«وول ستريت جورنال» تحاول اجتذاب القراء المحليين لـ«نيويورك تايمز»

عمدت إلى التحرك بعيدا عن دورها التقليدي كصحيفة تعنى بالنشاط التجاري

خطط من «وول ستريت جورنال» لاجتذاب القراء المحليين لـ«نيويورك تايمز» (نيويورك تايمز)
TT

ربما كانت الصحف في طور الاحتضار بالفعل، مثلما ظل بعض المحللين المعنيين بشؤون الإعلام يحذرون لعقود، لكن من الواضح أن هذا القول لا ينطبق على الحروب بين الصحف. الملاحظ في الوقت الراهن أن حربا بدأت تتضح معالمها بين «وول ستريت جورنال» و«نيويورك تايمز».

في محاولة لاجتذاب قطاع من جمهور قراء «نيويورك تايمز» وبعض من الجهات الإعلانية التي تتعامل معها من المعنية بسلع رفاهية، عمدت «وول ستريت جورنال» إلى التحرك بعيدا عن دورها التقليدي كصحيفة وطنية تعنى بالنشاط التجاري، من خلال إضافة صفحة رياضية يومية وإصدار مجلة، بهدف تعزيز نشاطاتها في تغطية الأنباء الجانبية والأخرى المرتبطة بواشنطن، وإحداث تحول في مزيج المقالات المنشورة في صفحتها الأولى.

حاليا، تعكف «وول ستريت جورنال»، التي أصبحت جزءا من «نيوز كوربوريشن» المملوكة لروبرت مردوخ، على أكبر وأجرأ خطوة للتحرك بعيدا عن جذورها، وهي خطوة بدأتها بافتتاح قسم جديد للأخبار المحلية يغطي نيويورك، وذلك بهدف الدخول في منافسة مباشرة مع «نيويورك تايمز» لاجتذاب القراء من أبناء المدينة الأثرياء وذوي الاهتمامات العامة والجهات الإعلانية رفيعة المستوى الساعية لاجتذاب انتباههم.

من المقرر أن يبدأ قسم الأخبار اليومية عمله في 12 أبريل (نيسان)، وسيغطي 12 صفحة، وسيجري تضمينه فقط في النسخ التي توزع داخل سوق نيويورك. وطبقا لصحافيين داخل الصحيفة، ستتضمن الصحيفة صفحة يومية تهتم بالعقارات، وأبوابا يومية منفصلة تعنى بالثقافة والنشاط التجاري والرياضية.

كما سيعمل مراسلون على تغطية الأنباء التقليدية المرتبطة بالعاصمة، بينها شؤون الحكومة، إلا أن مصادر من داخل الصحيفة أشارت إلى أن هذا القسم سيتبع سياسة انتقائية في تغطيته لمثل تلك القضايا.

الواضح أن هذه المبادرة لا ترمي لرفع معدلات التوزيع بقدر ما تسعى لاجتذاب شريحة كبيرة من الجهات الإعلانية المعنية بالمستهلكين - مثل المتاجر البارزة لبيع التجزئة وجهات تصنيع السلع الفاخرة وشركات بيع العقارات السكنية - التي فضلت في العادة «نيويورك تايمز».

أما الأمر الذي يثير حيرة بعض المحللين ومسؤولين تنفيذيين في صناعة الصحف - بينهم البعض من داخل «نيوز كوربوريشن» - أنه لا تبدو أي من هذه التغييرات منطقية كخطوة تجارية لتعزيز وضع «وول ستريت جورنال»، خصوصا في وقت تناضل فيه الصحف للمرور عبر فترة من الانحسار المالي طويل الأمد. وتؤكد هذه المصادر أنه بالنسبة لمردوخ، رئيس الشركة والرئيس التنفيذي لها، لا يشكل الربح المالي بالضرورة الأولوية الأولى. من وجهة نظر مردوخ، يشبه عمل الصحف رياضات الصيد الدموية.

جدير بالذكر أن مردوخ له تاريخ طويل في السعي وراء المنافسين على نحو عدواني ومعلن للفوز بالقراء والجهات الإعلانية، بناء على وجهة نظره بأنه حال فوزه بحصة من السوق - حتى وإن كان ذلك يعني تكبد خسائر فادحة لبعض الوقت - يصبح في مقدوره تقييد المنافسة.

وقد ترتبت على هذه السياسة نتائج مختلطة بين النجاح والفشل. على سبيل المثال، أنفق مردوخ أموالا ضخمة لتعزيز «نيويورك بوست»، التي قدرت خسائرها بـ70 مليون دولار سنويا، على قيد الحياة، في خضم حملة لسحق منافستها بمجال صحف «التابلويد»، «ديلي نيوز».

المؤكد أنه خلال المناقشات التخطيطية التي جرت داخل «نيوز كوربوريشن» حول قسم الأنباء المحلية في نيويورك، لم يتركز الحديث على المكاسب التي ستجنيها «وول ستريت جورنال» من وراء القسم بقدر ما اهتم بـ«قتل (نيويورك تايمز)»، طبقا لما ذكره الكثير من الأشخاص ممن لهم معرفة مباشرة بالاستعدادات الجارية، وطلبوا عدم الإفصاح عن هويتهم لمناقشتهم أمورا من المفترض أنها سرية. وعلق أحدهم بالقول: «هذا ليس قرارا اقتصاديا».

وأشار مسؤول تنفيذي سابق في «داو جونز»، وهي وحدة تتبع «نيوز كوربوريشن»، وتضم «وول ستريت جورنال»، إلى أن «هؤلاء المسؤولين من المعتقد أن بإمكانهم الاستحواذ على ما بين 10 في المائة و20 في المائة من إعلانات بيع التجزئة المحلية. هذا ليس كافيا لقتل (نيويورك تايمز)، لكن في ظل الظروف الراهنة، كل نسبة ضئيلة تخسرها الصحيفة ستخلف ألما شديدا بها».

في المقابل، قال سكوت هيكين كاندي، الرئيس والمدير الإداري لـ«نيويورك تايمز»، إن خطة «وول ستريت جورنال» «تشكل إلى حد ما مصدر ضغط على المدى القصير» على المبيعات الإعلانية لـ«نيويورك تايمز»، لكنها لا ترقى إلى مستوى التهديد طويل الأمد.

من ناحية أخرى، أعربت أودري سيغيل، رئيسة «تارغيتكاست تسم» (TargetCast tcm)، وهي وكالة إعلامية مقرها مانهاتن، عن اعتقادها بأنه من غير المحتمل أن تخسر «نيويورك تايمز» جزءا كبيرا من إعلاناتها، إلا أنها قد تجد نفسها مضطرة إلى عرض خصومات وحوافز أخرى. وأردفت أنه «بالنسبة للجهات الإعلانية الراغبة في تجريب هذا الأمر، ينبغي أن يوفروا المال من جوانب أخرى، وتتمثل الضحايا الأولى لذلك في (نيويورك تايمز) وقنوات الراديو المحلية والكيبل».

وقد رفضت الكثير من كبريات متاجر بيع التجزئة التعليق على قسم أنباء نيويورك الذي تنوي «وول ستريت جورنال» إقراره، لكن ماري إلين كيتنغ، المتحدثة الرسمية باسم «بارنيز آند نوبل»، قالت: «يمكننا الانتظار حتى نرى مستوى أداء هذه الأداة الإعلامية أو أي أداة أخرى، ثم ندرس ما الذي يناسب احتياجاتنا».

من جانبها، لم تنفِ «نيوز كوربوريشن» التقارير الواردة بشأن توجيهها استثمارات بقيمة 15 مليون دولار سنويا لقسم نيويورك الجديد، الذي سيبدأ العمل بـ35 شخصا، من داخل صالة تحرير تَسَع أكثر من 750 فردا. ويعد بعض هؤلاء العاملين من الموظفين الذين عينتهم الشركة حديثا، لكنّ آخرين جرى نقلهم من أقسام أخرى داخل «وول ستريت جورنال». وقد عمل الكثير من الموظفين الجدد، بما في ذلك محرر القسم، جون سيلي، في «نيويورك صن» من قبل، وهي صحيفة من القطع الكبير كان مردوخ قد أعجب بها وأغلقت أبوابها عام 2008.

من جهته، أكد بيل كيلر، رئيس التحرير التنفيذي، أن «نيويورك تايمز»، التي تضم صالة التحرير بها أكثر من 1100 عامل، تنظر دوما إلى المنافسة بجدية، لكن «عندما تعتمد على فريق عمل قوي ينتمي إلى المدينة، بجانب مراسلين مكلفين بتغطية الشؤون الثقافية والرياضية والعقارية والغذائية والتجارية، فهذا يعني أننا نملك تفوقا كبيرا على أصعدة المواهب والخبرة والحجم». واستطرد قائلا إن «نيويورك تايمز» «ستضيف عناصر جديدة تهتم بعطلة نهاية الأسبوع في أعدادها الصادرة أيام الخميس والجمعة».

على الجانب الآخر، يؤكد المسؤولون التنفيذيون في «نيوز كوربوريشن» أن القسم الجديد في «وول ستريت جورنال» لا يعدو مجرد خطوة أولى، في خضم خطة أكبر للتوسع تقترب تكلفتها من 30 مليون دولار، ترمي بأكملها إلى منافسة «نيويورك تايمز». ولم يفصح هؤلاء المسؤولون عن معلومات مفصلة حول المبادرات التي لم يعلن عنها بعد، لكنها ترمي في مجملها إلى منح الجهات الإعلانية ما تفضله، وهو القدرة على اجتذاب مزيد من القارئات ومزيد من المشتركين الذين يجري توصيل الصحيفة إلى منازلهم.

الملاحظ أن أعداد قراء «وول ستريت جورنال» من الرجال تفوق القارئات بفارق ضخم، وينظر الكثيرون منهم إلى الصحيفة كأداة تجارية من الأنسب قراءتها في العمل وليس المنزل. جدير بالذكر أن جهودا تجري قبل شراء مردوخ الصحيفة عام 2007 بأمد بعيد لجذب مزيد من النساء لقراءة الصحيفة والاشتراك في خدمة التوصيل إلى المنزل، وذلك عبر إضافة عناصر مثل قسمي «الصحيفة الشخصية» و«صحيفة نهاية الأسبوع»، وعدد السبت.

من ناحيته لم يخفِ مردوخ عند شرائه الصحيفة نيته الإسراع من وتيرة هذه الجهود والتركيز على منافسة «نيويورك تايمز» على وجه التحديد. ويأتي قرار استحداث قسم نيويورك خطوة في هذا الاتجاه.

في رد فعلها، شرعت «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي في حملة دعائية في المنشورات التجارية ومواقعها على شبكة الإنترنت، ترمي لتذكير الجهات التي تشتري الإعلانات أنها تصل إلى جمهور أوسع نطاقا بكثير داخل سوق نيويورك عن «وول ستريت جورنال»، حتى بين المعنيين بالنشاط التجاري والقراء الميسورين.

تشير الأرقام إلى أن قرابة 1.7 مليون فرد يقرأون نسخة مطبوعة من «نيويورك تايمز» في أيام الأسبوع ما عدا السبت والأحد داخل سوق نيويورك، مقارنة بـ«وول ستريت جورنال» التي يقل توزيعها عن 800.000 نسخة، ولا يشمل ذلك الإنجازات الكبرى التي تحققها «نيويورك تايمز» في ما يتعلق بالقراء عبر شبكة الإنترنت وقراء النسخ المطبوعة في عطلة نهاية الأسبوع.

يذكر أن «وول ستريت جورنال» نشرت إعلانات خاصة بها، تقارن خلالها بين جهودها التوسعية الجارية وإجراءات التقليص التي اتخذتها «نيويورك تايمز» مؤخرا.

المعروف أن الأداء المالي للصحيفتين لا يعلن عنه، لكن سارة إليسون، مراسلة «وول ستريت جورنال»، تشير في كتاب سيصدر قريبا في الأسواق إلى أن الصحيفة فقدت 80 مليون دولار خلال السنة المالية المنتهية في 30 يونيو (حزيران) الماضي، وهو رقم أكدته مصادر مطلعة. من ناحية أخرى، فإن «نيويورك تايمز ميديا غروب»، التي تشكل صحيفة «نيويورك تايمز» النصيب الأكبر منها، حققت أرباح تشغيل بلغت 21.2 مليون دولار عام 2009.

في المتوسط خلال أحد أيام الأسبوع ما عدا يومي عطلة نهاية الأسبوع، تبيع «وول ستريت جورنال» أكثر من ضعف النسخ التي تبيعها «نيويورك تايمز» على مستوى البلاد، حيث تبيع ما يزيد قليلا على مليوني نسخة مقابل 900.000 نسخة تقريبا. بينما يبلغ معدل بيع «نيويورك تايمز» أيام الأحد، الذي لا تصدر فيه «وول ستريت جورنال»، 1.4 مليون نسخة.

علاوة على المعركة الإعلانية بين الصحيفتين، تحاول الصحيفتان المملوكتان لمردوخ واللتان تتخذان من نيويورك مقرا لهما، «وول ستري جورنال» الجادة، و«التابلويد» المشاكسة «نيويورك بوست»، بذل جهود كبرى للربط بين مبيعاتهما الإعلانية، رغم اختلاف طبيعة جمهور القراء بين الاثنتين. في الواقع أشارت الجهات الإعلانية إلى تلقيها عروضا بخصومات كبيرة بالنسبة لنشر إعلانات في «نيويورك بوست» إذا ما اشترت مساحات إعلانية في «وول ستريت جورنال».

تتمثل أحد العناصر المهمة في خطط «وول ستريت جورنال» في بول في. كارلوتشي، ناشر «نيويورك بوست» ورئيس وحدة أخرى من «نيوز كوربوريشن»، «نيوز أميركا ماركتنغ». يعمد كارلوتشي إلى البقاء بعيدا عن الأضواء، وهو أحد الأتباع المخلصين لمردوخ، ويشتهر بمهارته في عالم بيع الإعلانات. ورغم أنه ليس لديه دور رسمي في «داو جونز»، غالبا ما يستشيره المسؤولون هناك، بل ويرفعون تقارير إليه.

في إطار الكثير من القضايا القانونية، اتهمت شركات أخرى «نيوز أميركا ماركتنغ» باتباع ممارسات تجارية ظالمة. وأنهت «نيوز كوربوريشن» إحدى القضايا العام الماضي بشرائها شركة منافسة كانت قد رفعت ضدها دعوى قانونية، ودفعت هذا العام 500 مليون دولار لتسوية مجموعة من القضايا.

وأشار أحد المسؤولين التنفيذيين داخل «نيوز كوربوريشن» عمل مع كارلوتشي إلى أنه «ليست هناك خسائر وراء الأخطاء التي تحدث حال اتباع سياسية قوية».

إلا أن هناك شكوكا واسعة النطاق حول مدى حكمة محاولات تحويل «وول ستريت جورنال» إلى صحيفة تخدم الاهتمامات العامة للقراء بمدينة نيويورك. على سبيل المثال، كتب آلان دي. متر، المحلل المعني بشؤون الإعلام، في مدونته مؤخرا أنه «ليست هناك ميزة تجارية حقيقية يمكن الحصول عليها» من وراء هذه المغامرة، مما يجعل من هذه الجهود «مجرد مغامرة أنانية باهظة التكلفة للإضرار بـ(نيويورك تايمز) في وقت تعاني فيه من مشكلات».

من ناحيتها، قالت لورين ريتش فاين، المحللة المعنية بشؤون الإرهاب التي تكتب لحساب «paidcontent.org»، إن القسم الإخباري الجديد يبدو منطقيا فقط على المدى الطويل، لكن فقط في حالة تعزيز مبيعات الإعلانات وانحسار «نيويورك تايمز»، وهي مراهنة مزدوجة.

المعروف تاريخيا أن الكثير من القراء بمختلف أرجاء البلاد حرصوا على شراء «وول ستريت جورنال» وصحيفة أخرى محلية، لكنّ المحللين يتوقعون أنه مع تحول القراء إلى شبكة الإنترنت ستتضاءل أعداد القراء الراغبين في شراء صحيفتين. من خلال إضافة بعض الأنباء غير التجارية، يأمل مردوخ في أن تصبح «وول ستريت جورنال» الصحيفة اليومية الوحيدة التي يشتريها المزيد والمزيد من أبناء نيويورك، إلا أن خبراء يحذرون من أن هذا الأمر قد يتحقق فقط على حساب «نيويورك بوست» التي يملكها مردوخ.

من جهتهم، قال المسؤولون التنفيذيون في «نيوز كوربوريشن» إن توقعاتهم تكشف أن قسم أخبار نيويورك لن يعطي سوى دفعة صغيرة لمعدلات توزيع «وول ستريت جورنال».

في هذا الصدد، علق تونكو فاراداراجان، بروفسور إدارة الأعمال بجامعة نيويورك تايمز، الذي يكتب لحساب مدونة «ديلي بيست»، وسبق أن عمل مساعد رئيس التحرير الإداري لـ«وول ستريت جورنال»، بقوله: «سيتطلب الأمر كثيرا من التغييرات في (وول ستريت جورنال) كي تتمكن من جذب القارئ العادي لـ(نيويورك تايمز). ولا يزال المبرر وراء هذه الخطوة غير واضح أمامي».

* خدمة «نيويورك تايمز»