تحقيق إنجاز كبير».

لكن بروم يستمتع بهذه المميزات، ويذكر عندما انتحر العالم الحكومي بروس إيفانز الذي اتُّهم في 2001 بهجمات الجمرة الخبيثة. ففي الوقت الذي أقامت فيه فرق المحطات التلفزيونية أمام حديقة إيفانز في فريديرك، طرق بروم الأبواب الأخرى بكاميرته المحمولة ووجد زميلا سابقا لإيفانز وحصل على بعض المواد التي لم يتمكن آخرون من الحصول عليها. وقد أعاد بروم، الذي عمل في مجال الأخبار على مدى 27 عاما، اكتشاف نفسه حيث تَخلّى عن رابطة العنف عندما انضم إلى محطة «غانيت» عام 2007. والآن يرتدي بروم سترة سوداء وقبعة القناة التاسعة ونادرا ما يتوجه إلى غرفة الأخبار، حيث يقوم بالتجوال في المنطقة في سيارته «هوندا» البيضاء ومعه حاسبه المحمول ولاسلكي شرطة وحامل كاميرا وكاميرا فيديو سوني «HVR-V1U».

كانت مهمة بروم يوم الثلاثاء الماضي تقتضي استطلاع آراء السكان المحليين تجاه التقارير بخسارة الخدمات البريدية 300 مليون دولار في الربع الأخير من العام الماضي. قام بروم باستطلاع مكاتب البريد الكثيرة في الولاية مستخدما محرك بحث «غوغل» واختار أحد مكاتب البريد الموجودة في مبنى بلدية مدينة غاريت بارك إلى جوار خط السكك الحديدية. وخلال القيادة اتصل بمسؤول الصحافة لطلب إذن بالتصوير داخل البناية التي تعمل مركزا اجتماعيا لأن المدينة لا يوجد بها خدمة توصيل إلى المنازل.

عند الساعة 11 صباحا قام بروم بتثبيت الكاميرا أمام المكتب، عندما كان روبرت كالفرت - 87 عاما - خارجا منه. وبعد تبادل التحية التقط بروم الميكروفون وأوقف كالفرت أمام الكاميرا. اتضح أن كالفرت كان يعمل ناشرا للكتب وكان واحدا من كبار مستخدمي منشأة غاريت بارك، وعندما انتهوا قام بروم بتصوير كالفرت وهو يتجه إلى سيارته.

بالداخل تحدث بروم مع تريسي ويتر التي كانت تقوم بإرسال طرد بريدي. كانت المحادثة هادئة حتى أخرج بروم جهاز «بلاكبيري» الحديث وسألها عما إذا كانت تملك واحدا. استخرجت ويتر جهاز «آي فون» الخاص بها وقالت إنها تقوم بكل ما تريد في بريدها الإلكتروني من هذا الجهاز. كانت كاميرا بروم مثبتة في الاتجاه الخطأ فتظاهر بأنه لم يسمع الإجابة واضطرها إلى إعادة العبارة مرة أخرى مع إضافة «أنا أحب مكتب البريد لأن جهاز (آي فون) غير قادر على إرسال الطرود».

قضى بروم 35 دقيقة في مكتب البريد وحصل على التضارب بين رجل يقول إنه يتذكر الطوابع فئة الـ20 سنتا ووالدة يكفيها هاتفها (آي فون) بطء البريد. وقد قام بمقابلة إضافية أخرى وكان لديه ما يكفي لتقريره الذي سيستغرق 90 ثانية.

لكن بروم لا يزال عليه تصوير بعض الأماكن الداخلية يركز على تفاصيل مثل المظاريف وميزان الطرود والموظف الذي يضع الملصقات على الطرود.. كل العناصر البصرية التي يحتاجها ستحتاج إلى تغطية قصته. من داخل سيارته «هوندا» يقوم بتحميل الفيديو الخام من أجل النسخة الأولى للتقرير الذي سيُعرَض على شبكة الإنترنت. يقول بروم: «إنها تمثل وجودا، لذا فهي قابلة للبحث. وقد عبّر بروم عن أمله في أن يعثر على موزع البريد لكن عددا آخر من الموضوعات شغله، فقد تعرضت صفحته على «فيس بوك» التي تحوي الكثير من التقارير للقرصنة وقضى غالبية اليوم يقوم بعملية المونتاج على الحاسب.

في الخامسة والنصف وضع بروم حاسبه المحمول على مؤخرة السيارة وأوصله بكاميرا وفحص أدوات الصوت والصورة وقام بتصوير حي من مكتب البريد عبر خدمة الفيديو «سكاي بي». ما إن أذيع التقرير بدا جيدا على الرغم من أن اللقطات الداخلية شاحبة إلى حد ما. وبدأ البث باللقطات السريعة من مقابلاته مع كالفرت وويتر كأمثلة على الاختلاف الحقيقي بين الأجيال.

وقبل عدة سنوات كان بمقدور بروم قضاء ساعات بعد الظهيرة في الإعداد للتقرير بينما يقوم باقي أعضاء الفريق بالتصوير والمونتاج والبث. فريق الرجل الواحد يكون أقل تكلفة وأسرع وأكثر فطنة، لكنه مع ذلك لا يستطيع أن يحدث أثرا عميقا كذلك الذي يحدثه الفريق الصحافي.

ويدرك بروم أن الشبكة العنكبوتية هي المستقبل، لكن حتى مع تقلص المشاهدين لا يزال التلفزيون مصدر ربح للقنوات المحلية والشبكات الإعلامية على السواء.

ويقول بورم: «أحيانا تشعر كأنك تركب ديناصورا وتتوجه صوب حفر من النار، لكن الديناصور لا يزال يجني لنا المال ولعل ذلك هو السبب وراء لجوئنا إلى العالم الرقمي دون التخلي عنه».

* يعمل كيرتز أيضا في شبكة «سي إن إن» ويقدم برنامجها الإعلامي الأسبوعي «مصادر موثوقة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»