الشبكات الإخبارية عند مفترق الطرق

تواجه صعوبة في الاستمرار في خططها المالية الحالية

الأزمة المالية العالمية تلقي بظلالها على الشبكات الإخبارية (نيويورك تايمز)
TT

لم تخف شبكة «إيه بي سي» الإخبارية الأسباب التي تكمن خلف التخفيضات الحادة التي قامت بها للعاملين لديها، إنها غريزة البقاء الأساسية. فمن جهته، قال دايفيد وستين، رئيس شبكة «إيه بي سي» الإخبارية، لتوضيح ملابسات القرار الذي صدر الأسبوع الماضي بتسريح 400 من العاملين في الشبكة خلال الشهور المقبلة، وهو ما يوازي ربع الفريق الإخباري في الشبكة: «لقد كنت أفكر في أوضاع الشبكة بعد خمس سنوات من الآن، وانتابني الخوف من ألا نستطيع الاستمرار فيما نقوم به الآن».

وربما يكون الدافع نفسه هو ما يقف وراء التخفيضات التي قامت بها منافسات شبكة «إيه بي سي». فعلى سبيل المثال، قلصت شبكة «إن بي سي» – شبكة واحدة لديها قناة إخبارية كبلية «إم إس إن بي سي» - من عملياتها إلى حد كبير خلال السنوات القليلة الماضية، كذلك كان حال شبكة «سي بي إس»، التي كانت تواجه خسائر مالية، والتي كانت قد سرحت 70 موظفا لديها خلال العام الحالي.

ولكن في ظل توافر المصادر الإخبارية أكثر من أي وقت مضى، سواء من خلال القنوات الكبلية أو المواقع الإلكترونية، وفي ظل العائدات التي يعترض طريقها الاعتماد على أرباح الإعلانات المتقلصة، فإن مستقبل الأقسام الإخبارية بشبكات «إيه بي سي»، و«سي بي إس» غير مطمئن إلى حد كبير. ومن جهته، يقول مايكل ناثانسون، المحلل الصناعي بـ«سانفورد سي بيرنستاين كومباني»: «على المدى البعيد، سوف تواجه تلك الشبكات صعوبة متزايدة في الاستمرار وفق خططها المالية الحالية؛ باستثناء شبكة (إن بي سي) لأنها تستطيع تقليص التكلفة التي تنفقها على (إم إس إن بي سي)».

وتماثل المشكلات الاقتصادية التي تواجه شبكة «إيه بي سي» الإخبارية، و«شبكة سي بي إس» الإخبارية في كثير من جوانبها المشكلات التي تواجه الصحافة المطبوعة، والتي عانت من انخفاض عائدات الإعلانات. ويبدو أن رد الفعل – التخفيض الحاد للعمالة، وغيرها من التكلفة - كان متشابها كذلك.

ولكن هل بإمكانك تقليص السبيل الوحيد أمامك للازدهار مرة أخرى؟ يقول أندرو هيوارد، الرئيس السابق لشبكة «سي بي إس» الإخبارية، الذي يعمل حاليا مستشارا إعلاميا، بشأن تخفيضات «إيه بي سي»: «إن جوهر القضية يتعلق بالعناصر التي يمكنها تحفيز النمو، وكيف يمكنك تحقيق المزيد من الأرباح، وتلك الإجراءات لا تقدم حلا لتلك المشكلات».

ويبدو أن الإجابة البسيطة تكمن في بنية شبكة «إن بي سي» لأنها، وعلى نقيض منافسيها، تمر بفترة ازدهار؛ حيث تحقق ما يقدر بنحو 400 مليون من الأرباح سنويا.

فيقول ستيف كابوس، رئيس شبكة «إن بي سي» الإخبارية: «نحن في الحقيقة نعتقد أن لدينا نموذجا مختلفا تماما». وهو نموذج يحقق لنا الريادة في كل المنافسات المهمة المتعلقة بمعدلات المشاهدة، ولكنه يعتمد على عائدات «إم إس إن بي سي» من الإعلانات، بالإضافة إلى أجور الاشتراك في القنوات الكبلية لدعم التكلفة العالية لجمع الأخبار.

وتحيي فعالية تلك المعادلة مرة أخرى التوقعات بالتزاوج المحتمل بين المؤسسة الإخبارية الكبلية «سي بي إس»، و«إيه بي سي». والشريك الواضح هو شبكة «سي إن إن»، وكانت الشبكتان قد دخلتا في مفاوضات بالفعل من قبل. وحتى الآن، كانت الاختلافات الثقافية عصية على الحل. فيبدو أن شبكة «سي إن إن» - التي قالت إن العام الفائت كان أكثر أعوامها إدرارا للربح منذ تأسيسها في عام 1980 - ليست لديها دوافع قوية تجعلها تهرع لمساعدة الشبكة. كما لا ترغب كلا الشبكتين في السيطرة التحريرية على شبكة «سي إن إن». فمن جهته يقول هوارد «لو كان ذلك سهلا أو بديهيا لكان قد تم من قبل».

ولكن أحد المديرين التنفيذيين بالشبكة منذ مدة طويلة، الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته نظرا لصلته بالمفاوضات السابقة المتعلقة بشبكة «سي إن إن»، يقول إن كلا من شبكة «إيه بي سي»، و«سي بي إس» كان من المرجح أن تدخل في شراكة مع شريك مثل «سي إن إن» خلال السنوات القليلة القادمة.

وحتى ويستن الذي قال إنه لم يكن يرى الفائدة التي سوف تعود من التقارب مع شبكة «سي إن إن» استدرك قائلا: «بصفة عامة وفي مجال الأعمال، فعندما يكون هناك انخفاض حقيقي، من المرجح أن تحدث عمليات الدمج».

وتبدو معالم عمليات الدمج واضحة بالفعل؛ فقد بدأ بالفعل كثير من نجوم شبكة «سي إن إن» المشاركة في برنامج «60 دقيقة» على شبكة «سي بي إس».

ومن جهة أخرى، فقد تحدث التنفيذيون بشبكة «سي بي إس»، القلقون بشأن اقتراب انتهاء عقد كاتي كوريك، الذي سوف ينتهي بعد ما يقارب العام إلى أندرسون كوبر بشبكة «سي إن إن» بشأن وظيفة «المعلق»، وذلك وفقا لاثنين من المخضرمين في العمل التلفزيوني والمطلعين على اللقاء.

وخلال الشهور القليلة الماضية، ظهرت عدة تقارير إخبارية من شبكة «إيه بي سي» على القناة الاقتصادية لـ«بلومبرغ»، وقد اشتركت كلتا المؤسستين في تعيين شخص واحد على الأقل، وفقا لاثنين من الأعضاء طلبا عدم ذكر أسمائهما لأنهما غير مخولين بالحديث عن الموضوع. كما أنهما وصفا ذلك التعاون بين «إيه بي سي» و«بلومبرغ»، الذي وصفه أحد الأشخاص بأنه عبث، بأنه ربما يكون إرهاصا لاتفاقية موسعة لجمع الأخبار المشترك.

ومن جهة أخرى، قالت المتحدثة الرسمية باسم «بلومبرغ» إن الشركة كانت أحد عملاء شركة الخدمات التابعة لشبكة «إيه بي سي»، ولكنها رفضت التعليق على المباحثات بين الشركتين بشأن شراكة أوسع، فيما قال المتحدث باسم شبكة «إيه بي سي» إن المستوى الحالي من التعاون مع «بلومبرغ» ليس بالأمر الاستثنائي.

وذلك لأن الشبكات الإخبارية كانت دائما تمثل جوهرة التاج بالنسبة لشركاتها الأم، حيث تمنحها مكانة متميزة وتضفي حول تقديمها للخدمات العامة هالة براقة، بالإضافة إلى أنها تعد درعا ضد تدخل الحكومة. وقد وصف هيوارد نشرة الأخبار المسائية بالشبكة بأنها: «مركز للتغطية الإخبارية الجادة، في وقت أصبح فيه قطاع كبير من البث التلفزيوني يتسم بالتغطية المبتذلة والمختزلة».

وعلى الرغم من أن معدلات المشاهدة ما زالت مستمرة في الانخفاض حتى إنها وصلت إلى 22 مليونا في عام 2009 بعد ما كانت تصل إلى 50 مليون في 1980، فما زال حجم جمهور النشرات الإخبارية يفوق أي برامج أخرى على القنوات الإخبارية الكبلية.

وخلال السنوات الخمس الماضية، شهدت أيضا البرامج الصباحية، التي كانت قبل ذلك تحقق نسب مشاهدة مرتفعة، انخفاضا ملحوظا، وذلك وفقا لما قاله توم روزنستيال مدير «مشروع التفوق الصحافي» الذي أضاف: «إن الأزمة التي تواجهها النشرات الإخبارية ليست مفاجئة، بل إنها حدثت عبر تراكم مطرد».

وقد أشار استقصاء أصدره «مركز بو للأبحاث» خلال العام الماضي إلى أن ثلاثة أرباع الذين شاركوا في الاستقصاء كانوا يعتقدون أن إلغاء النشرات الإخبارية سوف يمثل «خسارة كبرى» بالنسبة إلى الأمة. وقال روزنستيال: «لا يرغب أي من رؤساء هذه الأقسام الإخبارية في أن يصبح أول من يقضي على النشرات المسائية».

على أي حال، يرجع القرار في النهاية إلى الشركات الأم لتلك الشبكات. فيقول التنفيذيون من شبكات «سي بي إس»، و«إيه بي سي» إن كبار التنفيذيين بالشركات ما زالوا يؤيدون بوضوح استمرار الأقسام الإخبارية.

ومن جهة أخرى، كانت شبكة «إيه بي سي» تفحص في نهاية الأسبوع الماضي خطط الدمج. وما زال لدى موظفيها المؤهلين فرصة حتى 26 مارس (آذار) كي يقرروا إذا ما كانوا سوف يغادرون أم لا. وإذا لم تستطع «إيه بي سي» تحقيق هدفها فسوف تضطر لتخفيض العمالة.

ويقول ويستن إن شبكة «إيه بي سي» لم يعد بإمكانها أن تتحمل عدد العاملين لديها على مستوى العالم، الذي يبلغ 1500، بالإضافة إلى المكاتب في المدن الأجنبية والمحلية، بالإضافة إلى قوى العمل التقليدية المتعلقة بالنشرات الإخبارية، مثل المصورين، ومهندسي الصوت، والمحررين، وبالطبع المراسلين الذين يحصل بعضهم على مرتبات سخية.

وهو ما أدى إلى تزايد أعداد الصحافيين الذين يؤدون كثيرا من المهام؛ أي يتعاملون بأنفسهم مع الكاميرات، والميكروفونات والإضاءة، بالإضافة إلى إعداد أسئلة الحوارات التي سوف يطرحونها في البرنامج. بالإضافة إلى أنه من المقرر أن يتم إنجاز المزيد من العمل الإنتاجي بعيدا عن نيويورك. فيقول أحد العاملين بشبكة «إيه بي سي»: إن «أكثر العاملين المعرضين للتسريح هم العاملون الذين يضطلعون بمهمة واحدة». ويقول ويستن إن المواهب غير الضرورية وذات الأجور المرتفعة سوف تصبح من الأنواع المهددة بالإقصاء. فيقول: «لقد كان هناك أشخاص في النشرات الإخبارية (ناجحون للغاية) لا يجيدون الكتابة. وبالتالي، فسوف يتزايد اعتمادنا بلا شك على صحافيينا».

ويقول ويستن إنه لا يعتقد أن التخفيضات سوف تؤثر على العمل الصحافي بشبكة «إيه بي سي»، ولكن لا يتفق الجميع معه في هذا الصدد. فيقول أحد التنفيذيين المخضرمين بالعمل الإخباري بشبكة «إيه بي سي»: «من الواضح أن الرسالة هي: إنه ليس مهما أن نقدم أي شيء جديد. فيجب علينا ببساطة أن نجد طريقة ننتج من خلالها ما نقدمه بتكلفة أقل».

وبالمثل، تحاول شبكة «سي بي إس» أن تقوم بالشيء نفسه بتكلفة أقل. وفي حوار بعد التسريحات التي قامت بها في بداية فبراير (شباط)، قال رئيس الشبكة شان ماكمانوس إن المنظمة كانت تبذل قصارى جهدها كي «تستفيد من السبل الأكثر فعالية».

وفي الوقت نفسه، فإن شبكة «إن بي سي» الإخبارية ما تزال موضع حسد في ذلك المجال، نظرا للقرار الذي اتخذته في عام 1996 بإنشاء شبكة إخبارية كبلية جديدة.

فيبلغ إجمالي قوة العمل بشبكة «إن بي سي» الإخبارية - والتي تشتمل على «إم إس إن بي سي» - نحو 1100، وهو الحجم الذي تطمح شبكة «إيه بي سي» في أن تصل إليه. ويعتقد أن شبكة «سي بي إس» لديها عدد أقل من 1400 من العاملين.

وحتى الآن، تمثل عائدات شبكة الإنترنت مجرد جزء ضئيل من صافي دخل الشبكات الإخبارية، رغم أن ويستن قال إن الدخل الرقمي لشبكة «إيه بي سي» كان «يرتفع بمعدلات متزايدة».

ولكن إذا لم تكن العائدات الرقمية توازن خسائر الإعلانات، فإن هوارد يعتقد أن تلك الشبكات يمكن أن تنجو من الأزمة إذا ما وجدت طريقة تستطيع من خلالها الاستمرار في تقديم الأخبار. مضيفا: «يجب القيام بالمزيد من الاستثمارات لتقديم عمل متفرد»؛ وهو ما يعني تقديم المزيد من التقارير الاقتصادية، وعدد أقل من التغطيات المتضاربة مع الأخبار التي تغطيها الشبكات الكبلية. ولكنه توقع أن تستمر الشبكات في ذلك، حتى وإن كان ذلك لأنهم فقط لا يرغبون في ترك الفرصة لمنافسيهم كي يفوزوا. فيقول هوارد: «أشبه ذلك الوضع أحيانا بثلاثة رجال معا في قارب تتسرب إليه المياه. يرى كل واحد منهم جزيرة تلوح في الأفق فيبدأ في التفكير: ربما يجب علي أن أقفز وأحاول الوصول إلى تلك الجزيرة؛ ولكنني إذا غرقت، سوف أجعل القارب أخف وبالتالي سوف يتمكن الآخرون من النجاة». وأعتقد أن الجميع سوف يستمرون، لأنهم يعتقدون إنهم إذا ما توقفوا فسوف يقدمون بذلك طوق النجاة للآخرين.

* خدمة «نيويورك تايمز»